ج3. كتاب
: السيرة النبوية لابن هشام
المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري
قِصّةُ
اسْتِمَاعِ قُرَيْشٍ إلَى قِرَاءَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
[ أَبُو سُفْيَانَ وَأَبُو جَهْلٍ وَالْأَخْنَسُ
وَحَدِيثُ اسْتِمَاعِهِمْ لِلرّسُولِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ
، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ
الثّقَفِيّ ، حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْتَمِعُوا مِنْ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُصَلّي مِنْ اللّيْلِ فِي
بَيْتِهِ فَأَخَذَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا يَسْتَمِعُ فِيهِ وَكُلّ لَا
يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتّى إذَا طَلَعَ
الْفَجْرُ تَفَرّقُوا . فَجَمَعَهُمْ الطّرِيقُ فَتَلَاوَمُوا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضِ لَا تَعُودُوا ، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي
نَفْسِهِ شَيْئًا ، ثُمّ انْصَرَفُوا . حَتّى إذَا كَانَتْ اللّيْلَةُ الثّانِيَةُ
عَادَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إلَى مَجْلِسِهِ فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتّى
إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرّقُوا ، فَجَمَعَهُمْ الطّرِيقُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضِ مِثْلَ مَا قَالُوا أَوّلَ مَرّةٍ ثُمّ انْصَرَفُوا . حَتّى إذَا كَانَتْ
اللّيْلَةُ الثّالِثَةُ أَخَذَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسَهُ فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ
لَهُ حَتّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرّقُوا ، فَجَمَعَهُمْ الطّرِيقُ فَقَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ لَا نَبْرَحُ حَتّى نَتَعَاهَدَ أَلَا نَعُودَ فَتَعَاهَدُوا
عَلَى ذَلِكَ ثُمّ تَفَرّقُوا .
[ ذَهَابُ الْأَخْنَسِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ يَسْأَلُهُ عَنْ مَعْنَى مَا
سَمِعَ ]
فَلَمّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ أَخَذَ
عَصَاهُ ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ
أَخْبِرْنِي يَا أَبَا حَنْظَلَةَ عَنْ رَأْيِك فِيمَا سَمِعْت مِنْ مُحَمّدٍ ؟
فَقَالَ يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْت أَشْيَاءَ أَعْرِفُهَا وَأَعْرِفُ
مَا يُرَادُ بِهَا ، وَسَمِعْتُ أَشْيَاءَ مَا عَرَفْتُ مَعْنَاهَا ، [ ص 316 ]
قَالَ الْأَخْنَسُ وَأَنَا الّذِي حَلَفْت بِهِ ( كَذَلِكَ ) .
[ ذَهَابُ الْأَخْنَسِ إلَى أَبِي جَهْلٍ يَسْأَلُهُ
عَنْ مَعْنَى مَا سَمِعَ ]
قَالَ ثُمّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ حَتّى أَتَى أَبَا
جَهْلٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَقَالَ . يَا أَبَا الْحَكَمِ مَا رَأْيُك
فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمّدٍ ؟ فَقَالَ مَاذَا سَمِعْتُ تَنَازَعْنَا نَحْنُ
وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشّرَفَ أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا ، وَحَمَلُوا
فَحَمَلْنَا ، وَأَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا ، حَتّى إذَا تَجَاذَيْنَا عَلَى
الرّكْبِ وَكُنّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ قَالُوا : مِنّا نَبِيّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ
السّمَاءِ فَمَتَى نُدْرِكُ مِثْلَ هَذِهِ وَاَللّهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا
وَلَا نُصَدّقُهُ . قَالَ فَقَامَ عَنْهُ الْأَخْنَسُ وَتَرَكَهُ .
[ تَعَنّتُ قُرَيْشٍ فِي عَدَمِ اسْتِمَاعِهِمْ لِلرّسُولِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا أَنْزَلَهُ تَعَالَى ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا تَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ وَدَعَاهُمْ إلَى
اللّهِ قَالُوا يَهْزَءُونَ بِهِ قُلُوبُنَا فِي أَكِنّةٍ مِمّا تَدْعُونَا
إلَيْهِ لَا نَفْقَهُ مَا تَقُولُ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ لَا نَسْمَعُ مَا
تَقُولُ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِك حِجَابٌ قَدْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَك ( فَاعْمَلْ )
بِمَا أَنْت عَلَيْهِ إنّنَا عَامِلُونَ بِمَا نَحْنُ عَلَيْهِ إنّا لَا نَفْقَهُ
عَنْك شَيْئًا ، فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى ( عَلَيْهِ ) فِي ذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِمْ { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الّذِينَ
لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } إلَى قَوْلِهِ { وَإِذَا
ذَكَرْتَ رَبّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا }
أَيْ كَيْفَ فَهِمُوا تَوْحِيدَك رَبّك إنْ كُنْتُ جَعَلْتُ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنّةً
وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ، وَبَيْنَك وَبَيْنَهُمْ حِجَابًا بِزَعْمِهِمْ أَيْ
إنّي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ . { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ
يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظّالِمُونَ إِنْ
تَتّبِعُونَ إِلّا رَجُلًا مَسْحُورًا } أَيْ ذَلِكَ مَا تَوَاصَوْا بِهِ مِنْ
تَرْكِ مَا بَعَثْتُك بِهِ إلَيْهِمْ
. { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلّوا
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } [ ص 317 ] { وَقَالُوا أَئِذَا كُنّا عِظَامًا
وَرُفَاتًا أَئِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا } أَيْ قَدْ جِئْت
تُخْبِرُنَا أَنّا سَنُبْعَثُ بَعْدَ مَوْتِنَا إذَا كُنّا عِظَامًا وَرُفَاتًا ، وَذَلِك
مَا لَا يَكُونُ . { قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمّا
يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الّذِي فَطَرَكُمْ
أَوّلَ مَرّةٍ } أَيْ الّذِي خَلَقَكُمْ مِمّا تَعْرِفُونَ فَلَيْسَ خَلْقُكُمْ
مِنْ تُرَابٍ بِأَعَزّ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي
عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ سَأَلْته عَنْ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى : { أَوْ خَلْقًا
مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } مَا الّذِي أَرَادَ اللّهُ بِهِ ؟ فَقَالَ الْمَوْت .
ذِكْرُ
عُدْوَانِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ مِمّنْ أَسْلَمَ بِالْأَذَى
وَالْفِتْنَةِ
[ قَسْوَةُ قُرَيْشٍ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ . ثُمّ إنّهُمْ عَدَوْا عَلَى مَنْ
أَسْلَمَ ، وَاتّبَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
أَصْحَابِهِ فَوَثَبَتْ كُلّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَجَعَلُوا
يَحْبِسُونَهُمْ وَيُعَذّبُونَهُمْ بِالضّرْبِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ
وَبِرَمْضَاءِ مَكّةَ إذَا اشْتَدّ الْحَرّ ، مَنْ اُسْتُضْعِفُوا مِنْهُمْ
يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُفْتَنُ مِنْ شِدّةِ الْبَلَاءِ
الّذِي يُصِيبُهُ وَمِنْهُمْ مِنْ يَصْلُبُ لَهُمْ وَيَعْصِمُهُ اللّهُ مِنْهُمْ .
[ مَا كَانَ يَلْقَاهُ بِلَالٌ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَمَا
فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي تَخْلِيصِهِ
]
وَكَانَ بَلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُمَا ، لِبَعْضِ بَنِي جُمَحٍ مُوَلّدًا مِنْ مُوَلّدِيهِمْ وَهُوَ بَلَالُ
بْنُ رَبَاحٍ ، وَكَانَ اسْمُ أُمّهِ حَمَامَةَ وَكَانَ صَادِقَ الْإِسْلَامِ
طَاهِرَ الْقَلْبِ وَكَانَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ
يُخْرِجُهُ إذَا [ ص 318 ] مَكّةَ ، ثُمّ يَأْمُرُ بِالصّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ
فَتُوضَعَ عَلَى صَدْرِهِ ثُمّ يَقُولُ لَهُ ( لَا وَاَللّهِ ) لَا تَزَالُ
هَكَذَا حَتّى تَمُوتَ أَوْ تَكْفُرَ بِمُحَمّدِ وَتَعْبُدَ اللّاتَ وَالْعُزّى ،
فَيَقُول وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ أَحَدٌ أَحَدٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ وَرَقَةُ بْنُ
نَوْفَلٍ يَمُرّ بِهِ وَهُوَ يُعَذّبُ بِذَلِكَ وَهُوَ يَقُول : أَحَدٌ أَحَدٌ ؛
فَيَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ وَاَللّهِ يَا بِلَالُ ثُمّ يُقْبِلُ عَلَى أُمَيّةَ بْنِ
خَلَفٍ ، وَمَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِهِ مِنْ بَنِي جُمَحٍ فَيَقُولُ أَحْلِفُ
بِاَللّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ عَلَى هَذَا لَأَتّخِذَنّهُ حَنَانًا ، حَتّى مَرّ
بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ( ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ) رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
يَوْمًا ، وَهُمْ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ بِهِ وَكَانَتْ دَارُ أَبِي بَكْرٍ فِي بَنِي
جُمَحٍ فَقَالَ لِأُمَيّةِ بْنِ خَلَفٍ أَلَا تَتّقِي اللّهَ فِي هَذَا
الْمِسْكِينِ ؟ حَتّى مَتَى ؟ قَالَ أَنْت الّذِي أَفْسَدْته فَأَنْقِذْهُ مِمّا
تَرَى ؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ . أَفْعَلُ عِنْدِي غُلَامٌ أَسْوَدُ أَجْلَدُ
مِنْهُ وَأَقْوَى ، عَلَى دِينِك ، أُعْطِيكَهُ بِهِ قَالَ قَدْ قَبِلْتُ فَقَالَ
هُوَ لَك . فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ غُلَامَهُ
ذَلِكَ وَأَخَذَهُ فَأَعْتَقَهُ
[ مَنْ أَعْتَقَهُمْ أَبُو بَكْرٍ مَعَ بِلَالٍ ]
ثُمّ أَعْتَقَ مَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ
يُهَاجِرَ إلَى الْمَدِينَةِ سِتّ رِقَابٍ بِلَالٌ سَابِعُهُمْ عَامِرُ بْنُ
فُهَيْرَةَ ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا ، وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ
شَهِيدًا ؛ وَأُمّ عُبَيْسٍ وَزِنّيرَةُ ، وَأُصِيبَ بَصَرُهَا حِينَ أَعْتَقَهَا
، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : مَا أَذْهَبَ بَصَرَهَا إلّا اللّاتُ وَالْعُزّى ؛ فَقَالَتْ
كَذَبُوا وَبَيْتِ اللّهِ مَا تَضُرّ اللّاتُ وَالْعُزّى وَمَا تَنْفَعَانِ فَرَدّ
اللّهُ بَصَرَهَا . وَأَعْتَقَ النّهْدِيّةَ وَبِنْتَهَا ، وَكَانَتَا لِامْرَأَةِ
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ فَمَرّ بِهِمَا وَقَدْ بَعَثَتْهُمَا [ ص 319 ] أَبَدًا
، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ حِلّ يَا أُمّ فُلَانٍ فَقَالَتْ
حِلّ أَنْت أَفْسَدْتَهُمَا فَأَعْتِقْهُمَا ، قَالَ فَبِكَمْ هُمَا ؟ قَالَتْ بِكَذَا
وَكَذَا ، قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُمَا وَهُمَا حُرّتَانِ أَرْجِعَا إلَيْهَا
طَحِينَهَا ، قَالَتَا : أَوَنَفْرُغُ مِنْهُ يَا أَبَا بَكْرٍ ثُمّ نَرُدّهُ
إلَيْهَا ؟ قَالَ وَذَلِكَ إنْ شِئْتُمَا . وَمَرّ بِجَارِيَةِ بَنِي مُؤَمّلٍ
حَيّ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، وَكَانَتْ مُسْلِمَةً وَعُمَرُ بْنُ
الْخَطّابِ يُعَذّبُهَا لِتَتْرُكَ الْإِسْلَامَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ
وَهُوَ يَضْرِبُهَا ، حَتّى إذَا مَلّ قَالَ إنّي أَعْتَذِرُ إلَيْك ، إنّي لَمْ
أَتْرُكْ إلّا مَلَالَةً فَتَقُولُ كَذَلِكَ فَعَلَ اللّهُ بِك . فَابْتَاعَهَا
أَبُو بَكْرٍ ، فَأَعْتَقَهَا .
[ لَامَ أَبُو قُحَافَةَ ابْنَهُ لِعِتْقِهِ مِنْ أَعْتَقَ فَرَدّ عَلَيْهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
الزّبَيْرِ ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ قَالَ قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِأَبِي بَكْرٍ :
يَا بُنَيّ إنّي أَرَاك تُعْتِقُ رِقَابًا ضِعَافًا ، فَلَوْ أَنّك إذْ فَعَلْتَ
مَا فَعَلْتَ أَعْتَقْتَ رِجَالًا جُلْدًا يَمْنَعُونَك وَيَقُومُونَ دُونَك ؟ قَالَ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ يَا أَبَتْ إنّي إنّمَا أُرِيدُ مَا
أُرِيدُ لِلّهِ ( عَزّ وَجَلّ ) قَالَ فَيُتَحَدّثُ أَنّهُ مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ
الْآيَاتِ إلّا فِيهِ وَفِيمَا قَالَ لَهُ أَبُوهُ { فَأَمّا مَنْ أَعْطَى وَاتّقَى
وَصَدّقَ بِالْحُسْنَى } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ
نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى }
[ تَعْذِيبُ قُرَيْشٍ لَابْنِ يَاسِرٍ وَتَصْبِيرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُ
]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ بَنُو مَخْزُومٍ
يَخْرُجُونَ بِعَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَبِأَبِيهِ [ ص 320 ] وَكَانُوا أَهْلَ
بَيْتِ إسْلَامٍ إذَا حَمِيَتْ الظّهِيرَةُ يُعَذّبُونَهُمْ بِرَمْضَاءِ مَكّةَ ،
فَيَمُرّ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَقُول ، فِيمَا بَلَغَنِي
: صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ مَوْعِدُكُمْ الْجَنّة فَأَمّا أُمّهُ فَقَتَلُوهَا ،
وَهِيَ تَأْبَى إلّا الْإِسْلَامَ
.
[ مَا كَانَ يُعَذّبُ بِهِ أَبُو جَهْلٍ مَنْ أَسْلَمَ ]
وَكَانَ أَبُو جَهْلٍ الْفَاسِقُ الّذِي يُغْرِي بِهِمْ
فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، إذَا سَمِعَ بِالرّجُلِ قَدْ أَسْلَمَ ، لَهُ شَرَفٌ
وَمَنَعَةٌ أَنّبَهُ وَأَخْزَاهُ وَقَالَ تَرَكْتَ دِينَ أَبِيك وَهُوَ خَيْرٌ
مِنْك ، لَنُسَفّهَنّ حِلْمَك ، وَلَنُفَيّلَنّ رَأْيَك ، وَلَنَضَعَنّ شَرَفَك ؛
وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا قَالَ وَاَللّهِ لَنُكَسّدَنّ تِجَارَتَكَ وَلَنُهْلِكَنّ
مَالَك ؛ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا ضَرَبَهُ وَأَغْرَى بِهِ .
[ سُئِلَ ابْنُ عَبّاسٍ عَنْ عُذْرِ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ
لِسَبَبِ تَعْذِيبِهِ فَأَجَازَ
]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ
جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ قُلْت لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ
أَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ ؟ قَالَ نَعَمْ
وَاَللّهِ إنْ كَانُوا لَيَضْرِبُونَ أَحَدَهُمْ وَيُجِيعُونَهُ وَيُعَطّشُونَهُ
حَتّى مَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَوِيَ جَالِسًا مِنْ شِدّةِ الضّرّ الّذِي نَزَلَ
بِهِ حَتّى يُعْطِيَهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنْ الْفِتْنَةِ حَتّى يَقُولُوا لَهُ
آللّاتُ وَالْعُزّى إلَهُك مِنْ دُونِ اللّهِ ؟ فَيَقُول : نَعَمْ حَتّى إنّ
الْجُعَلَ لَيَمُرّ بِهِمْ فَيَقُولُونَ لَهُ أَهَذَا الْجُعَلُ إلَهُك مِنْ دُونِ
اللّهِ ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ افْتِدَاءً مِنْهُمْ مِمّا يَبْلُغُونَ مِنْ جَهْدِهِ .
[ ص 321 ]
[ رَفْضُ هِشَامٍ تَسْلِيمَ أَخِيهِ لِقُرَيْشِ
لِيَقْتُلُوهُ عَلَى إسْلَامِهِ وَشِعْرِهِ فِي ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّبَيْرُ بْنُ
عُكَاشَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ رِجَالًا
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ مَشَوْا إلَى هِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ حِينَ أَسْلَمَ
أَخُوهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ ( بْنِ الْمُغِيرَةِ ) ، وَكَانُوا قَدْ أَجْمَعُوا
عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا فِتْيَةً مِنْهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا ، مِنْهُمْ
سَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ ، وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ . قَالَ فَقَالُوا لَهُ .
وَخَشُوا شَرّهُمْ إنّا قَدْ أَرَدْنَا أَنْ نُعَاتِبَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ
عَلَى هَذَا الدّينِ الّذِي أَحْدَثُوا ، فَإِنّا نَأْمَنُ بِذَلِكَ فِي
غَيْرِهِمْ . قَالَ هَذَا ، فَعَلَيْكُمْ بِهِ فَعَاتِبُوهُ وَإِيّاكُمْ
وَنَفْسَهُ وَأَنْشَأَ يَقُول :
أَخِي عييس5436"id="الشعر" > أَلَا
لَا يُقْتَلَنّ أَخِي عُيَيْس ٌ ... فَيَبْقَى بَيْنَنَا أَبَدًا تَلَاحِي
احْذَرُوا عَلَى نَفْسِهِ فَأُقْسِمُ اللّهَ لَئِنْ
قَتَلْتُمُوهُ لَأَقْتُلَنّ أَشْرَفَكُمْ رَجُلًا . قَالَ فَقَالُوا : اللّهُمّ
الْعَنْهُ مَنْ يُغَرّرُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَوَاَللّهِ لَوْ أُصِيبَ فِي
أَيْدِينَا لَقُتِلَ أَشْرَفُنَا رَجُلًا . ( قَالَ ) ، فَتَرَكُوهُ وَنَزَعُوا عَنْهُ
. قَالَ وَكَانَ ذَلِكَ مِمّا دَفَعَ اللّهُ بِهِ عَنْهُمْ .
ذِكْرُ
الْهِجْرَةِ الْأُولَى إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ
[ إشَارَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِالْهِجْرَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا يُصِيبُ أَصْحَابَهُ مِنْ الْبَلَاءِ وَمَا
هُوَ فِيهِ مِنْ الْعَافِيَةِ بِمَكَانِهِ مِنْ اللّهِ وَمِنْ عَمّهِ أَبِي
طَالِبٍ وَأَنّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِمّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ
قَالَ لَهُمْ لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنّ بِهَا مَلِكًا لَا
يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ حَتّى يَجْعَلَ اللّهُ لَكُمْ
فَرَجًا [ ص 322 ] فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، مَخَافَةَ
الْفِتْنَةِ وَفِرَارًا إلَى اللّهِ بِدِينِهِمْ فَكَانَتْ أَوّلَ هِجْرَةٍ
كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ .
[ مَنْ هَاجَرُوا الْهِجْرَةَ الْأُولَى إلَى الْحَبَشَةِ ]
وَكَانَ أَوّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ
بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ : عُثْمَانُ بْنُ
عَفّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْن أُمَيّةَ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ مَعَهُ
امْرَأَتُهُ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ
لُؤَيّ ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُحَمّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ .
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : الزّبَيْرُ بْنُ
الْعَوّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ
قُصَيّ : مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ
. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ
عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ ( بْنِ ) الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ وَمِنْ بَنِي
مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ
هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ
سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ مَخْزُومٍ . وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ
عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ : عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَلِيفُ آلِ الْخَطّابِ
، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ - ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَال : مِنْ عَنَزَةَ بْنِ أَسَدِ
بْنِ رَبِيعَةَ ) - مَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ ( بْنِ
حُذَافَةَ ) بْنِ غَانِمِ ( بْنِ عَامِرِ ) بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ . وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : أَبُو سَبْرَةَ
بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ ، [ ص 323 ] نَصْرِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ وَيُقَال : بَلْ أَبُو حَاطِبِ بْنُ
عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
حِسْلِ بْنِ عَامِرِ ( بْنِ لُؤَيّ ) وَيُقَال : هُوَ أَوّلُ مَنْ قَدِمَهَا .
وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ ، وَهُوَ سُهَيْلُ
بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ
. فَكَانَ هَؤُلَاءِ الْعَشْرَةِ أَوّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى
أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فِيمَا بَلَغَنِي . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ
عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ .
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
وَتَتَابَعَ الْمُسْلِمُونَ حَتّى اجْتَمَعُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فَكَانُوا
بِهَا ، مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ بِأَهْلِهِ مَعَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ
لَا أَهْلَ لَهُ مَعَهُ .
[ مَنْ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي
هَاشِمٍ ]
( و ) مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ
قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ
فِهْرٍ : جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ،
مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ قُحَافَةَ بْنِ خَثْعَمٍ ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ عَبْدَ اللّهِ
بْنَ جَعْفَرٍ ، رَجُلٌ .
[ مَنْ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ ]
وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْن أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ
شَمْسٍ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ رُقَيّةُ ابْنَةُ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ
فَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُحَرّثِ ( بْنِ خُمْلِ ) بْنِ شِقّ بْنِ
رَقَبَةَ بْنِ مُخْدِجٍ الْكِنَانِيّ ، وَأَخُوهُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ
الْعَاصِ بْن أُمَيّة ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَمِينَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَدَ
بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ بْن سُبَيْعِ بْنِ جُعْثُمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ
مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو ، مِنْ خُزَاعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
هُمَيْنَةُ بِنْتُ خَلَفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ
سَعِيدَ بْنَ خَالِدٍ ، وَأَمَةَ بِنْتَ خَالِدٍ [ ص 324 ] فَتَزَوّجَ أَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ
الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرُو بْنُ الزّبَيْرِ ،
وَخَالِدُ بْنُ الزّبَيْرِ .
[ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ ]
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ
: عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبِرَةَ بْنِ
مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ؛ وَأَخُوهُ عُبَيْدُ اللّهِ
بْنُ جَحْشٍ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ
حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ ؛ وَقَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ
بْنِ خُزَيْمَةَ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ بَرَكَةُ بِنْتُ يَسَارٍ مَوْلَاةُ أَبِي
سُفْيَانَ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ ، وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ . وَهَؤُلَاءِ
آلُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، سَبْعَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُعَيْقِيبُ
مِنْ دَوْسٍ .
[ مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافٍ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ
؛ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسٍ ، حَلِيفُ آلِ
عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، رَجُلَانِ
.
[ مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ ]
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ
بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ نَسِبْ بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ
قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ حَلِيفٌ لَهُمْ رَجُلٌ .
[ مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ ]
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ :
الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ
نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، وَيَزِيدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ
بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ . وَعَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
أَسَدٍ ، أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ ]
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ : طُلَيْبُ بْنُ
عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ أَبِي كَبِيرِ بْنِ عَبْدِ ( بْنِ قُصَيّ ) ، رَجُلٌ .
[ ص 326 ]
[ مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ ]
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : مُصْعَبُ
بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ ؛
وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ
السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ ؛ وَجَهْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ
بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ حَرْمَلَةَ
بِنْتُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ بْنِ جُذَيْمَةَ بْنِ أُقَيْشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
بَيَاضَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ جُعْثُمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو
، مِنْ خُزَاعَةَ ؛ وَابْنَاهُ عَمْرُو بْنُ جَهْمٍ وَخُزَيْمَةُ بْنُ جَهْمٍ
وَأَبُو الرّومِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ
الدّارِ وَفِرَاسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ
بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ خَمْسَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ ]
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : عَبْدُ الرّحْمَنِ
بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ ،
وَعَامِرُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ وَأَبُو وَقّاصٍ مَالِكُ بْنُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ؛ وَالْمُطّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ
عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي
عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ، وَلَدَتْ لَهُ
بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الْمُطّلِبِ .
[ مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي هُذَيْلٍ ]
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ هُذَيْلٍ : عَبْدُ اللّهِ
بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ
كَاهِلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ . وَأَخُوهُ
عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ .
[ مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَهْرَاءَ ]
وَمِنْ بَهْرَاءَ : الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ مَطْرُودِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ
الشّرّيدِ [ ص 326 ] أَبِي أَهْوَزَ بْنِ أَبِي فَائِشِ بْنِ دُرَيْمِ بْنِ
الْقَيْنِ بْنِ أَهْوَدَ بْنِ بَهْرَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ
قُضَاعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَال هَزْلُ بْنُ فَاسِ بْنِ ذَرّ وَدُهَيْرُ بْنُ
ثَوْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ يُقَال لَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ
الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ ( بْنِ وَهْبِ ) بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ
زُهْرَةَ وَذَلِك أَنّهُ تَبَنّاهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَحَالَفَهُ سِتّةُ نَفَرٍ .
( مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي تَيْمٍ ]
وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ الْحَارِثُ بْنُ
خَالِدِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ ( بْنِ عَمْرِو ) بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ
تَيْمٍ مَعَهُ امْرَأَتُهُ رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ عَامِرِ
بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُوسَى
بْنَ الْحَارِثِ وَعَائِشَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَزَيْنَبَ بِنْتَ الْحَارِثِ ،
وَفَاطِمَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَعَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ
بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ رَجُلَانِ
.
[ مَنْ رَحَلَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ ]
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ أَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ
بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ
الْحَبَشَةِ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ ، وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدُ
اللّهِ وَاسْمُ أُمّ سَلَمَةَ هِنْدٌ : وَشَمّاسُ ( بْنُ ) عُثْمَانَ بْنِ الشّرّيدِ بْنِ
سُوَيْدِ بْنِ هَرْمِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ .
[ اسْمُ الشّمّاسِ وَشَيْءٌ عَنْهُ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ شَمّاسٍ عُثْمَانُ
وَإِنّمَا سُمّيَ شَمّاسًا ، لِأَنّ شَمّاسًا مِنْ [ ص 327 ] مَكّةَ فِي
الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ جَمِيلًا فَعَجِبَ النّاسُ مِنْ جَمَالِهِ فَقَالَ
عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَكَانَ خَالَ شَمّاسٍ أَنَا آتِيكُمْ بِشَمّاسِ
أَحْسَنَ مِنْهُ فَجَاءَ بِابْنِ أُخْتِهِ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ ، فَسُمّيَ شَمّاسًا
. فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهَبّارُ
بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؛ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سُفْيَانَ ؛ وَهِشَامُ بْنُ
أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ ؛ وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؛ وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ .
[ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي مَخْزُومٍ ]
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مُعَتّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ
بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَفِيفِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ حَبَشِيّةَ ابْنُ سَلُولَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ خُزَاعَةَ ، وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ عَيْهَامَةُ ثَمَانِيَةُ
نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ حَبَشِيّةُ بْنُ سَلُولَ ، وَهُوَ
الّذِي يُقَال لَهُ مُعَتّبُ بْنُ حَمْرَاءَ .
[ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي جُمَحٍ ]
وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ
كَعْبٍ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ
جُمَحٍ ؛ وَابْنُهُ السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَخَوَاهُ قُدَامَةُ بْنُ
مَظْعُونٍ ، وَعَبْدُ اللّه بْنُ مَظْعُونٍ ؛ وَحَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرِ
بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْن جُمَحٍ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ
فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُجَلّلِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ
وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ وَابْنَاهُ مُحَمّدُ بْنُ
حَاطِبٍ وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ ، وَهُمَا لِبِنْتِ الْمُجَلّلِ وَأَخُوهُ
حَطّابُ بْنُ الْحَارِثِ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ ؛
وَسُفْيَانُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ
مَعَهُ ابْنَاهُ جَابِرُ بْنُ سُفْيَانَ وَجُنَادَةُ بْنُ سُفْيَانَ وَمَعَهُ
امْرَأَتُهُ حَسَنَةُ وَهِيَ أُمّهُمَا ، وَأَخُوهُمَا مِنْ أُمّهِمَا شُرَحْبِيلُ
بْنُ حَسَنَةَ أَحَدُ الْغَوْثِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شُرَحْبِيلُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ أَحَدُ الْغَوْثِ بْنِ مُرّ ، أَخِي تَمِيمِ بْنِ مُرّ .
[ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي سَهْمٍ ]
[ ص 328 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُثْمَانُ بْنُ
رَبِيعَةَ بْنِ أَهْبَانَ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ أَحَدَ عَشَرَ
رَجُلًا . وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ خُنَيْسُ بْنُ
حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ؛ وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْلٍ وَهِشَامُ بْنُ
الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْعَاصِ
بْنُ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَقَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ؛
وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ
؛ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ
سَهْمٍ ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ
؛ وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ؛
وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ؛
وَأَخٌ لَهُ مِنْ أُمّهِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو ،
وَسَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ؛
وَالسّائِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ؛
وَعُمَيْرُ بْنُ رِئَابِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ مُهَشّمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ .
وَمَحْمِيّةُ بْنُ الْجَزَاءِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ ، أَرْبَعَةَ
عَشَرَ رَجُلًا .
[ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَدِيّ ]
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ : مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حَرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ [ ص 329 ] وَعُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى
بْنِ حَرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ ؛ وَعَدِيّ
بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حَرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ
بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ وَابْنُهُ النّعْمَانُ بْنُ عَدِيّ وَعَامِرُ بْنُ
رَبِيعَةَ ، حَلِيفٌ لِآلِ الْخَطّابِ مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ ، مَعَهُ
امْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ غَانِمٍ خَمْسَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ ]
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : أَبُو سَبْرَةَ بْنُ
أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ
نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ
سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْن مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ
شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ ؛
وَسُلَيْطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ وَأَخُوهُ السّكْرَانُ بْنُ عَمْرٍو ، مَعَهُ
امْرَأَتُهُ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ
وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ ؛ وَمَالِكُ بْنُ زَمَعَةَ
بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
حِسْلِ بْنِ عَامِرِ ؛ مَعَهُ امْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ السّعْدِيّ بْنِ
وَقْدَانَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ ؛ وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ
وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةُ ،
حَلِيفٌ لَهُمْ . ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَعْدُ بْنُ
خَوْلَةَ مِنْ الْيَمَنِ .
[ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ
فِهْرٍ : أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ الْجَرّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
فِهْرٍ ؛ [ ص 330 ] وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ ، وَهُوَ سُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ
بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ ، وَلَكُنّ أُمّهُ غَلَبَتْ
عَلَى نَسَبِهِ فَهُوَ يُنْسَبُ إلَيْهَا ، وَهِيَ دَعْدُ بِنْتُ جَحْدَمِ بْنِ
أُمَيّةَ بْنِ ظَرِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ ، وَكَانَتْ تُدْعَى بَيْضَاءَ
وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ
ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ ؛ وَعِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَيُقَال :
بَلْ رَبِيعَةُ بْنُ هِلَالِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ضَبّةَ ( بْنِ الْحَارِثِ ) ؛
وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ غَنْمِ بْنِ
زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرِ
بْنِ أُمَيّةَ بْنِ ظَرِبِ بْنِ الْحَارِثِ ( بْنِ فِهْرٍ ) وَالْحَارِثُ بْنُ
عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ ظَرِبِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ . ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ
.
[ عَدَدُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الْحَبَشَةِ ]
فَكَانَ جَمِيعُ مَنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ،
وَهَاجَرَ إلَيْهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِوَى أَبْنَائِهِمْ الّذِينَ خَرَجُوا
بِهِمْ مَعَهُمْ صِغَارًا وَوُلِدُوا بِهَا ، ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا ،
إنْ كَانَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ فِيهِمْ وَهُوَ يُشَكّ فِيهِ .
[ شِعْرُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ فِي الْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ ]
وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي الْحَبَشَةِ ،
أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ
سَهْمٍ ، حِين أَمِنُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَحَمِدُوا جِوَارَ النّجَاشِيّ ، وَعَبَدُوا
اللّهَ لَا يَخَافُونَ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا ، وَقَدْ أَحْسَنَ النّجَاشِيّ
جِوَارَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِهِ قَالَ [ ص 331 ]
يَا رَاكِبًا بَلّغَنْ عَنّى مُغَلْغِلَةً ... مَنْ
كَانَ يَرْجُو بَلَاغَ اللّهِ وَالدّينِ
كُلّ امْرِئِ مِنْ عِبَادِ اللّهِ مُضْطَهَد ...
بِبَطْنِ مَكّةَ مَقْهُورٍ وَمَفْتُونِ
أَنّا وَجَدْنَا بِلَادَ اللّهِ وَاسِعَةً ... تُنْجِي
مِنْ الذّلّ وَالْمَخْزَاةِ وَالْهُونِ
فَلَا تُقِيمُوا عَلَى ذُلّ الْحَيَاةِ وَخِزْ ... يٍ
فِي الْمَمَاتِ وَعَيْبٍ غَيْرِ مَأْمُونِ
إنّا تَبِعْنَا رَسُولَ اللّهِ وَاطّرَحُوا ... قَوْلَ
النّبِيّ وَعَالُوا فِي الْمَوَازِينِ
فَاجْعَلْ عَذَابَكَ بِالْقَوْمِ الّذِينَ بَغَوْا ...
وَعَائِذًا بِك أَنْ يَعْلُوَا فَيُطْغُونِي
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا ،
يَذْكُرُ نَفْيَ قُرَيْشٍ إيّاهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ وَيُعَاتِبُ بَعْضَ قَوْمِهِ
فِي ذَلِكَ
أَبَتْ كَبِدِي ، لَا أَكْذِبَنْك ، قِتَالَهُمْ ...
عَلَيّ وَتَأْبَاهُ عَلَيّ أَنَامِلِي
وَكَيْفَ قِتَالِي مَعْشَرًا أَدّبُوكُمْ ... عَلَى
الْحَقّ أَنْ لَا تَأْشِبُوهُ بِبَاطِلِ
نَفَتْهُمْ عِبَادُ الْجِنّ مِنْ حُرّ أَرْضِهِمْ ...
فَأَضْحَوْا عَلَى أَمْرٍ شَدِيدِ الْبَلَابِلِ
فَإِنْ تَكُ كَانَتْ فِي عَدِيّ أَمَانَةٌ ... عَدِيّ
بْنِ سَعْدٍ عَنْ تُقًى أَوْ تَوَاصُلِ
فَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنّ ذَلِكَ فِيكُمْ ... بِحَمْدِ
الّذِي لَا يُطّبَى بِالْجَعَائِلِ
وَبُدّلْت شِبْلًا شِبْلَ كُلّ خَبِيثَةٍ ... بِذِي
فَجْرٍ مَأْوَى الضّعَافِ الْأَرَامِلِ
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا :
وَتِلْكَ قُرَيْشٌ تَجْحَدُ اللّهَ حَقّهُ ... كَمَا
جَحَدَتْ عَادٌ وَمَدْيَنُ وَالْحِجْرُ
فَإِنْ أَنَا لَمْ أُبْرِقْ فَلَا يَسَعَنّنِي ... مِنْ
الْأَرْضِ بَرّ ذُو فَضَاءٍ وَلَا بَحْرُ
بِأَرْضٍ بِهَا عَبَدَ الْإِلَهَ مُحَمّدٌ ... أُبَيّنُ
مَا فِي النّفْسِ إذْ بُلِغَ النّقْرُ
[ ص 332 ] فَسُمّيَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ -
يَرْحَمُهُ اللّهُ - لَبَيْتِهِ الّذِي قَالَ " الْمُبْرِقُ " .
[ شِعْرُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي ذَلِكَ ]
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ يُعَاتِبُ أُمَيّةَ
بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ ، وَهُوَ ابْنُ عَمّهِ
وَكَانَ يُؤْذِيهِ فِي إسْلَامِهِ وَكَانَ أُمَيّةُ شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ فِي
زَمَانِهِ ذَلِكَ
أَتَيْمَ بْنَ عَمْرٍو لِلّذِي جَاءَ بِغْضَةً ...
وَمِنْ دُونِهِ الشّرْمَانُ وَالْبَرْكُ أَكْتَعُ
أَأَخْرَجْتَنِي مِنْ بَطْنِ مَكّةَ آمِنًا ...
وَأَسْكَنْتنِي فِي صَرْحِ بَيْضَاءَ تَقْذَعُ
تَرِيشُ نِبَالًا لَا يُوَاتِيكَ رِيشُهَا ... وَتُبْرَى
نِبَالًا رِيشُهَا لَكَ أَجْمَعُ
وَحَارَبْتَ أَقْوَامًا كِرَامًا أَعِزّةً ...
وَأَهْلَكْتَ أَقْوَامًا بِهِمْ كُنْتَ تَفْزَعُ
سَتَعْلَمُ إنْ نَابَتْك يَوْمًا مُلِمّةٌ ...
وَأَسْلَمَك الْأَوْبَاشُ مَا كُنْتَ تَصْنَعُ
وَتَيْمُ بْنُ عَمْرٍو ، الّذِي يَدْعُو عُثْمَانَ
جُمَحُ كَانَ اسْمُهُ تَيْمًا .
إرْسَالُ
قُرَيْشٍ إلَى الْحَبَشَةِ فِي طَلَبِ الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهَا
[ ص 333 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا رَأَتْ
قُرَيْشٌ أَنّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمِنُوا
وَاطْمَأَنّوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَأَنّهُمْ قَدْ أَصَابُوا بِهَا دَارًا
وَقَرَارًا ، ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنّ يَبْعَثُوا فِيهِمْ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ
مِنْ قُرَيْشٍ جَلْدَيْنِ إلَى النّجَاشِيّ ، فَيَرُدّهُمْ عَلَيْهِمْ
لِيَفْتِنُوهُمْ فِي دِينِهِمْ وَيُخْرِجُوهُمْ مِنْ دَارِهِمْ الّتِي اطْمَأَنّوا
بِهَا وَأَمِنُوا فِيهَا ؛ فَبَعَثُوا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ،
وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَجَمَعُوا لَهُمَا هَدَايَا لِلنّجَاشِيّ
وَلِبَطَارِقَتِهِ ثُمّ بَعَثُوهُمَا إلَيْهِ فِيهِمْ .
[ شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ لِلنّجَاشِيّ يَحُضّهُ عَلَى الدّفْعِ عَنْ
الْمُهَاجِرِينَ ]
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ حِينَ رَأَى ذَلِكَ مِنْ
رَأْيِهِمْ وَمَا بَعَثُوهُمَا فِيهِ أَبْيَاتًا لِلنّجَاشِيّ يَحُضّهُ عَلَى
حُسْنِ جِوَارِهِمْ وَالدّفْعِ عَنْهُمْ [ ص 334 ]
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ فِي النّأْيِ جَعْفَرٌ ...
وَعَمْرٌو وَأَعْدَاءُ الْعَدُوّ الْأَقَارِبُ
وَهَلْ نَالَتْ أَفْعَالُ النّجَاشِيّ جَعْفَرًا ...
وَأَصْحَابَهُ أَوْ عَاقَ ذَلِكَ شَاغِبُ
تَعَلّمْ أَبَيْتَ اللّعْنَ أَنّك مَاجِدٌ ... كَرِيمٌ
فَلَا يَشْقَى لَدَيْك الْمُجَانِبُ
تَعَلّمْ بِأَنّ اللّهَ زَادَك بَسْطَةً ... وَأَسْبَابَ
خَيْرٍ كُلّهَا بِك لَازِبُ
وَأَنّك فَيْضٌ ذُو سِجَالٍ غَزِيرَةٍ ... يَنَالُ
الْأَعَادِي نَفْعَهَا وَالْأَقَارِبُ
[ حَدِيثُ أُمّ سَلَمَةَ عَنْ رَسُولَيْ قُرَيْشٍ مَعَ النّجَاشِيّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيّ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ
زَوْجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ لَمّا نَزَلْنَا
أَرْضَ الْحَبَشَةِ ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النّجَاشِيّ ، أَمِنّا عَلَى
دِينِنَا ، وَعَبَدْنَا اللّهَ تَعَالَى لَا نُؤْذَى وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا
نَكْرَهُهُ فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ، ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ
يَبْعَثُوا إلَى النّجَاشِيّ فِينَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ جَلْدَيْنِ وَأَنْ
يُهْدُوا لِلنّجَاشِيّ هَدَايَا مِمّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكّةَ ، وَكَانَ
مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الْأُدْمُ فَجَمَعُوا لَهُ أُدْمًا كَثِيرًا
، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إلّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيّةً
ثُمّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَعَمْرَو بْنَ
الْعَاصِ ، وَأَمَرُوهُمَا بِأَمْرِهِمْ وَقَالُوا لَهُمَا : ادْفَعَا إلَى كُلّ
بِطْرِيقٍ هَدِيّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلّمَا النّجَاشِيّ فِيهِمْ ثُمّ قَدّمَا
إلَى النّجَاشِيّ هَدَايَاهُ ثُمّ سَلَاهُ أَنْ يُسَلّمَهُمْ إلَيْكُمَا قَبْل
أَنْ يُكَلّمَهُمْ . قَالَتْ فَخَرَجَا حَتّى قَدِمَا عَلَى النّجَاشِيّ ، وَنَحْنُ
عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ عِنْدَ خَيْرِ جَارٍ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بِطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ
إلّا دَفَعَا إلَيْهِ هَدِيّتَهُ قَبْل أَنْ يُكَلّمَا النّجَاشِيّ ، وَقَالَا
لِكُلّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ إنّهُ قَدْ ضَوَى إلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنّا
غِلْمَانٌ [ ص 335 ] دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ وَجَاءُوا
بِدِينِ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ وَقَدْ بَعَثَنَا إلَى
الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافَ قَوْمِهِمْ لِيَرُدّهُمْ إلَيْهِمْ فَإِذَا كَلّمْنَا
الْمَلِكَ فِيهِمْ فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَلّمَهُمْ إلَيْنَا وَلَا
يُكَلّمَهُمْ فَإِنّ قَوْمَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا ، وَأَعْلَمُ بِمَا
عَابُوا عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُمَا : نَعَمْ . ثُمّ إنّهُمَا قَدّمَا هَدَايَاهُمَا
إلَى النّجَاشِيّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا ، ثُمّ كَلّمَاهُ فَقَالَا لَهُ أَيّهَا
الْمَلِكُ إنّهُ قَدْ ضَوَى إلَى بَلَدِك مِنّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا
دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِك ، وَجَاءُوا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ
لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْت ، وَقَدْ بَعَثَنَا إلَيْك فِيهِمْ أَشْرَافُ
قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ لِتَرُدّهُمْ
إلَيْهِمْ فَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ
فِيهِ . قَالَتْ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى عَبْدِ اللّهِ بْن أَبِي
رَبِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ النّجَاشِيّ .
