Translate

الأحد، 7 أغسطس 2022

هل شكرت الله علي نعمه و كتاب إغاثة الملهوف ازهري محمد أحمد

 

هل شكرت الله علي نعمه
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى أسبغ النِّعم الكثيرة. وأعطى العطايا الغزيرة.. والصلاة والسلام على النبي الطاهر، وآله وأصحابه أكرم ناصر. وبعد:

إليك يا من أظلتك السماء بنجومها.. وأقلتك الأرض؛ فرتعت على ظهرها وأديمها! شربت من مائها.. وأكلت من زرعها.. سخِّرت لك الأنعام.. وذللت لك الأرض،ومخرت في لجج البحار! فأخرجت منها لحمًا طريًا.. وحلية تتزين بها!

نِعمٌ دارَّة.. وعطايا نازلة! لا يحصيها العدُّ.. ولا يحبط بها العلم!

يا ابن آدم! هل تذكرت يومًا صاحب هذه النِّعم؟!

هل لهج لسانكَ بشكر رب تلك النعم؟!

أخي المسلم: نِعَمُ الله تعالى عليك كثيرة.. فهل شكرت الله تعالى عليها؟!

حاسب نفسك.. واسألها: هل أنت من الشاكرين؟! كم من نعمة عليك في صباحك ومسائك؟! وكأنها تناديك: هل أديت شكري؟!

}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ{ [البقرة: 172].

}وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{ [النحل: 14].

}وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{ [النحل: 78].

}وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{ [القصص: 73].

}أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ{ [يس: 71-73].

فعجبًا لمن رتع في نعم الله تعالى؛ ونسي أن يذكرها! نسي أن هذه النعم من الوهَّاب الذي بيده خزائن كل شيء!

عن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز قال: «ما قلّب عمر بن عبد العزيز بصره إلى نعمة أنعم الله عز وجل بها عليه؛ إلا قال: اللهم إني أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفرًا، أو أكفرها بعد معرفتها، أو أنساها فلا أثني بها».

وعن ابن أبي الحواري قال: «جلس فضيل بن عياض وسفيان بن عيينة ليلة إلى الصباح يتذكران النعمّ! فجعل سفيان يقول: أنعم الله علينا في كذا، أنعم الله علينا في كذا، فعل بنا كذا، فعل بنا كذا».

هكذا كان الصالحون يتذكَّرون نعم الله تعالى عليهم.. ويظل ذلك دائمًا حديث نفوسهم؛ فلا يغيب عنهم لطف الله تعالى بهم.. وإفضاله عليهم.

قال ابن المنكدر لأبي حازم: «ما أكثر من يلقاني فيدعو لي بالخير، ما أعرفهم، وما صنعت إليهم خيرًا قط!» فقال له أبو حازم: «لا تظنَّ أنَّ ذلك من قبلك، ولكن انظر إلي الذي جاءك ذاك من قبله فاشكره».

ما أروع أولئك الرجال! الذين ما غاب عنهم مراقبة آلاء من لا زال متفضِّلاً عليهم بدقائق النعمَ!

فهنيئًا لقلب وقف عند النظر إلى جلائل إحسانه؛ فأقر بالنعمة لخالقه تبارك وتعالى؛ فاشتغل بشكره.. ولهج بالثناء عليه.. فأين أنت أخي المسلم من قافلة الشاكرين؟!

فإيَّاك أن تكون بعيدًا عنها! وإلاَّ وجدت نفسك في طريق آخر.. ولعله طريق أهل الكفران بالنعمة!

ولا تظنَّ أن نعم الله تعالى لا تتجاوز مأكلك ومشربك وملبسك!

فإن من ظنَّ ذلك فهو جاهل.. غافل!

قال الحسن البصري: «من لا يرى لله عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب أو لباس، فقد قصر علمه، وحضر عذابه!».

جاء رجل إلى يونس بن عبيد، يشكو ضيق حاله.

فقال له يونس: أيسرك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم؟

قال: لا! قال: فبيدك مائة ألف؟!

قال الرجل: لا!

قال: فبرجليك؟!

قال الرجل: لا! قال: فذكَّر نعم الله عزَّ وجلَّ.

فقال يونس: أرى عندك مئين الألوف، وأنت تشكو الحاجة؟!

أخي المسلم: هذا هو طرف من نعم الله تعالى على خلقه نبَّه إليها هذا الإمام هذا الرجل الذي جاءه يشكو إليه الحاجة، وقد غاب عنه ما هو فيه من النعمة!

وهذا حال الكثيرين ممن قصر فهمهم عند إدراك حقيقة نِعَم الله تعالى..

وافهم أيها العاقل؛ أن من أعظم نعم الله عليك: الهداية إلى دين الإسلام.. والثبات على التوحيد.

جاء عن مجاهد في قوله تعالى: }وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً{.

قال: لا إله إلا الله..

وقال سفيان بن عيينة: «ما أنعم الله عز وجل على العباد نعمة أفضل من أن عرَّفهم أن لا إله إلا الله.. قال: وإن لا إله إلا الله لهم في الآخرة كالماء في الدنيا».

وقال بكر بن عبد الله المزني: «من كان مسلمًا، وبدنه في عافية؛ فقد اجتمع علبه سيد نعيم الدنيا، وسيد نعيم الآخرة! لأن سيد نعيم الدنيا هو العافية، وسيد نعيم الآخرة هو الإسلام».

ودخل رجل على سهل بن عبد الله، فقال: «اللص دخل داري وأخذ متاعي.

فقال: اشكر الله، فلو دخل اللص قلبك – وهو الشيطان – وأفسد عليك التوحيد، ماذا كنت تصنع؟!».

أخي المسلم: تلك هي نعمة الإسلام أعظم وأغلى نعمة نعمت بها.. فهل شكرت الله تعالى عليها؟!

هل تذكَّرْتَ عظم هذه النعمة؟!

كم هم مساكين أولئك الذين وقفت عقولهم عند نعمة الأكل والشرب، ولم تتذكر هذه النعمة العظيمة!

 

قال ابن القيم: «شكر العامة على المطعم والملبس وقوت الأبدان، وشكر الخاصة على التوحيد والإيمان وقوت القلوب».

أخي المسلم: إذا كنت من الشاكرين لله تعالى على نعمه فأنت على خير عظيم.. وإن الهداية إلى الشكر نعمة تستحق الشكر!

قال رسول الله r: «ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها؛ إلاَّ كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة...» [رواه الطبراني وغيره/ صحيح الجامع: 5562].

قال ابن القيم: «يقال: الشكر على الشكر أتمُّ من الشكر؛ وذلك لأن ترى شكرك بتوفيقه، وذلك التوفيق من أجلِّ النِّعم عليك؛ تشكر على النعم، ثم تشكره على الشكر».

وجاء عن بكر بن عبد الله المزني أنه قال: «ما قال عبد قط: الحمد لله؛ إلا وجبت عليه نعمة بقوله: «الحمد لله!» قلت: فما جزاء تلك النعم؟ قال: «جزاؤها أن يقول: الحمد لله، فجاءت نعمة أخرى، فلا تنفد نعم الله عز وجل!».

فلتحاسب نفسك.. هل أنت من الشاكرين؟!

وإذا كنت منهم.. هل أنت من الشاكرين على نعمة الشكر؟!

ثم: هل حاسبت نفسك على إحاطة نعم الله بك من كل ناحية؟!

وها أنت غاد ورائح في نعم الله تعالى.. وكل ذلك يدعوك إل الشكر والثناء على الوهاب تبارك وتعالى..

قال رسول الله r: «إنَّ الله ليرضى عن العبد أن يأكلَ الأكلَة فيحمده عليها، أو يشرب الشَرْبَة فيحمدَهُ عليها» [رواه مسلم].

وقال رسول الله r: «الطاعم الشاكر؛ له مثل أجر الصائم الصابر» [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والدارمي/ صحيح ابن ماجه للألباني: 1440].

أخي المسلم: تذكر دائمًا أنك راتع في نعم الله تعالى.. فلا تستحقرنَّ نعمة من نعمه.. فكم من نعمة يضيق العلم عن معرفة قدرها وعظمها! ولا تفهمن أن النعمة أن تكون كثير المال.. واسع الثراء.. غارقًا في أنواع اللذات.. بل إن نعم الله تعالى عليك؛ فيها ما هو أعظم من ذلك وإن كنت قليل المال..