قَالَتْ فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ صَدَقَا أَيّهَا الْمَلِكُ قَوْمُهُمْ
أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَأَسْلِمْهُمْ
إلَيْهِمَا فَلْيَرُدّاهُمْ إلَى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ . قَالَتْ فَغَضِبَ النّجَاشِيّ
، ثُمّ قَالَ لَاهَا اللّهِ إذَنْ لَا أُسْلِمُهُمْ إلَيْهِمَا ، وَلَا يَكَادُ
قَوْمٌ جَاوَرُونِي ، وَنَزَلُوا بِلَادِي ، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ
حَتّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ عَمّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ فَإِنْ
كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ أَسْلَمْتهمْ إلَيْهِمَا ، وَرَدَدْتُهُمْ إلَى
قَوْمِهِمْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا ،
وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي .
[ إحْضَارُ النّجَاشِيّ الْمُهَاجِرِينَ وَسُؤَالُهُ لَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ
وَجَوَابُهُمْ عَنْ ذَلِكَ ]
قَالَتْ ثُمّ أَرْسَلَ إلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَاهُمْ فَلَمّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ
اجْتَمَعُوا ، ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ مَا تَقُولُونَ لِلرّجُلِ إذَا
جِئْتُمُوهُ قَالُوا : نَقُول : وَاَللّهِ مَا عَلِمْنَا ، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيّنَا
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ . فَلَمّا
جَاءُوا ، وَقَدْ دَعَا النّجَاشِيّ أَسَاقِفَتَهُ فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ
حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ مَا هَذَا الدّينُ الّذِي قَدْ فَارَقْتُمْ
فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا
( بِهِ ) [ ص 336 ] دِينِي ، وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ
مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ ؟ قَالَتْ فَكَانَ الّذِي كَلّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ ( رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ ) ، فَقَالَ لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ كُنّا قَوْمًا
أَهْلَ جَاهِلِيّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي
الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ وَيَأْكُلُ الْقَوِيّ
مِنّا الضّعِيفَ فَكُنّا عَلَى ذَلِكَ حَتّى بَعَثَ اللّهُ إلَيْنَا رَسُولًا
مِنّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إلَى
اللّهِ لِنُوَحّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنّا نَعْبُدُ نَحْنُ
وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ
وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفّ عَنْ
الْمَحَارِمِ وَالدّمَاءِ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزّورِ وَأَكْلِ
مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللّهَ
وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصّلَاةِ وَالزّكَاةِ
وَالصّيَامِ - قَالَتْ فَعَدّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ - فَصَدّقْنَاهُ
وَآمَنّا بِهِ وَاتّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللّهِ فَعَبَدْنَا
اللّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَحَرّمْنَا مَا حَرّمَ عَلَيْنَا
، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلّ لَنَا ، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا ، فَعَذّبُونَا ،
وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا ، لِيَرُدّونَا إلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ
عِبَادَةِ اللّهِ تَعَالَى ، وَأَنْ نَسْتَحِلّ مَا كُنّا نَسْتَحِلّ مِنْ
الْخَبَائِثِ فَلَمّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيّقُوا عَلَيْنَا ، وَحَالُوا
بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ، خَرَجْنَا إلَى بِلَادِك ، وَاخْتَرْنَاك عَلَى
مَنْ سِوَاك ؛ وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِك ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَك أَيّهَا
الْمَلِكُ . قَالَتْ فَقَالَ لَهُ النّجَاشِيّ : هَلْ مَعَك مِمّا جَاءَ بِهِ عَنْ
اللّهِ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَتْ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ
النّجَاشِيّ : فَاقْرَأْهُ عَلَيّ قَالَتْ فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ { كهيعص
} قَالَتْ فَبَكَى وَاَللّهِ النّجَاشِيّ حَتّى اخْضَلّتْ لِحْيَتُهُ وَبَكَتْ
أَسَاقِفَتُهُ حَتّى أَخْضَلّوا مَصَاحِفَهُمْ حِين سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ
. ثُمّ قَالَ ( لَهُمْ ) النّجَاشِيّ : إنّ هَذَا وَاَلّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى
لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ انْطَلِقَا ، [ ص 337 ]
[ مَقَالَةُ الْمُهَاجِرِينَ فِي عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ عِنْدَ
النّجَاشِيّ ]
قَالَتْ فَلَمّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ عَمْرُو
بْنُ الْعَاصِ : وَاَللّهِ لَآتِيَنّهُ غَدًا عَنْهُمْ بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ
خَضْرَاءَهُمْ . قَالَتْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ،
وَكَانَ أَتْقَى الرّجُلَيْنِ فِينَا : لَا نَفْعَلُ فَإِنّ لَهُمْ أَرْحَامًا ، وَإِنْ
كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا ؛ قَالَ وَاَللّهِ لَأُخْبِرَنّهُ أَنّهُمْ يَزْعُمُونَ
أَنّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ . قَالَتْ ثُمّ غَدًا عَلَيْهِ ( مِنْ )
الْغَدِ فَقَالَ ( لَهُ ) : أَيّهَا الْمَلِكُ إنّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا ، فَأَرْسِلْ إلَيْهِمْ فَسَلْهُمْ عَمّا
يَقُولُونَ فِيهِ . قَالَتْ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ . قَالَتْ
وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا قَطّ . فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضِ مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ ؟
قَالُوا : نَقُولُ وَاَللّهِ مَا قَالَ اللّهُ وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيّنَا ،
كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ . قَالَتْ فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ
لَهُمْ مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؟ قَالَتْ فَقَالَ جَعْفَرُ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ : نَقُولُ فِيهِ الّذِي جَاءَنَا بِهِ نَبِيّنَا صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ( يَقُولُ )
: هُوَ عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ
وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ . قَالَتْ
فَضَرَبَ النّجَاشِيّ بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ، ثُمّ
قَالَ وَاَللّهِ مَا عَدَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ
قَالَتْ فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ فَقَالَ وَإِنْ
نَخَرْتُمْ وَاَللّهِ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ شُيُومٌ بِأَرْضِي - وَالشّيُومُ
الْآمِنُونَ - مَنْ سَبّكُمْ غَرِمَ ثُمّ قَالَ مَنْ سَبّكُمْ [ ص 338 ] قَالَ
مَنْ سَبّكُمْ غَرِمَ . مَا أُحِبّ أَنّ لِي دَبَرًا مِنْ ذَهَبٍ وَأَنّي آذَيْت
رَجُلًا مِنْكُمْ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ دَبَرًا مِنْ ذَهَبٍ
وَيُقَالُ فَأَنْتُمْ سُيُومٌ وَالدّبَرُ ( بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ ) : الْجَبْلُ
- رُدّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا ، فَوَاَللّهِ مَا
أَخَذَ اللّهُ مِنّي الرّشْوَةَ حِينَ رَدّ عَلَيّ مُلْكِي ، فَآخُذَ الرّشْوَةَ
فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النّاسَ فِيّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ . قَالَتْ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ
مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ
بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ
.
[ فَرَحُ الْمُهَاجِرِينَ بِنُصْرَةِ النّجَاشِيّ عَلَى عَدُوّهِ ]
قَالَتْ فَوَاَللّهِ إنّا لِعَلَى ذَلِكَ إذْ نَزَلَ
بِهِ رَجُلٌ مِنْ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ . قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا
عَلِمْتُنَا حَزِنّا حُزْنًا قَطّ كَانَ أَشَدّ ( عَلَيْنَا ) مِنْ حُزْنٍ
حَزِنّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَخَوّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرّجُلُ عَلَى
النّجَاشِيّ ، فَيَأْتِي رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقّنَا مَا كَانَ النّجَاشِيّ يَعْرِفُ
مِنْهُ . قَالَتْ وَسَارَ إلَيْهِ النّجَاشِيّ ، وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النّيلِ ،
قَالَتْ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَسَلّمَ مَنْ رَجُلٌ يَخْرَجُ حَتّى يَحْضُرَ وَقِيعَةَ الْقَوْمِ ثُمّ
يَأْتِينَا بِالْخَبَرِ ؟ قَالَتْ فَقَالَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ : أَنَا .
قَالُوا : فَأَنْتَ . وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنّا . قَالَتْ فَنَفَخُوا
لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتّى خَرَجَ إلَى
نَاحِيَةِ النّيلِ الّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى
حَضَرَهُمْ . قَالَتْ فَدَعَوْنَا اللّهَ تَعَالَى لِلنّجَاشِيّ بِالظّهُورِ عَلَى عَدُوّهِ
وَالتّمْكِينِ لَهُ فِي بِلَادِهِ . قَالَتْ فَوَاَللّهِ إنّا لَعَلَى ذَلِكَ
مُتَوَقّعُونَ لِمَا هُوَ كَائِنٌ إذْ طَلَعَ الزّبَيْرُ وَهُوَ يَسْعَى ،
فَلَمَعَ بِثَوْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ أَلَا أَبْشِرُوا ، فَقَدْ ظَفِرَ النّجَاشِيّ
، وَأَهْلَكَ اللّهُ عَدُوّهُ وَمَكّنّ لَهُ فِي بِلَادِهِ . قَالَتْ فَوَاَللّهِ
مَا عَلِمْتنَا فَرِحْنَا فَرْحَةً قَطّ مِثْلَهَا . قَالَتْ وَرَجَعَ النّجَاشِيّ
، وَقَدْ أَهْلَكَ اللّهُ عَدُوّهُ وَمَكّنَ لَهُ فِي بِلَادِهِ وَاسْتَوْسَقَ
عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ ، فَكُنّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتّى
قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ .
[ قَتْلُ أَبِي النّجَاشِيّ وَتَوْلِيَةُ عَمّهِ ]
[ ص 339 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ :
فَحَدّثْت عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ حَدِيثَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ
عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي
مَا قَوْلُهُ مَا أَخَذَ اللّهُ مِنّي الرّشْوَةَ حِينَ رَدّ عَلَيّ مُلْكِي ،
فَآخُذَ الرّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النّاسَ فِيّ فَأُطِيعَ النّاسَ فِيهِ ؟
قَالَ قُلْت : لَا ؛ قَالَ فَإِنّ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ حَدّثَتْنِي أَنّ
أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إلّا النّجَاشِيّ ،
وَكَانَ لِلنّجَاشِيّ عَمّ ، لَهُ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ،
وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ مَمْلَكَةِ الْحَبَشَةِ ، فَقَالَتْ الْحَبَشَةُ س
بَيْنَهَا : لَوْ أَنّا قَتَلْنَا أَبَا النّجَاشِيّ وَمَلّكْنَا أَخَاهُ فَإِنّهُ
لَا وَلَدَ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْغُلَامِ وَإِنّ لِأَخِيهِ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَيْ عَشَرَ
رَجُلًا ، فَتَوَارَثُوا مُلْكَهُ مِنْ بَعْدِهِ بَقِيَتْ الْحَبَشَةُ بَعْدَهُ
دَهْرًا ؛ فَغَدَوْا عَلَى أَبِي النّجَاشِيّ فَقَتَلُوهُ وَمَلّكُوا أَخَاهُ
فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ حِينًا
.
[ غَلَبَةُ النّجَاشِيّ عَمّهُ عَلَى أَمْرِهِ وَسَعْيُ الْأَحْبَاشِ
لِإِبْعَادِهِ ]
وَنَشَأَ النّجَاشِيّ مَعَ عَمّهِ وَكَانَ لَبِيبًا
حَازِمًا مِنْ الرّجَالِ فَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ عَمّهِ وَنَزَلَ مِنْهُ بِكُلّ
مَنْزِلَةٍ فَلَمّا رَأَتْ الْحَبَشَةُ مَكَانَهُ ( مِنْهُ ) قَالَتْ بَيْنَهَا :
وَاَللّهِ لَقَدْ غَلَبَ هَذَا الْفَتَى عَلَى أَمْرِ عَمّهِ وَإِنّا لَنَتَخَوّفُ
أَنْ يُمَلّكَهُ عَلَيْنَا ، وَإِنْ مَلّكَهُ عَلَيْنَا لَيَقْتُلنَا أَجْمَعِينَ
لَقَدْ عَرَفَ أَنّا نَحْنُ قَتَلْنَا أَبَاهُ . فَمَشَوْا إلَى عَمّهِ فَقَالُوا
: إمّا أَنْ تَقْتُلَ هَذَا الْفَتَى ، وَإِمّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِ
أَظْهُرِنَا ، فَإِنّا قَدْ خِفْنَاهُ عَلَى أَنْفُسِنَا ، قَالَ وَيْلَكُمْ
قَتَلْتُ أَبَاهُ بِالْأَمْسِ وَأَقْتُلهُ الْيَوْمَ بَلْ أُخْرِجُهُ مِنْ
بِلَادِكُمْ . قَالَتْ فَخَرَجُوا بِهِ إلَى السّوقِ فَبَاعُوهُ مِنْ رَجُلٍ مِنْ
التّجّارِ بِسِتّ مِئَةِ دِرْهَمٍ فَقَذَفَهُ فِي سَفِينَةٍ فَانْطَلَقَ بِهِ
حَتّى إذَا كَانَ الْعَشِيّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ
سَحَائِبِ الْخَرِيفِ فَخَرَجَ عَمّهُ يَسْتَمْطِرُ تَحْتَهَا ، فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ
فَقَتَلَتْهُ . قَالَتْ فَفَزِعَتْ الْحَبَشَةُ إلَى [ ص 340 ] فَمَرَجَ عَلَى الْحَبَشَةِ
أَمْرُهُمْ .
[ تَوَلّيهِ الْمُلْكَ بِرِضَا الْحَبَشَةِ ]
فَلَمّا ضَاقَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ تَعْلَمُوا وَاَللّهِ أَنّ مَلِكَكُمْ الّذِي لَا
يُقِيمُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ لَلّذِي بِعْتُمْ غَدْوَةً فَإِنْ كَانَ لَكُمْ
بِأَمْرِ الْحَبَشَةِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوهُ ( الْآنَ ) . قَالَتْ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ
وَطَلَبِ الرّجُلِ الّذِي بَاعُوهُ مِنْهُ حَتّى أَدْرَكُوهُ فَأَخَذُوهُ مِنْهُ
ثُمّ جَاءُوا بِهِ فَعَقَدُوا عَلَيْهِ التّاجَ وَأَقْعَدُوهُ عَلَى سَرِيرِ
الْمُلْكِ فَمَلّكُوهُ .
[ حَدِيثُ التّاجِرِ الّذِي ابْتَاعَ النّجَاشِيّ ]
فَجَاءَهُمْ التّاجِرُ الّذِي كَانُوا بَاعُوهُ مِنْهُ
فَقَالَ إمّا أَنْ تُعْطُونِي مَالِي ، وَإِمّا أَنْ أُكَلّمَهُ فِي ذَلِكَ ؟
قَالُوا : لَا نُعْطِيك شَيْئًا ، قَالَ إذَنْ وَاَللّهِ أُكَلّمُهُ قَالُوا :
فَدُونَك وَإِيّاهُ . قَالَتْ فَجَاءَهُ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ أَيّهَا
الْمَلِكُ ابْتَعْتُ غُلَامًا مِنْ قَوْمٍ بِالسّوقِ بِسِتّ مِئَةِ دِرْهَمٍ فَأَسْلَمُوا
إلَيّ غُلَامِي وَأَخَذُوا دَرَاهِمِي ، حَتّى إذَا سِرْت بِغُلَامِي أَدْرَكُونِي
، فَأَخَذُوا غُلَامِي ، وَمَنَعُونِي دَرَاهِمِي . قَالَتْ فَقَالَ لَهُمْ النّجَاشِيّ :
لَتُعْطُنّهُ دَرَاهِمَهُ أَوْ لَيَضَعَنّ غُلَامُهُ يَدَهُ فِي يَدِهِ
فَلَيَذْهَبَنّ بِهِ حَيْثُ شَاءَ قَالُوا : بَلْ نُعْطِيهِ دَرَاهِمُهُ . قَالَتْ
فَلِذَلِكَ يَقُولُ مَا أَخَذَ اللّهُ مِنّي رِشْوَةً حِينَ رَدّ عَلَيّ مُلْكِي ،
فَآخُذَ الرّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النّاسَ فِيّ فَأُطِيعَ النّاسَ فِيهِ . قَالَتْ وَكَانَ
ذَلِكَ أَوّلَ مَا خُبِرَ مِنْ صَلَابَتِهِ فِي دِينِهِ وَعُدّ لَهُ فِي حُكْمِهِ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا مَاتَ النّجَاشِيّ ، كَانَ يُتَحَدّثُ
أَنّهُ لَا يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُورٌ
[ خُرُوجُ الْحَبَشَةِ عَلَى النّجَاشِيّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ
مُحَمّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ اجْتَمَعَتْ الْحَبَشَةُ [ ص 341 ] فَقَالُوا
لِلنّجَاشِيّ إنّك قَدْ فَارَقْتَ دِينَنَا وَخَرَجُوا عَلَيْهِ . فَأَرْسَلَ إلَى
جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ فَهَيّأَ لَهُمْ سُفُنًا وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا وَكُونُوا
كَمَا أَنْتُمْ فَإِنْ هُزِمْتُ فَامْضُوا حَتّى تَلْحَقُوا بِحَيْثُ شِئْتُمْ
وَإِنْ ظَفِرْتُ فَاثْبُتُوا . ثُمّ عَمَدَ إلَى كِتَابٍ فَكَتَبَ فِيهِ هُوَ
يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
وَيَشْهَدُ أَنّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ
وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ ؛ ثُمّ جَعَلَهُ فِي قُبَائِهِ عِنْدَ
الْمَنْكِبِ الْأَيْمَنِ وَخَرَجَ إلَى الْحَبَشَةِ ، وَصُفّوا لَهُ فَقَالَ يَا
مَعْشَرَ الْحَبَشَةِ ، أَلَسْتُ أَحَقّ النّاسِ بِكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى ؛ قَالَ
فَكَيْفَ رَأَيْتُمْ سِيرَتِي فِيكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرَ سِيرَةٍ قَالَ فَمَا بَالُكُمْ
؟ قَالُوا : فَارَقْت دِينَنَا ، وَزَعَمْت أَنّ عِيسَى عَبْدٌ قَالَ فَمَا
تَقُولُونَ أَنْتُمْ فِي عِيسَى ؟ قَالُوا : نَقُول هُوَ ابْنُ اللّهِ فَقَالَ
النّجَاشِيّ ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ عَلَى قُبَائِهِ هُوَ يَشْهَدُ أَنّ
عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ ، لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا ، وَإِنّمَا يَعْنِي مَا
كَتَبَ فَرُضّوا وَانْصَرَفُوا
( عَنْهُ ) . فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَلَمّا مَاتَ النّجَاشِيّ صَلّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ
إسْلَامُ
عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
[ ص 342 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا قَدِمَ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عَلَى قُرَيْشٍ ،
وَلَمْ يُدْرِكُوا مَا طَلَبُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَدّهُمَا النّجَاشِيّ بِمَا يَكْرَهُونَ وَأَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطّابِ ، وَكَانَ رَجُلًا ذَا شَكِيمَةٍ لَا يُرَامُ مَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ
امْتَنَعَ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَبِحَمْزَةِ حَتّى عَازُوا قُرَيْشًا ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
يَقُولُ مَا كُنّا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نُصَلّيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، حَتّى
أَسْلَمَ عُمَرُ ( بْنُ الْخَطّابِ ) ، فَلَمّا أَسْلَمَ قَاتَلَ قُرَيْشًا حَتّى
صَلّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، وَصَلّيْنَا مَعَهُ وَكَانَ إسْلَامُ عُمَرَ بَعْدَ
خُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إلَى الْحَبَشَةِ . قَالَ الْبُكَائِيّ ، قَالَ حَدّثَنِي مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ
عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : إنّ
إسْلَامَ عُمَرَ كَانَ فَتْحًا ، وَإِنّ هِجْرَتَهُ كَانَتْ نَصْرًا ، وَإِنّ
إمَارَتَهُ كَانَتْ رَحْمَةً وَلَقَدْ كُنّا مَا نُصَلّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ حَتّى
أَسْلَمَ عُمَرُ فَلَمّا أَسْلَمَ قَاتَلَ قُرَيْشًا حَتّى صَلّى عِنْدَ
الْكَعْبَةِ ، وَصَلّيْنَا مَعَهُ
[ حَدِيثُ أُمّ عَبْدِ اللّهِ عَنْ إسْلَامِ عُمَرَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ
بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ أُمّهِ أُمّ
عَبْدِ اللّهِ بِنْتِ أَبِي حَثْمَةَ ، قَالَتْ وَاَللّهِ إنّا لَنَتَرَحّلُ إلَى
أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامِرٌ فِي بَعْضِ حَاجَاتِنَا ، إذْ [ ص 343
] أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حَتّى وَقَفَ عَلَيّ وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ -
قَالَتْ وَكُنّا نَلْقَى مِنْهُ الْبَلَاءَ أَذًى لَنَا وَشِدّةً عَلَيْنَا -
قَالَتْ فَقَالَ إنّهُ لَلِانْطِلَاقُ يَا أُمّ عَبْدِ اللّهِ . قَالَتْ فَقُلْت :
نَعَمْ وَاَللّهِ لَنَخْرُجَنّ فِي أَرْضِ اللّهِ آذَيْتُمُونَا وَقَهَرْتُمُونَا ،
حَتّى يَجْعَلَ اللّهُ مَخْرَجًا . قَالَتْ فَقَالَ صَحِبَكُمْ اللّهُ وَرَأَيْت
لَهُ رِقّةً لَمْ أَكُنْ أَرَاهَا ، ثُمّ انْصَرَفَ وَقَدْ أَحْزَنَهُ - فِيمَا أَرَى
- خُرُوجُنَا . قَالَتْ فَجَاءَ عَامِرٌ بِحَاجَتِهِ تِلْكَ فَقُلْت لَهُ يَا
أَبَا عَبْدِ اللّهِ لَوْ رَأَيْتَ عُمَرَ آنِفًا وَرِقّتَهُ وَحُزْنَهُ عَلَيْنَا
. قَالَ أَطَمِعْتِ فِي إسْلَامِهِ ؟ قَالَتْ قُلْت : نَعَمْ قَالَ فَلَا يُسْلِمُ
الّذِي رَأَيْتِ حَتّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطّابِ قَالَتْ يَأْسًا مِنْهُ لِمَا كَانَ
يَرَى مِنْ غِلْظَتِهِ وَقَسْوَتِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ .
[ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ إسْلَامِ عُمَرَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ إسْلَامُ عُمَرَ فِيمَا
بَلَغَنِي أَنّ أُخْتَه فَاطِمَةَ بِنْتَ الْخَطّابِ ، وَكَانَتْ عِنْدَ سَعِيدِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ
بَعْلُهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ، وَهُمَا مُسْتَخْفِيَانِ بِإِسْلَامِهِمَا مِنْ عُمَرَ
وَكَانَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ النّحّامُ ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ بَنِي
عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ قَدْ أَسْلَمَ ، وَكَانَ أَيْضًا يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِ
فَرَقًا مِنْ قَوْمِهِ وَكَانَ خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ يَخْتَلِفُ إلَى فَاطِمَةَ
بِنْتِ الْخَطّابِ يُقْرِئُهَا الْقُرْآنَ فَخَرَجَ عُمَرُ يَوْمًا مُتَوَشّحًا
سَيْفَهُ يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَهْطًا مِنْ
أَصْحَابِهِ قَدْ ذُكِرُوا لَهُ أَنّهُمْ قَدْ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتٍ عِنْدَ
الصّفَا ، وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مَا بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَمَعَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمّهُ [ ص 344 ] حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ الصّدّيقُ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ مِمّنْ كَانَ
أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ وَلَمْ
يَخْرَجْ فِيمَنْ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فَلَقِيَهُ نُعَيْمُ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ فَقَالَ لَهُ أَيْنَ تُرِيدُ يَا عُمَرُ ؟ فَقَالَ أُرِيدُ
مُحَمّدًا هَذَا الصّابِئَ الّذِي فَرّقَ أَمْرَ قُرَيْشٍ ، وَسَفّهُ أَحْلَامَهَا
، وَعَابَ دِينَهَا ، وَسَبّ آلِهَتَهَا ، فَأَقْتُلَهُ فَقَالَ لَهُ نُعَيْمٌ وَاَللّهِ
لَقَدْ غَرّتْك نَفْسُك مِنْ نَفْسِك يَا عُمَرُ أَتَرَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ
تَارِكِيك تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ قَتَلْت مُحَمّدًا أَفَلَا تَرْجِعُ
إلَى أَهْلِ بَيْتِك فَتُقِيمَ أَمْرَهُمْ ؟ قَالَ . وَأَيّ أَهْلِ بَيْتِي ؟
قَالَ خَتَنُك وَابْنُ عَمّك سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَأُخْتُك
فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ ، فَقَدْ وَاَللّهِ أَسْلَمَا ، وَتَابَعَا مُحَمّدًا
عَلَى دِينِهِ فَعَلَيْك بِهِمَا ؛ قَالَ فَرَجَعَ عُمَرُ عَامِدًا إلَى أُخْتِهِ
وَخَتَنِهِ وَعِنْدَهُمَا خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ مَعَهُ صَحِيفَةٌ فِيهَا : { طَه } يُقْرِئُهُمَا
إيّاهَا ، فَلَمّا سَمِعُوا حِسّ عُمَرَ تَغَيّبْ خَبّابٌ فِي مِخْدَعٍ لَهُمْ
أَوْ فِي بَعْضِ الْبَيْتِ وَأَخَذَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ الصّحِيفَةَ
فَجَعَلَتْهَا تَحْتَ فَخِذِهَا
وَقْدَ سَمِعَ عُمَرُ حِينَ دَنَا إلَى الْبَيْتِ قِرَاءَةَ خَبّابٍ عَلَيْهِمَا ، فَلَمّا دَخَلَ قَالَ مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ الّتِي سَمِعْتُ ؟ قَالَا لَهُ مَا سَمِعْتَ شَيْئًا ؛ قَالَ بَلَى وَاَللّهِ لَقَدْ أُخْبِرْت أَنّكُمَا تَابَعْتُمَا مُحَمّدًا عَلَى دِينِهِ وَبَطَشَ بِخَتَنِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ؛ فَقَامَتْ إلَيْهِ أُخْتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ لَتَكُفّهُ عَنْ زَوْجِهَا ، فَضَرَبَهَا فَشَجّهَا ؛ فَلَمّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ وَخَتَنُهُ نَعَمْ قَدْ أَسْلَمْنَا وَآمَنّا بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَك . فَلَمّا رَأَى عُمَرُ مَا بِأُخْتِهِ مِنْ الدّمِ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ فَاِرْعَوى ، وَقَالَ لِأُخْتِهِ أُعْطِينِي هَذِهِ الصّحِيفَةَ الّتِي سَمِعْتُكُمْ تَقْرَءُونَ آنِفًا أَنْظُرْ مَا هَذَا الّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ وَكَانَ عُمَرُ كَاتِبًا ؛ فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ إنّا نَخْشَاك عَلَيْهَا ؛ قَالَ لَا تَخَافِي . وَحَلَفَ لَهَا بِآلِهَتِهِ لَيَرُدّنّهَا إذَا قَرَأَهَا إلَيْهَا ؛ فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ طَمِعَتْ فِي إسْلَامِهِ فَقَالَتْ لَهُ يَا أَخِي ، إنّكَ نَجِسٌ عَلَى [ ص 345 ] { طَه } فَقَرَأَهَا ؛ فَلَمّا قَرَأَ مِنْهَا صَدْرًا ، قَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَكْرَمَهُ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ خَبّابٌ خَرَجَ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا عُمَرُ وَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللّهُ قَدْ خَصّك بِدَعْوَةِ نَبِيّهُ فَإِنّي سَمِعْته أَمْسِ وَهُوَ يَقُولُ اللّهُمّ أَيّدْ الْإِسْلَامَ بِأَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ أَوْ بِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ فَاَللّهَ اللّهَ يَا عُمَرُ . فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ عُمَرُ فَدُلّنِي يَا خَبّابُ عَلَى مُحَمّدٍ حَتّى آتِيَهُ فَأُسْلِمَ فَقَالَ لَهُ خَبّابٌ هُوَ فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصّفَا ، مَعَهُ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ فَتَوَشّحَهُ ثُمّ عَمَدَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ فَضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَلَمّا سَمِعُوا [ ص 346 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَظَرَ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ فَرَآهُ مُتَوَشّحًا السّيْفَ فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فَزِعٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ مُتَوَشّحًا السّيْفَ ؟ فَقَالَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : فَأْذَنْ لَهُ فَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ خَيْرًا بَذَلْنَاهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ ( جَاءَ ) يُرِيدُ شَرّا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ائْذَنْ لَهُ فَأَذِنَ لَهُ الرّجُلُ وَنَهَضَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى لَقِيَهُ فِي الْحُجْرَةِ فَأَخَذَ حُجْزَتَهُ أَوْ بِمِجْمَعِ رِدَائِهِ ثُمّ جَبَذَهُ ( بِهِ ) جَبْذَةً شَدِيدَةً وَقَالَ مَا جَاءَ بِك يَا ابْنَ الْخَطّابِ ؟ فَوَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتّى يُنْزِلَ اللّهُ بِك قَارِعَةً ؟ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْتُك لِأُومِنَ بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ قَالَ فَكَبّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَكْبِيرَةً عَرَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ عُمَرَ قَدْ أَسْلَمَ فَتَفَرّقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكَانِهِمْ وَقَدْ عَزّوا فِي أَنْفُسِهِمْ حِينَ أَسْلَمَ عُمَرُ مَعَ إسْلَامِ حَمْزَةَ وَعَرَفُوا أَنّهُمَا سَيَمْنَعَانِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَنْتَصِفُونَ بِهِمَا مِنْ عَدُوّهِمْ . فَهَذَا حَدِيثُ الرّوَاةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ إسْلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ حِينَ أَسْلَمَ .
[ رِوَايَةُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ إسْلَامِ عُمَرَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ
أَبِي نَجِيحٍ الْمَكّيّ ، عَنْ أَصْحَابِهِ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ ، أَوْ عَمّنْ
رَوَى ذَلِكَ أَنّ إسْلَامَ عُمَرَ فِيمَا تَحَدّثُوا بِهِ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ
يَقُولُ كُنْت لِلْإِسْلَامِ مُبَاعِدًا ، وَكُنْت صَاحِبَ خَمْرٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ
أُحِبّهَا وَأُسِرّ بِهَا ، وَكَانَ لَنَا مَجْلِسٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ رِجَالٌ مِنْ
قُرَيْشٍ بِالْحَزْوَرَةِ عِنْدَ دُورَ [ ص 347 ] آلِ عُمَر بْنِ عَبْدِ بْنِ
عِمْرَانَ الْمَخْزُومِيّ ، قَالَ فَخَرَجْت لَيْلَةً أُرِيدُ جُلَسَائِي
أُولَئِكَ فِي مَجْلِسِهِمْ ذَلِكَ قَالَ فَجِئْتهمْ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مِنْهُمْ
أَحَدًا . قَالَ فَقُلْت : لَوْ أَنّي جِئْتُ فُلَانًا الْخَمّارَ وَكَانَ بِمَكّةَ
يَبِيعُ الْخَمْرَ لَعَلّي أَجِدُ عِنْدَهُ خَمْرًا فَأَشْرَبَ مِنْهَا . قَالَ فَخَرَجْتُ
فَجِئْته فَلَمْ أَجِدْهُ . قَالَ فَقُلْت : فَلَوْ أَنّي جِئْتُ الْكَعْبَةَ
فَطُفْت بِهَا سَبْعًا أَوْ سَبْعِينَ . قَالَ فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ أُرِيدُ أَنْ
أَطُوّفَ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَائِمٌ يُصَلّي ، وَكَانَ إذَا صَلّى اسْتَقْبَلَ الشّامَ ، وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشّامِ ، وَكَانَ مُصَلّاهُ بَيْنَ الرّكْنَيْنِ الرّكْنِ
الْأَسْوَدِ وَالرّكْنِ الْيَمَانِيّ . قَالَ فَقُلْت حِينَ رَأَيْتُهُ وَاَللّهِ
لَوْ أَنّي اسْتَمَعْت لِمُحَمّدٍ اللّيْلَةَ حَتّى أَسْمَعَ مَا يَقُولُ ( قَالَ ) فَقُلْت
: لَئِنْ دَنَوْتُ مِنْهُ أَسْتَمِعُ مِنْهُ لَأُرَوّعَنّهُ فَجِئْت مِنْ قِبَلِ
الْحِجْرِ ، فَدَخَلْت تَحْتَ ثِيَابِهَا ، فَجَعَلْتُ أَمْشِي رُوَيْدًا ،
وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي يَقْرَأُ
الْقُرْآنَ حَتّى قُمْت فِي قِبْلَتِهِ مُسْتَقْبِلَهُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إلّا
ثِيَابُ الْكَعْبَةِ . قَالَ فَلَمّا سَمِعْتُ الْقُرْآنَ رَقّ لَهُ قَلْبِي ، فَبَكَيْتُ
وَدَخَلَنِي الْإِسْلَامُ فَلَمْ أَزَلْ قَائِمًا فِي مَكَانِي ذَلِكَ حَتّى قَضَى
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلَاتَهُ ثُمّ انْصَرَفَ وَكَانَ
إذَا انْصَرَفَ خَرَجَ عَلَى دَارِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ ، وَكَانَتْ طَرِيقَهُ
حَتّى يَجْزَعَ الْمَسْعَى ، ثُمّ يَسْلُكُ بَيْنَ دَارِ عَبّاسِ بْنِ الْمُطّلِبِ
، وَبَيْنَ دَارِ ابْنِ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ الزّهْرِيّ ، ثُمّ عَلَى
دَارِ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ ، حَتّى يَدْخُلَ بَيْتَهُ . وَكَانَ مَسْكَنُهُ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الدّارِ الرّقْطَاءِ الّتِي كَانَتْ بِيَدَيْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ . قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
فَتَبِعْتُهُ حَتّى إذَا دَخَلَ بَيْنَ دَارِ عَبّاسٍ وَدَارِ بْنِ أَزْهَرَ
أَدْرَكْتُهُ فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِسّي
عَرَفَنِي ، فَظَنّ [ ص 348 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّي إنّمَا
تَبِعْته لِأُوذِيَهُ فَنَهَمَنِي ، ثُمّ قَالَ مَا جَاءَ بِك يَا ابْنَ
الْخَطّابِ هَذِهِ السّاعَةَ ؟ قَالَ قُلْت : ( جِئْت ) لِأُومِنَ بِاَللّهِ
وَبِرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ قَالَ فَحَمِدَ اللّهَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ قَدْ هَدَاك اللّهُ يَا عُمَرُ
، ثُمّ مَسَحَ صَدْرِي ، وَدَعَا لِي بِالثّبَاتِ ثُمّ انْصَرَفْتُ عَنْ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْتَهُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ
ذَلِكَ كَانَ .
[ ذِكْرُ قُوّةِ عُمَرَ فِي الْإِسْلَامِ وَجَلَدِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمّا أَسْلَمَ أَبِي عُمَرُ
قَالَ أَيّ قُرَيْشٍ أَنْقَلُ لِلْحَدِيثِ ؟ فَقِيلَ لَهُ [ ص 349 ] جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ
الْجُمَحِيّ . قَالَ فَغَدَا عَلَيْهِ . قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ :
فَغَدَوْت أَتْبَعُ أَثَرَهُ وَأَنْظُرُ مَا يَفْعَلُ وَأَنَا غُلَامٌ أَعْقِلُ
كُلّ مَا رَأَيْتُ حَتّى جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أَعَلِمْتَ يَا جَمِيلُ أَنّي قَدْ
أَسْلَمْت : وَدَخَلْت فِي دِينِ مُحَمّدٍ ؟ قَالَ فَوَاَللّهِ مَا رَاجَعَهُ
حَتّى قَامَ يَجُرّ رِدَاءَهُ وَاتّبَعَهُ عُمَرُ وَاتّبَعْت أَبِي ، حَتّى إذَا
قَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ،
وَهُمْ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، أَلَا إنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ
قَدْ صَبَأَ . قَالَ ( و ) يَقُولُ عُمَرُ مِنْ خَلْفِهِ كَذَبَ وَلَكِنّي قَدْ
أَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ . وَثَارُوا إلَيْهِ فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ
حَتّى قَامَتْ الشّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ . قَالَ وَطَلِحَ فَقَعَدَ وَقَامُوا
عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَحْلِفُ بِاَللّهِ
أَنْ لَوْ قَدْ كُنّا ثَلَاثَ مِئَةِ رَجُلٍ ( لَقَدْ ) تَرَكْنَاهَا لَكُمْ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا
لَنَا ، قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ ،
عَلَيْهِ حُلّةٌ حِبْرَةٌ وَقَمِيصٌ مُوَشّى ، حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ
مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : صَبَا عُمَرُ فَقَالَ فَمَهْ رَجُلٌ اخْتَارَ
لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَاذَا تُرِيدُونَ ؟ أَتَرَوْنَ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ
يُسْلِمُونَ لَكُمْ صَاحِبَهُمْ هَكَذَا خَلّوا عَنْ الرّجُلِ . قَالَ فَوَاَللّهِ
لَكَأَنّمَا كَانُوا ثَوْبًا كُشِطَ عَنْهُ . قَالَ فَقُلْت لِأَبِي بَعْدَ أَنْ
هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ : يَا أَبَتْ مَنْ الرّجُلُ الّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ
عَنْك بِمَكّةَ يَوْمَ أَسْلَمْت ، وَهُمْ يُقَاتِلُونَك ؟ فَقَالَ ذَاكَ أَيْ بُنَيّ
الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السّهْمِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ
أَنّهُ قَالَ يَا أَبَتْ مَنْ الرّجُلُ الّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْك ( بِمَكّةَ
) يَوْمَ أَسْلَمْتَ وَهُمْ يُقَاتِلُونَك ، جَزَاهُ اللّهُ خَيْرًا . [ ص 350 ]
قَالَ يَا بُنَيّ ذَاكَ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ لَا جَزَاهُ اللّهُ خَيْرًا . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بَعْضِ آلِ
عُمَرَ أَوْ بَعْضِ أَهْلِهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ لَمّا أَسْلَمْتُ تِلْكَ
اللّيْلَةَ تَذَكّرْت أَيّ أَهْلِ مَكّةَ أَشَدّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَدَاوَةً حَتّى آتِيَهُ فَأُخْبِرَهُ أَنّي قَدْ أَسْلَمْتُ
قَالَ قُلْت : أَبُو جَهْلٍ - وَكَانَ عُمَرُ لِحَنْتَمَةَ بِنْتِ هِشَامِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ - قَالَ فَأَقْبَلْت حِينَ أَصْبَحْتُ حَتّى ضَرَبْتُ عَلَيْهِ
بَابَهُ . قَالَ فَخَرَجَ إلَيّ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِابْنِ
أُخْتِي ، مَا جَاءَ بِك ؟ قَالَ جِئْتُ لِأُخْبِرَك أَنّي قَدْ آمَنْت بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ
مُحَمّدٍ وَصَدّقْت بِمَا جَاءَ بِهِ قَالَ فَضَرَبَ الْبَابَ فِي وَجْهِي وَقَالَ
قَبّحَك اللّهُ وَقَبّحَ مَا جِئْت بِهِ .
خَبَرُ
الصّحِيفَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّ
أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ نَزَلُوا بَلَدًا
أَصَابُوا بِهِ أَمْنًا وَقَرَارًا ، وَأَنّ النّجَاشِيّ قَدْ مَنَعَ مَنْ لَجَأَ
إلَيْهِ مِنْهُمْ وَأَنّ عُمَرَ قَدْ أَسْلَمَ ، فَكَانَ هُوَ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ
وَجَعَلَ الْإِسْلَامُ يَفْشُو فِي الْقَبَائِلِ اجْتَمَعُوا وَائْتَمَرُوا (
بَيْنَهُمْ ) أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابًا يَتَعَاقَدُونَ فِيهِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ
وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ عَلَى أَنْ لَا يُنْكِحُوا إلَيْهِمْ وَلَا يُنْكَحُوهُمْ
وَلَا يَبِيعُوهُمْ شَيْئًا ، وَلَا يَبْتَاعُوا مِنْهُمْ فَلَمّا اجْتَمَعُوا
لِذَلِكَ كَتَبُوهُ فِي صَحِيفَةٍ ثُمّ تَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا عَلَى ذَلِكَ ثُمّ
عَلّقُوا الصّحِيفَةَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ تَوْكِيدًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَكَانَ كَاتِبُ الصّحِيفَةِ مَنْصُورَ بْنَ عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَالُ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ
- فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَشُلّ بَعْضُ أَصَابِعِهِ . [ ص 351 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَلَمّا فَعَلَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ انْحَازَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبِ
إلَى أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَدَخَلُوا مَعَهُ فِي شِعْبِهِ وَاجْتَمَعُوا
إلَيْهِ وَخَرَجَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبُو لَهَبٍ عَبْدُ الْعُزّى بْنُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ ، إلَى قُرَيْشٍ ، فَظَاهَرَهُمْ .