قال رسول الله r: «من أصبح منكم آمنًا في سريه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنَّما حيزَتْ له الدنيا بحذافيرها!» [رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي وابن ماجه وغيرهم/ صحيح الجامع: 6042].

وعن مكحول: «أنه سئل عن قوله تعالى: }ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ{ قال: بارد الشراب، وظل المساكن، وشِبْع البطون، واعتدال الخَلْقِ، ولذَّة النَّوم».

وقال يونس بن عبيد: «قال رجل لأبي تميمة: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بين نعمتين لا أدري أيتهما أفصل! ذنوب سترها الله فلا يستطيع أن يُعيِّرني بها أحد، ومودَّة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملي؟!».

فكما ترى أن العارفين فهموا حقيقة النعم، وأنها لا يشترط فيها أن تكون في بعض الأمور الظاهرة كما يفهم ذلك البعض!

فكم من صاحب نعمة؛ كثير المال، عريض الثراء؛ لم يستفد من ذلك؛ بسبب أمراض لزمته، أو هلع حلَّ به؛ فتراه غير متمتع بطيب الطعام، ولا هانئ بلذيذ المنام! كثير الشكوى! قليل الشكر!

وكم من فقير.. مُعْدَم.. لا يملك قوت يومه.. ولكنَّه معافًى في جسده.. ضاحكًا.. مسرورًا.. لا يحمل هم قوت غده.. شاكرًا ربه تعالى..

فأين هذا من ذاك؟!

قال الحسن البصري: «الخير الذي لا شرَّ فيه العافية مع الشكر، فكم من منعم عليه غير شاكر!».

أخي المسلم: اجعل الشكر من ديدنك، وأنت تطالع نعم الله عليك..

ولتعلم أن الشكر الصادق ما صدقَتْهُ الأعمال؛ فليس شاكرًا لله من شكره بلسانه، وعصاه بجوارحه..

فأين أنت من شكر الجوارح؟!

عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: «الشكر: العمل، لقوله تعالى: }اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا{ يعني: اعملوا عملاً تؤدون به شكرًا».

وقال نصر بن محمد السمرقندي: «ويقال: الشكر على وجهين: شكر عام، وشكر خاص. فأما الشكر العام فهو: الحمد باللسان، وأن يعترف بالنعمة من الله تعالى، وأما الشكر الخاص: فالحمد باللسان، والمعرفة بالقلب، والخدمة بالأركان، وحفظ اللسان وسائر الجوارح عمَّا لا يحل».

فيا من رتعت في نعم الله تعالى؛ إن من لوازم ذلك أن تحب واهب هذه النعم، وتقوم بحق طاعته تبارك وتعالى.. لتكون بذلك مؤديًا حقَّ شكره..

 

ولكن كم هو عجيب أن ترى بعض أولئك الغافلين؛ الذين استعانوا بنعم الله على معصيته! فصار حالهم كعبد أعطاه سيده مالاً، وأنعم عليه بخير عظيم، فجعل العبد هذا المال عُدَّة له في أذى سيده ومعاداته!

قال رجل لأبي حازم: ما شكر العينين يا أبا حازم؟

قال: إن رأيت بهما خيرًا أعلنته، وإن رأيت بهما شرًا سترته.

قال: فما شكر الأذنين؟

قال: إن سمعت بهما خيرًا وعيته، وإن سمعت بهما شرًا أخفيته.

قال: ما شكر اليدين؟

قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقًا لله هو فيهما.

قال: ما شكر البطن؟

قال: أن يكون أسفله طعامًا، وأعلاه علمًا.

قال: ما شكر الفرج؟

قال: كما قال الله تبارك وتعالى: }إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ{ إلى قوله: }فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ{ [المؤمنون: 7].

قال: فما شكر الرجلين؟

قال: إن رأيت حيًا غبطته؛ استعملتَ بهما عمله، وإن رأيت ميتًا مقته؛ كفقتهما عن عمله، وأنت شاكر لله.

وأما من شكر بلسانه، ولم يشكر بجميع أعضائه؛ فمثله كمثل رجل له كساء، فأخذ بطرفه ولم يلبسه، فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر!».

 

أخي المسلم: إن شكر النعم أمان للنعم من الزوال.. وقيد لها من الفرار.. كما أن كفران النعمة سبب في زوالها!

قال الحسن البصري: «إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يُشكر عليها؛ قلبها عذابًا! ولهذا كانوا يسمون الشكر الحافظ؛ لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب؛ لأنه يجلب النعم المفقودة».

وقال عمر بن عبد العزيز: «قيِّدوا نعم الله عز وجل بالشكر لله تعالى».

وقال بعض السلف: «النعم وحشية؛ فقيدوها بالشكر».

ومن شكر النعمة؛ التحدث بها؛ وفي ذلك لفت للسامع إلى نعم الله تعالى..

قال النبي r: «التحدُّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل؛ لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس؛ لا يشكر الله، والجماعة بركة، والفرقة عذاب» [رواه البيهقي في الشعب/ صحيح الجامع: 3014].

وأيضًا أخي المسلم إن شكر النعمة مربوط بالزيادة؛ فمن شكر الله تعالى على نعمه؛ زاده.. والزيادة من الله تعالى؛ زيادة من الغني.. مالك كل شيء!

قال الله تعالى: }وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{ [إبراهيم: 7].

قال علي t لرجل من أهل همدان: «إنَّ النعمة موصولة بالشكر، والشكر متعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله عز وجل؛ حتى ينقطع الشكر من العبد».

 

أخي المسلم: تلك هي أهم معالم شكر الله تعالى، وإن الموفق من وُفِّق إليها.. وكان من أهلها..

فحاسب نفسك: أين أنت من مرتبة الشكر؟! وما هو حظك من هذه البضاعة الغالية؟!

فلتراقب نعم الله تعالى وهي تَرِدُ إليك بعين الشكر.. ولا تستعملنَّ نعمه في معصيته تبارك وتعالى..

واسأل الله تعالى الإعانة على شكره.. عسى أن تكون من الشاكرين..

والحمد لله تعالى.. والصلاة والسلام على النَّبي وآله وصحبه..=

إغاثة الملهوف ازهري محمد أحمد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى ذو الجلال والإكرام.. مانح المواهب العظام.. والصلاة والسلام على النبي سيد الأنام.. وعلى آله وأصحابه وتابعيهم على التمام.. وبعد:

أخي المسلم: إن للمكارم أبوابًا لا يلجها إلا أولئك الموفقون.. الذين فعل المحاسن عندهم ألذ من الماء البارد! وعكس هؤلاء؛ أولئك الذين فعل المكارم عندهم؛ كنقل جبل من مكانه!!

فهنيئًا لأولئك الذين ارتفعت هممهم.. حتى غدا فعل الجميل عندهم من أكبر الأشغال! فاكتسبوا بذلك رضا الله تعالى، وحسن الخلق..

فيا طالب الخيرات.. ويا ملتمس المنازل الساميات.. هلا وقفت معي عبر هذه الصفحات عند هذا الخلق الفريد؟!

إنه: (إغاثة المهلوف)  و (إنعاش المكروب) و (إغاثة أهل الحاجات).


** الفرصة الغالية! **

أخي المسلم: ما إن يطلع فجر اليوم الجديد حتى تجتمع تلك الأفكار: كيف سيكون رزق هذا اليوم؟!

ما هو نصيبي في يومي هذا؟!

لا شك أن الناس يتفاوتون في تحصيل أرزاقهم.. فبينما تجد هذا يكدح، ويكد يومه كله؛ فتجده لا يحصل إلا ما يسد رمقه!

وتجد آخر: قليل الكد، ومع هذا يفيض ما يجده عن حاجته بقليل..

ونجد آخر: ساكنًا.. لا يكد، ولا يسيل له عرق؛ ومع هذا تجده غارقًا في الرزق الوفير! فسبحان الله مقسم الأرزاق!

فكم له من حكمة في ذلك؛ لا يدرك حقيقتها هذا الإنسان.. الضعيف.. العجول..

أخي المسلم: تصور نفسك محتاجًا.. ضعيفًا.. مهمومًا.. فأتاك من سد حاجتك، وأذهب ضعفك، وأدخل السرور في قلبك؛ فقل لي: كيف ستكون منزلته عندك؟!

جواب يعرفه كل عاقل!

أخي المسلم: أولئك هم الذين أسعدهم الله تعالى بقضاء حاجات العباد.. وإغاثة ملهوفهم.. والإحسان إلى ضعيفهم..