[ تَهَكّمُ أَبِي لَهَبٍ بِالرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا
أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ أَنّ أَبَا لَهَبٍ لَقِيَ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ،
حِين فَارَقَ قَوْمَهُ وَظَاهَرَ عَلَيْهِمْ قُرَيْشًا ، فَقَالَ يَا بِنْتَ
عُتْبَةَ هَلْ نَصَرْتِ اللّاتَ وَالْعُزّى ، وَفَارَقْتِ مَنْ فَارَقَهُمَا وَظَاهَرَ
عَلَيْهِمَا ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَجَزَاك اللّهُ خَيْرًا يَا أَبَا عُتْبَةَ قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحُدّثْت أَنّهُ كَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ مَا يَقُولُ
يَعِدُنِي مُحَمّدٌ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا ، يَزْعُمُ أَنّهَا كَائِنَةٌ بَعْدَ
الْمَوْتِ فَمَاذَا وَضَعَ فِي يَدَيّ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمّ يَنْفُخُ فِي يَدَيْهِ
وَيَقُولُ تَبّا لَكُمَا ، مَا أَرَى فِيكُمَا شَيْئًا مِمّا يَقُولُ مُحَمّدٌ .
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ [ ص 352 ]
ابْنُ هِشَامٍ : تَبّتْ خَسِرَتْ . وَالتّبَابُ الْخُسْرَانُ . قَالَ حَبِيبُ
بْنُ خُدْرَةَ الْخَارِجِيّ : أَحَدُ بَنِي هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ
يَا طَيّبُ إنّا فِي مَعْشَرٍ ذَهَبَتْ ...
مَسْعَاتُهُمْ فِي التّبَارِ وَالتّبَبِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[ شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي قُرَيْشٍ حِينَ تَظَاهَرُوا عَلَى الرّسُولِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا اجْتَمَعَتْ عَلَى
ذَلِكَ قُرَيْشٌ ، وَصَنَعُوا فِيهِ الّذِي صَنَعُوا . قَالَ أَبُو طَالِبٍ [ ص
352 ]
أَلَا أَبْلِغَا عَنّي عَلَى ذَاتِ بَيْنِنَا ...
لُؤَيّا وَخُصّا مِنْ لُؤَيّ بَنِي كَعْبِ
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنّا وَجَدْنَا مُحَمّدًا ...
نَبِيّا كَمُوسَى خُطّ فِي أَوّلِ الْكُتُبِ
وَأَنّ عَلَيْهِ فِي الْعِبَادِ مَحَبّةً ... وَلَا
خَيْرَ مِمّنْ خَصّهُ اللّهُ بِالْحُبّ
وَأَنّ الّذِي أَلْصَقْتُمْ مِنْ كِتَابكُمْ ... لَكُمْ
كَائِنٌ نَحْسًا كَرَاغِيَةِ السّقْبِ
أَفِيقُوا أَفِيقُوا قَبْلَ أَنْ يُحْفَرَ الثّرَى ...
وَيُصْبِحَ مَنْ لَمْ يَجْنِ ذَنْبًا كَذِي الذّنْبِ
وَلَا تَتْبَعُوا أَمْرَ الْوُشَاةِ وَتَقْطَعُوا ...
أَوَاصِرَنَا بَعْدَ الْمَوَدّةِ وَالْقُرْبِ
وَتَسْتَجْلِبُوا حَرْبًا عَوَانًا وَرُبّمَا ... أَمُرّ
عَلَى مَنْ ذَاقَهُ جَلَبُ الْحَرْبِ
فَلَسْنَا وَرَبّ الْبَيْتِ نُسْلِمُ أَحْمَدًا ...
لِعَزّاءِ مَنْ عَضّ الزّمَانُ وَلَا كَرْبِ
وَلَمّا تَبِنْ مِنّا وَمِنْكُمْ سَوَالِفُ ... وَأَيْدٍ
أُتِرّتْ بِالْقَسَاسِيّةِ الشّهْبِ
بِمُعْتَرَكٍ ضَيْقٍ تَرَى كَسْرَ الْقَنَا ... بِهِ وَالنّسُورَ
الطّخْمَ يَعْكُفْنَ كَالشّرْبِ
كَأَنّ مُجَالَ الْخَيْلِ فِي حَجَرَاتِهِ ...
وَمَعْمَعَةَ الْأَبْطَالِ مَعْرَكَةُ الْحَرْبِ
أَلَيْسَ أَبُونَا هَاشِمٌ شَدّ أَزْرَهُ ... وَأَوْصَى
بَنِيهِ بِالطّعَانِ وَبِالضّرْبِ
وَلَسْنَا نَمَلّ الْحَرْبَ حَتّى تَمَلّنَا ... وَلَا
نَشْتَكِي مَا قَدْ يَنُوبُ مِنْ النّكْبِ
وَلَكِنّنَا أَهْلُ الْحَفَائِظِ وَالنّهَى ... إذَا
طَارَ أَرْوَاحُ الْكُمَاةِ مِنْ الرّعْبِ
فَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ،
حَتّى جَهَدُوا لَا يَصِلُ إلَيْهِمْ شَيْءٌ إلّا سِرّا مُسْتَخْفِيًا ( بِهِ )
مَنْ أَرَادَ صِلَتَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ
.
[ تَعَرّضُ أَبِي جَهْلٍ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَتَوَسّطُ أَبِي
الْبَخْتَرِيّ ]
وَقَدْ كَانَ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ - فِيمَا
يَذْكُرُونَ [ ص 354 ] حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، مَعَهُ
غُلَامٌ يَحْمِلُ قَمْحًا يُرِيدُ بِهِ عَمّتَهُ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ ،
وَهِيَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ فِي الشّعْبِ
، فَتَعَلّقَ بِهِ وَقَالَ أَتَذْهَبُ بِالطّعَامِ إلَى بَنِي هَاشِمٍ ؟ وَاَللّهِ
لَا تَبْرَحُ أَنْت وَطَعَامُك حَتّى أَفْضَحَك بِمَكّةَ . فَجَاءَ أَبُو
الْبَخْتَرِيّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ ، فَقَالَ مَا لَك وَلَهُ
؟ فَقَالَ يَحْمِلُ الطّعَامَ إلَى بَنِي هَاشِمٍ فَقَالَ ( لَهُ ) أَبُو الْبَخْتَرِيّ
طَعَامٌ كَانَ لِعَمّتِهِ عِنْدَهُ بَعَثَتْ إلَيْهِ ( فِيهِ ) أَفَتَمْنَعُهُ
أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامِهَا خَلّ سَبِيلَ الرّجُلِ فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ حَتّى
نَالَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَأَخَذَ ( لَهُ ) أَبُو الْبَخْتَرِيّ لَحْيَ
بَعِيرٍ فَضَرَبَهُ بِهِ فَشَجّهُ وَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا ، وَحَمْزَةُ بْنُ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَرِيبٌ يَرَى ذَلِكَ وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِهِمْ
وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ذَلِكَ يَدْعُو قَوْمَهُ لَيْلًا
وَنَهَارًا ، وَسِرّا وَجَهَارًا ، مُبَادِيًا بِأَمْرِ اللّهِ لَا يَتّقِي فِيهِ
أَحَدًا مِنْ النّاسِ .
ذِكْرُ
مَا لَقِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ
الْأَذَى
[ مَا أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي أَبِي لَهَبٍ ]
فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ مَنَعَهُ اللّهُ مِنْهَا ،
وَقَامَ عَمّهُ وَقَوْمُهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ دُونَهُ
وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا أَرَادُوا مِنْ الْبَطْشِ بِهِ يَهْمِزُونَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ
بِهِ وَيُخَاصِمُونَهُ وَجَعَلَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ فِي قُرَيْشٍ بِأَحْدَاثِهِمْ
وَفِيمَنْ نُصِبَ لِعَدَاوَتِهِ مِنْهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ سُمّيَ لَنَا ،
وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فِي عَامّةِ مَنْ ذُكِرَ اللّهُ مِنْ
الْكُفّارِ فَكَانَ مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ قُرَيْشٍ مِمّنْ نَزَلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ عَمّهُ أَبُو لَهَبِ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ [ ص 355 ] أُمّ جَمِيلٍ
بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ حَمّالَةَ الْحَطَبِ وَإِنّمَا سَمّاهَا اللّهُ
تَعَالَى حَمّالَةَ الْحَطَبِ لِأَنّهَا كَانَتْ - فِيمَا بَلَغَنِي - تَحْمِلُ الشّوْكَ
فَتَطْرَحَهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْثُ
يَمُرّ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : { تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ
مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ
وَامْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : الْجِيدُ الْعُنُقُ . قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
يَوْمَ تُبْدَى لَنَا قُتَيْلَةُ عَنْ جِيدٍ ... أَسِيلٍ
تُزَيّنُهُ الْأَطْوَاقُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَجَمْعُهُ
أَجْيَادٌ . وَالْمَسَدّ : شَجَرٌ يُدَقّ كَمَا يُدَقّ الْكَتّانُ فَتُفْتَلُ مِنْهُ
حِبَالٌ . قَالَ النّابِغَةُ الذّبْيَانِيّ وَاسْمُهُ زِيَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ
مَقْذُوفَةٍ بِدَخِيسِ النّحْضِ بَازِلُهَا ... لَهُ
صَرِيفٌ صَرِيفَ الْقَعْوِ بِالْمَسَدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَوَاحِدَتُهُ
مَسَدَةٌ .
[ أُمّ جَمِيلٍ وَرَدّ اللّهِ كَيْدَهَا عَنْ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَذُكِرَ لِي : أَنّ أُمّ
جَمِيلٍ : حَمّالَةَ الْحَطَبِ حِينَ سَمِعَتْ [ ص 356 ] نَزَلَ فِيهَا ، وَفِي
زَوْجِهَا مِنْ الْقُرْآنِ أَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ
، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ مِنْ حِجَارَةٍ فَلَمّا وَقَفَتْ عَلَيْهِمَا أَخَذَ
اللّهُ بِبَصَرِهَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَا
تَرَى إلّا أَبَا بَكْرٍ ، فَقَالَتْ يَا أَبَا بَكْرٍ : أَيْنَ صَاحِبُك ، فَقَدْ
بَلَغَنِي أَنّهُ يَهْجُونِي ، وَاَللّهِ لَوْ وَجَدْته لَضَرَبْتُ بِهَذَا
الْفِهْرِ فَاهُ أَمَا وَاَللّهِ إنّي لَشَاعِرَةٌ ثُمّ قَالَتْ
مُذَمّمًا عَصَيْنَا ... وَأَمْرَهُ أَبَيْنَا
وَدِينَهُ قَلَيْنَا ثُمّ انْصَرَفَتْ فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ أَمَا تَرَاهَا رَأَتْك ؟ فَقَالَ مَا رَأَتْنِي ،
لَقَدْ أَخَذَ اللّهُ بِبَصَرِهَا عَنّي . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهَا "
وَدِينَهُ قَلَيْنَا " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ
قُرَيْشٌ إنّمَا تُسَمّي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُذَمّمًا
، ثُمّ يَسُبّونَهُ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُول
: أَلَا تَعْجَبُونَ لِمَا يَصْرِفُ اللّهُ عَنّي مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ ، يَسُبّونَ
وَيَهْجُونَ مُذَمّمًا ، وَأَنَا مُحَمّدٌ
[ ذِكْرُ مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ
جُمَحٍ كَانَ إذَا رَأَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَمَزَهُ
وَلَمَزَهُ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الّذِي
جَمَعَ مَالًا وَعَدّدَهُ يَحْسَبُ أَنّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلّا لَيُنْبَذَنّ
فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ
الّتِي تَطّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدّدَةٍ
} قَالَ ابْنُ هِشَامٍ الْهُمَزَةُ الّذِي يَشْتُمُ الرّجُلَ عَلَانِيَةً
وَيَكْسِرُ عَيْنَيْهِ عَلَيْهِ وَيَغْمِزُ بِهِ . قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ : [
ص 357 ]
هَمَزْتُكَ فَاخْتَضَعْتُ لِذُلّ نَفْسٍ ... بِقَافِيَةٍ
تَأَجّجُ كَالشّوَاظِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَجَمْعُهُ
هَمَزَاتٌ . وَاللّمَزَةُ الّذِي يَعِيبُ النّاسَ سِرّا وَيُؤْذِيهِمْ . قَالَ
رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ . فِي ظِلّ عَصْرِي بَاطِلِي وَلَمْزِي
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ وَجَمْعُهُ
لَمَزَاتٌ .
[ مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ الْعَاصِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَمَا نَزَلَ فِيهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ
السّهْمِيّ ، كَانَ خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ ، صَاحِبُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَيْنًا بِمَكّةَ يَعْمَلُ السّيُوفَ وَكَانَ قَدْ بَاعَ مِنْ
الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ سُيُوفًا عَمِلَهَا لَهُ حَتّى كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ فَجَاءَهُ
يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لَهُ يَا خَبّابُ أَلَيْسَ يَزْعُمُ مُحَمّدٌ صَاحِبُكُمْ
هَذَا الّذِي أَنْت عَلَى دِينِهِ أَنّ فِي الْجَنّةِ مَا ابْتَغَى أَهْلُهَا مِنْ
ذَهَبٍ أَوْ فِضّةٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ خَدَمٍ قَالَ خَبّابٌ بَلَى . قَالَ
فَأَنْظِرْنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَا خَبّابُ حَتّى أَرْجِعَ إلَى تِلْكَ
الدّارِ فَأَقْضِيَك هُنَالِكَ حَقّك ، فَوَاَللّهِ لَا تَكُونُ أَنْت وَصَاحِبُك
يَا خَبّابُ آثَرَ عِنْدَ اللّهِ مِنّي ، وَلَا أَعْظَمَ حَظّا فِي ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { أَفَرَأَيْتَ الّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ
لَأُوتَيَنّ مَالًا وَوَلَدًا أَطّلَعَ الْغَيْبَ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : {
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا }
[ مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ أَبُو جَهْلٍ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا نَزَلَ فِيهِ
]
وَلَقِيَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
فِيمَا بَلَغَنِي - فَقَالَ لَهُ وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ
لَتَتْرُكَنّ سَبّ آلِهَتِنَا ، أَوْ لَنَسُبّنّ إلَهَك الّذِي تَعْبُدُ .
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { وَلَا تَسُبّوا الّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللّهِ فَيَسُبّوا اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } فَذُكِرَ لِي أَنّ رَسُول
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَفّ عَنْ سَبّ آلِهَتِهِمْ وَجَعَلَ
يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ [ ص 358
]
[ مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ النّضْرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَمَا نَزَلَ فِيهِ ]
وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ
كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ ، كَانَ إذَا
جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَجْلِسًا ، فَدَعَا فِيهِ
إلَى اللّهِ تَعَالَى وَتَلَا فِيهَا الْقُرْآنَ وَحَذّرَ ( فِيهِ ) قُرَيْشًا مَا
أَصَابَ الْأُمَمَ الْخَالِيَةَ خَلَفَهُ فِي مَجْلِسِهِ إذَا قَامَ فَحَدّثَهُمْ عَنْ
رُسْتُمَ السنديد ، وَعَنْ أسفنديار ، وَمُلُوكِ فَارِسَ ، ثُمّ يَقُولُ وَاَللّهِ
مَا مُحَمّدٌ بِأَحْسَنَ حَدِيثًا مِنّي ، وَمَا حَدِيثُهُ إلّا أَسَاطِيرُ
الْأَوّلِينَ اكْتَتَبَهَا كَمَا اكْتَتَبْتهَا . فَأَنْزَلَ اللّه فِيهِ { وَقَالُوا
أَسَاطِيرُ الْأَوّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً
وَأَصِيلًا قُلْ أَنْزَلَهُ الّذِي يَعْلَمُ السّرّ فِي السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
إِنّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } وَنَزَلَ فِيهِ { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا
قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوّلِينَ } وَنَزَلَ فِيهِ { وَيْلٌ لِكُلّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ
يَسْمَعُ آيَاتِ اللّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمّ يُصِرّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ
يَسْمَعْهَا فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَفّاكُ
الْكَذّابُ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى : { أَلَا إِنّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ
لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللّهُ وَإِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ } وَقَالَ رُؤْبَةُ ( بْنُ
الْعَجّاجِ ) مَا لِامْرِئٍ أَفّكَ قَوْلًا إفْكًا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمًا -
فِيمَا بَلَغَنِي - مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَجَاءَ
النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ حَتّى جَلَسَ مَعَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي الْمَجْلِسِ
غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ ، فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَعَرَضَ لَهُ النّضْر بْنُ الْحَارِثِ فَكَلّمَهُ رَسُولُ اللّهِ
حَتّى أَفْحَمَهُ [ ص 359 ] تَلَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ { إِنّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً
مَا وَرَدُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا
يَسْمَعُونَ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَصَبُ جَهَنّمَ كُلّ مَا أُوقِدَتْ
بِهِ . قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ ، وَاسْمُهُ خُوَيْلِدِ بْنُ خَالِدٍ
فَأَطْفِئْ وَلَا تُوقِدْ وَلَا تَكُ مِحْضَأً ...
لِنَارِ الْعُدَاةِ أَنْ تَطِيرَ شَكَاتُهَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَيُرْوَى
" وَلَا تَكُ مِحْضَأً " . قَالَ الشّاعِرُ
حَضَأْتُ لَهُ نَارِي فَأَبْصَرَ ضَوْءَهَا ... وَمَا
كَانَ لَوْلَا حَضْأَةِ النّارِ يَهْتَدِي
[ مَقَالَةُ ابْنِ الزّبَعْرَى ، وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى السّهْمِيّ
حَتّى جَلَسَ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَعْرَى
: وَاَللّهِ مَا قَامَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لَابْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
آنِفًا وَمَا قَعَدَ وَقَدْ زَعَمَ مُحَمّدٌ أَنّا وَمَا نَعْبُدُ مِنْ آلِهَتِنَا
هَذِهِ حَصَبُ جَهَنّمَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى : أَمَا وَاَللّهِ
لَوْ وَجَدْته لَخَصَمْته ، فَسَلُوا مُحَمّدًا : أَكُلّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ
اللّهِ فِي جَهَنّمَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ ؟ فَنَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ
وَالْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا ، وَالنّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ( عَلَيْهِمَا
السّلَامُ ) ، فَعَجِبَ الْوَلِيدُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ
قَوْلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَعْرَى ، وَرَأَوْا أَنّهُ قَدْ احْتَجّ وَخَاصَمَ
فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قَوْلِ
ابْنِ الزّبَعْرَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ( إنّ
) كُلّ مَنْ أَحَبّ أَنْ يُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ
إنّهُمْ إنّمَا يَعْبُدُونَ الشّيَاطِينَ وَمَنْ أَمَرَتْهُمْ بِعِبَادَتِهِ فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ [ ص 360 ] { إِنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ
مِنّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا
وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ } أَيْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ،
وَعُزَيْرًا ، وَمَنْ عُبِدُوا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرّهْبَانِ الّذِينَ مَضَوْا
عَلَى طَاعَةِ اللّهِ فَاِتّخَذَهُمْ مَنْ يَعْبُدُهُمْ مِنْ أَهْلِ الضّلَالَةِ
أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ . وَنَزَلَ فِيمَا يَذْكُرُونَ أَنّهُمْ يَعْبُدُونَ
الْمَلَائِكَةَ وَأَنّهَا بَنَاتُ اللّهِ { وَقَالُوا اتّخَذَ الرّحْمَنُ وَلَدًا
سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ
بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } إلَى قَوْلِهِ { وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّي إِلَهٌ
مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ }
وَنَزَلَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ أَنّهُ يُعْبَدُ مِنْ
دُونِ اللّهِ وَعَجَبِ الْوَلِيدِ وَمَنْ حَضَرَهُ مِنْ حُجّتِهِ وَخُصُومَتِهِ {
وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ } أَيْ
يَصُدّونَ عَنْ أَمْرِك بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ ثُمّ ذَكَرَ عِيسَى ابْنَ
مَرْيَمَ فَقَالَ { إِنْ هُوَ إِلّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي
الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ وَإِنّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنّ بِهَا
وَاتّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } أَيْ مَا وَضَعْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ
الْآيَاتِ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى ، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ فَكَفَى بِهِ
دَلِيلًا عَلَى عِلْمِ السّاعَةِ يَقُولُ { فَلَا تَمْتَرُنّ بِهَا وَاتّبِعُونِ
هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ }
[الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ ]
( قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ) : وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ
أَشْرَافِ الْقَوْمِ وَمِمّنْ يُسْتَمَعُ مِنْهُ فَكَانَ يُصِيبُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَرُدّ عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى
فِيهِ { وَلَا تُطِعْ كُلّ حَلّافٍ مَهِينٍ هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ } إلَى
قَوْلِهِ تَعَالَى : { زَنِيمٍ } وَلَمْ يَقُلْ { زَنِيمٍ } لِعَيْبِ فِي نَسَبِهِ
لِأَنّ اللّهَ لَا يَعِيبُ أَحَدًا بِنَسَبِ وَلَكِنّهُ حَقّقَ [ ص 361 ]
التّمِيمِيّ فِي الْجَاهِلِيّةِ
زَنِيمٌ تَدَاعَاهُ الرّجَالُ زِيَادَةً ... كَمَا زِيدَ
فِي عَرْضِ الْأَدِيمِ الْأَكَارِعُ
.
[ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى فِيهِ ]
وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ أَيُنَزّلُ
عَلَى مُحَمّدٍ وَأُتْرَكُ وَأَنَا كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا وَيُتْرَكُ أَبُو
مَسْعُودٍ عَمْرُو بْنُ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّ سَيّدُ ثَقِيفٍ ، وَنَحْنُ عَظِيمَا
الْقَرْيَتَيْنِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ فِيمَا بَلَغَنِي : { وَقَالُوا
لَوْلَا نُزّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } إلَى قَوْلِهِ
تَعَالَى : { مِمّا يَجْمَعُونَ }
[ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ
فِيهِمَا ]
وَأُبَيّ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ
جُمَحَ ، وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَكَانَا مُتَصَافِيَيْنِ حَسّنَا مَا
بَيْنَهُمَا . فَكَانَ عُقْبَةُ قَدْ جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَمِعَ مِنْهُ فَبَلَغَ ذَلِك أُبَيّا ، فَأَتَى
عُقْبَةَ فَقَالَ ( لَهُ ) : أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنّك جَالَسْت مُحَمّدًا وَسَمِعْتَ
مِنْهُ وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ أَنْ أُكَلّمَك - وَاسْتَغْلَظَ مِنْ الْيَمِينِ - إنْ
أَنْتَ جَلَسْتَ إلَيْهِ أَوْ سَمِعْتَ مِنْهُ أَوْ لَمْ تَأْتِهِ فَتَتْفُلَ فِي
وَجْهِهِ . فَفَعَلَ ذَلِكَ عَدُوّ اللّهِ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ لَعَنَهُ
اللّهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : { وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَى
يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلًا } إلَى قَوْلِهِ
تَعَالَى : { لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } [ ص 362 ] وَمَشَى أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ إلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِعَظْمٍ بَالٍ قَدْ ارْفَتّ
فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنّ اللّهَ يَبْعَثُ هَذَا بَعْدَ مَا
أَرَمّ ثُمّ فَتّهُ فِي يَدِهِ ثُمّ نَفَخَهُ فِي الرّيحِ نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ نَعَمْ أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ ، يَبْعَثُهُ اللّهُ وَإِيّاكَ بَعْدَ مَا
تَكُونَانِ هَكَذَا ، ثُمّ يُدْخِلُك اللّهُ النّارَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى
فِيهِ { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ
وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الّذِي أَنْشَأَهَا أَوّلَ مَرّةٍ وَهُوَ بِكُلّ
خَلْقٍ عَلِيمٌ الّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا
أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ }
[ سَبَبُ نُزُولِ سُورَةِ { قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ } ]
وَاعْتَرَضَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ - فِيمَا بَلَغَنِي - الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ
بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، وَأُمَيّةُ
بْنُ خَلَفٍ ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السّهْمِيّ ، وَكَانُوا ذَوِي أَسْنَانٍ
فِي قَوْمِهِمْ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ هَلُمّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُدُ ،
وَتَعْبُدُ مَا نَعْبُدُ فَنَشْتَرِكُ نَحْنُ وَأَنْتَ فِي الْأَمْرِ فَإِنْ كَانَ
الّذِي تَعْبُدُ خَيْرًا مِمّا نَعْبُدُ كُنّا قَدْ أَخَذْنَا بِحَظّنَا مِنْهُ
وَإِنْ كَانَ مَا نَعْبُدُ خَيْرًا مِمّا تَعْبُدُ كُنْت قَدْ أَخَذْت بِحَظّك
مِنْهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ لَا
أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا
عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ
وَلِيَ دِينِ } أَيْ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْبُدُونَ إلّا اللّهَ إلّا أَنْ أَعْبُدَ
مَا تَعْبُدُونَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ مِنْكُمْ لَكُمْ دِينُكُمْ جَمِيعًا ،
وَلِي دِينِي
[ أَبُو جَهْلٍ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ ]
وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ لَمّا ذَكَرَ اللّهُ عَزّ
وَجَلّ شَجَرَةَ الزّقّومِ تَخْوِيفًا بِهَا لَهُمْ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ،
هَلْ تَدْرُونَ مَا شَجَرَةُ الزّقّومِ الّتِي يُخَوّفُكُمْ بِهَا مُحَمّدٌ ؟
قَالُوا : لَا ؛ قَالَ عَجْوَةُ يَثْرِبَ بِالزّبْدِ وَاَللّهِ لَئِنْ اسْتَمْكَنّا مِنْهَا
لَنَتَزَقّمَنّها تَزَقّمًا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { إِنّ شَجَرَةَ
الزّقّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ
الْحَمِيمِ } أَيْ لَيْسَ كَمَا يَقُولُ . [ ص 363 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمُهْلُ كُلّ
شَيْءٍ أَذَبْته ، مِنْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِيمَا
أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ .
[كَيْفَ فَسّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْمُهْلَ ]
وَبَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ ( الْبَصْرِيّ ) أَنّهُ
قَالَ كَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَالِيًا لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ
عَلَى بَيْتِ مَالِ الْكُوفَةِ ، وَأَنّهُ أَمَرَ يَوْمًا بِفِضّةٍ فَأُذِيبَتْ
فَجُعِلَتْ تُلَوّنُ أَلْوَانًا ، فَقَالَ هَلْ بِالْبَابِ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ
فَأَدْخِلُوهُمْ فَأُدْخِلُوا فَقَالَ إنّ أَدْنَى مَا أَنْتُمْ رَاءُونَ شَبَهًا
بِالْمُهْلِ لَهَذَا وَقَالَ الشّاعِرُ يَسْقِيهِ رَبّي حَمِيمَ الْمُهْلِ
يَجْرَعُهُ يَشْوِي الْوُجُوهَ فَهُوَ فِي بَطْنِهِ صِهَرُ
وَيُقَالُ إنّ الْمُهْلَ صَدِيدُ الْجَسَدِ .
[ اسْتِشْهَادٌ فِي تَفْسِيرِ " الْمُهْلِ "
بِكَلَامِ لِأَبِي بَكْرٍ ]
بَلَغَنَا أَنّ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ لَمّا حُضِرَ أَمَرَ بِثَوْبَيْنِ لَبِيسَيْنِ يُغْسَلَانِ فَيُكَفّنُ
فِيهِمَا ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ قَدْ أَغْنَاك اللّهُ يَا أَبَتِ عَنْهُمَا ،
فَاشْتَرِ كَفَنًا ، فَقَالَ إنّمَا هِيَ سَاعَةٌ حَتّى يَصِيرَ إلَى الْمُهْلِ . قَالَ الشّاعِرُ
شَابَ بِالْمَاءِ مِنْهُ مُهْلًا كَرِيهًا ... ثُمّ عَلّ
الْمُتُونَ بَعْدَ النّهَالِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى
فِيهِ { وَالشّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ
إِلّا طُغْيَانًا كَبِيرًا }
[ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ وَنُزُولُ سُورَةِ عَبَسَ ]
وَوَقَفَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ مَعَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يُكَلّمُهُ وَقَدْ طَمِعَ فِي إسْلَامِهِ فَبَيْنَا هُوَ فِي ذَلِكَ إذْ
مَرّ بِهِ [ ص 364 ] ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى ، فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعَلَ يَسْتَقْرِئُهُ الْقُرْآنَ فَشَقّ ذَلِكَ
مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَضْجَرَهُ
وَذَلِكَ أَنّهُ شَغَلَهُ عَمّا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْوَلِيدِ وَمَا طَمِعَ
فِيهِ مِنْ إسْلَامِهِ . فَلَمّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ انْصَرَفَ عَنْهُ عَابِسًا
وَتَرَكَهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { عَبَسَ وَتَوَلّى أَنْ جَاءَهُ
الْأَعْمَى } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { فِي صُحُفٍ مُكَرّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ
مُطَهّرَةٍ } أَيْ إنّمَا بَعَثْتُك بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، لَمْ أَخُصّ بِك أَحَدًا دُونَ
أَحَدٍ ، فَلَا تَمْنَعُهُ مِمّنْ ابْتَغَاهُ . وَلَا تَتَصَدّيَنّ بِهِ لِمَنْ
لَا يُرِيدُهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ ، أَحَدُ بَنِي
عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ وَيُقَالُ عَمْرٌو .
ذِكْرُ
مَنْ عَادَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ لَمّا بَلَغَهُمْ إسْلَامُ أَهْلِ مَكّةَ
[ سَبَبُ رُجُوعِ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَلَغَ أَصْحَابَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِينَ خَرَجُوا إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ
، إسْلَامُ أَهْلِ مَكّةَ ، فَأَقْبَلُوا لِمَا بَلَغَهُمْ مِنْ ذَلِكَ حَتّى إذَا
دَنَوْا مِنْ مَكّةَ ، بَلَغَهُمْ أَنّ مَا كَانُوا تَحَدّثُوا بِهِ مِنْ إسْلَامِ
أَهْلِ مَكّةَ كَانَ بَاطِلًا ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِجِوَارٍ
أَوْ مُسْتَخْفِيًا [ ص 365 ]
[ مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَحُلَفَائِهِمْ ]
فَكَانَ مِمّنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مَكّةَ مِنْهُمْ
فَأَقَامَ بِهَا حَتّى هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَشَهِدَ مَعَهُ بَدْرًا (
وَأُحُدًا ) وَمَنْ حُبِسَ عَنْهُ حَتّى فَاتَهُ بَدْرٌ وَغَيْرُهُ وَمَنْ مَاتَ
بِمَكّةَ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ :
عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، ( وَ ) مَعَهُ
امْرَأَتُهُ رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، ( وَ )
امْرَأَتُهُ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ ( بْنِ عَمْرٍو ) وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ .
[ مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ ]
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ
بْنُ غَزْوَانَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ قَيْسِ ( بْنِ ) عَيْلَانَ .
[مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ ]
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ :
الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ .
[مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ ]
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : مُصْعَبُ
بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ( بْنِ عَبْدِ الدّارِ )
وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حَرْمَلَةَ [ ص 366 ]
[ مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ ]
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ : طُلَيْبُ بْنُ
عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدٍ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : عَبْدُ
الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ ( بْنِ ) الْحَارِثِ بْنِ
زُهْرَةَ وَالْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو . حَلِيفٌ لَهُمْ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
، حَلِيفٌ لَهُمْ .
[ مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَحُلَفَائِهِمْ ]
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ أَبُو سَلَمَةَ
بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
مَخْزُومٍ مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ [ ص 367 ] وَشَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشّرِيدِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ هَرْمِيّ
بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،
حَبَسَهُ عَمّهُ بِمَكّةَ فَلَمْ يَقْدَمْ إلّا بَعْدَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ
وَالْخَنْدَقِ ، وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ هَاجَرَ مَعَهُ
إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَحِقَ بَهْ أَخَوَاهُ لِأُمّهِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ
وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، فَرَجَعَا بِهِ إلَى مَكّةَ فَحَبَسَاهُ بِهَا حَتّى
مَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ عُمّارُ بْنُ يَاسِرٍ
، يُشَكّ فِيهِ أَكَانَ خَرَجَ إلَى الْحَبَشَةِ أَمْ لَا ؟ وَمُعَتّبُ بْنُ عَوْفِ
بْنِ عَامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ .
[ مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي جُمَحٍ
]
وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ
كَعْبٍ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ
جُمَحٍ . وَابْنُهُ السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ وَقُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ ، وَعَبْدُ
اللّهِ بْنُ مَظْعُونٍ .
[مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ ]
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ
كَعْبٍ [ ص 368 ] خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ ، وَهِشَامُ بْنُ
الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ ، حُبِسَ بِمَكّةَ بَعْدَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ حَتّى قَدِمَ بَعْدَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ .
[مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي عَدِيّ ]
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ : عَامِرُ بْنُ
رَبِيعَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ (
بْنِ حُذَافَةَ ) بْنِ غَانِمٍ
.
[ مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَحُلَفَائِهِمْ ]
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ
مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسٍ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ
سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَانَ حُبِسَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ ، حَتّى كَانَ يَوْمُ بَدْر ٍ
، فَانْحَازَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَشَهِدَ مَعَهُ بَدْرًا ، وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ
عَبْدِ الْعُزّى ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ كُلْثُومِ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ
عَمْرٍو ، وَالسّكْرَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ
سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ ، مَاتَ بِمَكّةَ قَبْلَ هِجْرَةِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 369 ] الْمَدِينَةِ ، فَخَلَفَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى امْرَأَتِهِ سَوْدَةَ بِنْتِ
زَمْعَةَ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ
[ مَنْ عَادَ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ ]
وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : أَبُو عُبَيْدَةَ
بْنُ الْجَرّاحِ ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْجَرّاحِ وَعَمْرُو
بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادٍ وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ ، وَهُوَ
سُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالٍ ، وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحِ
بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالٍ .
[ عَدَدُ الْعَائِدِينَ مِنْ الْحَبَشَةِ وَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ فِي
جِوَارٍ ]
فَجَمِيعُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مَكّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ
مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا فَكَانَ مَنْ دَخَلَ
مِنْهُمْ بِجِوَارٍ فِيمَنْ سُمّيَ لَنَا : عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبٍ
الْجُمَحِيّ دَخَلَ بِجِوَارِ مِنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَأَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ ، دَخَلَ بِجِوَارٍ مِنْ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَكَانَ
خَالَهُ . وَأُمّ أَبِي سَلَمَةَ بَرّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . [ ص 370 ]
[ قِصّةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي رَدّ جِوَارِ
الْوَلِيدِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ
مَظْعُونٍ فَإِنّ صَالِحَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
حَدّثَنِي عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ لَمّا رَأَى عُثْمَانُ بْنُ
مَظْعُونٍ مَا فِيهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مِنْ الْبَلَاءِ وَهُوَ يَغْدُو وَيَرُوحُ فِي أَمَانٍ مِنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ
، قَالَ وَاَللّهِ إنّ غُدُوّي وَرَوَاحِي آمِنًا بِجِوَارِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ
الشّرْكِ وَأَصْحَابِي وَأَهْلُ دِينِي يَلْقَوْنَ مِنْ الْبَلَاءِ وَالْأَذَى فِي
اللّهِ مَا لَا يُصِيبُنِي ، لَنَقْصٌ كَبِيرٌ فِي نَفْسِي فَمَشَى إلَى
الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ ، وَفّتْ
ذِمّتُك ، قَدْ رَدَدْتُ إلَيْك جِوَارَك فَقَالَ لَهُ ( لِمَ ) يَا ابْنَ أَخِي ؟
لَعَلّهُ آذَاكَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِي ، قَالَ لَا ، وَلَكِنّي أَرْضَى بِجِوَارِ
اللّهِ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَسْتَجِيرَ بِغَيْرِهِ ؟ قَالَ فَانْطَلِقْ إلَى الْمَسْجِدِ
فَارْدُدْ عَلَيّ جِوَارِي عَلَانِيَةً كَمَا أَجَرْتُك عَلَانِيَةً . قَالَ
فَانْطَلَقَا فَخَرَجَا حَتّى أَتَيَا الْمَسْجِدَ فَقَالَ الْوَلِيدُ هَذَا
عُثْمَانُ قَدْ جَاءَ يَرُدّ عَلَيّ جِوَارِي ، قَالَ صَدَقَ قَدْ وَجَدْته
وَفِيّا كَرِيمَ الْجِوَار ، وَلَكِنّي قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَسْتَجِيرَ
بِغَيْرِ اللّهِ فَقَدْ رَدَدْت عَلَيْهِ جِوَارَهُ ثُمّ انْصَرَفَ عُثْمَانُ
وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ فِي مَجْلِسٍ
مِنْ قُرَيْشٍ يُنْشِدُهُمْ فَجَلَسَ مَعَهُمْ عُثْمَانُ فَقَالَ لَبِيدٌ أَلَا
كُلّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللّهَ بَاطِلُ خلا الله باطل17035"id="الشعر" >
قَالَ عُثْمَانُ صَدَقْتَ . قَالَ ( لَبِيدٌ ) وَكُلّ
نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ مَحَالَةَ زائل9894"id="الشعر" >
قَالَ عُثْمَانُ كَذَبْت ، نَعِيمُ الْجَنّةِ لَا
يَزُولُ . قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، وَاَللّهِ مَا
كَانَ يُؤْذَى جَلِيسُكُمْ فَمَتَى حَدَثَ هَذَا فِيكُمْ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ
: إنّ هَذَا سَفِيهٌ فِي سُفَهَاءَ مَعَهُ قَدْ فَارَقُوا دِينَنَا ، فَلَا
تَجِدَنّ فِي نَفْسِك مِنْ قَوْلِهِ فَرَدّ عَلَيْهِ عُثْمَانُ حَتّى شَرِيَ
أَمْرُهُمَا ، فَقَامَ إلَيْهِ ذَلِكَ الرّجُلُ فَلَطَمَ عَيْنَهُ فَخَضّرَهَا [ ص
371 ] وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَرِيبٌ يَرَى مَا بَلَغَ مِنْ عُثْمَانَ
فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ يَا ابْنَ أَخِي إنْ كَانَتْ عَيْنُك عَمّا أَصَابَهَا
لَغَنِيّةٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي ذِمّةٍ مَنِيعَةٍ . قَالَ يَقُولُ عُثْمَانُ بَلْ
وَاَللّهِ إنّ عَيْنِي الصّحِيحَةَ لَفَقِيرَةٌ إلَى مِثْلِ مَا أَصَابَ أُخْتَهَا
فِي اللّهِ وَإِنّي لَفِي جِوَارِ مَنْ هُوَ أَعَزّ مِنْك وَأَقْدَرُ يَا أَبَا
عَبْدِ شَمْسٍ ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ هَلُمّ يَا ابْنَ أَخِي ، إنْ شِئْت
فَعُدْ إلَى جِوَارِك فَقَالَ لَا
.
قِصّةُ
أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللّه عَنْهُ فِي جِوَارِهِ
[ ضَجَرُ الْمُشْرِكِينَ بِأَبِي طَالِبٍ لِإِجَارَتِهِ
وَدِفَاعُ أَبِي لَهَبٍ وَشِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَمّا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الْأَسَدِ فَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنّهُ حَدّثَهُ أَنّ أَبَا سَلَمَةَ
لَمّا اسْتَجَارَ بِأَبِي طَالِبٍ مَشَى إلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
فَقَالُوا ( لَهُ ) يَا أَبَا طَالِبٍ لَقَدْ مَنَعْت مِنّا ابْنَ أَخِيك
مُحَمّدًا ، فَمَا لَكَ وَلِصَاحِبِنَا تَمْنَعُهُ مِنّا ؟ قَالَ إنّهُ اسْتَجَارَ
بِي ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِي ، وَإِنْ أَنَا لَمْ أَمْنَعْ ابْنَ أُخْتِي لَمْ
أَمْنَعْ ابْنَ أَخِي ، فَقَامَ أَبُو لَهَبٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ،
وَاَللّهِ لَقَدْ أَكْثَرْتُمْ عَلَى هَذَا الشّيْخِ مَا تَزَالُونَ تَوَثّبُونَ
عَلَيْهِ فِي جِوَارِهِ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ وَاَللّهِ لَتَنْتَهُنّ عَنْهُ أَوْ لَنَقُومَنّ
مَعَهُ فِي كُلّ مَا قَامَ فِيهِ حَتّى يَبْلُغَ مَا أَرَادَ . قَالَ فَقَالُوا
: بَلْ نَنْصَرِفُ عَمّا تَكْرَهُ يَا أَبَا عُتْبَةَ وَكَانَ لَهُمْ وَلِيّا
وَنَاصِرًا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَبْقَوْا
عَلَى ذَلِكَ . فَطَمِعَ فِيهِ أَبُو طَالِبٍ حَيْنَ سَمِعَهُ يَقُولُ مَا يَقُولُ
وَرَجَا أَنْ يَقُومَ مَعَهُ فِي شَأْنِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ يُحَرّضُ أَبَا لَهَبٍ عَلَى نُصْرَتِهِ
وَنُصْرَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 372 ]
وَإِنّ امْرَأً أَبُو عُتَيْبَةَ عَمّهُ ... لَفِي
رَوْضَةٍ مَا إنْ يُسَامُ الْمَظَالِمَا
أَقُولُ لَهُ وَأَيْنَ مِنْهُ نَصِيحَتِي ... أَبَا
مُعْتِبٍ ثَبّتْ سَوَادَك قَائِمًا
وَلَا تَقْبَلَنّ الدّهْرَ مَا عِشْتَ حظّةً ... تُسَبّ
بِهَا إمّا هَبَطْت الْمَوَاسِمَا
وَوَلّ سَبِيلَ الْعَجْزِ غَيْرَك مِنْهُمْ ... فَإِنّك
لَمْ تُخْلَقْ عَلَى الْعَجْزِ لَازِمَا
وَحَارِبْ فَإِنّ الْحَرْبَ نُصْفٌ وَلَنْ تَرَى ...
أَخَا الْحَرْبِ يُعْطَى الْخَسْفَ حَتّى يُسَالَمَا
وَكَيْفَ وَلَمْ يَجْنُوا عَلَيْك عَظِيمَةً ... وَلَمْ
يَخْذُلُوك غَانِمًا أَوْ مُغَارِمَا
جَزَى اللّهُ عَنّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ...
وَتَيْمًا وَمَخْزُومًا عُقُوقًا وَمَأْثَمَا
بِتَفْرِيقِهِمْ مِنْ بَعْدِ وُدّ وَأُلْفَةٍ ...
جَمَاعَتَنَا كَيْمَا يَنَالُوا الْمَحَارِمَا
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ نُبْزَى مُحَمّدًا ...
وَلَمّا تَرَوْا يَوْمًا لَدَى الشّعْبِ قَائِمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : نُبْزَى : نُسْلَبُ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَبَقِيَ مِنْهَا بَيْتٌ تَرَكْنَاهُ .
دُخُولُ
أَبِي بَكْرٍ فِي جِوَارِ ابْنِ الدّغُنّةِ وَرَدّ جِوَارِهِ عَلَيْهِ
[ سَبَبُ جِوَارِ ابْنِ الدّغُنّةِ لِأَبِي بَكْرٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ
الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ ( ابْنِ
شِهَابٍ ) الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا حِينَ
ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَكّةُ وَأَصَابَهُ فِيهَا الْأَذَى ، وَرَأَى مِنْ تَظَاهُرِ قُرَيْشٍ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ مَا رَأَى ،
اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْهِجْرَةِ
فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا ، حَتّى إذَا سَارَ مِنْ مَكّةَ
يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَقِيَهُ ابْنُ الدّغُنّةِ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ
عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الْأَحَابِيشِ . [ ص
373 ]
[ الْأَحَابِيشُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْأَحَابِيشُ : بَنُو
الْحَارِثِ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَالْهُونُ بْنُ خُزَيْمَةَ بْنِ
مُدْرِكَةَ ، وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
تَحَالَفُوا جَمِيعًا ، فَسُمّوا الْأَحَابِيشَ ( لِأَنّهُمْ تَحَالَفُوا بِوَادٍ يُقَالُ
لَهُ الْأَحْبَشُ بِأَسْفَلِ مَكّةَ ) لِلْحِلْفِ وَيُقَالُ ابْنُ الدّغَيْنَةِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ ( بْنِ الزّبَيْرِ )
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ فَقَالَ ابْنُ الدّغُنّةِ أَيْنَ
يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ قَالَ أَخْرَجَنِي قَوْمِي وَآذَوْنِي ، وَضَيّقُوا عَلَيّ
قَالَ وَلِمَ ؟ فَوَاَللّهِ إنّك لَتَزِينُ الْعَشِيرَةَ وَتُعِينُ عَلَى
النّوَائِبِ وَتَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ ارْجِعْ فَأَنْتَ
فِي جِوَارِي . فَرَجَعَ مَعَهُ حَتّى إذَا دَخَلَ مَكّةَ ، قَامَ ابْنُ الدّغُنّةِ
فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّي قَدْ أَجَرْت ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ ، فَلَا
يَعْرِضَنّ لَهُ أَحَدٌ إلّا بِخَيْرِ . قَالَتْ فَكَفّوا عَنْهُ
[ سَبَبُ خُرُوجِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ جِوَارِ ابْنِ الدّغُنّةِ ]
قَالَتْ وَكَانَ لِأَبِي بَكْرٍ مَسْجِدٌ عِنْدَ بَابِ
دَارِهِ فِي بَنِي جُمَحٍ ، فَكَانَ يُصَلّي فِيهِ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا ،
إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ اسْتَبْكَى . قَالَتْ فَيَقِفُ عَلَيْهِ الصّبْيَانُ
وَالْعَبِيدُ وَالنّسَاءُ يَعْجَبُونَ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ هَيْئَتِهِ . قَالَتْ فَمَشَى
رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى ابْنِ الدّغُنّةِ فَقَالُوا ( لَهُ ) يَا ابْنَ
الدّغُنّةِ إنّك لَمْ تُجِرْ هَذَا الرّجُلَ لِيُؤْذِيَنَا إنّهُ رَجُلٌ إذَا
صَلّى وَقَرَأَ مَا جَاءَ بَهْ مُحَمّدٌ يَرِقّ وَيَبْكِي ، وَكَانَتْ لَهُ
هَيْئَةٌ وَنَحْوٌ فَنَحْنُ نَتَخَوّفُ عَلَى صِبْيَانِنَا وَنِسَائِنَا
وَضَعَفَتِنَا أَنْ يَفْتِنَهُمْ فَأْتِهِ فَمُرْهُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ
فَلْيَصْنَعْ فِيهِ مَا شَاءَ . قَالَتْ فَمَشَى ابْنُ الدّغُنّةِ إلَيْهِ فَقَالَ
لَهُ يَا أَبَا بَكْر ٍ [ ص 374 ]
مَكَانَك الّذِي أَنْتَ فِيهِ وَتَأَذّوْا بِذَلِكَ
مِنْك ، فَادْخُلْ بَيْتَك ، فَاصْنَعْ فِيهِ مَا أَحْبَبْتَ قَالَ أَوَأَرُدّ
عَلَيْك جِوَارَك وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللّهِ ؟ قَالَ فَارْدُدْ عَلَيّ جِوَارِي ،
قَالَ قَدْ رَدَدْتُهُ عَلَيْك قَالَتْ فَقَامَ ابْنُ الدّغُنّةِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ ، إنّ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ قَدْ رَدّ عَلَيّ جِوَارِي فَشَأْنُكُمْ
بِصَاحِبِكُمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ ، عَنْ
أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ ، قَالَ لَقِيَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ
قُرَيْشٍ ، وَهُوَ عَامِدٌ إلَى الْكَعْبَةِ ، فَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا .
قَالَ فَمَرّ بِأَبِي بَكْر ٍ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، أَوْ الْعَاصُ بْنُ
وَائِلٍ . قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْر ٍ أَلَا تَرَى إلَى مَا يَصْنَعُ هَذَا
السّفِيهُ ؟ قَالَ أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِنَفْسِك . قَالَ وَهُوَ يَقُولُ أَيْ رَبّ مَا
أَحْلَمَك أَيْ رَبّ مَا أَحْلَمَك أَيْ رَبّ مَا أَحْلَمَك
حَدِيثُ
نَقْضِ الصّحِيفَةِ
[ بَلَاءُ هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو
الْمُطّلِبِ فِي مَنْزِلِهِمْ الّذِي تَعَاقَدَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ عَلَيْهِمْ فِي
الصّحِيفَةِ الّتِي كَتَبُوهَا ، ثُمّ إنّهُ قَامَ فِي نَقْضِ تِلْكَ الصّحِيفَةِ
الّتِي تَكَاتَبَتْ فِيهَا قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ نَفَرٌ
مِنْ قُرَيْشٍ ، وَلَمْ يُبْلَ فِيهَا أَحَدٌ أَحْسَنَ مِنْ بَلَاءِ هِشَامِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ نَصْرِ بْنِ (
جَذِيمَةَ ) بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، وَذَلِكَ أَنّهُ
كَانَ ابْنَ أَخِي نَضْلَةَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ لِأُمّهِ فَكَانَ
هِشَامٌ لِبَنِي هَاشِمٍ وَاصَلًا ، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ [ ص 375 ]
فَكَانَ - فِيمَا بَلَغَنِي - يَأْتِي بِالْبَعِيرِ وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو
الْمُطّلِبِ فِي الشّعْبِ لَيْلًا ، قَدْ أَوْقَرَهُ طَعَامًا ، حَتّى إذَا
أَقْبَلَ بِهِ فَمَ الشّعْبِ خَلَعَ خِطَامَهُ مِنْ رَأْسِهِ ثُمّ ضَرَبَ عَلَى جَنْبِهِ
فَيَدْخُلُ الشّعْبَ عَلَيْهِمْ ثُمّ يَأْتِي بِهِ قَدْ أَوْقَرَهُ بَزّا ،
فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ
.
[ سَعْيُ هِشَامٍ فِي ضَمّ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ لَهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّهُ مَشَى إلَى زُهَيْرِ
بْنِ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ ، وَكَانَتْ أُمّهُ عَاتِكَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَقَالَ يَا زُهَيْرُ
، أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ تَأْكُلَ الطّعَامَ وَتَلْبَسَ الثّيَابَ وَتَنْكِحَ
النّسَاءَ وَأَخْوَالُك حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ لَا يُبَاعُونَ وَلَا يُبْتَاعُ
مِنْهُمْ وَلَا يَنْكِحُونَ وَلَا يُنْكَحُ إلَيْهِمْ ؟ أَمَا إنّي أَحْلِفُ
بِاَللّهِ أَنْ لَوْ كَانُوا أَخْوَالَ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ ، ثُمّ
دَعَوْتَهُ إلَى ( مِثْلِ ) مَا دَعَاك إلَيْهِ مِنْهُمْ مَا أَجَابَك إلَيْهِ
أَبَدًا ؛ قَالَ وَيْحَك يَا هِشَامُ فَمَاذَا أَصْنَعُ ؟ إنّمَا أَنَا رَجُلٌ
وَاحِدٌ وَاَللّهِ لَوْ كَانَ مَعِي رَجُلٌ آخَرُ لَقُمْت فِي نَقْضِهَا حَتّى
أَنْقُضَهَا ، قَالَ قَدْ وَجَدْت رَجُلًا قَالَ فَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ أَنَا ،
قَالَ لَهُ زُهَيْرٌ أَبْغِنَا رَجُلًا ثَالِثًا
[ سَعْيُ هِشَامٍ فِي ضَمّ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ لَهُ ]
فَذَهَبَ إلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ ( بْنِ نَوْفَلِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ) فَقَالَ لَهُ يَا مُطْعِمُ أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ يَهْلِكَ
بَطْنَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأَنْتَ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِقُرَيْشِ
فِيهِ أَمَا وَاَللّهِ لَئِنْ أَمْكَنْتُمُوهُمْ مِنْ هَذِهِ لَتَجِدُنّهُمْ
إلَيْهَا مِنْكُمْ سِرَاعًا ؛ قَالَ وَيْحَك فَمَاذَا أَصْنَعُ إنّمَا أَنَا
رَجُلٌ وَاحِدٌ قَالَ قَدْ وَجَدْت ثَانِيًا ؛ قَالَ مَنْ هُوَ ؟ قَالَ أَنَا ،
قَالَ أَبْغِنَا ثَالِثًا ، قَالَ قَدْ فَعَلْتُ قَالَ مَنْ هُوَ ؟ قَالَ زُهَيْرُ
بْنُ أَبِي أُمَيّةَ ، قَالَ أَبْغِنَا رَابِعًا .
[ سَعْيُ هِشَامٍ فِي ضَمّ أَبِي الْبَخْتَرِيّ إلَيْهِ ]
فَذَهَبَ إلَى الْبَخْتَرِيّ بْنِ هِشَامٍ فَسَأَلَ لَهُ
نَحْوًا مِمّا قَالَ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ ، [ ص 376 ] فَقَالَ وَهَلْ مِنْ
أَحَدٍ يُعِينُ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَنْ هُوَ ؟ قَالَ زُهَيْرُ بْنُ
أَبِي أُمَيّةَ ، وَالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ ، وَأَنَا مَعَك ، قَالَ أَبْغِنَا خَامِسًا .
[ سَعْيُ هِشَامٍ فِي ضَمّ زَمْعَةَ لَهُ ]
فَذَهَبَ إلَى زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ
الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ، فَكَلّمَهُ ذَكَرَ لَهُ قَرَابَتَهُمْ وَحَقّهُمْ
فَقَالَ لَهُ وَهَلْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الّذِي تَدْعُونِي إلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ
؟ قَالَ نَعَمْ ثُمّ سَمّى لَهُ الْقَوْمَ .
[ مَا حَدَثَ بَيْنَ هِشَامٍ وَزُمَلَائِهِ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ حَيْن
اعْتَزَمُوا تَمْزِيقَ الصّحِيفَةِ
]
فَاتّعَدُوا خَطْمَ الْحَجُونِ لَيْلًا بِأَعْلَى مَكّةَ
، فَاجْتَمَعُوا هُنَالِكَ . فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَتَعَاقَدُوا عَلَى الْقِيَامِ فِي
الصّحِيفَةِ حَتّى يَنْقُضُوهَا ، وَقَالَ زُهَيْرٌ : أَنَا أَبْدَؤُكُمْ
فَأَكُونُ أَوّلَ مَنْ يَتَكَلّمُ . فَلَمّا أَصْبَحُوا غَدَوْا إلَى
أَنْدِيَتِهِمْ وَغَدَا زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ عَلَيْهِ حُلّةٌ فَطَافَ بِالْبَيْتِ
سَبْعًا ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ يَا أَهْلَ مَكّةَ ؟ أَنَأْكُلُ
الطّعَامَ وَنَلْبَسُ الثّيَابَ وَبَنُو هَاشِمٍ هَلْكَى لَا يُبَاعُ وَلَا
يُبْتَاعُ مِنْهُمْ وَاَللّهِ لَا أَقْعُدُ حَتّى تُشَقّ هَذِهِ الصّحِيفَةُ .
الْقَاطِعَةُ الظّالِمَةُ . قَالَ أَبُو جَهْلٍ : وَكَانَ فِي نَاحِيَةِ
الْمَسْجِدِ : كَذَبْتَ وَاَللّهِ لَا تُشَقّ ، قَالَ زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ :
أَنْتَ وَاَللّهِ أَكْذَبُ مَا رَضِينَا كِتَابَهَا حَيْثُ كُتِبَتْ قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ
صَدَقَ زَمْعَةُ ، لَا نَرْضَى مَا كُتِبَ فِيهَا ، وَلَا نُقِرّ بِهِ قَالَ
الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ : صَدَقْتُمَا وَكَذَبَ مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ
نَبْرَأُ إلَى اللّهِ مِنْهَا ، وَمِمّا كُتِبَ فِيهَا ، قَالَ هِشَامُ بْنُ
عَمْرٍو نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ
بِلَيْلِ تُشُووِرَ فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ ( قَالَ ) : وَأَبُو طَالِبٍ
جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ، فَقَامَ الْمُطْعِمُ إلَى الصّحِيفَةِ
لِيَشُقّهَا ، فَوَجَدَ الْأَرَضَةَ قَدْ أَكَلَتْهَا ، إلّا " بِاسْمِك
اللّهُمّ " . [ ص 377 ]
[ كَاتِبُ الصّحِيفَةِ وَشَلّ يَدِهِ ]
وَكَانَ كَاتِبَ الصّحِيفَةِ مَنْصُورُ بْنُ عِكْرِمَةَ
. فَشُلّتْ يَدُهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ
.
[ إخْبَارُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَكْلِ الْأَرَضَةِ
لِلصّحِيفَةِ وَمَا كَانَ مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ
أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِأَبِي طَالِبٍ : يَا
عَمّ إنّ رَبّي اللّهَ قَدْ سَلّطَ الْأَرَضَةَ عَلَى صَحِيفَةِ قُرَيْشٍ ، فَلَمْ
تَدَعْ فِيهَا اسْمًا هُوَ لِلّهِ إلّا أَثْبَتَتْهُ فِيهَا ، وَنَفَتْ مِنْهُ
الظّلْمَ وَالْقَطِيعَةَ وَالْبُهْتَانَ فَقَالَ أَرَبّك أَخْبَرَك بِهَذَا ؟
قَالَ نَعَمْ قَالَ فَوَاَللّهِ مَا يَدْخُلُ عَلَيْك أَحَدٌ ، ثُمّ خَرَجَ إلَى
قُرَيْشٍ ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّ ابْنَ أَخِي أَخْبَرَنِي بِكَذَا
وَكَذَا ، فَهَلُمّ صَحِيفَتُكُمْ فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ أَخِي
فَانْتَهُوا عَنْ قَطِيعَتِنَا ، وَانْزِلُوا عَمّا فِيهَا ؟ وَإِنْ يَكُنْ
كَاذِبًا دَفَعْت إلَيْكُمْ ابْنَ أَخِي ، فَقَالَ الْقَوْمُ رَضِينَا ،
فَتَعَاقَدُوا عَلَى ذَلِكَ ثُمّ نَظَرُوا ، فَإِذَا هِيَ كَمَا قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَزَادَهُمْ ذَلِكَ شَرّا . فَعِنْدَ ذَلِك
صَنَعَ الرّهْطُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ مَا صَنَعُوا
[ شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي مَدْحِ النّفَرِ الّذِينَ نَقَضُوا الصّحِيفَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا مُزّقَتْ الصّحِيفَةُ
وَبَطَلَ مَا فِيهَا . قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أُولَئِكَ
النّفَرِ الّذِينَ قَامُوا فِي نَقْضِهَا يَمْدَحُهُمْ [ ص 378 ] [ ص 379 ] [ ص
380 ]
أَلَا هَلْ أَتَى بَحْرِيّنَا صُنْعُ رَبّنَا ربنا23811"id="الشعر" > ... عَلَى
نَأْيِهِمْ وَاَللّهُ بِالنّاسِ أَرْوَدُ
فَيُخْبِرَهُمْ أَنّ الصّحِيفَةَ مُزّقَتْ ... وَأَنْ
كُلّ مَا لَمْ يَرْضَهُ اللّهُ مُفْسَدُ
تُرَاوِحُهَا إفْكٌ وَسِحْرٌ مُجَمّعٌ ... وَلَمْ يُلْفَ
سِحْرٌ آخِرَ الدّهْرِ يَصْعَدُ
تَدَاعَى لَهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِقَرْقَرٍ ...
فَطَائِرُهَا فِي رَأْسِهَا يَتَرَدّدُ
وَكَانَتْ كِفَاءً رَقْعَةٌ بِأَثِيمَةٍ ... لِيُقْطَعَ
مِنْهَا سَاعِدٌ وَمُقَلّدُ
وَيَظْعَنُ أَهْلُ الْمَكّتَيْنِ فَيَهْرُبُوا ...
فَرَائِصُهُمْ مِنْ خَشْيَةِ الشّرّ تُرْعَدُ
وَيُتْرَكُ حَرّاثٌ يُقَلّبُ أَمْرَهُ ... أَيُتْهِمُ
فِيهِمْ عِنْدَ ذَاكَ وَيُنْجِدُ
وَتَصْعَدُ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ كَتِيبَةٌ ... لَهَا
حُدُجٌ سَهْمٌ وَقَوْسٌ وَمِرْهَدُ
فَمَنْ يَنْشَ مِنْ حُضّارِ مَكّةَ عِزّهُ ...
فَعِزّتُنَا فِي بَطْنِ مَكّةَ أَتْلَدُ
نَشَأْنَا بِهَا وَالنّاسُ فِيهَا قَلَائِلُ ... فَلَمْ
نَنْفَكِكْ نَزْدَادُ خَيْرًا وَنَحْمَدُ
وَنُطْعِمُ حَتّى يَتْرُكَ النّاسُ فَضْلَهُمْ ... إذَا
جُعِلَتْ أَيْدِي الْمُفِيضِينَ تُرْعَدُ
جَزَى اللّهُ رَهْطًا بِالْحَجُونِ تَبَايَعُوا ...
عَلَى مَلَأٍ يُهْدِي لِحَزْمٍ وَيُرْشِدُ
قُعُودًا لَدَى خَطْمِ الْحَجُونِ كَأَنّهُمْ ...
مَقَاوِلَةٌ بَلْ هُمْ أَعَزّ وَأَمْجَدُ
أَعَانَ عَلَيْهَا كُلّ صَقْرٍ كَأَنّهُ ... إذَا مَا مَشَى
فِي رَفْرَفِ الدّرْعِ أَحْرَدُ
جَرِيّ عَلَى جُلّى الْخُطُوبِ كَأَنّهُ ... شِهَابٌ
بِكَفّيْ قَابِسٍ يَتَوَقّدُ
مِنْ الْأَكْرَمِينَ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا
سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ يَتَرَبّدُ
طَوِيلُ النّجَادِ خَارِجٌ نِصْفُ سَاقِهِ ... عَلَى وَجْهِهِ
يُسْقَى الْغَمَامُ وَيُسْعِدُ
عَظِيمُ الرّمَادِ سَيّدٌ وَابْنُ سَيّدٍ ... يَحُضّ
عَلَى مَقْرَى الضّيُوفِ وَيَحْشِدُ
وَيَبْنِي لِأَبْنَاءِ الْعَشِيرَةِ صَالِحًا ... إذَا
نَحْنُ طُفْنَا فِي الْبِلَادِ وَيَمْهَدُ
أَلَظّ بِهَذَا الصّلْحِ كُلّ مُبَرّأٍ ... عَظِيمِ
اللّوَاءِ أَمْرُهُ ثَمّ يُحْمَدُ
قَضَوْا مَا قَضَوْا فِي لَيْلِهِمْ ثُمّ أَصْبَحُوا ...
عَلَى مَهَلٍ وَسَائِرُ النّاسِ رُقّدُ
هُمٌ رَجَعُوا سَهْلَ بْنَ بَيْضَاءَ رَاضِيًا ...
وَسُرّ أَبُو بَكْرٍ بِهَا وَمُحَمّدُ
مَتَى شُرّكَ الْأَقْوَامُ فِي جُلّ أَمْرِنَا ...
وَكُنّا قَدِيمًا قَبْلَهَا نُتَوَدّدُ
وَكُنّا قَدِيمًا لَا نُقِرّ ظُلَامَةً ... وَنُدْرِكُ
مَا شِئْنَا وَلَا نَتَشَدّدُ
فَيَالَقُصَىّ هَلْ لَكُمْ فِي نُفُوسِكُمْ ... وَهَلْ
لَكُمْ فِيمَا يَجِيءُ بَهْ غَدُ
فَإِنّي وَإِيّاكُمْ كَمَا قَالَ قَائِلٌ ... لَدَيْك
الْبَيَانُ لَوْ تَكَلّمْت أَسْوَدُ
[ شِعْرُ حَسّانَ فِي رِثَاءِ الْمُطْعِمِ وَذِكْرُ نَقْضِهِ الصّحِيفَةَ ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ : يَبْكِي الْمُطْعِمَ
بْنَ عَدِيّ حِينَ مَاتَ وَيَذْكُرُ قِيَامَهُ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ
أَيَا عَيْنُ فَابْكِي سَيّدَ الْقَوْمِ وَاسْفَحِي ...
بِدَمْعٍ وَإِنْ أَنْزَفْتِهِ فَاسْكُبِي الدّمَا
وَبَكّي عَظِيمَ الْمَشْعَرَيْنِ كِلَيْهِمَا ... عَلَى
النّاسِ مَعْرُوفًا لَهُ مَا تَكَلّمَا
فَلَوْ كَانَ مَجْدٌ يُخْلَدُ الدّهْرَ وَاحِدًا ...
مِنْ النّاسِ أَبْقَى مَجْدُهُ الْيَوْمَ مُطْعِمَا
أَجَرْتَ رَسُولَ اللّهِ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا ...
عَبِيدَك مَا لَبّى مُهِلّ وَأَحْرَمَا
فَلَوْ سُئِلَتْ عَنْهُ مَعَدّ بِأَسْرِهَا ...
وَقَحْطَانُ أَوْ بَاقِي بَقِيّةِ جُرْهُمَا
لَقَالُوا هُوَ الْمُوفِي بِخُفْرَةِ جَارِهِ ... وَذِمّتِهِ
يَوْمًا إذَا مَا تَذَمّمَا
فَمَا تَطْلُعُ الشّمْسُ الْمُنِيرَةُ فَوْقَهُمْ ...
عَلَى مِثْلِهِ فِيهِمْ أَعَزّ وَأَعْظَمَا
وَآبَى إذَا يَأْبَى ، وَأَلْيَنَ شِيمَةً ...
وَأَنْوَمَ عَنْ جَارٍ إذَا اللّيْلُ أَظْلَمَا
[ ص 381 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ "
كِلَيْهِمَا " ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
[ كَيْفَ أَجَارَ الْمُطْعِمُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَمّا قَوْلُهُ " أَجَرْت
رَسُولَ اللّهِ مِنْهُمْ "
، فَإِنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا انْصَرَفَ عَنْ أَهْلِ
الطّائِفِ ، وَلَمْ يُجِيبُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ مِنْ تَصْدِيقِهِ
وَنُصْرَتِهِ صَارَ إلَى حِرَاءٍ ، ثُمّ بَعَثَ إلَى الْأَخْنَسِ بْن شَرِيقٍ
لِيُجِيرَهُ فَقَالَ أَنَا حَلِيفٌ وَالْحَلِيفُ لَا يُجِيرُ . فَبَعَثَ إلَى سُهَيْلِ
بْنِ عَمْرٍو ، فَقَالَ إنّ بَنِي عَامِر ٍ لَا تُجِيرُ عَلَى بَنِي كَعْبٍ .
فَبَعَثَ إلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ ثُمّ تَسَلّحَ
الْمُطْعِمُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَخَرَجُوا حَتّى أَتَوْا الْمَسْجِدَ ، ثُمّ
بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ اُدْخُلْ
فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلّى
عِنْدَهُ . ثُمّ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ . فَذَلِكَ الّذِي يَعْنِي حَسّانُ
بْنُ ثَابِتٍ .
[ مَدْحُ حَسّانَ لِهِشَامِ بْنِ عَمْرٍو لِقِيَامِهِ فِي الصّحِيفَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ (
الْأَنْصَارِيّ ) أَيْضًا : يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَمْرٍو لِقِيَامِهِ فِي
الصّحِيفَةِ
ذمة30333"id="الشعر"
> هَلْ يُوَفّيَنّ بَنُو أُمَيّةَ ذِمّةً ... عَقْدًا
كَمَا أَوْفَى جِوَارُ هِشَامِ
مِنْ مَعْشَرٍ لَا يَغْدِرُونَ بِجَارِهِمْ ...
لِلْحَارِثِ بْنِ حُبَيّبِ بْنِ سُخَامِ
وَإِذَا بَنُو حِسْلٍ أَجَارُوا ذِمّةً ... أَوْفَوْا
وَأَدّوْا جَارَهُمْ بِسَلَامِ
وَكَانَ هِشَامٌ أَحَدَ سُحَامِ ( بِالضّمّ ) [ ص 382 ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سُخَامٌ
قِصّةُ
إسْلَامِ الطّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدّوْسِيّ
[ تَحْذِيرُ قُرَيْشٍ لَهُ مِنْ الِاسْتِمَاعِ لِلنّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مَا يَرَى مِنْ قَوْمِهِ يَبْذُلُ لَهُمْ
النّصِيحَةَ وَيَدْعُوهُمْ إلَى النّجَاةِ مِمّا هُمْ فِيهِ . وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ
، حِينَ مَنَعَهُ اللّهُ مِنْهُمْ يُحَذّرُونَهُ النّاسَ وَمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ
مِنْ الْعَرَبِ . وَكَانَ الطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدّوْسِيّ يُحَدّثُ أَنّهُ قَدِمَ
مَكّةَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا ، فَمَشَى إلَيْهِ
رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ الطّفَيْلُ رَجُلًا شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا ،
فَقَالُوا لَهُ يَا طُفَيْلُ ، إنّك قَدِمْتَ بِلَادَنَا ، وَهَذَا الرّجُلُ الّذِي
بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا ، وَقَدْ فَرّقَ جَمَاعَتَنَا ، وَشَتّتْ
أَمْرَنَا ، وَإِنّمَا قَوْلُهُ كَالسّحْرِ يُفَرّقُ بَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ
أَبِيهِ وَبَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ وَبَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ
وَإِنّا نَخْشَى عَلَيْك وَعَلَى قَوْمِك مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا ، فَلَا
تُكَلّمَنّهُ وَلَا تَسْمَعَنّ مِنْهُ شَيْئًا .
قَالَ فَوَاَللّهِ مَا زَالُوا بِي حَتّى أَجْمَعْتُ أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أُكَلّمَهُ حَتّى حَشَوْتُ فِي أُذُنَيّ حِينَ غَدَوْتُ إلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ . قَالَ فَغَدَوْت إلَى الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ . قَالَ فَقُمْت مِنْهُ قَرِيبًا فَأَبَى اللّهُ إلّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ . قَالَ فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : [ ص 383 ] أُمّي ، وَاَللّهِ إنّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيّ الْحَسَنُ مِنْ الْقَبِيحِ فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرّجُلِ مَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ الّذِي يَأْتِي بَهْ حَسَنًا قَبِلْتُهُ وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُهُ
[ الْتِقَاؤُهُ بِالرّسُولِ وَقَبُولُهُ الدّعْوَةَ ]
قَالَ فَمَكَثْت حَتّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ فَاتّبَعْتُهُ حَتّى إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ
دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْت : يَا مُحَمّدُ إنّ قَوْمَك قَدْ قَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا
، لِلّذِي قَالُوا ، فَوَاَللّهِ مَا بَرِحُوا يُخَوّفُونَنِي أَمْرَك حَتّى سَدَدْت
أُذُنَيّ بِكُرْسُفٍ لِئَلّا أَسْمَعَ قَوْلَك ، ثُمّ أَبَى اللّهُ إلّا أَنْ
يُسْمِعَنِي قَوْلَك ، ، فَسَمِعْتُهُ قَوْلًا حَسَنًا ، فَاعْرِضْ عَلَيّ أَمْرَك
. قَالَ فَعَرَضَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيّ الْقُرْآنَ فَلَا وَاَللّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا
قَطّ أَحْسَنَ مِنْهُ وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ . قَالَ فَأَسْلَمْت
وَشَهِدْت شَهَادَةَ الْحَقّ وَقُلْت : يَا نَبِيّ اللّهِ إنّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ
فِي قَوْمِي ، وَأَنَا رَاجِعٌ إلَيْهِمْ وَدَاعِيهمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُ
اللّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا
أَدْعُوهُمْ إلَيْهِ فَقَالَ اللّهُمّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً قَالَ فَخَرَجْت إلَى
قَوْمِي ، حَتّى إذَا كُنْت بِثَنِيّةٍ تُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ وَقَعَ نُورٌ
بَيْنَ عَيْنَيّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ فَقُلْت : اللّهُمّ فِي غَيْرِ وَجْهِي ، إنّي
أَخْشَى ، أَنْ يَظُنّوا أَنّهَا مُثْلَةٌ وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِي
دِينَهُمْ . قَالَ فَتَحَوّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي . قَالَ فَجَعَلَ
الْحَاضِرُ يَتَرَاءَوْنَ ذَلِكَ النّورَ فِي سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلّقِ
وَأَنَا أَهْبِطُ إلَيْهِمْ مِنْ الثّنِيّةِ ، قَالَ حَتّى جِئْتُهُمْ
فَأَصْبَحْتُ فِيهِمْ
[ دَعْوَتُهُ أَبَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ ]
قَالَ فَلَمّا نَزَلْت أَتَانِي أَبِي ، وَكَانَ شَيْخًا
كَبِيرًا ، قَالَ فَقُلْت : إلَيْك عَنّي يَا أَبَتِ فَلَسْتُ مِنْك وَلَسْتَ
مِنّي قَالَ وَلِمَ يَا بُنَيّ ؟ قَالَ قُلْت : أَسْلَمْتُ وَتَابَعْت دِينَ
مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَيْ بُنَيّ فَدِينِي دِينُك ؟ قَالَ
[ ص 384 ] قَالَ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ وَطَهّرَ ثِيَابَهُ . قَالَ ثُمّ جَاءَ
فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ . ( قَالَ ) ثُمّ أَتَتْنِي
صَاحِبَتِي ، فَقُلْت : إلَيْك عَنّي ، فَلَسْتُ مِنْك وَلَسْت مِنّي ، قَالَتْ
لِمَ ؟ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، قَالَ ( قُلْت : قَدْ ) فَرّقَ بَيْنِي وَبَيْنَك الْإِسْلَامُ
وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَتْ فَدِينِي
دِينُك ، قَالَ قُلْت فَاذْهَبِي إلَى حِنَا ذِي الشّرَى - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَالُ حِمَى ذِي الشّرَى - فَتَطَهّرِي مِنْهُ . ( قَالَ ) : وَكَانَ ذُو الشّرَى
صَنَمًا لِدَوْسٍ وَكَانَ الْحِمَى حِمَى حَمَوْهُ لَهُ ( وَ ) بِهِ وَشَلٌ مِنْ مَاءٍ يَهْبِطُ مِنْ
جَبَلٍ . قَالَ فَقُلْت بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، أَتَخْشَى عَلَى الصّبِيّةِ مِنْ
ذِي الشّرَى شَيْئًا ، قَالَ قُلْت : لَا ، أَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ فَذَهَبَتْ
فَاغْتَسَلَتْ ثُمّ جَاءَتْ فَعَرَضْت عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ .
ثُمّ دَعَوْت دَوْسًا إلَى الْإِسْلَامِ فَأَبْطَئُوا عَلَيّ ثُمّ جِئْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَقُلْت لَهُ يَا نَبِيّ اللّهِ إنّهُ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى دَوْسٍ الرّنَا فَادْعُ اللّهَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ اللّهُمّ اهْدِ دَوْسًا ارْجِعْ إلَى قَوْمِك فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ . قَالَ فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ ، ثُمّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ [ ص 385 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَعِي مِنْ قَوْمِي وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرِ . حَتّى نَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ ، ثُمّ لَحِقْنَا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرِ فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ
ثُمّ
لَمْ أَزَلْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا
فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ مَكّةَ ، قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ ابْعَثْنِي
إلَى ذِي الْكَفّيْنِ صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ حَتّى أُحْرِقَهُ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ إلَيْهِ فَجَعَلَ طُفَيْلٌ يُوقِدُ عَلَيْهِ النّارَ وَيَقُول :
يَا ذَا الْكَفّيْنِ لَسْتُ مِنْ عُبّادِكَا عبادكا17673"id="الشعر" > ... مِيلَادُنَا
أَقْدَمُ مِنْ مِيلَادِكَا
إنّي حَشَوْتُ النّارَ فِي فُؤَادِكَا
[جِهَادُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ قَبْضِ الرّسُولِ ثُمّ رُؤْيَاهُ
وَمَقْتَلُهُ ]
قَالَ ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَانَ مَعَهُ بِالْمَدِينَة ِ حَتّى قَبَضَ اللّهُ رَسُولَهُ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا ارْتَدّتْ الْعَرَبُ ، خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ
فَسَارَ مَعَهُمْ حَتّى فَرَغُوا مِنْ طُلَيْحَةَ ، وَمِنْ أَرْضِ نَجْدٍ كُلّهَا
. ثُمّ سَارَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْيَمَامَةِ ، وَمَعَهُ ابْنُهُ عَمْرُو
بْنُ الطّفَيْلِ ، فَرَأَى رُؤْيَا وَهُوَ مُتَوَجّهٌ إلَى الْيَمَامَةِ ، فَقَالَ
لِأَصْحَابِهِ إنّي قَدْ رَأَيْت رُؤْيَا فَاعْبُرُوهَا لِي ، رَأَيْتُ أَنّ
رَأْسِي حُلِقَ وَأَنّهُ خَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ وَأَنّهُ لَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ
فَأَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا ، وَأَرَى ابْنِي يَطْلُبُنِي حَثِيثًا ، ثُمّ
رَأَيْتُهُ حُبِسَ عَنّي ، قَالُوا : خَيْرًا ، قَالَ أَمّا أَنَا وَاَللّهِ
فَقَدْ أَوّلْتُهَا ؟ قَالُوا : مَاذَا ؟ قَالَ أَمّا حَلْقُ رَأْسِي فَوَضْعُهُ
وَأَمّا الطّائِرُ الّذِي خَرَجَ مِنْ فَمِي فَرُوحِي ، وَأَمّا الْمَرْأَةُ
الّتِي أَدَخَلَتْنِي فَرْجَهَا فَالْأَرْضُ تُحْفَرُ لِي ، فَأُغَيّبُ فِيهَا ،
وَأَمّا طَلَبُ ابْنِي إيّايَ ثُمّ حَبْسُهُ عَنّي ، فَإِنّي أُرَاهُ سَيَجْهَدُ
أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَنِي . فَقُتِلَ رَحِمَهُ اللّهُ شَهِيدًا
بِالْيَمَامَةِ ، وَجُرِحَ ابْنُهُ جِرَاحَةً شَدِيدَةً ثُمّ اسْتَبَلّ مِنْهَا ،
ثُمّ قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ شَهِيدًا
. [ ص 386 ]
أَمْرُ
أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَة
[ شِعْرُهُ فِي مَدْحِ الرّسُولِ عِنْدَ مَقْدَمِهِ
عَلَيْهِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ
بْنِ خَالِدِ السّدُوسِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ
صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَقَالَ يَمْدَحُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 387 ] [ ص 388 ]
أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاك لَيْلَةَ أَرْمَدَا
أرمدا4664"id="الشعر"
> ... وَبِتّ كَمَا بَاتَ السّلِيمُ مُسَهّدَا
وَمَا ذَاكَ مِنْ عِشْقِ النّسَاءِ وَإِنّمَا ...
تَنَاسَيْتَ قَبْلَ الْيَوْمِ صُحْبَةَ مَهْدَدَا
وَلَكِنْ أَرَى الدّهْرَ الّذِي هُوَ خَائِنٌ ... إذَا
أَصْلَحَتْ كَفّايَ عَادَ فَأَفْسَدَا
كُهُولًا وَشُبّانًا فَقَدْتُ وَثَرْوَةً ... فَلِلّهِ
هَذَا الدّهْرُ كَيْفَ تَرَدّدَا
وَمَا زِلْتُ أَبْغِي الْمَالَ مُذْ أَنَا يَافِعٌ ...
وَلِيدًا وَكَهْلًا حِينَ شِبْت وَأَمْرَدَا
وَأَبْتَذِلُ الْعِيسَ الْمَرَاقِيلَ تَغْتَلِي ...
مَسَافَةَ مَا بَيْنَ النّجَيْرِ فَصَرْخَدَا
أَلَا أَيّهَذَا السّائِلِي أَيْنَ يَمّمَتْ ... فَإِنّ
لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا
فَإِنْ تَسْأَلِي عَنّي فَيَا رُبّ سَائِلٍ ... حَفِيّ
عَنْ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا
أَجَدّتْ بِرِجْلَيْهَا النّجَاءَ وَرَاجَعَتْ ...
يَدَاهَا خِنَافًا لَيّنًا غَيْرَ أَحْرَدَا
وَفِيهَا إذَا مَا هَجّرَتْ عَجْرَفِيّةٌ ... إذَا خِلْت
حِرْبَاءَ الظّهِيرَةِ أَصْيَدَا
وَآلَيْتُ لَا آوِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ ... وَلَا مِنْ
حَفًى حَتّى تُلَاقِي مُحَمّدَا
مَتَى مَا تُنَاخِي عِنْدَ بَابِ ابْنِ هَاشِمٍ ...
تُرَاحِي وَتَلْقَيْ مِنْ فَوَاضِلِهِ نَدَى
نَبِيّا يَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَذِكْرُهُ ... أَغَارَ
لَعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا
لَهُ صَدَقَاتٌ مَا تُغِبّ وَنَائِلٌ ... وَلَيْسَ
عَطَاءُ الْيَوْمِ مَانِعَهُ غَدَا
أَجِدّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ مُحَمّدٍ ... نَبِيّ
الْإِلَهِ حَيْثُ أَوْصَى وَأَشْهَدَا
إذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادِ مَنْ الْتَقَى ...
وَلَاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوّدَا
نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ ...
فَتُرْصِدَ لِلْأَمْرِ الّذِي كَانَ أَرْصَدَا
فَإِيّاكَ وَالْمَيْتَاتِ لَا تَقْرَبَنّهَا ... وَلَا
تَأْخُذَنْ سَهْمًا حَدِيدًا لِتُفْصِدَا
وَذَا النّصَبَ الْمَنْصُوبَ لَا تَنْسُكَنّهُ ... وَلَا
تَعْبُدْ الْأَوْثَانَ وَاَللّهَ فَاعْبُدَا
وَلَا تَقْرَبَنّ حُرّةً كَانَ سِرّهَا ... عَلَيْكَ
حَرَامًا فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبّدَا
وَذَا الرّحِمِ الْقُرْبَى فَلَا تَقْطَعَنّهُ ...