فما أغلاها من فرصة.. وما أعلاها من درجة.. وما أسعدهم ببشارة نبيهم r: «أحب الأعمال إلى الله عز وجل؛ سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعًا، أو تقضي عنه دينًا». [رواه أبو الشيخ في الثواب/ صحيح الترغيب للألباني: 955].

وما أروع الحسن البصري رحمه الله، يوم أن قال: (لأن أقضى حاجة لأخي أحب إلي من عبادة سنة!).

ولم أر كالمعروف أما مذاقه

 

فحلو وأما وجهه فجميل

وقال جعفر الصادق رحمه الله: (إن الله خلق خلقًا من رحمته برحمته لرحمته؛ وهم الذين يقضون حوائج الناس، فمن استطاع منكم أن يكون منهم فليكن).

أخي المسلم: لقد كان الصالحون من هذه الأمة؛ إذا وجدوا فرصة لنفع الخلق، وإغاثة ملهوفهم؛ فرحوا بذلك فرحًا شديدًا.. وعدوا ذلك من أفضل أيامهم!

فلله درهمّ! كم شيدوا من مكارم.. وكم بذلوا من معروف..

* كان سفيان الثوري رحمه الله، ينشرح إذا رأى سائلاً على بابه! ويقول: (مرحبًا بمن جاء يغسل ذنوبي!).

* وكان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: (نعم السائلون، يحملون أزوادنا إلى الآخرة بغير أجرة! حتى يضعوها في الميزان).

أخي المسلم: كيف تجد قلبك إذا سألك سائل.. أو قرع بابك ملهوف؟!

ثم أخي هل فكرت يومًأ وأنت تتناول غداءك.. أو تشرب ماء باردًا.. أو تتقلب في وثير فراشك.. هل فكرت – أصلحك الله – في جوعى لا يجدون غذاءً مثل غذائك؟! أو ظمأى لا يجدون ماء باردًا مثل مائك؟! أو مشردين لا يجدون فراشًا وثيرًا مثل فراشك؟!

فكم من عبد بسط الله له في رزقه.. ولكن المسكين نسي جوع الجائعين.. وآلام المشردين.. وجزع الثكالى المحرومين.. وأنين الضعفاء المضرورين.. وبكاء اليتامى الخائفين..

اقض الحوائج ما استطعت

 

وكن لهمِّ أخيك فارج

فلخير أيام الفتى

 

يوم قضى فيه الحوائج

 


** إلى من أراد الأمن غدًا!! **

أخي المسلم: هل تدري منزلة أولئك الذين يعينون الضعفاء غدًا؟!

هل تدري ما وعدهم الله تعالى على لسان نبيه r؟! فلتستمع إلى هذه البشارة!

قال رسول الله r: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه...» [رواه مسلم].

أخي المسلم: أرأيت إلى تلك البشارات المتتالية؟!

فما أحوجك غدًا إلى تفريج الكربات!

وما أحوجك غدًا إلى الأمن من الفزع الأكبر!

يوم لا ظل فيه إلا ما قدمته في دنياك من صالح الأعمال!

يوم لا أمن فيه؛ إلا لمن أمنه الله تعالى!

يوم يفر المرء فيه من أهله وعشيرته!

يوم لا ينفع فيه مال ولا جاه!

في ذلك اليوم ترى أهل البر والإحسان، في ظل ظليل.. وأمن.. وحبور..

فما أسعدهم من بين أهل الموقف.. وما أربح سعيهم في ذلك اليوم!

قال رسول الله r: «من سرَّه أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فلييسر على معسر، أو ليضع عنه» [رواه الطبراني في الكبير/ صحيح الترغيب للألباني: 912].

وقال النبي r: «إن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام» [رواه ابن حبان/ صحيح الترغيب للألباني: 618].

فأين أنت أخي المسلم غدًا من ذلك الثواب العظيم؟!

فهل يعجزك يا طالب الحسنات؛ أن تعين محتاجًا.. أو تغيث ملهوفًا؟!

هل يعجزك أن تمسح دمعة محزون بلقمة أو ثوب تقدمهما له؟!

أخي: أما سمعت بقصة ذلك الرجل؛ الذي كان يخفف ويتجاوز عمن اقترض منه؟!

أتدري كيف كانت نهاية قصته؟! فلتسمع القصة من أصدق صادق!

قال رسول الله r: «كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه، لعل الله يتجاوز عنا، فلقي الله؛ فتجاوز عنه» [رواه البخاري ومسلم] وفي رواية للبخاري: «فأدخله الله الجنة!».

فتأمل – هداني الله وإياك – كيف نال هذا الرجل؛ ذاك الثواب العظيم، مع قلة عمله!

أخي: أتذكر كم من المرات تجاوزت فيها عن معسر؟! أو كم من المرات أدخلت فيها السرور على قلب مدين لك؛ قائلاً: لقد عفوت لك ديني!

أخي المسلم: هذا باب من الخير من أعانه الله عليه؛ فقد أراد به كل خير.. فاسع أن تكون من أهله.. وما ذلك بصعب على راغب في الخير!

قال رسول الله r: «من سر أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة؛ فلينفس عن معسر، أو يضع عنه» [رواه مسلم].

وأخرى أيضًا بشر بها النبي r أولئك الذين يتسامحون في أخذ ديونهم..

قال رسول الله r: «من نفس عن غريمه، أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة» [رواه البغوي في شرح السنة/ صحيح الترغيب للألباني: 911].

أخي المسلم: كم هو جميل بالمسلم أن يدخل السرور في قلب أخيه؛ فيفرج عنه كربة.. أو يسد له حاجة.. أو يضع عنه دينًا، أو يعفو له عنه..

قال علي بن عبد الله بن عباس: (إن اصطناع المعروف قربة إلى الله، وحظ في قلوب العباد، وشكر باق).

وقال الزهيري: (من زرع معروفًا حصد خيرًا، ومن زرع شرًا حصد ندامة).

وقالوا: (حصاد من يزرع المعروف في الدنيا اغتباط في الآخرة).

أخي المسلم: فلتعلم أن أهل الإحسان، وإغاثة الملهوف؛ هم الناجون غدًا.. الآمنون من روعات الفزع الأكبر.

وما هذه الأيام إلا معارة

 

 

 

 

فما اسطعت من معروفها فتزود

فإنك لا تدري بأية بلدة

 

 

 

 

تموت ولا ما يُحدث الله في غد






 


** هكذا تكون إغاثة الملهوف! **

أخي المسلم: فلتعلم أن أرفع الناس درجة في إغاثة المحتاجين، هو: من تفقد أخاه المحتاج قبل أن يأتيه فيسأله؛ فعلى المسلم أن يتفقد حال إخوانه وجيرانه؛ ولا يكون مثل ذلك الغافل؛ الذي بات شبعان وجاره جائع!

بل إن المسلم الصادق يتفقد حال إخوانه المسلمين أينما كانوا؛ فيتألم لألمهم.. ويحزن لحزنهم.. فتجده مسارعًا إلى إعانتهم.. وتفريج كرباتهم..

وتأمل في هذه القصة؛ والتي تخبرك عن همة الصادقين في إغاثة الملهوفين..

أتى رجل صديقًا له فدق عليه الباب، فخرج الصديق، وقال له: ما جاء بك؟

قال: علي أربعمائة درهم دين.

فوزن له صديقه أربعمائة درهم، وأعطاه إياها، ثم عاد وهو يبكي!

فقالت له امرأته: لم أعطيته إذ شق عليك؟!

فقال: إنما أبكي لأني لم أتفقد حاله حتى احتاج إلى مفاتحتي!!

فأين أنت أخي من هذه الأخلاق السامية؟!

فكم في مجتمعنا من أولئك المحتاجين الذين لا يسألون الناس، ولا يمدون أيديهم؛ عفة.. وحياءً..

فحري بأمثال هؤلاء أن يتفقدهم الناس.. ويكفونهم ذل السؤال..

وما أحسن ما قاله معمر رحمه الله: (من أقبح المعروف أن تحوج السائل إلى أن يسأل وهو خجل منك، فلا يجئ معروفك قدر ما قاسى من الحياء، وكان الأولى أن تتفقد حال أخيك وترسل إليه ما يحتاج، ولا تحوجه إلى السؤال).

ثم أخي هل تعلم أن من عباد الله من حبب إليه تفريج الكربات؛ حتى يرى أن من سأله حاجة؛ فكأنما هو المحسن إليه!