لِعَاقِبَةِ وَلَا الْأَسِيرَ الْمُقَيّدَا
وَسَبّحْ عَلَى حِينِ الْعَشِيّاتِ وَالضّحَى ... وَلَا
تَحْمَدْ الشّيْطَانَ وَاَللّهَ فَاحْمَدَا
وَلَا تَسْخَرًا مِنْ بَائِسٍ ذِي ضَرَارَةٍ ... وَلَا
تَحْسَبَنّ الْمَالَ لِلْمَرْءِ مُخْلِدَا
فَلَمّا كَانَ بِمَكّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا ، اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنّهُ جَاءَ يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُسْلِمَ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا بَصِيرٍ ، إنّهُ يُحَرّمُ الزّنَا ، فَقَالَ الْأَعْشَى : وَاَللّهِ إنّ ذَلِكَ لَأَمْرٌ مَا لِي فِيهِ مِنْ أَرَبٍ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا بَصِيرٍ ، فَإِنّهُ يُحَرّمُ الْخَمْرَ فَقَالَ الْأَعْشَى : أَمّا هَذِهِ فَوَاَللّهِ إنّ فِي النّفْسِ مِنْهَا لَعُلَالَاتٍ وَلَكِنّي مُنْصَرِفٌ فَأَتَرَوّى مِنْهَا عَامِي هَذَا ، ثُمّ آتِيهِ فَأُسْلِمُ . فَانْصَرَفَ فَمَاتَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَعُدْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ذُلّ أَبِي جَهْلٍ لِلرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ عَدُوّ اللّهِ
أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ مَعَ عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبُغْضِهِ إيّاهُ وَشِدّتِهِ عَلَيْهِ يُذِلّهُ اللّهُ لَهُ
إذَا رَآهُ . [ ص 389 ]
أَمْرُ
الْإِرَاشِيّ الّذِي بَاعَ أَبَا جَهْلٍ إبِلَهُ
[مُمَاطَلَةُ أَبِي جَهْلٍ لَهُ وَاسْتِنْجَادُهُ
بِقُرَيْشِ وَاسْتِخْفَافُهُمْ بِالرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثّقَفِيّ ، وَكَانَ وَاعِيَةً قَالَ قَدِمَ
رَجُلٌ مِنْ إرَاشٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ إرَاشَةَ - بِإِبِلِ لَهُ مَكّةَ
، فَابْتَاعَهَا مِنْهُ أَبُو جَهْل ٍ فَمَطَلَهُ بِأَثْمَانِهَا . فَأَقْبَلَ
الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ جَالِسٌ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ ، مَنْ رَجُلٌ يُؤَدّينِي عَلَى أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ ، فَإِنّي
رَجُلٌ غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقّي ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ
أَهْلُ ذَلِك الْمَجْلِسِ أَتَرَى ذَلِك الرّجُلَ الْجَالِسَ - لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَهْزَءُونَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُونَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْعَدَاوَةِ - اذْهَبْ إلَيْهِ فَإِنّهُ يُؤَدّيك
عَلَيْهِ .
[إنْصَافُ الرّسُولِ لَهُ مِنْ أَبِي جَهْلٍ ]
فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللّهِ إنّ أَبَا
الْحَكَمِ بْنَ هِشَامٍ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقّ لِي قِبَلَهُ وَأَنَا ( رَجُلٌ
) غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ وَقَدْ سَأَلْت هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَنْ رَجُلٍ
يُؤَدّينِي عَلَيْهِ يَأْخُذُ لِي حَقّي مِنْهُ فَأَشَارُوا لِي إلَيْك ، فَخُذْ
لِي حَقّي مِنْهُ يَرْحَمُك اللّهُ قَالَ انْطَلِقْ إلَيْهِ وَقَامَ مَعَهُ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَوْهُ قَامَ مَعَهُ قَالُوا
لِرَجُلِ مِمّنْ مَعَهُمْ اتْبَعْهُ فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ . قَالَ وَخَرَجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى جَاءَهُ فَضَرَبَ عَلَيْهِ
بَابَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ مُحَمّدٌ فَاخْرُجْ إلَيّ فَخَرَجَ إلَيْهِ
وَمَا فِي وَجْهِهِ مِنْ رَائِحَةٍ قَدْ اُنْتُقِعَ لَوْنُهُ فَقَالَ أَعْطِ هَذَا
الرّجُلَ حَقّهُ قَالَ نَعَمْ لَا تَبْرَحْ حَتّى أُعْطِيَهُ الّذِي لَهُ قَالَ
فَدَخَلَ فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقّهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ . ( قَالَ ) : ثُمّ انْصَرَفَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لِلْإِرَاشِيّ الْحَقْ
بِشَأْنِك ، فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ
فَقَالَ جَزَاهُ اللّهُ خَيْرًا ، فَقَدْ وَاَللّهِ أَخَذَ لِي حَقّي [ ص 390 ]
[مَا رَوَاهُ أَبُو جَهْلٍ عَنْ سَبَبِ خَوْفِهِ مِنْ الرّسُولِ]
قَالَ وَجَاءَ الرّجُلُ الّذِي بَعَثُوا مَعَهُ
فَقَالُوا : وَيْحَك مَاذَا رَأَيْت ؟ قَالَ عَجَبًا مِنْ الْعَجَبِ وَاَللّهِ مَا
هُوَ إلّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ وَمَا مَعَهُ رُوحُهُ
فَقَالَ لَهُ أَعْطِ هَذَا حَقّهُ فَقَالَ نَعَمْ لَا تَبْرَحْ حَتّى أُخْرِجَ إلَيْهِ
حَقّهُ فَدَخَلَ فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقّهِ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ . قَالَ ثُمّ لَمْ
يَلْبَثْ أَبُو جَهْلٍ أَنْ جَاءَ فَقَالُوا ( لَهُ ) وَيْلَك مَا لَك ؟ وَاَللّهِ مَا
رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَنَعْت قَطّ قَالَ وَيْحَكُمْ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ
ضَرَبَ عَلَيّ بَابِي ، وَسَمِعْت صَوْتَهُ فَمُلِئَتْ رُعْبًا ، ثُمّ خَرَجْتُ
إلَيْهِ وَإِنّ فَوْقَ رَأْسِهِ لَفَحْلًا مِنْ الْإِبِلِ مَا رَأَيْت مِثْلَ
هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطّ ، وَاَللّهِ لَوْ أَبَيْتُ
لَأَكَلَنِي .
أَمْرُ
رُكَانَةَ الْمُطّلِبِيّ وَمُصَارَعَتُهُ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ
بْنُ يَسَارٍ ، قَالَ [ ص 391 ]
كَانَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَشَدّ قُرَيْشٍ ، فَخَلَا يَوْمًا بِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ شِعَابِ مَكّةَ ، فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رُكَانَةُ أَلَا تَتّقِي اللّهَ
وَتَقْبَلُ مَا أَدْعُوك إلَيْهِ ؟ قَالَ إنّي لَوْ أَعْلَمُ أَنّ الّذِي تَقُولُ
حَقّ لَاتّبَعْتُك ، فَقَالَ ( لَهُ ) رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَفَرَأَيْت إنْ صَرَعْتُك ، أَتَعْلَمُ أَنّ مَا أَقُولُ حَقّ ؟ قَالَ نَعَمْ
قَالَ فَقُمْ حَتْي أُصَارِعَك . قَالَ فَقَامَ إلَيْهِ رُكَانَةُ يُصَارِعُهُ فَلَمّا
بَطَشَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَضْجَعَهُ وَهُوَ لَا
يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا ، ثُمّ قَالَ عُدْ يَا مُحَمّدُ فَعَادَ
فَصَرَعَهُ فَقَالَ - يَا مُحَمّدُ . وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَلْعَجْبُ
أَتَصْرَعُنِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَعْجَبُ
مِنْ ذَلِكَ إنْ شِئْت أَنْ أُرِيَكَهُ إنْ اتّقَيْتَ اللّهَ وَاتّبَعْت أَمْرِي ،
قَالَ مَا هُوَ ؟ قَالَ أَدْعُو لَك هَذِهِ الشّجَرَةَ الّتِي تَرَى فَتَأْتِينِي
، قَالَ اُدْعُهَا ، فَدَعَاهَا ، فَأَقْبَلَتْ حَتّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَقَالَ لَهَا : ارْجِعِي
إلَى مَكَانِك . قَالَ فَرَجَعَتْ إلَى مَكَانِهَا قَالَ فَذَهَبَ رُكَانَةُ إلَى
قَوْمِهِ فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ سَاحِرُوا بِصَاحِبِكُمْ أَهْلَ
الْأَرْضِ فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت أَسْحَرَ مِنْهُ قَطّ ، ثُمّ أَخْبَرَهُمْ
بِاَلّذِي رَأَى وَاَلّذِي صَنَعَ
أَمْرُ
وَفْدِ النّصَارَى الّذِينَ أَسْلَمُوا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ ، عِشْرُونَ رَجُلًا أَوْ
قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ النّصَارَى ، حِينَ بَلَغَهُمْ خَبَرُهُ مِنْ
الْحَبَشَةِ ، فَوَجَدُوهُ فِي الْمَسْجِدِ فَجَلَسُوا إلَيْهِ وَكَلّمُوهُ
وَسَأَلُوهُ وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ؛
فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ مَسْأَلَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمّا
أَرَادُوا ، دَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى اللّهِ
عَزّ وَجَلّ وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ . فَلَمّا سَمِعُوا [ ص 392 ] كَانَ
يُوصَفُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِمْ مِنْ أَمْرِهِ . فَلَمّا قَامُوا عَنْهُ
اعْتَرَضَهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالُوا
لَهُمْ خَيّبَكُمْ اللّهُ مِنْ رَكْبٍ بَعَثَكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَهْلِ
دِينِكُمْ تَرْتَادُونَ لَهُمْ لِتَأْتُوهُمْ بِخَبَرِ الرّجُلِ فَلَمْ تَطْمَئِنّ
مَجَالِسُكُمْ عِنْدَهُ حَتّى فَارَقْتُمْ دِينَكُمْ وَصَدّقْتُمُوهُ بِمَا قَالَ
مَا نَعْلَمُ رَكْبًا أَحْمَقَ مِنْكُمْ . أَوْ كَمَا قَالُوا . فَقَالُوا لَهُمْ
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نُجَاهِلُكُمْ لَنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ وَلَكُمْ مَا
أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَمْ نَأْلُ أَنْفُسَنَا خَيْرًا
وَيُقَالُ إنّ النّفَرَ مِنْ النّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ ، فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ . فَيُقَالُ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - فِيهِمْ نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ { الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنّا بِهِ إِنّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّنَا إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } إلَى قَوْلِهِ { لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ سَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِيمَنْ أُنْزِلْنَ فَقَالَ لِي : مَا أَسْمَعُ مِنْ عُلَمَائِنَا أَنّهُنّ أُنْزِلْنَ فِي النّجَاشِيّ وَأَصْحَابِهِ . وَالْآيَةُ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ مِنْ قَوْلِهِ { ذَلِكَ بِأَنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } إلَى قَوْلِهِ { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ }
[تَهَكّمُ الْمُشْرِكِينَ بِمَنْ مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَنُزُولُ آيَاتٍ
فِي ذَلِكَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ إلَيْهِ
الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ خَبّابٌ وَعَمّارٌ وَأَبُو فَكِيهَةَ يَسَارٌ
مَوْلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُحَرّثٍ ، وَصُهَيْبٌ وَأَشْبَاهُهُمْ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ هَزِئَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ هَؤُلَاءِ
أَصْحَابُهُ كَمَا تَرَوْنَ أَهَؤُلَاءِ مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا
بِالْهُدَى وَالْحَقّ لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بَهْ مُحَمّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا
هَؤُلَاءِ إلَيْهِ [ ص 393 ] خَصّهُمْ اللّهُ بِهِ دُونَنَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى فِيهِمْ { وَلَا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا
مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ
الظّالِمِينَ وَكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ
مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ
وَإِذَا جَاءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ
كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرّحْمَةَ أَنّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا
بِجَهَالَةٍ ثُمّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
[ ادّعَاءُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النّبِيّ بِتَعْلِيمِ جَبْرٍ لَهُ وَمَا
أَنَزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ ]
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
- فِيمَا بَلَغَنِي - كَثِيرًا مَا يَجْلِسُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ إلَى مَبْيَعَةِ
غُلَامٍ نَصْرَانِيّ يُقَالُ لَهُ جَبْرٌ عَبْدٌ لِبَنِي الْحَضْرَمِيّ فَكَانُوا يَقُولُونَ
وَاَللّهِ مَا يُعَلّمُ مُحَمّدًا كَثِيرًا مِمّا يَأْتِي بَهْ إلّا جَبْرٌ
النّصْرَانِيّ ، غُلَامُ بَنِي الْحَضْرَمِيّ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي
ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقُولُونَ إِنّمَا
يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا
لِسَانٌ عَرَبِيّ مُبِينٌ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُلْحِدُونَ إلَيْهِ يَمِيلُونَ
إلَيْهِ . وَالْإِلْحَادُ الْمَيْلُ عَنْ الْحَقّ . قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ
: إذَا تَبِعَ الضّحّاكَ كُلّ مُلْحِدٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَعْنِي الضّحّاكَ الْخَارِجِيّ ،
وَهَذَا الْبَيْتُ أُرْجُوزَةٌ لَهُ
.
نُزُولُ
سُورَةِ الْكَوْثَر
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ
السّهْمِيّ - فِيمَا بَلَغَنِي - إذَا ذُكِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ دَعُوهُ فَإِنّمَا هُوَ رَجُلٌ أَبْتَرُ لَا عَقِبَ لَهُ
لَوْ مَاتَ لَانْقَطَعَ ذِكْرُهُ وَاسْتَرَحْتُمْ مِنْهُ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ
{ إِنّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } مَا هُوَ خَيْرٌ لَك مِنْ الدّنْيَا وَمَا
فِيهَا . وَالْكَوْثَرُ الْعَظِيمُ . [ ص 394 ]
[ صَاحِبَا مَلْحُوبٍ وَالرّدَاعِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ
الْكِلَابِيّ :
وَصَاحِبُ مَلْحُوبٍ فُجِعْنَا بِيَوْمِهِ ... وَعِنْدَ
الرّدَاعِ بَيْتُ آخِرَ كَوْثَرِ
يَقُولُ عَظِيمٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
وَصَاحِبُ مَلْحُوبٍ : عَوْفُ بْنُ الْأَحْوَصِ بْنِ
جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ مَاتَ بِمَلْحُوبِ . وَقَوْلُهُ " وَعِنْدَ الرّدَاعِ
بَيْتُ آخِرَ كَوْثَرِ " : يَعْنِي شُرَيْحَ بْنَ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ
بْنِ كِلَابٍ مَاتَ بِالرّدَاعِ . وَكَوْثَرٌ أَرَادَ الْكَثِيرَ . وَلَفْظُهُ مُشْتَقّ
مِنْ لَفْظِ الْكَثِيرِ . قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ
:
وَأَنْتَ كَثِيرٌ يَا بْنَ مَرْوَانَ طَيّبٌ ... وَكَانَ
أَبُوك ابْنُ الْعَقَائِلِ كَوْثَرَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ
أُمَيّةُ بْنُ أَبِي عَائِذٍ الْهُذَلِيّ يَصِفُ
حِمَارَ وَحْشٍ
يُحَامِي الْحَقِيقَ إذَا مَا احْتَدَمْنَ ...
وحَمْحَمْنَ فِي كَوْثَرٍ كَالْجِلَالْ
يَعْنِي بِالْكَوْثَرِ الْغُبَارَ الْكَثِيرَ شَبّهَهُ
لِكَثْرَتِهِ عَلَيْهِ بِالْجِلَالِ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْكَوْثَرِ
مَا هُوَ ؟ فَأَجَابَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرٍو
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو [ ص 395 ] الضّمْرِيّ - عَنْ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي مُحَمّدِ ( بْنِ مُسْلِمِ ) بْنِ شِهَابٍ
الزّهْرِيّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا الْكَوْثَرُ الّذِي
أَعْطَاك اللّهُ ؟ قَالَ نَهْرٌ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إلَى أَيْلَةَ آنِيَتُهُ
كَعَدَدِ نُجُومِ السّمَاءِ تَرِدُهُ طُيُورٌ لَهَا أَعْنَاقٌ كَأَعْنَاقِ
الْإِبِلِ قَالَ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ : إنّهَا يَا رَسُولَ اللّهِ
لَنَاعِمَةٌ ؟ قَالَ آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ
سَمِعْت فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ غَيْرِهِ أَنّهُ قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَا يَظْمَأُ أَبَدًا
نُزُولُ
{ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ }
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْمَهُ إلَى الْإِسْلَامِ . وَكَلّمَهُمْ فَأَبْلَغَ
إلَيْهِمْ فَقَالَ ( لَهُ ) زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِث
ِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ ، وَأُبَيّ بْنُ خَلَفٍ ، وَالْعَاصُ بْنُ
وَائِلٍ لَوْ جُعِلَ مَعَك يَا مُحَمّدُ مَلَكٌ يُحَدّثُ عَنْك النّاسَ وَيُرَى
مَعَك فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَقَالُوا لَوْلَا
أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمّ لا
يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا
عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ }
نُزُولُ { وَلَقَد اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ }
[ مَقَالَةُ الْوَلِيدِ وَصَحْبِهِ وَنُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - بِالْوَلِيدِ [ ص 396 ] الْمُغِيرَةِ
وَأُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَبِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَهَمَزُوهُ
وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ فَغَاظَهُ ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي
ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالّذِينَ
سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }
[ ذِكْرُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ ثُمّ
أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ
إيلِيَاء وَقَدْ فَشَا الْإِسْلَامُ بِمَكّةَ فِي قُرَيْشٍ ، وَفِي الْقَبَائِلِ
كُلّهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَانَ مِنْ الْحَدِيثِ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ مَسْرَاهُ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَأَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ وَعَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ (
الْبَصْرِيّ ) ، وَابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ وَأُمّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ، مَا اجْتَمَعَ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ كُلّ يُحَدّثُ عَنْهُ بَعْضَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرِهِ حِينَ أُسْرِيَ
بِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ فِي مَسْرَاهُ . وَمَا ذُكِرَ عَنْهُ
بَلَاءٌ وَتَمْحِيصٌ وَأَمْرٌ مِنْ أَمْرِ [ ص 397 ] عَزّ وَجَلّ ) فِي قُدْرَتِهِ
وَسُلْطَانِهِ فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ وَثَبَاتٌ
لِمَنْ آمَنَ وَصَدّقَ وَكَانَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى
يَقِينٍ فَأَسْرَى بَهْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَيْفَ شَاءَ لِيُرِيَهُ مِنْ
آيَاتِهِ مَا أَرَادَ حَتّى عَايَنَ مَا عَايَنَ مِنْ أَمْرِهِ وَسُلْطَانِهِ
الْعَظِيمِ وَقُدْرَتِهِ الّتِي يَصْنَعُ بِهَا مَا يُرِيدُ .
[ رِوَايَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ مَسْرَاهُ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
فَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - فِيمَا
بَلَغَنِي عَنْهُ - يَقُولُ أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِالْبُرَاقِ - وَهِيَ الدّابّةُ الّتِي كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَيْهَا
الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ تَضَعُ حَافِرَهَا فِي مُنْتَهَى طَرْفِهَا - فَحُمِلَ
عَلَيْهَا ، ثُمّ خَرَجَ بِهِ صَاحِبُهُ يَرَى الْآيَاتِ فِيمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ
حَتّى انْتَهَى إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَوَجَدَ فِيهِ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ
وَمُوسَى وَعِيسَى فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ جُمِعُوا لَهُ فَصَلّى
بِهِمْ . ثُمّ أُتِيَ بِثَلَاثَةِ آنِيَةٍ إنَاءٌ فِيهِ لَبَنٌ وَإِنَاءٌ فِيهِ
خَمْرٌ وَإِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ .
( قَالَ ) فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ حِينَ عُرِضَتْ عَلَيّ إنْ أَخَذَ الْمَاءَ غَرِقَ
وَغَرِقَتْ أُمّتُهُ وَإِنْ أَخَذَ الْخَمْرَ غَوَى وَغَوَتْ أُمّتُهُ وَإِنْ
أَخَذَ اللّبَنَ هُدِيَ وَهُدِيَتْ أُمّتُهُ . قَالَ فَأَخَذْت إنَاءَ اللّبَنِ
فَشَرِبْت مِنْهُ فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ : هُدِيت وَهُدِيَتْ
أُمّتُك يَا مُحَمّدُ .
[ حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ مَسْرَاهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحُدّثْت عَنْ الْحَسَنِ أَنّهُ
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ
فِي الْحِجْرِ ، إذْ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ فَجَلَسْت فَلَمْ
أَرَ شَيْئًا ، فَعُدْت إلَى مَضْجَعِي : فَجَاءَنِي الثّانِيَةَ فَهَمَزَنِي
بِقَدَمِهِ فَجَلَسْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا ، فَعُدْت إلَى مَضْجَعِي ، فَجَاءَنِي
الثّالِثَةَ فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ فَجَلَسْتُ فَأَخَذَ بِعَضُدِي ، فَقُمْت
مَعَهُ فَخَرَجَ ( بِي ) إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا دَابّةٌ أَبْيَضُ بَيْنَ
الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فِي فَخِذَيْهِ جَنَاحَانِ يَحْفِزُ بِهِمَا رِجْلَيْهِ
يَضَعُ يَدَهُ فِي مُنْتَهَى طَرْفِهِ فَحَمَلَنِي عَلَيْهِ ثُمّ خَرَجَ مَعِي لَا
يَفُوتُنِي وَلَا أَفُوتُهُ [ ص 398
]
[ حَدِيثُ قَتَادَةَ عَنْ مَسْرَاهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحُدّثْت عَنْ قَتَادَةَ أَنّهُ
قَالَ حُدّثْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَمّا
دَنَوْتُ مِنْهُ لِأَرْكَبَهُ شَمَسَ فَوَضَعَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى مَعْرَفَتِهِ
ثُمّ قَالَ أَلَا تَسْتَحِي يَا بُرَاقُ مِمّا تَصْنَعُ فَوَاَللّهِ مَا رَكِبَك
عَبْدٌ لِلّهِ قَبْلَ مُحَمّدٍ أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ . قَالَ فَاسْتَحْيَا
حَتّى ارْفَضّ عَرَقًا ، ثُمّ قَرّ حَتّى رَكِبْته
[ عَوْدٌ إلَى حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ مَسْرَاهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَسَبَبُ تَسْمِيَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقَ ]
قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ فَمَضَى رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَضَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ مَعَهُ
حَتّى انْتَهَى بِهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَوَجَدَ فِيهِ إبْرَاهِيمَ
وَمُوسَى وَعِيسَى فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمّهُمْ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَصَلّى بِهِمْ ثُمّ أُتِيَ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا
، خَمْرٌ وَفِي الْآخَرِ لَبَنٌ . قَالَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنَاءَ اللّبَنِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَتَرَكَ إنَاءَ الْخَمْرِ .
قَالَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ هُدِيت لِلْفِطْرَةِ وَهُدِيَتْ أُمّتُك يَا
مُحَمّدُ ، وَحُرّمَتْ عَلَيْكُمْ الْخَمْرُ . ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَكّةَ ، فَلَمّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى
قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ . فَقَالَ أَكْثَرُ النّاسِ هَذَا وَاَللّهِ الْإِمْرُ
الْبَيّنُ وَاَللّهِ إنّ الْعِيرَ لَتُطْرَدُ شَهْرًا مِنْ مَكّةَ إلَى الشّامِ
مُدْبِرَةً وَشَهْرًا مُقْبِلَةً أَفَيَذْهَبُ ذَلِكَ مُحَمّدٌ فِي لَيْلَةٍ
وَاحِدَةٍ وَيَرْجِعُ إلَى مَكّةَ قَالَ فَارْتَدّ كَثِيرٌ مِمّنْ كَانَ أَسْلَمَ
، وَذَهَبَ النّاسُ إلَى أَبِي بَكْر ٍ ، [ ص 399 ] فَقَالُوا لَهُ هَلْ لَك يَا
أَبَا بَكْرٍ فِي صَاحِبِك ، يَزْعُمُ أَنّهُ قَدْ جَاءَ هَذِهِ اللّيْلَةَ بَيْتَ
الْمَقْدِسِ . وَصَلّى فِيهِ وَرَجَعَ إلَى مَكّةَ . قَالَ فَقَالَ لَهُمْ
أَبُو بَكْرٍ إنّكُمْ تَكْذِبُونَ عَلَيْهِ فَقَالُوا بَلَى ، هَا هُوَ ذَاكَ فِي الْمَسْجِدِ
يُحَدّثُ بِهِ النّاسَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ قَالَهُ
لَقَدْ صَدَقَ فَمَا يُعْجِبُكُمْ مِنْ ذَلِكَ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيُخْبِرُنِي
أَنّ الْخَبَرَ لَيَأْتِيهِ ( مِنْ اللّهِ ) مِنْ السّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ فِي
سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَأُصَدّقُهُ فَهَذَا أَبْعَدُ مِمّا تَعْجَبُونَ
مِنْهُ . ثُمّ أَقْبَلَ حَتّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَقَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ أَحَدّثْتَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَنّك جِئْتَ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ هَذِهِ اللّيْلَةَ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ
فَصِفْهُ لِي ، فَإِنّي قَدْ جِئْته - قَالَ الْحَسَنُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرُفِعَ لِي حَتّى نَظَرْتُ إلَيْهِ - فَجَعَلَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصِفُهُ لِأَبِي بَكْرٍ وَيَقُول
أَبُو بَكْرٍ صَدَقْتَ أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ كَلَمّا وَصَفَ لَهُ مِنْهُ
شَيْئًا ، قَالَ صَدَقْتَ أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ حَتّى ( إذَا ) انْتَهَى
، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَأَنْتَ
يَا أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقُ ؟ فَيَوْمَئِذٍ سَمّاهُ الصّدّيقَ . قَالَ الْحَسَنُ
وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيمَنْ ارْتَدّ عَنْ إسْلَامِهِ لِذَلِكَ { وَمَا
جَعَلْنَا الرّؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلّا فِتْنَةً لِلنّاسِ وَالشّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلّا طُغْيَانًا
كَبِيرًا } فَهَذَا حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ مَسْرَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ .
[ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ مَسْرَاهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ آلِ أَبِي
بَكْرٍ : أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَتْ
تَقُولُ مَا فُقِدَ جَسَدُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَلَكِنّ اللّهَ أَسْرَى بِرُوحِهِ . [ ص 400 ]
[ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ عَنْ مَسْرَاهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ
عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ : أَنّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي
سُفْيَانَ ، كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْرَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَ كَانَتْ رُؤْيَا مِنْ اللّهِ تَعَالَى صَادِقَةً .
[ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْرَاءُ رُؤْيَا ]
فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا لِقَوْلِ
الْحَسَنِ إنّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى : { وَمَا جَعَلْنَا الرّؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلّا فِتْنَةً
لِلنّاسِ } وَلِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى فِي الْخَبَرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ
إذْ قَالَ لِابْنِهِ { يَا بُنَيّ إِنّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ }
ثُمّ مَضَى عَلَى ذَلِكَ . فَعَرَفْتُ أَنّ الْوَحْيَ مِنْ اللّهِ يَأْتِي
الْأَنْبِيَاءَ أَيْقَاظًا وَنِيَامًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
- فِيمَا بَلَغَنِي - يَقُولُ تَنَامُ عَيْنَايَ
وَقَلْبِي يَقْظَانُ . وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ قَدْ جَاءَهُ وَعَايَنَ
فِيهِ مَا عَايَنَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ عَلَى أَيّ حَالَيْهِ كَانَ نَائِمًا ، أَوْ
يَقْظَانَ كُلّ ذَلِكَ حَقّ وَصِدْقٌ
.
[ وَصْفُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِإِبْرَاهِيمَ
وَمُوسَى وَعِيسَى ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَعَمَ الزّهْرِيّ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَصَفَ لِأَصْحَابِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى حِينَ رَآهُمْ فِي تِلْكَ
اللّيْلَةِ فَقَالَ أَمّا إبْرَاهِيمُ فَلَمْ أَرَ رَجُلًا أَشْبَهَ ( قَطّ ) بِصَاحِبِكُمْ
وَلَا صَاحِبُكُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنْهُ وَأَمّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ
ضَرْبٌ جَعْدٌ أَقْنَى كَأَنّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ وَأَمّا عِيسَى بْنُ
مَرْيَمَ ، فَرَجُلٌ أَحْمَرُ بَيْنَ الْقَصِيرِ وَالطّوِيلِ سَبْطُ الشّعَرِ
كَثِيرُ خِيلَانِ الْوَجْهِ كَأَنّهُ خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ تَخَالُ رَأْسَهُ
يَقْطُرُ مَاءً وَلَيْسَ بِهِ مَاءٌ أَشْبَهُ رِجَالِكُمْ بِهِ عُرْوَةُ بْنُ
مَسْعُودٍ الثّقَفِيّ . [ ص 401 ]
[ وَصْفُ عَلِيّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَتْ صِفَةُ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا - ذَكَرَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ عَنْ
إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ كَانَ عَلِيّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ إذَا نَعَتَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَ لَمْ يَكُنْ بِالطّوِيلِ الْمُمّغِطِ وَلَا الْقَصِيرِ
الْمُتَرَدّدِ . وَكَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ
الْقَطَطِ وَلَا السّبِطِ كَانَ جَعْدًا رَجِلًا وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهّمِ
وَلَا الْمُكَلْثَمِ وَكَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا ، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ
أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ جَلِيلَ الْمُشَاشِ وَالْكَتَدِ دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ
أَجْرَدَ شَثْنِ الْكَفّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ إذَا مَشَى تَقَلّعَ ، كَأَنّمَا
يَمْشِي فِي صَبَبٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ
النّبُوّةِ وَهُوَ ( صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ) خَاتَمُ النّبِيّينَ
أَجْوَدُ النّاسِ كَفّا ، وَأَجْرَأُ النّاسِ صَدْرًا ، وَأَصْدَقُ النّاسِ
لَهْجَةً وَأَوْفَى النّاسِ ذِمّةً وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً وَأَكْرَمُهُمْ
عِشْرَةً مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ وَمَنْ خَالَطَهُ أَحَبّهُ يَقُولُ
نَاعِتُهُ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ [ ص 402 ]
[ حَدِيثُ أُمّ هَانِئٍ عَنْ مَسْرَاهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي
عَنْ أُمّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، وَاسْمُهَا
هِنْدٌ ، فِي مَسْرَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهَا
كَانَتْ تَقُولُ مَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا
وَهُوَ فِي بَيْتِي ، نَامَ عِنْدِي تِلْكَ اللّيْلَةَ فِي بَيْتِي ، فَصَلّى
الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ثُمّ نَامَ وَنِمْنَا ، فَلَمّا كَانَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ
أَهَبّنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا صَلّى الصّبْحَ
وَصَلّيْنَا مَعَهُ قَالَ يَا أُمّ هَانِئٍ لَقَدْ صَلّيْتُ مَعَكُمْ الْعِشَاءَ
الْآخِرَةَ كَمَا رَأَيْتِ بِهَذَا الْوَادِي ، ثُمّ جِئْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ
فَصَلّيْت فِيهِ ثُمّ قَدْ صَلّيْت صَلَاةَ الْغَدَاةِ مَعَكُمْ الْآنَ كَمَا
تَرَيْنَ ثُمّ قَامَ لِيَخْرُجَ فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ فَتَكَشّفَ عَنْ
بَطْنِهِ كَأَنّهُ قُبْطِيّةٌ مَطْوِيّةٌ فَقُلْت لَهُ يَا نَبِيّ اللّهِ لَا تُحَدّثْ
بِهَذَا النّاسَ فَيُكَذّبُوك وَيُؤْذُوك ، قَالَ وَاَللّهِ لأحدثنهموه . قَالَتْ
فَقُلْت لِجَارِيَةِ لِي حَبَشِيّةٍ وَيْحَك اتْبَعِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تَسْمَعِي مَا يَقُولُ لِلنّاسِ وَمَا يَقُولُونَ لَهُ .
فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّاسِ
أَخْبَرَهُمْ فَعَجِبُوا وَقَالُوا : مَا آيَةُ ذَلِكَ يَا مُحَمّدُ ؟ فَإِنّا
لَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِ هَذَا قَطّ ؛ قَالَ آيَةُ ذَلِكَ أَنّي مَرَرْت بِعِيرِ بَنِي
فُلَانٍ بِوَادِي كَذَا وَكَذَا . فَأَنْفَرَهُمْ حِسّ الدّابّةِ فَنَدّ لَهُمْ
بَعِيرٌ فَدَلَلْتُهُمْ عَلَيْهِ وَأَنَا مُوَجّهٌ إلَى الشّامِ . ثُمّ أَقْبَلْتُ
حَتّى إذَا كُنْتُ بِضَجَنَانَ مَرَرْتُ بِعِيرِ بَنِي فُلَانٍ فَوَجَدْتُ
الْقَوْمَ نِيَامًا ، وَلَهُمْ إنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ قَدْ غَطّوْا عَلَيْهِ بِشَيْءِ
فَكَشَفْتُ غِطَاءَهُ وَشَرِبْتُ مَا فِيهِ [ ص 453 ] كَانَ ؟ وَآيَةُ ذَلِكَ أَنّ
عِيرَهُمْ الْآنَ يَصُوبُ مِنْ الْبَيْضَاءِ ثَنِيّةِ التّنْعِيمِ يَقْدُمُهَا جَمَلٌ
أَوْرَقُ عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ إحْدَاهُمَا سَوْدَاءُ وَالْأُخْرَى بَرْقَاءُ .
قَالَتْ فَابْتَدَرَ الْقَوْمُ الثّنِيّةَ فَلَمْ يَلْقَهُمْ أَوّلُ مِنْ
الْجَمَلِ كَمَا وَصَفَ لَهُمْ وَسَأَلُوهُمْ عَنْ الْإِنَاءِ فَأَخْبَرُوهُمْ
أَنّهُمْ وَضَعُوهُ مَمْلُوءًا مَاءً ثُمّ غَطّوْهُ وَأَنّهُمْ هَبّوا فَوَجَدُوهُ
مُغَطّى كَمَا غَطّوْهُ وَلَمْ يَجِدُوا فِيهِ مَاءً . وَسَأَلُوا الْآخَرِينَ وَهُمْ
بِمَكّةَ ، فَقَالُوا : صَدَقَ وَاَللّهِ لَقَدْ أُنْفِرْنَا فِي الْوَادِي الّذِي
ذَكَرَ وَنَدّ لَنَا بَعِيرٌ فَسَمِعْنَا صَوْتَ رَجُلٍ يَدْعُونَا إلَيْهِ حَتّى
أَخَذْنَاهُ .
قِصّةُ
الْمِعْرَاجِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ سَمِعْت
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَمّا فَرَغْتُ مِمّا
كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، أُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ وَلَمْ أَرَ شَيْئًا قَطّ أَحْسَنَ
مِنْهُ وَهُوَ الّذِي يَمُدّ إلَيْهِ مَيّتُكُمْ عَيْنَيْهِ إذَا حُضِرَ
فَأَصْعَدَنِي صَاحِبِي فِيهِ حَتّى انْتَهَى بِي إلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ
السّمَاءِ يُقَالُ لَهُ بَابُ الْحَفَظَةِ عَلَيْهِ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ
يُقَالُ لَهُ إسْمَاعِيلُ تَحْتَ يَدَيْهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلَكٍ تَحْتَ
يَدَيْ كُلّ مَلَكٍ مِنْهُمْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلَكٍ - قَالَ يَقُولُ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ حَدّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا
يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّك إلّا هُوَ -
فَلَمّا دُخِلَ بِي ، قَالَ مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟
قَالَ ( هَذَا ) مُحَمّدُ . قَالَ أَوَقَدْ بُعِثَ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ
فَدَعَا لِي بِخَيْرِ وَقَالَهُ [ ص 404 ]
[ عَدَمُ ضَحِكِ خَازِنِ النّارِ لِلرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ
الْعِلْمِ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَنّهُ قَالَ تَلَقّتْنِي الْمَلَائِكَةُ حِينَ دَخَلْت السّمَاءَ الدّنْيَا ،
فَلَمْ يَلْقَنِي مَلَكٌ ؟ إلّا ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا ، يَقُولُ خَيْرًا وَيَدْعُو
بِهِ حَتّى لَقِيَنِي مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ . فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا ،
وَدَعَا بِمِثْلِ مَا دَعَوْا بِهِ إلّا أَنّهُ لَمْ يَضْحَكْ وَلَمْ أَرَ مِنْهُ
مِنْ الْبِشْرِ مِثْلَ مَا رَأَيْت مِنْ غَيْرِهِ . فَقُلْت لِجِبْرِيلَ يَا
جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا الْمَلَكُ الّذِي قَالَ لِي كَمَا قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ
وَلَمْ يَضْحَكْ ( إلَيّ ) ، وَلَمْ أَرَ
مِنْهُ مِنْ الْبِشْرِ مِثْلَ الّذِي رَأَيْتُ مِنْهُمْ ؟ قَالَ فَقَالَ لِي
جِبْرِيلُ : أَمَا إنّهُ لَوْ ضَحِكَ إلَى أَحَدٍ كَانَ قَبْلَك ، أَوْ كَانَ
ضَاحِكًا إلَى أَحَدٍ بَعْدَك ، لَضَحِكَ إلَيْك ، وَلَكِنّهُ لَا يَضْحَكُ هَذَا
مَالِكٌ خَازِنُ النّارِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقُلْت لِجِبْرِيلَ وَهُوَ مِنْ اللّهِ تَعَالَى بِالْمَكَانِ الّذِي وُصِفَ
لَكُمْ مُطَاعٍ ثَمّ أَمِينٍ أَلَا تَأْمُرُهُ أَنْ يُرِيَنِي النّارَ ؟ فَقَالَ
بَلَى ، يَا مَالِكُ أَرِ مُحَمّدًا النّارَ . قَالَ فَكَشَفَ عَنْهَا غِطَاءَهَا
فَفَارَتْ وَارْتَفَعَتْ . حَتّى ظَنَنْت لَتَأْخُذَنّ مَا أَرَى قَالَ فَقُلْت لِجِبْرِيلَ
يَا جِبْرِيلُ مُرْهُ فَلْيَرُدّهَا إلَى مَكَانِهَا . قَالَ فَأَمَرَهُ فَقَالَ
لَهَا : اُخْبِي فَرَجَعَتْ إلَى مَكَانِهَا الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ . فَمَا
شَبّهْتُ رُجُوعَهَا إلّا وُقُوعَ الظّلّ حَتّى إذَا دَخَلَتْ مِنْ حَيْثُ
خَرَجَتْ رَدّ عَلَيْهَا غِطَاءَهَا . - 405
[ عَوْدٌ إلَى حَدِيثِ الْخُدْرِيّ عَنْ الْمِعْرَاجِ ]
( وَ ) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ فِي حَدِيثِهِ
إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَمّا دَخَلْتُ
السّمَاءَ الدّنْيَا رَأَيْت بِهَا رَجُلًا جَالِسًا تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ
بَنِي آدَمَ فَيَقُولُ لِبَعْضِهَا إذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَيُسَرّ بِهِ وَيَقُولُ
رُوحٌ طَيّبَةٌ خَرَجَتْ مِنْ جَسَدٍ طَيّبٍ . وَيَقُولُ لِبَعْضِهَا إذَا
عُرِضَتْ عَلَيْهِ أُفّ وَيَعْبِسُ بِوَجْهِهِ وَيَقُولُ رُوحٌ خَبِيثَةٌ خَرَجَتْ
مِنْ جَسَدٍ خَبِيثٍ . قَالَ قُلْت : مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ هَذَا
أَبُوك آدَمُ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرّيّتِهِ فَإِذَا مَرّتْ بِهِ رُوحُ
الْمُؤْمِنِ مِنْهُمْ سُرّ بِهَا
. وَقَالَ رُوحٌ طَيّبَةٌ خَرَجَتْ مِنْ جَسَدٍ طَيّبٍ .
وَإِذَا مَرّتْ بَهْ رُوحُ الْكَافِرِ مِنْهُمْ أَفّفَ مِنْهَا وَكَرِهَهَا ،
وَسَاءَ ذَلِكَ وَقَالَ رُوحٌ خَبِيثَةٌ خَرَجَ مِنْ جَسَدٍ خَبِيثٍ .
[ صِفَةُ أَكَلَةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ]
قَالَ ثُمّ رَأَيْت رِجَالًا لَهُمْ مَشَافِرُ
كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ فِي أَيْدِيهمْ قِطَعٌ مِنْ نَارٍ كَالْأَفْهَارِ
يَقْذِفُونَهَا فِي أَفْوَاهِهِمْ فَتَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ . فَقُلْت : مَنْ
هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى
ظُلْمًا .
[ صِفَةُ أَكَلَةِ الرّبَا ]
قَالَ ثُمّ رَأَيْت رِجَالًا لَهُمْ بُطُونٌ لَمْ أَرَ
مِثْلَهَا قَطّ بِسَبِيلِ آلِ فِرْعَوْنَ يَمُرّونَ عَلَيْهِمْ كَالْإِبِلِ
الْمَهْيُومَةِ حِينَ يُعْرَضُونَ عَلَى النّارِ يَطَئُونَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ
عَلَى أَنْ يَتَحَوّلُوا مِنْ مَكَانِهِمْ ذَلِكَ . قَالَ قُلْت : مَنْ هَؤُلَاءِ
يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرّبَا . [ ص 406 ]
[ صِفَةُ الزّنَاةِ ]
قَالَ ثُمّ رَأَيْت رِجَالًا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ
ثَمِينٌ طَيّبٌ إلَى جَنْبِهِ لَحْمٌ غَثّ مُنْتِنٌ يَأْكُلُونَ مِنْ الْغَثّ
الْمُنْتِنِ وَيَتْرُكُونَ السّمِينَ الطّيّبَ . قَالَ قُلْت : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا
جِبْرِيلُ ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يَتْرُكُونَ مَا أَحَلّ اللّهُ لَهُمْ مِنْ
النّسَاءِ وَيَذْهَبُونَ إلَى مَا حَرّمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُنّ .
[ صِفَةُ النّسَاءِ اللّاتِي يُدْخِلْنَ عَلَى الْأَزْوَاجِ مَا لَيْسَ
مِنْهُمْ ]
قَالَ ثُمّ رَأَيْت نِسَاءً مُعَلّقَاتٍ بِثُدِيّهِنّ
فَقُلْت : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ اللّاتِي أَدْخَلْنَ
عَلَى الرّجَالِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى امْرَأَةٍ
أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَأَكَلَ حَرَائِبَهُمْ وَاطّلَعَ
عَلَى عَوْرَاتِهِمْ
[ عَوْدٌ إلَى حَدِيثِ الْخُدْرِيّ عَنْ الْمِعْرَاجِ ]
ثُمّ رَجَعَ إلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ،
قَالَ ثُمّ أَصْعَدَنِي إلَى السّمَاءِ الثّانِيَةِ فَإِذَا فِيهَا ابْنَا
الْخَالَةِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيّا ، قَالَ ثُمّ
أَصْعَدَنِي إلَى السّمَاءِ الثّالِثَةِ فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ صُورَتُهُ
كَصُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ؟ قَالَ قُلْت : مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ
؟ قَالَ هَذَا أَخُوك يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ . قَالَ ثُمّ أَصْعَدَنِي إلَى السّمَاءِ
الرّابِعَةِ فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ فَسَأَلْته : مَنْ هُوَ ؟ قَالَ هَذَا إدْرِيسُ
- قَالَ يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَفَعْنَاهُ
مَكَانًا عَلِيّا - قَالَ ثُمّ أَصْعَدَنِي إلَى السّمَاءِ الْخَامِسَةِ [ ص 407 ]
أَجْمَلَ مِنْهُ ؟ قَالَ قُلْت : مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ هَذَا
الْمُحَبّبُ فِي قَوْمِهِ هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ . قَالَ ثُمّ أَصْعَدَنِي إلَى السّمَاءِ
السّادِسَةِ " فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ أَقْنَى كَأَنّهُ مِنْ رِجَالِ
شَنُوءَةَ فَقُلْت لَهُ مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ هَذَا أَخُوك مُوسَى
بْنُ عِمْرَانَ . ثُمّ أَصْعَدَنِي إلَى السّمَاءِ السّابِعَةِ فَإِذَا فِيهَا
كَهْلٌ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيّ إلَى بَابِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، يَدْخُلُهُ
كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَرْجِعُونَ فِيهِ إلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ لَمْ أَرَ رَجُلًا أَشْبَهَ بِصَاحِبِكُمْ وَلَا صَاحِبُكُمْ
أَشْبَهُ بِهِ مِنْهُ . قَالَ قُلْت : مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ هَذَا
أَبُوك إبْرَاهِيمُ . قَالَ ثُمّ دَخَلَ بِي الْجَنّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا جَارِيَةً
لَعْسَاءَ فَسَأَلْتهَا : لِمَنْ أَنْتِ ؟ وَقَدْ أَعْجَبَتْنِي حِينَ رَأَيْتُهَا
؟ فَقَالَتْ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَبَشّرَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ حَدِيثِ
( عَبْدِ اللّهِ ) بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي أَنّ جِبْرِيلَ لَمْ يَصْعَدْ بِهِ
إلَى سَمَاءٍ مِنْ السّمَوَاتِ إلّا قَالُوا لَهُ حِينَ يَسْتَأْذِنُ فِي
دُخُولِهَا : مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ فَيَقُولُ مُحَمّدٌ ؟ فَيَقُولُونَ
أَوَقَدْ بُعِثَ ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ ؟ فَيَقُولُونَ حَيّاهُ اللّهُ مِنْ أَخ
وَصَاحِبٍ حَتّى انْتَهَى بِهِ إلَى السّمَاءِ السّابِعَةِ ثُمّ انْتَهَى بِهِ إلَى
رَبّهِ فَفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلّ يَوْمٍ
[ مَشُورَةُ مُوسَى عَلَى الرّسُولِ عَلَيْهِمَا السّلَامُ فِي شَأْنِ
تَخْفِيفِ الصّلَاةِ ]
( قَالَ ) : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَأَقْبَلْت رَاجِعًا . فَلَمّا مَرَرْت بِمُوسَى ( بْنِ ) عِمْرَانَ ، وَنِعْمَ
الصّاحِبُ كَانَ لَكُمْ سَأَلَنِي كَمْ فُرِضَ عَلَيْك مِنْ الصّلَاةِ ؟ فَقُلْت
خَمْسِينَ صَلَاةً كُلّ يَوْمٍ فَقَالَ إنّ الصّلَاةَ ثَقِيلَةٌ وَإِنّ أُمّتَك
ضَعِيفَةٌ فَارْجِعْ إلَى رَبّك ، فَاسْأَلْهُ أَنْ يُخَفّفَ عَنْك وَعَنْ أُمّتِك
. فَرَجَعْتُ فَسَأَلْت [ ص 408
] رَبّي أَنْ يُخَفّفَ عَنّي وَعَنْ أُمّتِي ، فَوَضَعَ
عَنّي عَشْرًا . ثُمّ انْصَرَفْت فَمَرَرْت عَلَى مُوسَى فَقَالَ لِي مِثْلَ
ذَلِكَ فَرَجَعْت فَسَأَلْت رَبّي فَوَضَعَ عَنّي عَشْرًا . ثُمّ انْصَرَفْت فَمَرَرْت
عَلَى مُوسَى ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ . فَرَجَعْت فَسَأَلْته فَوَضَعَ عَنّي
عَشْرًا . ثُمّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ لِي مِثْلَ ذَلِكَ كُلّمَا رَجَعْت إلَيْهِ
قَالَ فَارْجِعْ فَاسْأَلْ حَتّى انْتَهَيْتُ إلَى أَنْ وَضَعَ ذَلِكَ عَنّي ،
إلّا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ . ثُمّ رَجَعْت إلَى مُوسَى ،
فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ فَقُلْت : قَدْ رَاجَعْتُ رَبّي وَسَأَلْته حَتّى
اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ فَمَا أَنَا بِفَاعِلِ . فَمَنْ أَدّاهُنّ مِنْكُمْ إيمَانًا
بِهِنّ وَاحْتِسَابًا لَهُنّ كَانَ لَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ صَلَاةً ( مَكْتُوبَةً ) .
كِفَايَةُ
اللّهِ أَمْرَ الْمُسْتَهْزِئِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَمْرِ اللّهِ تَعَالَى صَابِرًا مُحْتَسِبًا ،
مُؤَدّيًا إلَى قَوْمِهِ النّصِيحَةَ عَلَى مَا يَلْقَى مِنْهُمْ مِنْ التّكْذِيبِ
وَالْأَذَى ( وَالِاسْتِهْزَاءِ ) . وَكَانَ عُظَمَاءُ الْمُسْتَهْزِئِينَ كَمَا
حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ خَمْسَةَ نَفَرٍ
مِنْ قَوْمِهِمْ وَكَانُوا ذَوِي أَسْنَانٍ وَشَرَفٍ فِي قَوْمِهِمْ . [ ص 409 ]
[ الْمُسْتَهْزِئُونَ بِالرّسُولِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ ]
مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ
بْنِ كِلَابٍ : الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ أَبُو زَمَعَةَ ،
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - قَدْ
دَعَا عَلَيْهِ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُ مِنْ أَذَاهُ وَاسْتِهْزَائِهِ بِهِ
فَقَالَ اللّهُمّ أَعْمِ بَصَرَهُ وَأَثْكِلْهُ وَلَدَهُ .
[ الْمُسْتَهْزِئُونَ بِالرّسُولِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ ]
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : الْأَسْوَدُ بْنُ
عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ .
[ الْمُسْتَهْزِئُونَ بِالرّسُولِ مِنْ مَخْزُومٍ ]
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ :
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ .
[ الْمُسْتَهْزِئُونَ بِالرّسُولِ مِنْ سَهْمٍ ]
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ
كَعْبٍ : الْعَاصُ بْنُ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْعَاصُ بْنُ
وَائِلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ سُعَيْدِ بْنِ سَهْمٍ .
[ الْمُسْتَهْزِئُونَ بِالرّسُولِ مِنْ خُزَاعَةَ ]
وَمِنْ بَنِي خُزَاعَةَ : الْحَارِثُ بْنُ الطّلَاطِلَةِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ ( لُؤَيّ بْنِ ) مَلَكَانَ
فَلَمّا تَمَادَوْا فِي الشّرّ وَأَكْثَرُوا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الِاسْتِهْزَاءَ أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ
عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الّذِينَ يَجْعَلُونَ
مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } . [ ص 410 ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزّبَيْرِ ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ فَقَامَ وَقَامَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَنْبِهِ فَمَرّ بَهْ
الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ ، فَرَمَى فِي وَجْهِهِ بِوَرَقَةِ خَضْرَاءَ
فَعَمِيَ . وَمَرّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ ، فَأَشَارَ إلَى
بَطْنِهِ فَاسْتَسْقَى ( بَطْنُهُ ) فَمَاتَ مِنْهُ حَبَنًا وَمَرّ بِهِ
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، فَأَشَارَ إلَى أَثَرِ جُرْحٍ بِأَسْفَلِ كَعْبِ
رِجْلِهِ كَانَ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِك بِسِنِينَ وَهُوَ يَجُرّ سَبَلَهُ وَذَلِكَ
أَنّهُ مَرّ بِرَجُلِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ فَتَعَلّقَ
سَهْمٌ مِنْ نَبْلِهِ بِإِزَارِهِ فَخَدَشَ فِي رِجْلِهِ ذَلِك الْخَدْشَ وَلَيْسَ
بِشَيْءِ ، فَانْتَقَضَ بِهِ فَقَتَلَهُ . وَمَرّ بَهْ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ ،
فَأَشَارَ إلَى أَخْمَصِ رِجْلِهِ وَخَرَجَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ يُرِيدُ الطّائِفَ
، فَرَبَضَ بِهِ عَلَى شُبَارِقَةٍ فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِ رِجْلِهِ شَوْكَةٌ
فَقَتَلَتْهُ . وَمَرّ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ الطّلَاطِلَةِ ، فَأَشَارَ إلَى
رَأْسِهِ فَامْتَخَضَ قَيْحًا ، فَقَتَلَهُ.
قِصّةُ أَبِي أُزَيْهِرٍ الدّوْسِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا حَضَرَتْ الْوَلِيدَ
الْوَفَاةُ دَعَا بَنِيهِ وَكَانُوا ثَلَاثَةً هِشَامَ بْنَ الْوَلِيدِ ،
وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، فَقَالَ لَهُمْ أَيْ
بَنِيّ أُوصِيكُمْ بِثَلَاثِ فَلَا تُضَيّعُوا فِيهِنّ دَمِي فِي خُزَاعَةَ فَلَا تَطُلّنّهُ
وَاَللّهِ إنّي لَأَعْلَمُ أَنّهُمْ [ ص 411 ] أَخْشَى أَنْ تُسَبّوا بِهِ بَعْدَ
الْيَوْمِ وَرِبَايَ فِي ثَقِيفٍ ، فَلَا تَدَعُوهُ حَتّى تَأْخُذُوهُ ؟ وَعُقْرِي
عِنْدَ أَبِي أُزَيْهِرٍ فَلَا يَفُوتَنّكُمْ بِهِ . وَكَانَ أَبُو أُزَيْهِرٍ
قَدْ زَوّجَهُ بِنْتًا ، ثُمّ أَمْسَكَهَا عَنْهُ فَلَمْ يُدْخِلْهَا عَلَيْهِ
حَتّى مَاتَ .
[ مُطَالَبَةُ بَنِي مَخْزُومٍ خُزَاعَةَ بِدَمِ أَبِي أُزَيْهِرٍ ]
فَلَمّا هَلَكَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، وَثَبَتْ
بَنُو مَخْزُومٍ عَلَى خُزَاعَةَ يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ عَقْلَ الْوَلِيدِ
وَقَالُوا : إنّمَا قَتَلَهُ سَهْمُ صَاحِبِكُمْ - وَكَانَ لِبَنِي كَعْبٍ حِلْفٌ
مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ - فَأَبَتْ عَلَيْهِمْ خُزَاعَةُ
ذَلِكَ حَتّى تَقَاوَلُوا أَشْعَارًا ، وَغَلُظَ بَيْنَهُمْ الْأَمْرُ - وَكَانَ الّذِي
أَصَابَ الْوَلِيدَ سَهْمُهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو ، مِنْ خُزَاعَةَ
- فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ
:
إنّي زَعِيمٌ أَنْ تَسِيرُوا فَتَهْرُبُوا ... وَأَنْ
تَتْرُكُوا الظّهْرَانَ تَعْوِي ثَعَالِبُهُ
وَأَنْ تَتْرُكُوا مَاءً بِجِزْعَةِ أَطْرِقَا ...
وَأَنْ تَسْأَلُوا : أَيّ الْأَرَاكِ أَطَايِبُهُ ؟
فَإِنّا أَنَاسٌ لَا تُطَلّ دِمَاؤُنَا ... وَلَا ،
يَتَعَالَى صَاعِدًا مَنْ نُحَارِبُهُ
وَكَانَتْ الظّهْرَانُ وَالْأَرَاكُ مَنَازِلَ بَنِي
كَعْبٍ مِنْ خُزَاعَةَ . فَأَجَابَهُ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ أَخُو بَنِي
كَعْبِ بْنِ عَمْرِو الْخُزَاعِيّ فَقَالَ [ ص 412 ]
وَاَللّهِ لَا نُؤْتِي الْوَلِيدَ ظُلَامَةً ... وَلَمّا
تَرَوْا يَوْمًا تَزُولُ كَواكِبُهْ
وَيُصْرَعُ مِنْكُمْ مُسْمِنٌ بَعْدَ مُسْمِنٍ ...
وَتُفْتَحُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَسْرًا مَشَارِبُهْ
إذَا مَا أَكَلْتُمْ خُبْزَكُمْ وَخَزِيرَكُمْ ...
فَكُلّكُمْ بَاكِي الْوَلِيدِ وَنَادِبُهْ
ثُمّ إنّ النّاسَ تَرَادّوا وَعَرَفُوا أَنّمَا يَخْشَى
الْقَوْمُ السّبّةَ فَأَعْطَتْهُمْ خُزَاعَةُ بَعْضَ الْعَقْلِ وَانْصَرَفُوا عَنْ
بَعْضٍ . فَلَمّا اصْطَلَحَ الْقَوْمُ قَالَ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ
وَقَائِلَةٍ لَمّا اصْطَلَحْنَا تَعَجّبًا ... لِمَا
قَدْ حَمَلْنَا لِلْوَلِيدِ وَقَائِلِ
أَلَمْ تُقْسِمُوا تُؤْتُوا الْوَلِيدَ ظُلَامَةً ...
وَلَمّا تَرَوْا يَوْمًا كَثِيرَ الْبَلَابِلِ
فَنَحْنُ خَلَطْنَا الْحَرْبَ بِالسّلْمِ فَاسْتَوَتْ
... فَأَمّ هَوَاهُ آمِنًا كُلّ رَاحِلِ
ثُمّ لَمْ يَنْتَهِ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ
حَتّى افْتَخَرَ بِقَتْلِ الْوَلِيدِ وَذَكَرَ أَنّهُمْ أَصَابُوهُ وَكَانَ ذَلِكَ
بَاطِلًا . فَلَحِقَ بِالْوَلِيدِ ( وَ ) بِوَلَدِهِ وَقَوْمِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا حَذّرَهُ
. فَقَالَ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ [ ص 413 ]
أَلَا زَعَمَ الْمُغِيرَةُ أَنّ كَعْبًا ... بِمَكّةَ
مِنْهُمْ قَدْرٌ كَثِيرُ
فَلَا تَفْخَرْ مُغِيرَةُ أَنْ تَرَاهَا ... بِهَا
يَمْشِي الْمُعَلْهَجُ وَالْمَهِيرُ
بِهَا آبَاؤُنَا وَبِهَا وُلِدْنَا ... كَمَا أَرْسَى
بِمَثْبَتِهِ ثَبِيرُ
وَمَا قَالَ الْمُغِيرَةُ ذَاكَ إلّا ... لِيَعْلَمَ
شَأْنَنَا أَوْ يَسْتَثِيرُ
فَإِنّ دَمَ الْوَلِيدِ يُطَلّ إنّا ... نَطُلّ دِمَاءً
أَنْتَ بِهَا خَبِيرُ
كَسَاهُ الْفَاتِكُ الْمَيْمُونُ سَهْمًا ... زُعَافًا
وَهْوَ مُمْتَلِئٌ بَهِيرُ
فَخَرّ بِبَطْنِ مَكّةَ مُسْلَحِبّا ... كَأَنّهُ عِنْدَ
وَجْبَتِهِ بَعِيرُ
سَيَكْفِينِي مِطَالَ أَبِي هِشَامٍ ... صِغَارٌ
جَعْدَةُ الْأَوْبَارِ خُورُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا
وَاحِدًا أُقْذِعَ فِيهِ
[ مَقْتَلُ أَبِي أُزَيْهِرٍ وَثَوْرَةُ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لِذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ عَدَا هِشَامُ بْنُ
الْوَلِيدِ عَلَى أَبِي أُزَيْهِرٍ . وَهُوَ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَكَانَتْ
عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ( عَاتِكَةُ ) بِنْتُ أَبِي أُزَيْهِرٍ وَكَانَ
أَبُو أُزَيْهِرٍ رَجُلًا شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ - فَقَتَلَهُ بِعُقْرِ الْوَلِيدِ
الّذِي كَانَ عِنْدَهُ لِوَصِيّةِ أَبِيهِ إيّاهُ . وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ وَمَضَى بَدْرٌ
، وَأُصِيبَ بَهْ مَنْ أُصِيبَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
فَخَرَجَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَجَمَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ . وَأَبُو
سُفْيَانَ بِذِي الْمَجَازِ فَقَالَ النّاسُ أَخْفَرَهُ أَبُو سُفْيَانَ فِي
صِهْرِهِ فَهُوَ ثَائِرٌ بِهِ . فَلَمّا سَمِعَ أَبُو سُفْيَانَ بِاَلّذِي صَنَعَ ابْنُهُ
يَزِيدُ - وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ رَجُلًا حَلِيمًا مُنْكَرًا يُحِبّ قَوْمَهُ
حُبّا شَدِيدًا - انْحَطّ سَرِيعًا إلَى مَكّةَ . وَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ
قُرَيْشٍ حَدَثٌ فِي أَبِي أُزَيْهِرٍ فَأَتَى ابْنَهُ وَهُوَ فِي الْحَدِيدِ فِي
قَوْمِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَالْمُطَيّبِينَ فَأَخَذَ الرّمْحَ مِنْ
يَدِهِ . ثُمّ ضَرَبَ بِهِ عَلَى رَأْسِهِ ضَرْبَةً هَدّهُ مِنْهَا ، ثُمّ قَالَ
لَهُ قَبّحَك اللّهُ أَتُرِيدُ أَنْ تَضْرِبَ قُرَيْشًا بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ فِي
رَجُلٍ مِنْ دَوْسٍ . سَنُؤْتِيهِمْ الْعَقْلَ إنْ قَبِلُوهُ وَأَطْفَأَ ذَلِك الْأَمْرَ
. فَانْبَعَثَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرّضُ فِي دَمِ أَبِي أُزَيْهِرٍ
وَيُعَيّرُ أَبَا سُفْيَانَ خُفْرَتَهُ وَيُجْبِنُهُ . فَقَالَ [ ص 414 ]
غَدَا أَهْلُ ضَوْجَيْ ذِي الْمَجَازِ كِلَيْهِمَا ...
وَجَارَ ابْنُ حَرْبٍ بِالْمُغَمّسِ مَا يَغْدُو
وَلَمْ يَمْنَعْ الْعَيْرُ الضّرُوطُ ذِمَارَهُ ...
وَمَا مَنَعَتْ مَخْزَاةَ وَالِدِهَا هِنْدُ
كَسَاكَ هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ ثِيَابَهُ ... فَأَبْلِ
وَأَخْلِفْ مِثْلَهَا جُدُدًا بَعْدُ
قَضَى وَطَرًا مِنْهُ فَأَصْبَحَ مَاجِدًا ...
وَأَصْبَحْتَ رَخْوًا مَا تُخِبّ وَمَا تَعْدُو
فَلَوْ أَنّ أَشْيَاخًا بِبَدْرٍ تَشَاهَدُوا ... لَبَلّ
نِعَالَ الْقَوْمِ مُعْتَبِطٌ وَرْدُ
فَلَمّا بَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ قَوْلُ حَسّانَ قَالَ
يُرِيدُ حَسّانُ أَنْ يَضْرِبَ بَعْضَنَا بِبَعْضِ فِي رَجُلٍ مِنْ دَوْسٍ بِئْسَ
وَاَللّهِ مَا ظَنّ
[ مُطَالَبَةُ خَالِدٍ بِرِبَا أَبِيهِ وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ ]
وَلَمّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ كَلّمَ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي رِبَا
الْوَلِيدِ الّذِي كَانَ فِي ثَقِيفٍ لِمَا كَانَ أَبُوهُ أَوْصَاهُ بِهِ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ هَؤُلَاءِ
الْآيَاتِ مِنْ تَحْرِيمِ مَا بَقِيَ مِنْ الرّبَا بِأَيْدِي النّاسِ نَزَلْنَ فِي
ذَلِكَ مِنْ طَلَبِ خَالِدٍ الرّبَا يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا
مَا بَقِيَ مِنْ الرّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ فِيهَا .
[ ثَوْرَةُ دَوْسٍ لِلْأَخْذِ بِثَأْرِ أَبِي أُزَيْهِرٍ وَحَدِيثُ أُمّ
غَيْلَانَ ]
وَلَمْ يَكُنْ فِي أَبِي أُزَيْهِرٍ ثَأْرٌ نَعْلَمُهُ
حَتّى حَجَزَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ النّاسِ إلّا أَنّ ضِرَارَ بْنَ الْخَطّابِ بْنِ
مِرْدَاسٍ الْفِهْرِيّ خَرَجَ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى أَرْضِ دَوْسٍ ، فَنَزَلُوا
عَلَى امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا أُمّ غَيْلَانَ مَوْلَاةٌ لِدَوْسٍ وَكَانَتْ
تَمْشُطُ النّسَاءَ وَتُجَهّزُ الْعَرَائِسَ فَأَرَادَتْ دَوْسٌ قَتْلَهُمْ
بِأَبِي أُزَيْهِرٍ فَقَامَتْ دُونَهُمْ أُمّ غَيْلَانَ وَنِسْوَةٌ مَعَهَا حَتّى
مَنَعَتْهُمْ فَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ فِي ذَلِكَ [ ص 415 ]
جَزَى اللّهُ عَنّا أُمّ غَيْلَانَ صَالِحًا ...
وَنِسْوَتَهَا إذْ هُنّ شُعْثٌ عَوَاطِلُ
فَهُنّ دَفَعْنَ الْمَوْتَ بَعْدَ اقْتِرَابِهِ ...
وَقَدْ بَرَزَتْ لِلثّائِرِينَ الْمَقَاتِلُ
دَعَتْ دَعْوَةً دَوْسًا فَسَالَتْ شِعَابُهَا ... بعزّ
وأدّتها الشّرَاج الْقَوَابِل
وَعَمْرًا جًزًاهُ اللهُ خَيْرًا فَمَا وَنَى ... وَمَا
بَردَتْ مِنْهُ لَدَيّ الْمَفَاصِل
فَجَرّدْتُ سَيْفِي ثُمّ قُمْتُ بِنَصْلِهِ ... وَعَنْ
أَيّ نَفْس بَعْدَ نَفْسِي أُقَاتِلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ
الّتِي قَامَتْ دُونَ ضِرَارٍ أُمّ جَمِيلٍ . وَيُقَال أُمّ غَيْلَانَ قَالَ
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أُمّ غَيْلَانَ قَامَتْ مَعَ أُمّ جَمِيلٍ فِيمَنْ قَامَ
دُونَهُ .
[ أُمّ جَمِيلٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ]
فَلَمّا قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ أَتَتْهُ أُمّ
جَمِيلٍ ، وَهِيَ تُرَى أَنّهُ أَخُوهُ فَلَمّا انْتَسَبَتْ لَهُ عَرَفَ الْقِصّةَ
فَقَالَ إنّي لَسْتُ بِأَخِيهِ إلّا فِي الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ غَازٍ وَقَدْ
عَرَفْتُ مِنّتَك عَلَيْه فَأَعْطَاهَا عَلَى أَنّهَا ابْنَةُ سَبِيلٍ .
[ ضِرَارٌ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ]
قَالَ الرّاوِي : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ ضِرَارٌ
لَحِقَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ يَوْمَ أُحُدٍ . فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِعَرْضِ
الرّمْحِ وَيَقُولُ اُنْجُ يَا ابْنَ الْخَطّابِ لَا أَقْتُلُك فَكَانَ عُمَرُ يَعْرِفُهَا
لَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ .
[ وَفَاةُ أَبِي طَالِبٍ وَخَدِيجَةَ ]
[ صَبْرُ الرّسُولِ عَلَى إيذَاءِ الْمُشْرِكِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ النّفَرُ الّذِينَ
يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 416 ] أَبَا لَهَبٍ
وَالْحَكَمَ بْنَ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ ،
وَعَدِيّ بْنَ حَمْرَاءَ الثّقَفِيّ ، وَابْنَ الْأَصْدَاءِ الْهُذَلِيّ وَكَانُوا
جِيرَانَهُ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ
فَكَانَ أَحَدُهُمْ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - يَطْرَحُ عَلَيْهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَحِمَ الشّاةِ وَهُوَ يُصَلّي ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ
يَطْرَحُهَا فِي بُرْمَتِهِ إذَا نُصِبَتْ لَهُ حَتّى اتّخَذَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِجْرًا يَسْتَتِرُ بِهِ مِنْهُمْ إذَا صَلّى ،
فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا طَرَحُوا عَلَيْهِ
ذَلِكَ الْأَذَى ، كَمَا حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ
الزّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، يَخْرُجُ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْعُودِ فَيَقِفُ بِهِ عَلَى بَابِهِ ثُمّ
يَقُولُ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَيّ جِوَارٍ هَذَا ثُمّ يُلْقِيهِ فِي
الطّرِيقِ
[ طَمَعُ الْمُشْرِكِينَ فِي الرّسُولِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ
وَخَدِيجَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ خَدِيجَةَ بِنْتَ
خُوَيْلِدٍ وَأَبَا طَالِبٍ هَلَكَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَتَتَابَعَتْ عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَصَائِبُ بِهُلْكِ خَدِيجَةَ
وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ يَشْكُو إلَيْهَا ؛ وَبِهُلْكِ
عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَ لَهُ عَضُدًا وَحِرْزًا فِي أَمْرِهِ وَمَنَعَةً وَنَاصِرًا
عَلَى قَوْمِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ إلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ
. فَلَمّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ بِهِ فِي
حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ حَتّى اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ ،
فَنَثَرَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي هِشَامُ
بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ لَمّا نَثَرَ
ذَلِك السّفِيهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
ذَلِكَ التّرَابَ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْتَهُ وَالتّرَابُ
عَلَى رَأْسِهِ فَقَامَتْ إلَيْهِ إحْدَى بَنَاتِهِ فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ
التّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَقُولُ لَهَا : لَا تَبْكِي يَا بُنَيّةِ فَإِنّ اللّهَ مَانِعٌ أَبَاك . قَالَ
وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ مَا نَالَتْ مِنّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتّى
مَاتَ أَبُو طَالِبٍ [ ص 417 ]
[ الْمُشْرِكُونَ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ لَمّا ثَقُلَ بِهِ الْمَرَضُ
يَطْلُبُونَ عَهْدًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا اشْتَكَى أَبُو طَالِبٍ
وَبَلَغَ قُرَيْشًا ثِقَلُهُ قَالَتْ قُرَيْشٌ بَعْضُهَا لِبَعْضِ إنّ حَمْزَةَ
وَعُمَرَ قَدْ أَسْلَمَا ، وَقَدْ فَشَا أَمْرُ مُحَمّدٍ فِي قَبَائِلِ قُرَيْشٍ
كُلّهَا ، فَانْطَلِقُوا بِنَا إلَى أَبِي طَالِبٍ فَلْيَأْخُذْ لَنَا عَلَى ابْنِ
أَخِيهِ وَلْيُعْطِهِ مِنّا ، وَاَللّهِ مَا نَأْمَنُ أَنْ يَبْتَزّونَا أَمْرَنَا
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَعْبَدِ
( بْنِ عَبّاسٍ ) عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ مَشَوْا إلَى
أَبِي طَالِبٍ فَكَلّمُوهُ ؟ وَهُمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ،
وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ
، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَقَالُوا : يَا أَبَا
طَالِبٍ إنّك مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ وَقَدْ حَضَرَك مَا تَرَى ،
وَتَخَوّفْنَا عَلَيْك ، وَقَدْ عَلِمْتَ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيك
، فَادْعُهُ فَخُذْ لَهُ مِنّا ، وَخُذْ لَنَا مِنْهُ لِيَكُفّ عَنّا ، وَنَكُفّ
عَنْهُ وَلِيَدَعَنَا وَدِينَنَا ، وَنَدَعَهُ وَدِينَهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ أَبُو
طَالِبٍ فَجَاءَهُ . فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي : هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ قَوْمِك ،
قَدْ اجْتَمَعُوا لَك ، لِيُعْطُوك ، وَلِيَأْخُذُوا مِنْك . قَالَ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ
تُعْطُونِيهَا تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ ، وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ .
قَالَ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ نَعَمْ وَأَبِيك ، وَعَشْرَ كَلِمَاتٍ قَالَ
تَقُولُونَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ .
قَالَ فَصَفّقُوا بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ قَالُوا : أَتُرِيدُ يَا مُحَمّدُ أَنْ تَجْعَلَ
الْآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا ، إنّ أَمْرَك لَعَجَبٌ ( قَالَ ) : ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ
إنّهُ وَاَللّهِ مَا هَذَا الرّجُلُ بِمُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمّا تُرِيدُونَ
فَانْطَلِقُوا وَامْضُوا عَلَى دِينِ آبَائِكُمْ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُ . قَالَ ثُمّ تَفَرّقُوا [ ص 418 ]
[ طَمَعُ الرّسُولِ فِي إسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ وَحَدِيثُ ذَلِكَ ]
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ يَا ابْنَ أَخِي ، مَا رَأَيْتُك سَأَلْتَهُمْ
شَطَطًا ، قَالَ فَلَمّا قَالَهَا أَبُو طَالِبٍ طَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي إسْلَامِهِ فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ أَيْ عَمّ
فَأَنْتَ فَقُلْهَا أَسْتَحِلّ لَك بِهَا الشّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . قَالَ
فَلَمّا رَأَى حِرْصَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ
قَالَ يَا ابْنَ أَخِي ، وَاَللّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ السّبّةِ عَلَيْك وَعَلَى
بَنِي أَبِيك مِنْ بَعْدِي ، وَأَنْ تَظُنّ قُرَيْشٌ أَنّي إنّمَا قُلْتهَا
جَزَعًا مِنْ الْمَوْتِ لَقُلْتهَا لَا أَقُولُهَا إلّا لِأَسُرّك بِهَا . قَالَ
فَلَمّا تَقَارَبَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ الْمَوْتُ قَالَ نَظَرَ الْعَبّاسُ إلَيْهِ
يُحَرّكُ شَفَتَيْهِ قَالَ فَأَصْغَى إلَيْهِ بِأُذُنِهِ قَالَ فَقَالَ يَا ابْنَ
أَخِي . وَاَللّهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الّتِي أَمَرْتَهُ أَنْ
يَقُولَهَا ، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ
أَسْمَع
[ مَا نَزَلَ فِيمَنْ طَلَبُوا الْعَهْدَ عَلَى الرّسُولِ عِنْدَ أَبِي
طَالِبٍ ]
قَالَ وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي الرّهْطِ الّذِينَ
كَانُوا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ وَرَدّوا عَلَيْهِ مَا
رَدّوا : { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذّكْرِ بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزّةٍ
وَشِقَاقٍ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنّ هَذَا
لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى
آلِهَتِكُمْ إِنّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلّةِ
الْآخِرَةِ } [ ص 419 ] يَعْنُونَ النّصَارَى ، لِقَوْلِهِمْ { إِنّ اللّهَ
ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ } - { إِنْ هَذَا إِلّا اخْتِلَاقٌ } ثُمّ هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ .
[ سَعْيُ الرّسُولِ إلَى ثَقِيفٍ يَطْلُبُ النّصْرَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ
نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
الْأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ مِنْهُ فِي حَيَاةِ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ
فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الطّائِفِ ،
يَلْتَمِسُ النّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ ، وَالْمَنَعَةَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ
وَرَجَاءَ أَنْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ فَخَرَجَ
إلَيْهِمْ وَحْدَهُ .
[ نُزُولُ الرّسُولِ بِثَلَاثَةِ مِنْ أَشْرَافِهِمْ
وَتَحْرِيضُهُمْ عَلَيْهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ
زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، قَالَ لَمّا انْتَهَى رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الطّائِفِ ، عَمَدَ إلَى نَفَرٍ مِنْ
ثَقِيفٍ ، هُمْ يَوْمَئِذٍ سَادَةُ ثَقِيفٍ وَأَشْرَافُهُمْ وَهُمْ إخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ
عَبْدُ يَالَيْل بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
عُمَيْرٍ ، وَحَبِيبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُقْدَةَ بْنِ
غِيرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ ، وَعِنْدَ أَحَدِهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ
مِنْ بَنِي جُمَحٍ فَجَلَسَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ وَكَلّمَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ لَهُ مِنْ
نُصْرَتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنْ
قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمْ هُوَ يَمْرُطُ ثِيَابَ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَ
اللّهُ أَرْسَلَك ، وَقَالَ الْآخَرُ أَمَا وَجَدَ اللّهُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ
غَيْرَك وَقَالَ الثّالِثُ وَاَللّهِ لَا أُكَلّمُك أَبَدًا . لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا
مِنْ اللّهِ كَمَا تَقُولُ لَأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدّ عَلَيْك
الْكَلَامَ وَلَئِنْ كُنْت تَكْذِبُ عَلَى اللّهِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ
أُكَلّمَك . فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
عِنْدِهِمْ وَقَدْ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ - فِيمَا
ذُكِرَ لِي - : إذَا فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنّي ، وَكَرِهَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَبْلُغَ قَوْمَهُ عَنْهُ
فَيُذْئِرَهُمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ عَبِيدُ بْنُ
الْأَبْرَصِ : [ ص 420 ]
وَلَقَدْ أَتَانِي عَنْ تَمِيمٍ أَنّهُمْ
ذَئِرُوا لِقَتْلَى عَامِرٍ وَتَعَصّبُوا
فَلَمْ يَفْعَلُوا ، وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ
وَعَبِيدَهُمْ يَسُبّونَهُ وَيَصِيحُونَ بِهِ حَتّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النّاسُ
وَأَلْجَئُوهُ إلَى حَائِطٍ لِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ
، وَهُمَا فِيهِ وَرَجَعَ عَنْهُ مِنْ سُفَهَاءِ ثَقِيفٍ مَنْ كَانَ يَتْبَعُهُ فَعَمَدَ
إلَى ظِلّ حَبَلَةٍ مِنْ عِنَبٍ فَجَلَسَ فِيهِ . وَابْنَا رَبِيعَةَ يَنْظُرَانِ
إلَيْهِ وَيَرَيَانِ مَا لَقِيَ مِنْ سُفَهَاءِ أَهْلِ الطّائِفِ ، وَقَدْ لَقِيَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - الْمَرْأَةَ
الّتِي مِنْ بَنِي جُمَحٍ فَقَالَ لَهَا : مَاذَا لَقِينَا مِنْ أَحْمَائِك ؟
[ تَوَجّهُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى رَبّهِ بِالشّكْوَى ]
فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - : اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ،
وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ أَنْتَ رَبّ
الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي ، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ
يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك
عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي ، أَعُوذُ
بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ
الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك ، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ
سُخْطُكَ لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك [ ص
421 ]
[ قِصّةُ عَدّاسٍ النّصْرَانِيّ مَعَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ فَلَمّا رَآهُ ابْنَا رَبِيعَةَ ، عُتْبَةُ
وَشَيْبَةُ وَمَا لَقِيَ تَحَرّكَتْ لَهُ رَحِمُهُمَا ، فَدَعَوْا غُلَامًا
لَهُمَا نَصْرَانِيّا ، يُقَالُ لَهُ عَدّاسٌ فَقَالَا لَهُ خُذْ قِطْفًا ( مِنْ
هَذَا ) الْعِنَبِ فَضَعْهُ فِي هَذَا الطّبَقِ ثُمّ اذْهَبْ بِهِ إلَى ذَلِكَ الرّجُلِ
فَقُلْ لَهُ يَأْكُلُ مِنْهُ . فَفَعَلَ عَدّاسٌ ثُمّ أَقْبَلَ بِهِ حَتّى
وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ
لَهُ كُلْ فَلَمّا وَضَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِ
يَدَهُ قَالَ بِاسْمِ اللّهِ ثُمّ أَكَلَ فَنَظَرَ عَدّاسٌ فِي وَجْهِهِ ثُمّ
قَالَ وَاَللّهِ إنّ هَذَا الْكَلَامَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ هَذِهِ الْبِلَادِ
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْ أَهْلِ أَيّ
الْبِلَادِ أَنْتَ يَا عَدّاسُ وَمَا دِينُك ؟ قَالَ نَصْرَانِيّ ، وَأَنَا رَجُلٌ
مِنْ أَهْلِ نِينَوَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مِنْ قَرْيَةِ الرّجُلِ الصّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتّى ، فَقَالَ لَهُ عَدّاسٌ وَمَا
يُدْرِيك مَا يُونُسُ بْنُ مَتّى ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ذَاكَ أَخِي ، كَانَ نَبِيّا وَأَنَا نَبِيّ ، فَأَكَبّ عَدّاسٌ عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُقَبّلُ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ
وَقَدَمَيْهِ قَالَ يَقُولُ ابْنَا رَبِيعَةَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَمّا
غُلَامُك فَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْك . فَلَمّا جَاءَهُمَا عَدّاسٌ قَالَا لَهُ
وَيْلَك يَا عَدّاسُ مَالَكَ تُقَبّلُ رَأْسَ هَذَا الرّجُلِ وَيَدَيْهِ
وَقَدَمَيْهِ ؟ قَالَ يَا سَيّدِي مَا فِي الْأَرْضِ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنْ هَذَا ،
لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِأَمْرِ مَا يَعْلَمُهُ إلّا نَبِيّ ، قَالَا لَهُ وَيْحَك يَا
عَدّاسُ لَا ، يَصْرِفَنّك عَنْ دِينِك ، فَإِنّ دِينَك خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ
[ أَمْرُ الْجِنّ الّذِينَ اسْتَمَعُوا لَهُ وَآمَنُوا بِهِ ]
قَالَ ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ انْصَرَفَ مِنْ الطّائِفِ رَاجِعًا إلَى مَكّةَ ، [ ص 422 ] يَئِسَ مِنْ
خَيْرِ ثَقِيفٍ ، حَتّى إذَا كَانَ بِنَخْلَةَ قَامَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ يُصَلّي
، فَمَرّ بِهِ النّفَرُ مِنْ الْجِنّ الّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
وَهُمْ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ جِنّ أَهْلِ نَصِيبِينَ
فَاسْتَمَعُوا لَهُ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلّوْا . إلَى قَوْمِهِمْ
مُنْذِرِينَ قَدْ آمَنُوا وَأَجَابُوا إلَى مَا سَمِعُوا . فَقَصّ اللّهُ
خَبَرَهُمْ عَلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ } إلَى
قَوْلِهِ تَعَالَى { وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } وَقَالَ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيّ أَنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنّ }
إلَى آخِرِ الْقِصّةِ مِنْ خَبَرِهِمْ فِي هَذِهِ السّورَةِ .
عَرْضُ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفْسَهُ عَلَى الْقَبَائِل ِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ ، وَقَوْمُهُ أَشَدّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ
مِنْ خِلَافِهِ وَفِرَاقِ دِينِهِ إلّا قَلِيلًا مُسْتَضْعَفِينَ مِمّنْ آمَنَ
فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ فِي الْمَوَاسِمِ
إذَا كَانَتْ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَيُخْبِرُهُمْ
أَنّهُ نَبِيّ مُرْسَلٌ وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُصَدّقُوهُ وَيَمْنَعُوهُ حَتّى
يُبَيّنَ ( لَهُمْ ) اللّهُ مَا بَعَثَهُ بِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَحَدّثَنِي مِنْ أَصْحَابِنَا ، مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
عَنْ [ ص 423 ] رَبِيعَةَ بْنِ عَبّادٍ الدّيلِيّ أَوْ مَنْ حَدّثَهُ أَبُو الزّنَادِ
عَنْهُ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : رَبِيعَةُ بْنُ عَبّادٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي
حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ سَمِعْت
رَبِيعَةَ بْنَ عَبّادٍ يُحَدّثُهُ أَبِي ، قَالَ إنّي لَغُلَامٌ شَابّ مَعَ أَبِي
بِمِنًى ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقِفُ عَلَى
مَنَازِلِ الْقَبَائِلِ مِنْ الْعَرَبِ ، فَيَقُولُ يَا بَنِي فُلَانٍ إنّي
رَسُولُ اللّهِ إلَيْكُمْ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللّهَ وَلَا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَخْلَعُوا مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ هَذِهِ
الْأَنْدَادِ وَأَنْ تُؤْمِنُوا بِي ، وَتُصَدّقُوا بِي ، وَتَمْنَعُونِي ، حَتّى
أُبَيّنَ عَنْ اللّهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ . قَالَ وَخَلْفَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ وَضِيءٌ
لَهُ غَدِيرَتَانِ عَلَيْهِ حُلّةٌ عَدَنِيّةٌ . فَإِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا دَعَا إلَيْهِ قَالَ ذَلِكَ
الرّجُلُ يَا بَنِي فُلَانٍ إنّ هَذَا إنّمَا يَدْعُوكُمْ أَنْ تَسْلُخُوا اللّاتَ
وَالْعُزّى مِنْ أَعْنَاقِكُمْ وَحَلْفَاءَكُمْ مِنْ الْجِنّ مِنْ بَنِي مَالِكِ
بْنِ أُقَيْشٍ إلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْبِدْعَةِ وَالضّلَالَةِ فَلَا
تُطِيعُوهُ وَلَا تَسْمَعُوا مِنْهُ . قَالَ فَقُلْت لِأَبِي : يَا أَبَتِ مَنْ
هَذَا الّذِي يَتْبَعُهُ وَيَرُدّ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ ؟ قَالَ هَذَا عَمّهُ عَبْدُ
الْعُزّى بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أَبُو لَهَب قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ
النّابِغَةُ [ ص 424 ]
كَأَنّك مِنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيْشٍ
يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ
الزّهْرِيّ : أَنّهُ أَتَى كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَفِيهِمْ سَيّدٌ لَهُمْ
يُقَالُ لَهُ مُلَيْحٌ فَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ
فَأَبَوْا عَلَيْهِ .