لأن صاحب الحاجة؛ سبب في جلب الأجر والثواب إليك.. فهو محسن إليك من حيث لا تشعر!

عن الفضيل بن عياض، قال: ذكروا أن رجلاً أتى رجلاً في حاجة له، فقال: خصصتني بحاجتك؛ جزاك الله خيرًا، وشكر له!.

وقيل لأبي عقيل البليغ: كيف رأيت مروان بن الحكم عند طلب الحاجة إليه؟ قال: رأيت رغبته في الإنعام فوق رغبته في الشكر! وحاجته إلى قضاء الحاجة أشد من حاجة صاحب الحاجة!.

أخي المسلم: فليكن عونك للمحتاجين؛ غايتك منه: طلب ثواب الله تعالى.. والإحسان إلى أخيك المسلم.. وتفرج كربته..

ولا تجعل همك: حب الشهرة.. أو طلب الشكر، وذكر الناس..

وإذا أقدمت على فعل المعروف بهذه النية؛ رأيت الثمرات الطيبة لإحسانك في الدنيا قبل الآخرة..

وإذا كان يوم القيامة؛ فما أعده الله تعالى من الثواب لأهل الإحسان أعظم..


** كلمات أهديها إلى كل صاحب مال **

إلى كل صاحب مال يرجو أن ينتفع بماله يوم لا ينفع مال ولا بنون!

إلى كل صاحب مال يريد الربح الباقي الدائم!

إلى كل صاحب مال يريد البضاعة التي لا تخسر!

إلى كل صاحب مال يحب أن يضع ماله في مكان أمين.. حريز لا تصل إليه الأيدي!

إلى كل صاحب مال يحب أن يكون ماله غدًا حجابًا له من النار!

إلى كل صاحب مال يحب أن لا يكون ماله غدًا حسرةً عليه!

إليك أهدي هذه الكلمات:

* فلتتق الله تعالى في مالك، ولتعلم أن هذا المال أمانة عندك؛ فإن قمت بحقه بورك لك فيه، وإلا محقت بركته، وكان وبالاً عليك يوم القيامة!

* ولتعلم أخي أن المال بلاء، وامتحان، حتى يرى الله تعالى أين تضعه؟ فلا يرين الله منك إلا ما يرضيه.

* إذا أديت زكاة مالك؛ فتلؤدها وأنت طيب النفس راضيًا.

* حاول أخي أن تعود نفسك كثرة الإنفاق والتصدق.. فإنك إن فعلت ذلك؛ فقد قدمت مالك أمامك في دار ستسر غدًا بها إذا رأيت ربح ذلك..

* أخي: إذا دخلت قبرك فلن يتبعك إلا صالح عملك.. فهل يسرك أن تأتي ربك تعالى خالي اليدين، وكان بإمكانك أن تقدم صالحًا؟!

* المال ظل زائل.. فحاول أن تجعل منه ظلاً دائمًا في يوم لا يظلك إلا عملك!

* ولتعلم أن فضل المال؛ إنما يكون إذا بذلته في وجوه الخير.. وأنفقته في الطاعات..

* أخي: لا تكن عبدًا خادمًا للمال.. ولكن اجعل المال عبدك.. وخادمك فيما تريده..

وأخيرًا أخي: حاول أن تضع أموالك دائمًا، فيما يعود نفعه على الضعفاء والمحتاجين.. ولتتحر في ذلك؛ حتى يصل مالك إلى مستحقيه..

أخي المسلم: إغاثة الملهوفين وظيفة كل مسلم؛ يبذل فيها ما يستطيع، وليس ذلك خاصًا بالأغنياء وحدهم؛ فالمسلم يحسن إلى أخيه بما يستطيعه، ولو بالكلمة الطيبة..

ووفقني الله وإخوتي المسلمين إلى سبل مرضاته.. وأعانني وإياهم على طاعاته.. وأقر أعيننا بنعيم جناته..

والحمد لله تعالى.. والصلاة والسلام على النبي وآله وصحبه..

*     *     *

 

 

 

 

 

 

* * * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اندكس

تاريخ الفلسفة اليونانية (1936)/تصدير كتاب الدليل الصادق علي وجود الخالق وبطلان مذهب الف ... الفلسفة الإسلامية فلسفة العلوم الدليل...