[ عَرْضُ الرّسُولِ نَفْسَهُ عَلَى بَنِي كَلْبٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُصَيْنٍ أَنّهُ أَتَى كَلْبًا فِي
مَنَازِلِهِمْ إلَى بَطْنٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَبْدِ اللّهِ
فَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ حَتّى إنّهُ لَيَقُولُ
لَهُمْ يَا بَنِي عَبْدِ اللّهِ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ أَحْسَنَ اسْمَ أَبِيكُمْ
فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عليهم .
[ عَرْضُ الرّسُولِ نَفْسَهُ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا
عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَى بَنِي حَنِيفَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ فَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ
وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ أَقْبَحَ
عَلَيْهِ رَدّا مِنْهُمْ
[ عَرْضُ الرّسُولِ نَفْسَهُ عَلَى بَنِي عَامِرٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ أَنّهُ
أَتَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ
وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ - يُقَالُ لَهُ
بَيْحَرَةُ بْنُ فِرَاسٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فِرَاسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
سَلَمَةَ ( الْخَيْرِ ) بْنِ قُشَيْرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ
صَعْصَعَةَ - : وَاَللّهِ لَوْ أَنّي أَخَذْت هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ ،
لَأَكَلْتُ بِهِ الْعَرَبَ ، ثُمّ قَالَ أَرَأَيْتَ إنْ نَحْنُ بَايَعْنَاك عَلَى
أَمْرِك ، ثُمّ [ ص 425 ] أَظْهَرَك اللّهُ عَلَى مَنْ خَالَفَك ، أَيَكُونُ لَنَا
الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِك ؟ قَالَ الْأَمْرُ إلَى اللّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ
قَالَ فَقَالَ لَهُ أَفَتُهْدَفُ نَحُورُنَا لِلْعَرَبِ دُونَك ، فَإِذَا
أَظْهَرَك اللّهُ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا لَا حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِك ،
فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَلَمّا صَدَرَ النّاسُ رَجَعَتْ بَنُو عَامِرٍ إلَى شَيْخٍ
لَهُمْ قَدْ كَانَتْ أَدْرَكَتْهُ السّنّ ، حَتّى لَا يَقْدِرَ أَنْ يُوَافِيَ
مَعَهُمْ الْمَوَاسِمَ فَكَانُوا إذَا رَجَعُوا إلَيْهِ حَدّثُوهُ بِمَا يَكُونُ فِي
ذَلِك الْمَوْسِمِ فَلَمّا قَدِمُوا عَلَيْهِ ذَلِك الْعَامَ سَأَلَهُمْ عَمّا
كَانَ فِي مَوْسِمِهِمْ فَقَالُوا : جَاءَنَا فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ أَحَدُ
بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِيّ ، يَدْعُونَا إلَى أَنْ
نَمْنَعَهُ وَنَقُومَ مَعَهُ وَنَخْرُجَ بِهِ إلَى بِلَادِنَا قَالَ فَوَضَعَ
الشّيْخُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ ثُمّ قَالَ يَا بَنِي عَامِرٍ هَلْ لَهَا مِنْ
تَلَافٍ هَلْ لِذُنَابَاهَا مِنْ مَطْلَبٍ وَاَلّذِي نَفْسُ فُلَانٍ بِيَدِهِ مَا
تَقَوّلَهَا إسْمَاعِيلِيّ قَطّ ، وَإِنّهَا لَحَقّ ، فَأَيْنَ رَأْيُكُمْ كَانَ عَنْكُمْ .
[ عَرْضُ الرّسُولِ نَفْسَهُ عَلَى الْعَرَبِ فِي الْمَوَاسِمِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ كُلّمَا اجْتَمَعَ لَهُ
النّاسُ بِالْمَوْسِمِ أَتَاهُمْ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إلَى اللّهِ وَإِلَى
الْإِسْلَامِ وَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللّهِ مِنْ الْهُدَى
وَالرّحْمَةِ وَهُوَ لَا يَسْمَعُ بِقَادِمِ يَقْدَمُ مَكّةَ مِنْ الْعَرَبِ ،
لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ إلّا تَصَدّى لَهُ فَدَعَاهُ إلَى اللّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِ
مَا عِنْدَهُ
[ سُوَيْدُ بْنُ صَامِتٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ
بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ ، ثُمّ الظّفَرِيّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ
قَالُوا : قَدِمَ سُوَيْدُ بْنُ صَامِتٍ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَكّةَ حَاجّا
أَوْ مُعْتَمِرًا ، [ ص 426 ] وَكَانَ سُوَيْدُ إنّمَا يُسَمّيهِ قَوْمُهُ فِيهِمْ
الْكَامِلَ ، لِجَلَدِهِ وَشِعْرِهِ وَشَرَفِهِ وَنَسَبِهِ وَهُوَ الّذِي يَقُولُ
أَلَا رُبّ مَنْ تَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَى ...
مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَك مَا يَفْرِي
مَقَالَتُهُ كَالشّهْدِ مَا كَانَ شَاهِدًا ...
وَبِالْغَيْبِ مَأْثُورٌ عَلَى ثُغْرَةِ النّحْر
يَسُرّك بَادِيهِ وَتَحْتَ أَدِيَمِهِ ... نَمِيمَةُ
غِشّ تَبْتَرِي عَقَبَ الظّهْرِ
تُبِينُ لَك الْعَيْنَانِ مَا هُوَ كَاتِمٌ ... مِنْ
الْغِلّ وَالْبَغْضَاءِ بِالنّظَرِ الشّزْرِ
فَرِشْنِي بِخَيْرٍ طَالَمَا قَدْ بَرَيْتنِي ...
فَخَيْرُ الْمَوَالِي مَنْ يَرِيشُ وَلَا يَبْرِي
وَهُوَ الّذِي يَقُولُ وَنَافَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي
سُلَيْمٍ ثُمّ أَحَدَ بَنِي زِعْبِ بْنِ مَالِكٍ مِئَةَ نَاقَةٍ إلَى كَاهِنَةٍ
مِنْ كُهّانِ الْعَرَبِ ، فَقَضَتْ لَهُ . فَانْصَرَفَ عَنْهَا هُوَ وَالسّلَمِيّ
، لَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرُهَا ، فَلَمّا فَرّقَتْ بَيْنَهُمَا الطّرِيقُ قَالَ
مَالِي ، يَا أَخَا بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ أَبْعَثُ إلَيْك بِهِ قَالَ فَمَنْ لِي
بِذَلِكَ إذَا فُتّنِي بِهِ ؟ قَالَ أَنَا ؛ قَالَ كَلّا ، وَاَلّذِي نَفْسُ
سُوَيْدٍ بِيَدِهِ لَا تُفَارِقَنّي حَتّى أُوتَى بِمَالِي ، فَاِتّخَذَا فَضَرَبَ
بِهِ الْأَرْضَ ثُمّ أَوْثَقَهُ رِبَاطًا ، ثُمّ انْطَلَقَ بِهِ إلَى دَارِ بَنِي
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتّى بَعَثَتْ إلَيْهِ سُلَيْمٌ
بِاَلّذِي لَهُ فَقَالَ فِي ذَلِكَ [ ص 427 ]
لَا تَحْسَبَنّي يَا بْنَ زِعْبِ بْنِ مَالِكٍ ...
كَمَنْ كُنْتَ تُرْدِي بِالْغُيُوبِ وَتَخْتِلُ
تَحَوّلْت قِرْنًا إذْ صُرِعْتَ بِعِزّةٍ ... كَذَلِكَ
إِنّ الْحَازِمَ الْمُتَحَوّلُ
ضَرَبْتُ بِهِ إِبْطَ الشّمَالِ فَلَمْ يَزَلْ ... عَلَى
كُلّ حَال خَدّه هُوَ أَسْفَلُ
فِي أَشْعَارٍ كَثِيرَةٍ كَانَ يَقُولُهَا . فَتَصَدّى
لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ فَدَعَاهُ
إلَى اللّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ لَهُ سُوَيْدٌ : فَلَعَلّ الّذِي مَعَك مِثْلُ
الّذِي مَعِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا
الّذِي مَعَك ؟ قَالَ مَجَلّةُ لُقْمَانَ - يَعْنِي حِكْمَةَ لُقْمَانَ - فَقَالَ
لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اعْرِضْهَا عَلَيّ
فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ لَهُ إنّ هَذَا لَكَلَامٌ حَسَنٌ وَاَلّذِي مَعِي
أَفَضْلُ مِنْ هَذَا ، قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللّهُ تَعَالَى عَلَيّ هُوَ هُدًى وَنُورٌ
. فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقُرْآنَ
وَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ وَقَالَ إنّ هَذَا لَقَوْلٌ
حَسَنٌ . ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى قَوْمِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ
أَنْ قَتَلَتْهُ الْخَزْرَجُ ، فَإِنّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ لَيَقُولُونَ
إنّا لَنَرَاهُ قَدْ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ . وَكَانَ قَتْلُهُ قَبْلَ يَوْمِ
بُعَاثٍ
إسْلَامُ
إيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ وَقِصّةُ أَبِي الْحَيْسَرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ
عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ
لَبِيدٍ ، قَالَ لَمّا قَدِمَ أَبُو الْحَيْسَرِ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ ، مَكّةَ
وَمَعَهُ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فِيهِمْ إيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ ، يَلْتَمِسُونَ
الْحِلْفَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَوْمِهِمْ مِنْ الْخَزْرَجِ ، سَمِعَ بِهِمْ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَتَاهُمْ فَجَلَسَ إلَيْهِمْ
فَقَالَ لَهُمْ هَلْ لَكُمْ فِي خَيْرٍ مِمّا جِئْتُمْ لَهُ ؟ فَقَالُوا لَهُ
وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ أَنَا رَسُولُ اللّهِ بَعَثَنِي إلَى الْعِبَادِ أَدْعُوهُمْ
إلَى أَنْ يَعْبُدُوا اللّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْزَلَ عَلَيّ
الْكِتَابَ قَالَ ثُمّ ذَكَرَ لَهُمْ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ . قَالَ [ ص 428 ]
فَقَالَ إيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ ، وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا : أَيْ قَوْمِ هَذَا وَاَللّهِ خَيْرٌ
مِمّا جِئْتُمْ لَهُ قَالَ فَيَأْخُذُ أَبُو الْحَيْسَرِ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ ،
حَفْنَةً مِنْ تُرَابِ الْبَطْحَاءِ ، فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَ إيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ
، وَقَالَ دَعْنَا مِنْك ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا . قَالَ فَصَمَتَ
إيَاسٌ وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُمْ
وَانْصَرَفُوا إلَى الْمَدِينَةِ ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ بَيْنَ الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ . قَالَ ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ إيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْ هَلَكَ قَالَ
مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ : فَأَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ
أَنّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَهُ يُهَلّلُ اللّهَ تَعَالَى وَيُكَبّرُهُ وَيَحْمَدُهُ
وَيُسَبّحُهُ حَتّى مَاتَ فَمَا كَانُوا يَشُكّونَ أَنْ قَدْ مَاتَ مُسْلِمًا ،
لَقَدْ كَانَ اسْتَشْعَرَ الْإِسْلَامَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ حِينَ سَمِعَ مِنْ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا سَمِعَ .
بَدْءُ
إسْلَامِ الْأَنْصَارِ
[ رَسُولُ اللّهِ وَرَهْطٌ مِنْ الْخَزْرَجِ عِنْدَ
الْعَقَبَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا أَرَادَ اللّهُ عَزّ
وَجَلّ إظْهَارَ دِينِهِ وَإِعْزَازَ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي الْمَوْسِمِ الّذِي لَقِيَهُ فِيهِ النّفَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَعَرَضَ
نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي كُلّ مَوْسِمٍ .
فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنْ الْخَزْرَجِ أَرَادَ
اللّهُ بِهِمْ خَيْرًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
قَتَادَةَ ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا : لَمّا لَقِيَهُمْ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا :
نَفَرٌ مِنْ الْخَزْرَجِ ، قَالَ أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ
قَالَ أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلّمُكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى . فَجَلَسُوا مَعَهُ فَدَعَاهُمْ
إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيْهِمْ
الْقُرْآنَ . قَالَ وَكَانَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ بِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَنّ
يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ
وَكَانُوا هُمْ أَهْلَ شِرْكٍ وَأَصْحَابَ أَوْثَانٍ وَكَانُوا قَدْ غَزَوْهُمْ
بِبِلَادِهِمْ فَكَانُوا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ قَالُوا لَهُمْ إنّ [ ص 429
] أَظَلّ زَمَانُهُ نَتّبِعُهُ فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ . فَلَمّا كَلّمَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُولَئِكَ النّفَرَ وَدَعَاهُمْ
إلَى اللّهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ يَا قَوْمِ تَعْلَمُوا وَاَللّهِ إنّهُ
لَلنّبِيّ الّذِي تَوَعّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ فَلَا تَسْبِقُنّكُمْ إلَيْهِ . فَأَجَابُوهُ
فِيمَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ بِأَنْ صَدّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ
عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ وَقَالُوا : إنّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا ، وَلَا
قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالشّرّ مَا بَيْنَهُمْ فَعَسَى أَنْ يَجْمَعَهُمْ
اللّهُ بِك ، فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إلَى أَمْرِك ، وَتَعْرِضُ
عَلَيْهِمْ الّذِي أَجَبْنَاك إلَيْهِ مِنْ هَذَا الدّينِ فَإِنْ يَجْمَعْهُمْ
اللّهُ عَلَيْهِ فَلَا رَجُلَ أَعَزّ مِنْك . ثُمّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ وَقَدْ آمَنُوا
وَصَدّقُوا .
[ أَسَمَاءُ الرّهْطِ الْخَزْرَجِيّينَ الّذِينَ الْتَقَوْا بِالرّسُولِ
عِنْدَ الْعَقَبَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهُمْ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - :
سِتّةُ نَفَرٍ مِنْ الْخَزْرَجِ ، مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النّجّارِ - وَهُوَ تَيْمُ
اللّهِ - ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ : أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ
بْنِ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ
وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ وَعَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَعَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ
مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ : رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ
الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْق ٍ . [ ص 430 ] قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَامِرُ بْنُ الْأَزْرَقِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ
بَنِي سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ
بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
سَلَمَةَ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ
سَوَادِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ ، وَلَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ
لَهُ غَنْمٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ
بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ
حَرَامٍ . وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
سَلَمَةَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ
بْنِ عُبَيْدٍ . فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ إلَى قَوْمِهِمْ ذَكَرُوا لَهُمْ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ
حَتّى فَشَا فِيهِمْ فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلّا وَفِيهَا ذِكْرٌ
مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 431 ]
الْعَقَبَةُ الْأُولَى وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ
حَتّى إذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ وَافَى
الْمَوْسِمَ مِنْ الْأَنْصَارِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ، فَلَقَوْهُ بِالْعَقَبَةِ
. ( قَالَ ) وَهِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى ، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ
عَلَيْهِمْ الْحَرْبُ .
[ رِجَالُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى مِنْ بَنِي النّجّارِ ]
مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النّجّارِ ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ
بْنِ النّجّارِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ
وَعَوْفٌ وَمُعَاذٌ ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ .
[ رِجَالُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ ]
وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرٍ رَافِعُ بْنُ
مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ ؟ وَذَكْوَانُ
بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مُخْلِدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ذَكْوَانُ ، مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ .
[ رِجَالُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى مِنْ بَنِي عَوْفٍ ]
وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي
غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمْ
الْقَوَاقِلُ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَصْرَمَ [ ص 432 ]
فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ وَأَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ وَهُوَ يَزِيدُ
بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزْمَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمّارَةَ مِنْ بَنِي
غُصَيْنَةَ مِنْ بَلِيّ ، حَلِيفٌ لَهُمْ .
[ مَقَالَةُ ابْنِ هِشَامٍ فِي اسْمِ الْقَوَاقِلِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا قِيلَ لَهُمْ
الْقَوَاقِلُ لِأَنّهُمْ كَانُوا إذَا اسْتَجَارَ بِهِمْ الرّجُلُ دَفَعُوا لَهُ
سَهْمًا ، وَقَالُوا لَهُ قَوْقِلْ بِهِ بِيَثْرِبَ حَيْثُ شِئْت . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : الْقَوْقَلَةُ ضَرْبٌ مِنْ الْمَشْيِ .
[ رِجَالُ الْعَقَبَةِ مِنْ بَنِي سَالِمٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ
عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ
بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضَلَةَ بْنِ مَالِكِ
بْنِ الْعَجْلَانِ .
[ رِجَالُ الْعَقَبَةِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ ]
بِلَامِ مَكْسُورَةٍ وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ
بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ
الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَلِمَةَ
عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ .
[ رِجَالُ الْعَقَبَةِ مِنْ بَنِي سَوَادٍ ]
وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ
قُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادِ [ ص
433 ]
[ رِجَالُ الْعَقَبَةِ مِنْ الْأَوْسِ ]
وَشَهِدَهَا مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ
جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ : أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ ، وَاسْمُهُ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : التّيّهَانُ يُخَفّفُ وَيُثَقّلُ كَقَوْلِهِ مَيْتٌ وَمَيّتٌ .
[ رِجَالُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى مِنْ بَنِي عَمْرٍو ]
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ : عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ
.
[ عَهْدُ الرّسُولِ عَلَى مُبَايِعِي الْعَقَبَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي
حَبِيبٍ ، عَنْ ( أَبِي ) مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْيَزَنِيّ عَنْ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ الصّنَابِحِيّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، قَالَ
كُنْت فِيمَنْ حَضَرَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى ، وَكُنّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا ، فَبَايَعْنَا
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ وَذَلِكَ
قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الْحَرْبُ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاَللّهِ شَيْئًا ،
وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا ، وَلَا نَأْتِيَ
بِبُهْتَانِ نَفْتَرِيهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا ، وَلَا نَعْصِيَهُ
فِي مَعْرُوفٍ . فَإِنْ وَفّيْتُمْ فَلَكُمْ الْجَنّةُ . وَإِنْ غَشِيتُمْ مِنْ
ذَلِكَ شَيْئًا فَأَمْرُكُمْ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ إنْ شَاءَ عَذّبَ وَإِنْ شَاءَ
غَفَرَ . [ ص 434 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ،
عَنْ عَائِذِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْخَوْلَانِيّ أَبِي إدْرِيسَ أَنّ
عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ حَدّثَهُ أَنّهُ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ
بِاَللّهِ شَيْئًا ، وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا ،
وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانِ نَفْتَرِيهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا
وَلَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ فَإِنْ وَفَيْتُمْ فَلَكُمْ الْجَنّةُ ، وَإِنْ غَشِيتُمْ
مِنْ ذَلِكَ ( شَيْئًا ) فَأُخِذْتُمْ بِحَدّهِ فِي الدّنْيَا ، فَهُوَ كَفّارَةٌ
لَهُ وَإِنْ سُتِرْتُمْ عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَأَمْرُكُمْ إلَى
اللّهِ عَزّ وَجَلّ إنْ شَاءَ عَذّبَ وَإِنْ شَاءَ غَفَر .
[ إرْسَالُ الرّسُولِ مُصْعَبًا مَعَ وَفْدِ الْعَقَبَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا انْصَرَفَ عَنْهُ
الْقَوْمُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُمْ
مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ
بْنِ قُصَيّ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُمْ الْقُرْآنَ وَيُعَلّمَهُمْ
الْإِسْلَامَ وَيُفَقّهَهُمْ فِي الدّينِ فَكَانَ يُسَمّى الْمُقْرِئَ
بِالْمَدِينَةِ : مُصْعَبٌ . وَكَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ
بْنِ عُدَسَ أَبِي أُمَامَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ
بْنِ قَتَادَةَ : أَنّهُ كَانَ يُصَلّي بِهِمْ وَذَلِكَ [ ص 435 ] الْأَوْسَ
وَالْخَزْرَجَ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَؤُمّهُ بَعْضٌ .
أَوّلُ
جُمُعَةٍ أَقِيمَتْ بِالْمَدِينَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي
أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ كُنْت قَائِدَ أَبِي ، كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ
، حِينَ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَكُنْتُ إذَا خَرَجْتُ بِهِ إلَى الْجُمُعَةِ فَسَمِعَ
الْأَذَانَ بِهَا صَلّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ . قَالَ
فَمَكَثَ حِينًا عَلَى ذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ إلّا صَلّى
عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ . قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : وَاَللّهِ إنّ هَذَا بِي لَعَجْزٌ
أَلّا أَسْأَلَهُ مَا لَهُ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلّى عَلَى أَبِي
أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ؟ قَالَ فَخَرَجْت بِهِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ
كَمَا كُنْت أَخْرُجُ فَلَمّا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلّى عَلَيْهِ
وَاسْتَغْفَرَ لَهُ . قَالَ فَقُلْت لَهُ يَا أَبَتِ مَا لَك إذَا سَمِعْتَ
الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلّيْت عَلَى أَبِي أُمَامَةَ ؟ قَالَ فَقَالَ أَيْ
بُنَيّ كَانَ أَوّلَ مَنْ جَمّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ فِي هَزْمِ النّبِيتِ ،
مِنْ حَرّةِ بَنِي بَيَاضَةَ ، يُقَالُ لَهُ نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ ، قَالَ قُلْت :
وَكَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا .
[ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَإِسْلَامُ سَعْدِ
بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ
]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ
بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِبٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ : أَنّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ
بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ يُرِيدُ بِهِ دَارَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَدَارَ
بَنِي ظَفَرٍ ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنَ خَالَةِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ،
فَدَخَلَ بِهِ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ ظَفَرٍ
كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو [ ص 436 ] مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ - قَالَا : عَلَى بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا : بِئْرُ مَرَقٍ فَجَلَسَا فِي
الْحَائِطِ ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمّنْ أَسْلَمَ ، وَسَعْدُ بْنُ
مُعَاذٍ ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْر ٍ يَوْمَئِذٍ سَيّدَا قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ وَكِلَاهُمَا مُشْرِكٌ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ فَلَمّا سَمِعَا بِهِ
قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لِأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ لَا أَبَا لَك ، انْطَلِقْ
إلَى هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ قَدْ أَتَيَا دَارَيْنَا لِيُسَفّهَا
ضُعَفَاءَنَا ، فَازْجُرْهُمَا وَانْهَهُمَا عَنْ أَنْ يَأْتِيَا دَارَيْنَا ،
فَإِنّهُ لَوْلَا أَنّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنّي حَيْثُ قَدْ عَلِمْت
كَفَيْتُك ذَلِكَ هُوَ ابْنُ خَالَتِي ، وَلَا أَجِدُ عَلَيْهِ مُقَدّمًا ، قَالَ
فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ حَرْبَتَهُ . ثُمّ أَقْبَلَ إلَيْهِمَا ، فَلَمّا
رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَالَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ : هَذَا سَيّدُ
قَوْمِهِ قَدْ جَاءَك ، فَاصْدُقْ اللّهَ فِيهِ قَالَ مُصْعَبٌ إنْ يَجْلِسْ
أُكَلّمْهُ . قَالَ فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا . مُتَشَتّمًا ، فَقَالَ مَا جَاءَ
بِكُمَا إلَيْنَا تُسَفّهَانِ ضُعَفَاءَنَا ؟ اعْتَزِلَانَا إنْ كَانَتْ لَكُمَا
بِأَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ أَوَتَجْلِسُ فَتَسْمَعَ فَإِنْ
رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ وَإِنْ كَرِهْته كُفّ عَنْك مَا تَكْرَهُ قَالَ
أَنْصَفْتَ ثُمّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ إلَيْهِمَا ، فَكَلّمَهُ مُصْعَبٌ
بِالْإِسْلَامِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَقَالَا : فِيمَا يُذْكَرُ
عَنْهُمَا : وَاَللّهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلّمَ فِي
إشْرَاقِهِ وَتَسَهّلِهِ . ثُمّ قَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَجْمَلَهُ
كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدّينِ ؟ قَالَا
لَهُ تَغْتَسِلُ فَتَطّهّرُ وَتُطَهّرُ ثَوْبَيْك ، ثُمّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ
الْحَقّ ثُمّ تُصَلّي . فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهّرَ ثَوْبَيْهِ وَتَشَهّدَ
شَهَادَةَ الْحَقّ ثُمّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمّ قَالَ لَهُمَا : إنّ
وَرَائِي رَجُلًا إنْ اتّبَعَكُمَا لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ
وَسَأُرْسِلُهُ إلَيْكُمَا الْآنَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ
وَانْصَرَفَ إلَى سَعْدٍ وَقَوْمِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ فَلَمّا نَظَرَ
إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُقْبِلًا ، قَالَ أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ
أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ فَلَمّا وَقَفَ
عَلَى النّادِي قَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا فَعَلْت ؟ قَالَ كَلّمْت الرّجُلَيْنِ
فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت بِهِمَا بَأْسًا ، وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا ، فَقَالَا :
نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْتَ وَقَدْ حُدّثْت أَنّ بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجُوا إلَى
أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ وَذَلِكَ أَنّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنّهُ
ابْنُ خَالَتِك ، لِيُخْفِرُوكَ قَالَ فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضَبًا مُبَادِرًا ، تَخَوّفًا
لِلّذِي ذُكِرَ لَهُ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ فَأَخَذَ الْحَرْبَةَ [ ص 437 ] ثُمّ قَالَ
وَاَللّهِ مَا أَرَاك أَغْنَيْت شَيْئًا ، ثُمّ خَرَجَ إلَيْهِمَا ، فَلَمّا
رَآهُمَا سَعْدٌ مُطْمَئِنّيْنِ عَرَفَ سَعْدٌ أَنّ أُسَيْدًا إنّمَا أَرَادَ
مِنْهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتّمًا ، ثُمّ قَالَ
لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ يَا أَبَا أُمَامَةَ ( أَمَا وَاَللّهِ ) لَوْلَا مَا
بَيْنِي وَبَيْنَك مِنْ الْقَرَابَةِ مَا رُمْت هَذَا مِنّي ، أَتَغْشَانَا فِي
دَارَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ - وَقَدْ قَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ لِمُصْعَبِ
بْنِ عُمَيْرٍ أَيْ مُصْعَبُ جَاءَك وَاَللّهِ سَيّدُ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ
إنْ يَتّبِعْك لَا يَتَخَلّفُ عَنْك مِنْهُمْ اثْنَانِ - قَالَ فَقَالَ لَهُ
مُصْعَبٌ أَوَتَقْعُدُ فَتَسْمَعَ فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا وَرَغِبْت فِيهِ
قَبِلْتَهُ وَإِنْ كَرِهْته عَزَلْنَا عَنْك مَا تَكْرَهُ ؟ قَالَ سَعْدٌ
أَنْصَفْت . ثُمّ رَكَزَ الْحَرْبَةَ وَجَلَسَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ
وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ قَالَا : فَعَرَفْنَا وَاَللّهِ فِي وَجْهِهِ
الْإِسْلَامَ قَبْل أَنْ يَتَكَلّمَ لِإِشْرَاقِهِ وَتَسَهّلِهِ ثُمّ قَالَ
لَهُمَا : كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَنْتُمْ أَسْلَمْتُمْ وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا
الدّينِ ؟ قَالَا : تَغْتَسِلُ فَتَطّهّرُ وَتُطَهّرُ ثَوْبَيْك ، ثُمّ تَشْهَدُ
شَهَادَةَ الْحَقّ ثُمّ تُصَلّي رَكْعَتَيْنِ قَالَ فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهّرَ
ثَوْبَيْهِ وَتَشَهّدَ شَهَادَةَ الْحَقّ ثُمّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ
فَأَقْبَلَ عَامِدًا إلَى نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ .
قَالَ فَلَمّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلًا ، قَالُوا : نَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ رَجَعَ
إلَيْكُمْ سَعْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ فَلَمّا
وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي
فِيكُمْ ؟ قَالُوا : سَيّدُنَا ( وَأَوْصَلُنَا ) وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا ، وَأَيْمَنُنَا
نَقِيبَةً قَالَ فَإِنّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيّ حَرَامٌ حَتّى
تُؤْمِنُوا بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ قَالَا : فَوَاَللّهِ مَا أَمْسَى فِي دَارِ
بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلّا مُسْلِمًا وَمُسْلِمَةً .
وَرَجَعَ أَسْعَدُ وَمُصْعَبٌ إلَى مَنْزِلِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَأَقَامَ
عِنْدَهُ يَدْعُو النّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ حَتّى لَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ
الْأَنْصَارِ إلّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ إلّا مَا كَانَ مِنْ
دَارِ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ وَخَطْمَةَ وَوَائِلٍ وَوَاقِفٍ وَتِلْكَ أَوْسُ
اللّهِ وَهُمْ مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ فِيهِمْ أَبُو
قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ وَهُوَ صَيْفِيّ ، وَكَانَ شَاعِرًا لَهُمْ قَائِدًا
يَسْتَمِعُونَ مِنْهُ وَيُطِيعُونَهُ فَوَقَفَ بِهِمْ عَنْ [ ص 438 ] هَاجَرَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَمَضَى
بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ ، وَقَالَ فِيمَا رَأَى مِنْ الْإِسْلَامِ وَمَا
اخْتَلَفَ النّاسُ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ
أَرَبّ النّاسِ أَشْيَاءُ أَلَمّتْ ... يُلَفّ الصّعْبُ
مِنْهَا بِالذّلُولِ
أَرَبّ النّاسِ أَمّا إذْ ضَلِلْنَا ... فَيَسّرْنَا
لِمَعْرُوفِ السّبِيلِ
فَلَوْلَا رَبّنَا كُنّا يَهُودًا ... وَمَا دِينُ
الْيَهُودِ بِذِي شُكُولِ
وَلَوْلَا رَبّنَا كُنّا نَصَارَى ... مَعَ الرّهْبَانِ
فِي جَبَلِ الْجَلِيلِ
وَلَكِنّا خُلِقْنَا إذْ خُلِقْنَا ... حَنِيفًا
دِينُنَا عَنْ كُلّ جِيلِ
نَسُوقُ الْهَدْيَ تَرْسُفُ مُذْعِنَاتٍ ... مُكَشّفَةَ
الْمَنَاكِبِ فِي الْجُلُولِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ فَلَوْلَا
رَبّنَا ، وَقَوْلَهُ لَوْلَا رَبّنَا ، وَقَوْلَهُ مُكَشّفَةَ الْمَنَاكِبِ فِي
الْجُلُولِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، أَوْ مِنْ خُزَاعَةَ .
أَمْرُ
الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ
رَجَعَ إلَى مَكّةَ ، وَخَرَجَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
إلَى الْمَوْسِمِ مَعَ حَجّاجِ قَوْمِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ حَتّى قَدِمُوا مَكّةَ
، فَوَاعَدُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَقَبَةَ ، مِنْ
أَوْسَطِ أَيّامِ التّشْرِيقِ حِينَ أَرَادَ اللّهُ بِهِمْ مَا أَرَادَ مِنْ
كَرَامَتِهِ وَالنّصْرِ لِنَبِيّهِ وَإِعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ
وَإِذْلَالِ الشّرْكِ وَأَهْلِهِ . [ ص 439 ]
[ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ وَصَلَاتُهُ إلَى الْكَعْبَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ أَنّ أَخَاهُ
عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبٍ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ ، حَدّثَهُ أَنّ
أَبَاهُ كَعْبًا حَدّثَهُ وَكَانَ كَعْبٌ مِمّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَايَعَ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا ، قَالَ خَرَجْنَا فِي حُجّاجِ
قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ صَلّيْنَا وَفَقِهْنَا ، وَمَعَنَا
الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ ، سَيّدُنَا وَكَبِيرُنَا ، فَلَمّا وَجّهْنَا
لِسَفَرِنَا ، وَخَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ ، قَالَ الْبَرَاءُ لَنَا : يَا
هَؤُلَاءِ إنّي قَدْ رَأَيْت رَأْيًا ، فَوَاَللّهِ مَا أَدْرِي ،
أَتُوَافِقُونَنِي عَلَيْهِ أَمْ لَا ؟ قَالَ قُلْنَا : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ قَدْ
رَأَيْت أَنْ لَا أَدَعَ هَذِهِ الْبَنِيّةَ مِنّي بِظَهْرٍ يَعْنِي الْكَعْبَةَ ،
وَأَنْ أُصَلّيَ إلَيْهَا . قَالَ فَقُلْنَا ، وَاَللّهِ مَا بَلَغَنَا أَنّ
نَبِيّنَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي إلّا إلَى الشّامِ وَمَا
نُرِيدُ أَنْ نُخَالِفَهُ . قَالَ فَقَالَ إنّي لَمُصَلّ إلَيْهَا . قَالَ فَقُلْنَا
لَهُ لَكِنّا لَا نَفْعَلُ . قَالَ فَكُنّا إذَا حَضَرَتْ الصّلَاةُ صَلّيْنَا
إلَى الشّامِ ، وَصَلّى إلَى الْكَعْبَةِ ، حَتّى قَدِمْنَا مَكّةَ قَالَ وَقَدْ
كُنّا عِبْنَا عَلَيْهِ مَا صَنَعَ وَأَبَى إلّا الْإِقَامَةَ عَلَى ذَلِكَ .
فَلَمّا قَدِمْنَا مَكّةَ قَالَ لِي
: يَا ابْنَ أَخِي ، انْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَسْأَلَهُ عَمّا صَنَعْتُ فِي
سَفَرِي هَذَا ، فَإِنّهُ وَاَللّهِ لَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ
لِمَا رَأَيْتُ مِنْ خِلَافِكُمْ إيّايَ فِيهِ . قَالَ فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُنّا لَا نَعْرِفُهُ وَلَمْ
نَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَقِينَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكّةَ ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ هَلْ تَعْرِفَانِهِ ؟
فَقُلْنَا : لَا ، قَالَ فَهَلْ تَعْرِفَانِ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
عَمّهُ ؟ قَالَ قُلْنَا : نَعَمْ - قَالَ وَقَدْ كُنّا نَعْرِفُ الْعَبّاسَ كَانَ لَا
يَزَالُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا تَاجِرًا - قَالَ فَإِذَا دَخَلْتُمَا الْمَسْجِدَ فَهُوَ
الرّجُلُ الْجَالِسُ مَعَ الْعَبّاسِ . قَالَ . فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا
الْعَبّاسُ جَالِسٌ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ
مَعَهُ فَسَلّمْنَا ثُمّ [ ص 440 ] فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لِلْعَبّاسِ هَلْ تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ ؟
قَالَ نَعَمْ هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ ، سَيّدُ قَوْمِهِ وَهَذَا كَعْبُ (
بْنُ ) مَالِكٍ . قَالَ فَوَاَللّهِ مَا أَنْسَى قَوْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الشّاعِرُ ؟ قَالَ نَعَمْ . ( قَالَ ) : فَقَالَ ( لَهُ )
الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ : يَا نَبِيّ اللّهِ إنّي خَرَجْتُ فِي سَفَرِي هَذَا ،
وَقَدْ هَدَانِي اللّهُ لِلْإِسْلَامِ فَرَأَيْت أَنْ لَا أَجْعَلَ هَذِهِ
الْبَنِيّةَ مِنّي بِظَهْرٍ فَصَلّيْت إلَيْهَا ، وَقَدْ خَالَفَنِي أَصْحَابِي
فِي ذَلِكَ حَتّى وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَمَاذَا تَرَى يَا
رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ ( قَدْ ) كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا .
قَالَ فَرَجَعَ الْبَرَاءُ إلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَصَلّى مَعَنَا إلَى الشّامِ . قَالَ وَأَهْلُهُ يَزْعُمُونَ أَنّهُ
صَلّى إلَى الْكَعْبَةِ حَتّى مَاتَ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا ، نَحْنُ
أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ عَوْنُ بْنُ أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ :
وَمِنّا الْمُصَلّي أَوّلَ النّاسِ مُقْبِلًا ... عَلَى
كَعْبَةِ الرّحْمَنِ بَيْنَ الْمَشَاعِرِ
يَعْنِي الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ . وَهَذَا الْبَيْتُ
فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[ إسْلَامُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبٍ
أَنّ أَخَاهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبٍ حَدّثَهُ أَنّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ
مَالِكٍ حَدّثَهُ [ ص 441 ] قَالَ كَعْبٌ ثُمّ خَرَجْنَا إلَى الْحَجّ
وَوَاعَدْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْعَقَبَةِ مِنْ
أَوْسَطِ أَيّامِ التّشْرِيقِ . قَالَ فَلَمّا فَرَغْنَا مِنْ الْحَجّ وَكَانَتْ اللّيْلَةُ
الّتِي وَاعَدْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهَا ،
وَمَعَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَوْ جَابِرٌ سَيّدٌ مِنْ
سَادَاتِنَا ، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا ، أَخَذْنَاهُ مَعَنَا ، وَكُنّا
نَكْتُمُ مَنْ مَعَنَا مِنْ قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمْرَنَا ،
فَكَلّمْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا جَابِرٍ إنّك سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا ،
وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا ، وَإِنّا نَرْغَبُ بِك عَمّا أَنْتَ فِيهِ أَنْ
تَكُونَ حَطَبًا لِلنّارِ غَدًا ، ثُمّ دَعَوْنَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ
وَأَخْبَرْنَاهُ بِمِيعَادِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إيّانَا الْعَقَبَةَ . قَالَ فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَنَا الْعَقَبَةَ ، وَكَانَ
نَقِيبًا . قَالَ فَنِمْنَا تَلِك اللّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا ، حَتّى إذَا
مَضَى ثُلُثُ اللّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَتَسَلّلُ تَسَلّلَ الْقَطَا مُسْتَخْفِينَ حَتّى
اجْتَمَعْنَا فِي الشّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ
رَجُلًا ، وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِنَا : نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ
أُمّ عُمَارَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ
عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي ، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ وَهِيَ أُمّ
مَنِيعٍ
[ الْعَبّاسُ يَتَوَثّقُ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ ]
قَالَ فَاجْتَمَعْنَا فِي الشّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى جَاءَنَا وَمَعَهُ ( عَمّهُ )
الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ
إلّا أَنّهُ أَحَبّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ وَيَتَوَثّقَ لَهُ .
فَلَمّا جَلَسَ كَانَ أَوّلَ مُتَكَلّمٍ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَقَالَ
يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ - قَالَ وَكَانَتْ الْعَرَبُ إنّمَا يُسَمّونَ هَذَا
الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ : الْخَزْرَجَ ، خَزْرَجَهَا وَأَوْسَهَا - : إنّ
مُحَمّدًا مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا ،
مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ فَهُوَ فِي عِزّ مِنْ قَوْمِهِ
وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ وَإِنّهُ قَدْ أَبَى إلّا الِانْحِيَازَ إلَيْكُمْ
وَاللّحُوقَ بِكُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا
دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ وَمَانِعُوهُ مِمّنْ خَالَفَهُ فَأَنْتُمْ وَمَا
تَحَمّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ [ ص 442 ] قَالَ فَقُلْنَا لَهُ قَدْ سَمِعْنَا
مَا قُلْت ، فَتَكَلّمْ يَا رَسُولَ اللّهِ فَخُذْ لِنَفْسِك وَلِرَبّك مَا
أَحْبَبْت .
[ عَهْدُ الرّسُولِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ عَلَى الْأَنْصَارِ ]
قَالَ فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللّهِ وَرَغّبَ فِي الْإِسْلَامِ
ثُمّ قَال أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ
وَأَبْنَاءَكُمْ . قَالَ فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ
نَعَمْ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ ( نَبِيّا ) لَنَمْنَعَنّك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ
أُزُرَنَا فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَنَحْنُ وَاَللّهِ أَبْنَاءُ
الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا كَابِرًا ( عَنْ كَابِرٍ ) قَالَ
فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ وَالْبَرَاءُ يُكَلّمُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللّهِ إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرّجَالِ حِبَالًا ، وَإِنّا قَاطِعُوهَا -
يَعْنِي الْيَهُودَ - فَهَلْ عَسَيْتَ إنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ ثُمّ أَظْهَرَك
اللّهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى قَوْمِك وَتَدَعَنَا ؟ قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ بَلْ الدّمَ الدّمَ وَالْهَدْمَ
الْهَدْمَ أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنّي ، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ
وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ [ ص 443 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ الْهَدْمَ
الْهَدْمَ : ( يَعْنِي الْحُرْمَةَ
) أَيْ ذِمّتِي ذِمّتُكُمْ وَحُرْمَتِي حُرْمَتُكُمْ ؟ .
قَالَ كَعْبُ ( بْنُ مَالِكٍ ) : وَقَدْ ( كَانَ ) قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرِجُوا إلَيّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ، لِيَكُونُوا
عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا فِيهِمْ . فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا
، تِسْعَةً مِنْ الْخَزْرَجِ ، وَثَلَاثَةً مِنْ الْأَوْسِ .
أَسَمَاءُ
النّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَمَامُ خَبَرِ الْعَقَبَةِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مِنْ الْخَزْرَجِ - فِيمَا
حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ
الْمُطّلِبِيّ - : أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بْنُ عُدَسَ بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَهُوَ تَيْمُ
اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ
وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ
( الْأَكْبَرِ ) بْنِ مَالِكٍ ( الْأَغَرّ ) بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَادِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ
وَرَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ
زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ
الْخَزْرَجِ [ ص 444 ] وَالْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ
خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
سَلَمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ
بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ
عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ ،
وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بْنِ قَيْسِ ، بْنِ أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ
الْخَزْرَجِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ ، أَخُو سَالِمِ
بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَعْدُ بْنُ
عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي حَزِيمَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ ،
وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ
عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ ابْنُ خُنَيْسٍ
[ نُقَبَاءُ الْأَوْسِ ]
وَمِنْ الْأَوْسِ : أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ
بْنِ عَتِيكِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الْأَشْهَلِ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ النّحّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ امْرِئِ
الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ
زُبَيْرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ . [ ص 445 ]
[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي حَصْرِ النّقَبَاءِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعُدّونَ
فِيهِمْ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيّهَانِ وَلَا يَعُدّونَ رِفَاعَةَ . وَقَالَ
كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَذْكُرُهُمْ فِيمَا أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ :
أَبْلِغْ أُبَيّا أَنّهُ فَالَ رَأْيُهُ ... وَحَانَ
غَدَاةَ الشّعْبِ وَالْحَيْنُ وَاقِعُ
أَبَى اللّهُ مَا مَنّتْك نَفْسُك إنّهُ ... بِمِرْصَادِ
أَمْرِ النّاسِ رَاءٍ وَسَامِعُ
وَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ أَنْ قَدْ بَدَا لَنَا ...
بِأَحْمَدَ نُورٌ مِنْ هُدَى اللّهِ سَاطِعُ
فَلَا تَرْغَبَنْ فِي حَشْدِ أَمْرٍ تُرِيدُهُ ...
وَأَلّبْ وَجَمّعْ كُلّ مَا أَنْتَ جَامِعُ
وَدُونَك فَاعْلُمْ أَنّ نَقْضَ عُهُودِنَا ... أَبَاهُ
عَلَيْك الرّهْطُ حِينَ تَتَابَعُوا
أَبَاهُ الْبَرَاءُ وَابْنُ عَمْرٍو كِلَاهُمَا ...
وَأَسْعَدُ يَأْبَاهُ عَلَيْك وَرَافِعُ
وَسَعْدٌ أَبَاهُ السّاعِدِيّ وَمُنْذِرٌ ... لِأَنْفِك
إنْ حَاوَلْت ذَلِكَ جَادِعُ
وَمَا ابْنُ رَبِيعٍ إنْ تَنَاوَلْت عَهْدَهُ ...
بِمُسْلِمِهِ لَا يَطْمَعَنْ ثَمّ طَامِعُ
وَأَيْضًا فَلَا يُعْطِيكَهُ ابْنُ رَوَاحَةَ ...
وَإِخْفَارُهُ مِنْ دُونِهِ السّمّ نَاقِعُ
وَفَاءً بِهِ وَالْقَوْقَلِيّ بْنُ صَامِتٍ ...
بِمَنْدُوحَةِ عَمّا تُحَاوِلُ يَافِعُ
أَبُو هَيْثَمٍ أَيْضًا وَفِيّ بِمِثْلِهَا ... وَفَاءً
بِمَا أَعْطَى مِنْ الْعَهْدِ خَانِعُ
وَمَا ابْنُ حُضَيْرٍ إنْ أَرَدْت ، بِمَطْمَعِ ...
فَهَلْ أَنْتَ عَنْ أُحْمُوقَةِ الْغَيّ نَازِعُ
وَسَعْدٌ أَخُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَإِنّهُ ...
ضَرُوحٌ لِمَا حَاوَلْتَ مِلْأَمْرِ مَانِعُ
أُولَاكَ نُجُومٌ لَا يُغِبّكَ مِنْهُمْ ... عَلَيْك
بِنَحْسٍ فِي دُجَى اللّيْلِ طَالِعُ
فَذَكَرَ كَعْبٌ فِيهِمْ " أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ
التّيّهَانِ " وَلَمْ يَذْكُرْ
" رِفَاعَةَ " . [ ص 446 ] قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِلنّقَبَاءِ أَنْتُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ
بِمَا فِيهِمْ كُفَلَاءُ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيّينَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ،
وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي - يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ - قَالُوا : نَعَمْ
[ كَلِمَةُ الْعَبّاسِ بْنِ عُبَادَةَ فِي الْخَزْرَجِ قَبْلَ
الْمُبَايَعَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ
بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ الْقَوْمَ لَمّا اجْتَمَعُوا لِبَيْعَةِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْأَنْصَارِيّ
، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ ، هَلْ تَدْرُونَ
عَلَامَ تُبَايِعُونَ هَذَا الرّجُلَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ إنّكُمْ
تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ مِنْ النّاسِ فَإِنْ
كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ إذَا نُهِكَتْ أَمْوَالُكُمْ مُصِيبَةً
وَأَشْرَافُكُمْ قَتْلًا أَسْلَمْتُمُوهُ فَمِنْ الْآنَ فَهُوَ وَاَللّهِ إنْ
فَعَلْتُمْ خِزْيُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ
وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ عَلَى نَهْكَةِ الْأَمْوَالِ وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ
فَخُذُوهُ فَهُوَ وَاَللّهِ خَيْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالُوا : فَإِنّا
نَأْخُذُهُ عَلَى مُصِيبَةِ الْأَمْوَالِ وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ . فَمَا لَنَا
بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ نَحْنُ وَفّيْنَا ( بِذَلِكَ ) قَالَ الْجَنّةُ .
قَالُوا : اُبْسُطْ يَدَك . فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعُوهُ وَأَمّا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ
بْنِ قَتَادَةَ فَقَالَ وَاَللّهِ مَا قَالَ ذَلِك الْعَبّاسُ إلّا لِيَشُدّ
الْعَقْدَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَعْنَاقِهِمْ . وَأَمّا عَبْدُ
اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ مَا قَالَ ذَلِكَ الْعَبّاسُ إلّا لِيُؤَخّرَ
الْقَوْمَ تَلِك اللّيْلَةَ رَجَاءَ أَنْ يَحْضُرَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ
ابْنِ سَلُولَ ، فَيَكُونَ أَقْوَى لِأَمْرِ الْقَوْمِ . فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ
ذَلِكَ كَانَ .
[ نَسَبُ سَلُولَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ سَلُولُ امْرَأَةٌ مِنْ خُزَاعَةَ ،
وَهِيَ أُمّ أُبَيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ [ ص 447 ]
[ أَوّلُ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ الرّسُولِ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ
الثّانِيَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَنُو النّجّارِ يَزْعُمُونَ
أَنّ أَبَا أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى
يَدِهِ وَبَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَقُولُونَ بَلْ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ
التّيّهَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَمّا مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ فَحَدّثَنِي فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ ، ثُمّ بَايَعَ بَعْدُ
الْقَوْمُ
[ تَنْفِيرُ الشّيْطَانِ لِمَنْ بَايَعَ فِي الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ ]
فَلَمّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَرَخَ الشّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ
سَمِعْتُهُ قَطّ : يَا أَهْلَ الْجُبَاجِبِ - وَالْجُبَاجِبُ : الْمَنَازِلُ -
هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمّمٍ وَالصّبَاةُ مَعَهُ قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ . قَالَ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا أَزَبّ الْعَقَبَةِ هَذَا
ابْنُ أَزْيَبَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: وَيُقَالُ ابْنُ أُزَيْبٍ - أَتَسْمَعُ أَيْ عَدُوّ
اللّهِ أَمَا وَاَللّهِ لَأَفْرُغَنّ لَك
[ اسْتِعْجَالُ الْمُبَايِعِينَ لِلْإِذْنِ بِالْحَرْبِ ]
قَالَ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ارْفَضّوا إلَى رِحَالِكُمْ
.
قَالَ [
ص 448 ] فَقَالَ لَهُ الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ
نَضْلَةَ : وَاَللّهِ الّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ إنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنّ عَلَى أَهْلِ مِنًى
غَدًا بِأَسْيَافِنَا ؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لَمْ نُؤْمَرْ . بِذَلِكَ وَلَكِنْ ارْجِعُوا إلَى رِحَالِكُمْ . قَالَ
فَرَجَعْنَا إلَى مَضَاجِعِنَا ، فَنِمْنَا عَلَيْهَا حَتّى أَصْبَحْنَا
ج4. كتاب
: السيرة النبوية لابن هشام=4.
المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري
[ غُدُوّ قُرَيْشٍ عَلَى الْأَنْصَارِ فِي شَأْنِ الْبَيْعَةِ ]
( قَالَ ) : فَلَمّا أَصْبَحْنَا غَدَتْ عَلَيْنَا
جُلّةُ قُرَيْشٍ ، حَتّى جَاءُونَا فِي مَنَازِلِنَا ، فَقَالُوا : يَا مَعْشَرَ
الْخَزْرَجِ ، إنّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ إلَى صَاحِبِنَا هَذَا
تَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا ، وَتُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِنَا ،
وَإِنّهُ وَاَللّهِ مَا مِنْ حَيّ مِنْ الْعَرَبِ أَبْغَضُ إلَيْنَا ، أَنْ
تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ . قَالَ فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ
مُشْرِكِي قَوْمِنَا يَحْلِفُونَ بِاَللّهِ مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَمَا
عَلِمْنَاهُ . قَالَ وَقَدْ صَدَقُوا ، لَمْ يَعْلَمُوهُ . قَالَ وَبَعْضُنَا
يَنْظُرُ إلَى بَعْضٍ . قَالَ ثُمّ قَامَ الْقَوْمُ وَفِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ ، وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ لَهُ جَدِيدَانِ قَالَ
فَقُلْتُ لَهُ كَلِمَةً - كَأَنّي أُرِيدُ أَنْ أَشْرَكَ الْقَوْمَ بِهَا فِيمَا
قَالُوا - : يَا أَبَا جَابِرٍ أَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتّخِذَ وَأَنْت سَيّدٌ
مِنْ سَادَاتِنَا ، مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ ؟ قَالَ
فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ فَخَلَعَهُمَا مِنْ رِجْلَيْهِ ثُمّ رَمَى بِهِمَا إلَيّ
وَقَالَ وَاَللّهِ لِتَنْتَعِلَنّهُمَا . قَالَ يَقُولُ أَبُو جَابِرٍ مَهْ
أَحْفَظْتَ وَاَللّهِ الْفَتَى ، فَارْدُدْ إلَيْهِ نَعْلَيْهِ . قَالَ قُلْت : وَاَللّهِ لَا
أَرُدّهُمَا ، فَأْلٌ وَاَللّهِ صَالِحٌ لَئِنْ صَدَقَ الْفَأْلُ لَأَسْلُبَنّهُ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّهُمْ
أَتَوْا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُبَيّ
[ ص 449 ] ابْنِ سَلُولَ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا
قَالَ كَعْبٌ مِنْ الْقَوْلِ فَقَالَ لَهُمْ ( وَاَللّهِ ) إنّ هَذَا الْأَمْرَ
جَسِيمٌ مَا كَانَ قَوْمِي لِيَتَفَوّتُوا عَلَيّ بِمِثْلِ هَذَا ، وَمَا عَلِمْته
كَانَ . قَالَ فَانْصَرَفُوا عَنْهُ
.
[ خُرُوجُ قُرَيْشٍ فِي طَلَبِ الْأَنْصَارِ ]
قَالَ وَنَفَرَ النّاسُ مِنْ كُلّ مِنًى ، فَتَنَطّسَ
الْقَوْمُ الْخَبَرَ ، فَوَجَدُوهُ قَدْ كَانَ وَخَرَجُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ
فَأَدْرَكُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بِأَذَاخِرَ وَالْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو ،
أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَكِلَاهُمَا كَانَ نَقِيبًا
. فَأَمّا الْمُنْذِرُ فَأَعْجَزَ الْقَوْمَ وَأَمّا سَعْدٌ فَأَخَذُوهُ
فَرَبَطُوا يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بِنِسْعِ رَحْلِهِ ثُمّ أَقْبَلُوا بِهِ حَتّى
أَدْخَلُوهُ مَكّةَ يَضْرِبُونَهُ وَيَجْذِبُونَهُ بِجُمّتِهِ وَكَانَ ذَا شَعَرٍ
كَثِيرٍ .
[ خَلَاصُ ابْنِ عُبَادَةَ مِنْ أَسْرِ قُرَيْشٍ وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ
مِنْ شِعْرٍ ]
قَالَ سَعْدٌ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي أَيْدِيهمْ إذْ
طَلَعَ عَلَيّ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ رَجُلٌ وَضِيءٌ أَبْيَضُ شَعْشَاعٌ
حُلْوٌ مِنْ الرّجَالِ قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : إنْ يَكُ عِنْدَ أَحَد مِنْ الْقَوْمِ
خَيْرٌ فَعِنْدَ هَذَا ، قَالَ فَلَمّا دَنَا مِنّي رَفَعَ يَدَهُ فَلَكَمَنِي
لَكْمَةً شَدِيدَةً . قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : لَا وَاَللّهِ [ ص 450 ] قَالَ
فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي أَيْدِيهِمْ يَسْحَبُونَنِي إذْ أَوَى لِي رَجُلٌ مِمّنْ
كَانَ مَعَهُمْ فَقَالَ وَيْحَك أَمَا بَيْنَك وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ
جِوَارٌ وَلَا عَهْدٌ ؟ قَالَ قُلْت : بَلَى ، وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْت أُجِيرُ لِجُبَيْرِ
بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ تِجَارَةً
وَأَمْنَعُهُمْ مِمّنْ أَرَادَ ظُلْمَهُمْ بِبِلَادِي ، وَلِلْحَارِثِ بْنِ حَرْبِ
بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ وَيْحَك فَاهْتِفْ
بِاسْمِ الرّجُلَيْنِ وَاذْكُرْ مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُمَا . قَالَ فَفَعَلْت ،
وَخَرَجَ ذَلِك الرّجُلُ إلَيْهِمَا ، فَوَجَدَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ
الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ لَهُمَا : إنّ رَجُلًا مِنْ الْخَزْرَجِ الْآنَ يُضْرَبُ
بِالْأَبْطَحِ وَيَهْتِفُ بِكُمَا ، وَيَذْكُرُ أَنّ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمَا
جِوَارًا ؟ قَالَا : وَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ؛ قَالَا : صَدَقَ
وَاَللّهِ إنْ كَانَ لَيُجِيرُ لَنَا تِجَارَنَا ، وَيَمْنَعُهُمْ أَنْ يُظْلَمُوا
بِبَلَدِهِ . قَالَ فَجَاءَا فَخَلّصَا سَعْدًا مِنْ أَيْدِيهِمْ فَانْطَلَقَ .
وَكَانَ الّذِي لَكَمَ سَعْدًا ، سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ
لُؤَيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ الرّجُلُ الّذِي أَوَى إلَيْهِ أَبَا
الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوّلُ شِعْرٍ قِيلَ
فِي الْهِجْرَةِ بَيْتَيْنِ قَالَهُمَا ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ ،
أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ ( فَقَالَ ) [ ص 451 ]
تَدَارَكْتَ سَعْدًا عَنْوَةً فَأَخَذْتَهُ ... وَكَانَ
شِفَاءً لَوْ تَدَارَكْتَ مُنْذِرَا
وَلَوْ نِلْتُهُ طُلّتْ هُنَاكَ جِرَاحُهُ ... وَكَانَتْ
حَرِيّا أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : وَكَانَ حَقِيقًا
أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ
ثَابِتٍ فِيهِمَا فَقَالَ [ ص 452
]
لَسْتَ إلَى سَعْدٍ وَلَا الْمَرْءِ مُنْذِرٍ ... إذَا
مَا مَطَايَا الْقَوْمِ أَصْبَحْنَ ضُمّرَا
فَلَوْلَا أَبُو وَهْبٍ لَمَرّتْ قَصَائِدٌ ... عَلَى
شَرَفِ الْبَرْقَاءِ يَهْوِينَ حُسّرًا
أَتَفْخُرُ بِالْكَتّانِ لَمّا لَبِسْتَهُ ... وَقَدْ
تَلْبَسُ الْأَنْبَاطُ رَيْطًا مُقَصّرَا
فَلَا تَكُ كَالْوَسْنَانِ يَحْلُمُ أَنّهُ ...
بِقَرْيَةِ كِسْرَى أَوْ بِقَرْيَةِ قَيْصَرَا
وَلَا تَكُ كَالثّكْلَى وَكَانَتْ بِمَعْزِلٍ ... عَنْ
الثّكْلِ لَوْ كَانَ الْفُؤَادُ تَفَكّرَا
وَلَا تَكُ كَالشّاةِ الّتِي كَانَ حَتْفُهَا ...
بِجَفْرِ ذِرَاعَيْهَا فَلَمْ تَرْضَ مَحْفَرَا
وَلَا تَكُ كَالْعَاوِي فَأَقْبَلَ نَحْرَهُ ... وَلَمْ
يَخْشَهُ سَهْمًا مِنْ النّبْلِ مُضْمَرَا
فَإِنّا وَمَنْ يُهْدِي الْقَصَائِدَ نَحْوَنَا ...
كَمُسْتَبْضِعٍ تَمْرًا إلَى أَرْضِ خَيْبَرَا
قِصّةُ
صَنَمِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ
[ عُدْوَانُ قَوْمِ عَمْرٍو عَلَى صَنَمِهِ ]
فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ
بِهَا ، وَفِي قَوْمِهِمْ بَقَايَا مِنْ شُيُوخٍ لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ مِنْ
الشّرْكِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ وَكَانَ ابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو شَهِدَ
الْعَقَبَةَ ، وَبَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا ،
وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ سَيّدًا مِنْ سَادَاتِ بَنِي سَلَمَةَ وَشَرِيفًا
مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَكَانَ قَدْ اتّخَذَ فِي دَارِهِ صَنَمًا مِنْ خَشَبٍ يُقَالُ
لَهُ مَنَاةُ كَمَا كَانَتْ الْأَشْرَافُ يَصْنَعُونَ تَتّخِذُهُ إلَهًا
تُعَظّمُهُ وَتُطَهّرُهُ فَلَمّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلَمَةَ مُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ ، وَابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو ( بْنِ الْجَمُوحِ ) فِي فِتْيَانٍ مِنْهُمْ
مِمّنْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ ، كَانُوا يُدْلِجُونَ بِاللّيْلِ عَلَى
صَنَمِ عَمْرٍو ذَلِكَ فَيَحْمِلُونَهُ فَيَطْرَحُونَهُ فِي بَعْضِ حُفَرِ بَنِي
سَلَمَةَ وَفِيهَا عِذَرُ النّاسِ مُنَكّسًا عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا أَصْبَحَ
عَمْرٌو ، قَالَ وَيْلَكُمْ مَنْ عَدَا عَلَى آلِهَتِنَا هَذِهِ اللّيْلَةَ ؟
قَالَ ثُمّ يَغْدُو يَلْتَمِسُهُ حَتّى إذَا وَجَدَهُ غَسَلَهُ وَطَهّرَهُ
وَطَيّبَهُ ، ثُمّ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ
لَأُخْزِيَنّهُ . فَإِذَا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو ، عَدَوْا عَلَيْهِ فَفَعَلُوا
بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَغْدُو فَيَجِدُهُ فِي مِثْلِ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ
الْأَذَى ، فَيَغْسِلُهُ وَيُطَهّرُهُ وَيُطَيّبُهُ ثُمّ يَعْدُونَ عَلَيْهِ إذَا أَمْسَى
، فَيَفْعَلُونَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ . فَلَمّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ [ ص 453 ]
وَطَيّبَهُ ، ثُمّ جَاءَ بِسَيْفِهِ فَعَلّقَهُ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ إنّي
وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ بِك مَا تَرَى ، فَإِنْ كَانَ فِيك خَيْرٌ
فَامْتَنِعْ فَهَذَا السّيْفُ مَعَك
. فَلَمّا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو ، عَدَوْا عَلَيْهِ
فَأَخَذُوا السّيْفَ مِنْ عُنُقِهِ ثُمّ أَخَذُوا كَلْبًا مَيّتًا فَقَرَنُوهُ
بِهِ بِحَبْلِ ثُمّ أَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ مِنْ آبَارِ بَنِي سَلَمَةَ فِيهَا
عِذَرٌ مِنْ عِذَرِ النّاسِ ثُمّ غَدَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فَلَمْ يَجِدْهُ فِي
مَكَانِهِ الّذِي كَانَ بِهِ .
[ إسْلَامُ عَمْرٍو وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ ]
فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ حَتّى وَجَدَهُ فِي تِلْكَ
الْبِئْرِ مُنَكّسًا مَقْرُونًا بِكَلْبِ مَيّتٍ فَلَمّا رَآهُ وَأَبْصَرَ
شَأْنَهُ وَكَلّمَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ ( رِجَالِ ) قَوْمِهِ فَأَسْلَمَ
بِرَحْمَةِ اللّهِ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ . فَقَالَ حِينَ أَسْلَمَ وَعَرَفَ مِنْ
اللّهِ مَا عَرَفَ وَهُوَ يَذْكُرُ صَنَمَهُ ذَلِكَ وَمَا أَبْصَرَ مِنْ أَمْرِهِ وَيَشْكُرُ
اللّهَ تَعَالَى الّذِي أَنْقَذَهُ مِمّا كَانَ فِيهِ مِنْ الْعَمَى وَالضّلَالَةِ
وَاَللّهِ لَوْ كُنْتَ إلَهًا لَمْ تَكُنْ ... أَنْتَ
وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قَرَنْ
أُفّ لِمَلْقَاك إلَهًا مُسْتَدَنْ ... الْآنَ
فَتّشْنَاك عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ
الْحَمْدُ لِلّهِ الْعَلِيّ ذِي المِنَنْ ... الْوَاهِبِ
الرّزّاقِ دَيّانِ الدّيَنْ
هُوَ الّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ ... أَكُونَ
فِي ظُلْمَةِ قَبْرٍ مُرْتَهَنْ
بِأَحْمَدَ الْمَهْدِيّ النّبِيّ الْمُرْتَهِنْ
[ ص 454
]
شُرُوطُ
الْبَيْعَةِ فِي الْعَقَبَةِ الْأَخِيرَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ بَيْعَةَ الْحَرْبِ
حِينَ أَذِنَ اللّهُ لِرَسُولِهِ ( صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ) فِي
الْقِتَالِ شُرُوطًا سِوَى شَرْطِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى ،
كَانَتْ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ وَذَلِك أَنّ اللّهَ تَعَالَى لَمْ
يَكُنْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَرْبِ فَلَمّا أَذِنَ
اللّهُ لَهُ فِيهَا ، وَبَايَعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي الْعَقَبَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ
أَخَذَ لِنَفْسِهِ وَاشْتَرَطَ عَلَى الْقَوْمِ لِرَبّهِ وَجَعَلَ لَهُمْ عَلَى
الْوَفَاءِ بِذَلِك الْجَنّةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عُبَادَةُ
بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، عَنْ أَبِيهِ الْوَلِيدِ عَنْ
جَدّهِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، وَكَانَ أَحَدَ النّقَبَاءِ ، قَالَ بَايَعْنَا
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْعَةَ الْحَرْبِ - وَكَانَ عُبَادَةُ
مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الّذِينَ بَايَعُوهُ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى
بَيْعَةِ النّسَاءِ - عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا
وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ
أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقّ أَيْنَمَا كُنّا ، لَا نَخَافُ فِي اللّهِ
لَوْمَةَ لَائِمٍ .
أَسَمَاءُ
مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهَذَا تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ
الْعَقَبَةَ ، وَبَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا
مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ رَجُلًا
وَامْرَأَتَيْنِ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ الْأَوْسِ ابْنُ حَارِثَةَ
وَبَنِيّ عَبْدِ الْأَشْهَلِ ]
شَهِدَهَا مِنْ الْأَوْسِ بْنُ الْحَارِثَةِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ابْنِ
جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ أُسَيْدُ [ ص 455 ] حُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ رَافِعِ
بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ نَقِيبٌ لَمْ يَشْهَدْ
بَدْرًا وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ ، وَاسْمُهُ مَالِكٌ شَهِدَ بَدْرًا
. وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ زِغْبَةَ بْن زَعُورَاءَ بْنِ
عَبْدِ الْأَشْهَلِ شَهِدَ بَدْرًا ، ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
وَيُقَالُ ابْنُ زَعَوْرَاءَ ( بِفَتْحِ الْعَيْنِ
) .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ : ظُهَيْرُ
بْنُ رَافِعِ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمَ بْنِ حَارِثَةَ . وَأَبُو بُرْدَةَ
بْنُ نِيَارٍ وَاسْمُهُ هَانِئُ بْنِ نِيَارِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
كِلَابِ بْنِ دُهْمَانَ بْنِ غَنْمِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ هُمَيْمِ بْنِ كَامِلِ
بْنِ ذُهْلِ بْنِ هَنِيّ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ ،
حَلِيفٌ لَهُمْ شَهِدَ بَدْرًا وَنُهَيْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ مِنْ بَنِي نَابِي
بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ
( بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ) ؛ ( ثُمّ [ ص 456 ] آلِ السّوّافِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ ) ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ]
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ : سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ النّحّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ
امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ، نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا ،
فَقُتِلَ بِهِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَهِيدًا .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَنَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ
مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ السّلْمِ لِأَنّهُ رُبّمَا كَانَتْ دَعْوَةُ الرّجُلِ فِي
الْقَوْمِ وَيَكُونُ فِيهِمْ فَيُنْسَبُ إلَيْهِمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَرِفَاعَةُ
بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرٍو نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا . وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الْبُرَكِ - وَاسْم الْبُرَكِ امْرُؤُ
الْقَيْسِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو ( بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ ) - شَهِدَ بَدْرًا ، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا أَمِيرًا
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الرّمَاةِ وَيُقَالُ
أُمَيّةُ بْنُ الْبَرْكِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَمَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ ( حَارِثَةَ ) بْنِ
ضُبَيْعَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ
، وَمَشَاهِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّهَا ، قُتِلَ
يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيق ِ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ . وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ .
خَمْسَةُ نَفَرٍ . فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ الْأَوْسِ أَحَدَ
عَشَرَ رَجُلًا .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ الْخَزْرَجِ بْنُ حَارِثَةَ ]
وَشَهِدَهَا مِنْ الْخَزْرَجِ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ ، وَهُوَ
تَيْمُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ : أَبُو أَيّوبَ
وَهُوَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ [ ص 457 ] ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ ، وَالْمَشَاهِدَ
كُلّهَا ؛ مَاتَ بِأَرْضِ الرّومِ غَازِيًا فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي
سُفْيَانَ . وَمُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا
وَالْخَنْدَقَ ، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ . وَأَخُوهُ
عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ بِهِ شَهِيدًا ، وَهُوَ (
لِعَفْرَاءَ . وَأَخُوهُ مُعَوّذُ بْنُ الْحَارِثِ ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ
بِهِ شَهِيدًا ) . وَهُوَ الّذِي قَتَلَ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ
وَهُوَ لِعَفْرَاءَ - وَيُقَالُ رِفَاعَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ فِيمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَعُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ . شَهِدَ
بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ ، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا ، قُتِلَ يَوْمَ
الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيق ِ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ . وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ نَقِيبٌ مَاتَ قَبْلَ بَدْرٍ وَمَسْجِدُ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبْنَى ، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ . سِتّةُ
نَفَرٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ ]
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ - وَمَبْذُولٌ
عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ - : سَهْلُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرٍو ، شَهِدَ بَدْرًا . رَجُلٌ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ ]
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ
وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حُدَيْلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ
مَنَاةِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ
بْنِ الْخَزْرَجِ - أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ ( بْنِ النّجّارِ )
، شَهِدَ بَدْرًا . وَأَبُو طَلْحَةَ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ [ ص 458 ] بْنِ
عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ ( بْنِ
النّجّارِ ) شَهِدَ بَدْرًا . رَجُلَانِ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ]
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ قَيْسُ بْنُ أَبِي
صَعْصَعَةَ ، وَاسْمُ أَبِي صَعْصَعَةَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ شَهِدَ بَدْرًا ، وَكَانَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَهُ عَلَى السّاقَةِ يَوْمئِذٍ
. وَعَمْرُو بْنُ غُزَيّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ
مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ . رَجُلَانِ . فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ
الْعَقَبَةَ مِنْ بَنِي النّجّارِ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا .
[ تَصْوِيبُ نَسَبِ عَمْرِو بْنِ غُزَيّةَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ غُزَيّةَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَنْسَاءَ هَذَا الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ ،
إنّمَا هُوَ غُزَيّةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَلْحارثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَلْحارثِ بْنِ الْخَزْرَجِ
: سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ مَالِكٍ ( الْأَغَرّ ) بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ
بْنِ الْحَارِثِ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا .
وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ
بْنِ مَالِكِ ( الْأَغَرّ ) بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ
الْحَارِثِ شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا . وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ رَوَاحَةَ ( ابْنِ ثَعْلَبَةَ ) بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
امْرِئِ الْقِيسِ ( الْأَكْبَرِ ) بْنِ مَالِكِ ( الْأَغَرّ ) بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا
وَالْخَنْدَقَ وَمَشَاهِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّهَا
، إلّا الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ وَقُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ شَهِيدًا أَمِيرًا
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَبَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ خِلَاسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ
بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ أَبُو النّعْمَانِ [ ص 459 ] بَدْرًا . وَعَبْدُ
اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدِ ( مَنَاةِ ) بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ الْخَزْرَجِ ، شَهِدَ بَدْرًا ، وَهُوَ الّذِي أُرِيَ النّدَاءَ لِلصّلَاةِ
فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِهِ .
وَخَلّادُ بْنُ سُوِيدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ
الْقِيسِ بْنِ مَالِكِ ( الْأَغَرّ ) بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ
الْخَزْرَجِ ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ ، وَقُتِلَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ
شَهِيدًا ، طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحَى مِنْ أُطُمٍ مِنْ أُطَامِهَا فَشَدَخَتْهُ
شَدْخًا شَدِيدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
فِيمَا يَذْكُرُونَ - : إنّ لَهُ لَأَجْرَ شَهِيدَيْنِ وَعُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَسِيرَةَ بْنِ عُسَيْرة بْنِ جَدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ
الْحَارِثِ ( بْنِ الْخَزْرَجِ )
، وَهُوَ
أَبُو مَسْعُودٍ وَكَانَ أَحْدَثَ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ سِنّا ، ( مَاتَ فِي
أَيّامِ مُعَاوِيَةَ ) ، لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا . سَبْعَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرٍ ]
وَمِنْ بَنِي بَياضَة بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ
عَبْدِ حَارِثَةَ ( بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ) :
زِيَادُ بْنُ لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ
بْنِ أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ شَهِدَ بَدْرًا . وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَذْفَةَ
بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ شَهِدَ بَدْرًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
وَدْفَةُ . [ ص 460 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقٍ : وَخَالِدُ بْنُ قِيسِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ شَهِدَ بَدْرًا . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ ]
وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ
عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ :
رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ
نَقِيبٌ . وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قِيسِ بْنِ خَلْدَةَ بْنِ مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
زُرَيْقٍ ، وَكَانَ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَكَانَ مَعَهُ بِمَكّةَ وَهَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ ؛
شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا . وَعَبّادُ بْنُ قِيسِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ خَلْدَةَ بْنِ مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ ، شَهِدَ بَدْرًا
. وَالْحَارِثُ بْنُ قِيسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ
، وَهُوَ أَبُو خَالِدٍ شَهِدَ بَدْرًا . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ بْنِ سَعْدٍ ]
وَمِنْ بَنِي سَلَمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ
أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ؛ ثُمّ مِنْ
بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ الْبَرَاءُ
بْنُ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
عَدِيّ بْنِ غَنْمٍ نَقِيبٌ وَهُوَ الّذِي تَزْعُمُ [ ص 461 ] بَنُو سَلَمَةَ
أَنّهُ كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَشَرَطَ لَهُ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ ثُمّ تُوُفّيَ قَبْلَ مَقْدِمِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ . وَابْنُهُ بِشْرُ
بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَق وَمَاتَ
بِخَيْبَرٍ مِنْ أَكْلَةٍ أَكَلَهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ الشّاةِ الّتِي سُمّ فِيهَا - وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ سَأَلَ بَنِي سَلَمَة َ مَنْ سَيّدُكُمْ
يَا بَنِي سَلَمَةَ ؟ فَقَالُوا : الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ ، عَلَى بُخْلِهِ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَيّ دَاءٍ أَكْبَرُ مِنْ
الْبُخْلِ سَيّدُ بَنِي سَلَمَةَ الْأَبْيَضُ الْجَعْدُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ
بْنِ مَعْرُورٍ - . وَسِنَانُ بْنُ صَيْفَى بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ
سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ ، شَهِدَ بَدْرًا ، ( وَقُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا
) . وَالطّفَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدٍ ،
شَهِدَ بَدْرًا ، وَقُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا . وَمَعْقِلُ بْنُ
الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خُنَاسِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ ، شَهِدَ
بَدْرًا .
و ( أَخُوهُ ) يَزِيدُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، شَهِدَ
بَدْرًا . وَمَسْعُودُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سُبَيْع بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ
بْنِ عُبَيْدٍ . وَالضّحّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
عُبَيْدٍ ، شَهِدَ بَدْرًا ، وَيَزِيدُ بْنُ حَرَامِ بْنِ سُبَيْع بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ
سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ . وَجُبَارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ
سِنَانَ بْنِ عُبَيْدٍ ، شَهِدَ بَدْرًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
جَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خُنَاسٍ . [ ص 462 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَالطّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ ، شَهِدَ
بَدْرًا . أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا
.
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ ]
وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
سَلَمَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ سَوَادٍ كَعْبُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي
كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ كَعْبٍ . رَجُلٌ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ ]
وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ سُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُدَيْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
غَنْمٍ شَهِدَ بَدْرًا . وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حُدَيْدَةَ بْنِ عَمْرِو
بْنِ غَنْمٍ شَهِدَ بَدْرًا . و ( أَخُوهُ ) يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حُدَيْدَةَ
بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ وَهُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ شَهِدَ بَدْرًا . وَأَبُو
الْيَسَرِ وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ
شَهِدَ بَدْرًا . وَصَيْفِيّ بْنُ سَوَادِ بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ
خَمْسَةُ نَفَرٍ .
[ تَصْوِيبُ اسْمِ صَيْفِيّ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : صَيْفِيّ بْنُ أَسْوَدَ بْنِ
عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ وَلَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ
لَهُ غَنْمٌ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي نَابِي بْنِ عَمْرٍو ]
[ ص 463 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي نَابِي
بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ ثَعْلَبَةُ بْنُ
غَنَمَة بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي ، شَهِدَ بَدْرًا ، وَقُتِلَ بِالْخَنْدَقِ شَهِيدًا
. وَعَمْرُو بْنُ غَنَمَة بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي ، وَعَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ
عَدِيّ بْنِ نَابِي ، شَهِدَ بَدْرًا . وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، حَلِيفٌ
لَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ . وَخَالِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي .
خَمْسَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ
حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا ، وَقُتِلَ يَوْمَ
أُحُدٍ شَهِيدًا ، وَابْنُهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ . وَمَعَاذُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ حَرَامٍ شَهِدَ بَدْرًا . وَثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ -
وَالْجِذْعُ ثَعْلَبَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ - شَهِدَ
بَدْرًا ، وَقُتِلَ بِالطّائِفِ شَهِيدًا . وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ شَهِدَ بَدْرًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لَبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَدِيجُ بْنُ
سَلَامَةَ بْنِ أَوْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْفُرَافِرِ . حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ .
وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِذِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ أَدّى بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدٍ ، وَيُقَالُ أَسَدُ بْنُ
سَارِدَةَ [ ص 464 ] الْخَزْرَجِ ؛ وَكَانَ فِي بَنِي سَلَمَة َ شَهِدَ بَدْرًا ، وَالْمَشَاهِدَ
كُلّهَا وَمَاتَ بِعِمْوَاسَ عَامَ الطّاعُونِ بِالشّامِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ
بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَإِنّمَا ادّعَتْهُ بَنُو سَلَمَةَ أَنّهُ
كَانَ أَخَا سَهْلِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ الْجَدّ بْنِ قِيسِ بْنِ صَخْرِ ابْنِ
خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
سَلَمَةَ لِأُمّهِ . سَبْعَةُ نَفَرٍ
.
[ تَصْوِيبُ نَسَبِ خَدِيجِ بْنِ سَلَامَةَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوْسٌ ابْنُ عَبّادِ بْنِ عَدِيّ
بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُذَنِ بْنِ سَعْدٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ
الْخَزْرَجِ ؛ ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ
الْخَزْرَجِ : عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بْنِ قِيسِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ
فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ نَقِيبٌ شَهِدَ
بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ ،
أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَالْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْعِجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ مِمّنْ
خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ ،
فَأَقَامَ مَعَهُ بِهَا ، فَكَانَ يُقَال لَهُ مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ ، وَقُتِلَ
يَوْمَ أُحُد ٍ شَهِيدًا . [ ص 465
] يَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ
بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمّارَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ مِنْ بَلِيّ .
وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لَبْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ .
أَرْبَعَةُ نَفَرٍ وَهُمْ الْقَوَاقِلُ
.
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ ]
وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
الْخَزْرَجِ ، وَهُمْ بَنُو الْحُبُلِيّ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحُبُلِيّ :
سَالِمُ بْنُ غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ وَإِنّمَا سُمّيَ " الْحُبُلِيّ - لِعِظَمِ
بَطْنِهِ - : رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ
بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ ، شَهِدَ بَدْرًا ، وَهُوَ أَبُو الْوَلِيدِ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَال : رِفَاعَةُ ابْنُ مَالِكٍ وَمَالِكٌ ابْنُ الْوَلِيدِ
بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
سَالِمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كِلْدَةَ بْنِ الْجَعْدِ
بْنِ هِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَوْفِ
بْنِ بُهْثَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَطَفان بْنِ سَعْدِ بْنِ قِيسِ بْنِ عَيْلان
، حَلِيفٌ لَهُمْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَكَانَ مِمّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُهَاجِرًا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ ،
فَكَانَ يُقَالُ لَهُ مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : رَجُلَانِ . [ ص
466 ]
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ : سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
أَبِي خُزَيْمَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ نَقِيبٌ
وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْس بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ
عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ
سَاعِدَةَ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا . وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ
أَمِيرًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ الّذِي كَانَ
يُقَال لَهُ أَعْنَقَ لِيَمُوتَ . رَجُلَانِ . ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
الْمُنْذِرُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ خَنْشٍ ) . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ
شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ
مِنْهُمْ يُزْعِمُونَ أَنّهُمَا قَدْ بَايَعَتَا ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُصَافِحُ النّسَاءَ إنّمَا كَانَ يَأْخُذُ
عَلَيْهِنّ فَإِذَا أَقْرَرْنَ قَالَ اذْهَبْنَ فَقَدْ بَايَعَتْكُن
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ]
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ نُسَيْبَةُ بِنْتُ
كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ مِنْ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ
مَازِنٍ وَهِيَ أُمّ عِمَارَةَ كَانَتْ شَهِدَتْ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَهِدَتْ مَعَهَا أُخْتُهَا ، وَزَوْجُهَا
زَيْدُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ كَعْبٍ . وَابْنَاهَا : حَبِيبُ بْنُ زَيْدِ ، وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ زَيْدٍ ، وَابْنُهَا حَبِيبٌ الّذِي أَخَذَهُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابُ
الْحَنَفِيّ ، صَاحِبُ الْيَمَامَةِ ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ أَتَشْهَدُ أَنّ
مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ أَفَتَشْهَدُ أَنّي رَسُولُ
اللّهِ ؟ فَيَقُولُ لَا أَسْمَعُ فَجَعَلَ يُقَطّعُهُ عُضْوًا عُضْوًا حَتّى مَاتَ
فِي يَدِهِ لَا يَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ إذَا ذُكِرَ لَهُ [ ص 467 ] صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ آمَنَ بِهِ وَصَلّى عَلَيْهِ وَإِذَا ذُكِرَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ
قَالَ لَا أَسْمَعُ - فَخَرَجَتْ إلَى الْيَمَامَةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ
فَبَاشَرَتْ الْحَرْبَ بِنَفْسِهَا . حَتّى قَتَلَ اللّهُ مُسَيْلِمَةَ وَرَجَعَتْ
وَبِهَا اثْنَا عَشَرَ جُرْحًا ، مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : حَدّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهَا مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ
حِبّانَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ ]
وَمِنْ بَنِي سَلَمَة َ أُمّ مَنِيعٍ وَاسْمُهَا :
أَسَمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ
غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ
.
نُزُولُ
الْأَمْرِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْقِتَالِ
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . قَالَ حَدّثَنَا
أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ الْبُكَائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ وَكَانَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ لَمْ يُؤْذَنْ
لَهُ فِي الْحَرْبِ وَلَمْ تُحَلّلْ لَهُ الدّمَاءُ إنّمَا يُؤْمَرُ بِالدّعَاءِ
إلَى اللّهِ وَالصّبْرِ عَلَى الْأَذَى ، وَالصّفْحِ عَنْ الْجَاهِلِ وَكَانَتْ
قُرَيْشٌ قَدْ اضْطَهَدَتْ مَنْ اتّبَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى فَتَنُوهُمْ
عَنْ دِينِهِمْ وَنَفَوْهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ فَهُمْ مِنْ بَيْنِ مَفْتُونٍ فِي
دِينِهِ وَمِنْ بَيْنِ مُعَذّبٍ فِي أَيْدِيهِمْ وَبَيْنِ هَارِبٍ فِي الْبِلَادِ
فِرَارًا مِنْهُمْ مِنْهُمْ مَنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ
بِالْمَدِينَةِ ، وَفِي كُلّ وَجْهٌ فَلَمّا عَتَتْ قُرَيْشٌ عَلَى اللّهِ عَزّ
وَجَلّ وَرَدّوا عَلَيْهِ مَا أَرَادَهُمْ بِهِ مِنْ الْكَرَامَةِ وَكَذّبُوا
نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَذّبُوا وَنَفَوْا مَنْ عَبَدَهُ
وَوَحّدَهُ وَصَدّقَ نَبِيّهُ وَاعْتَصَمَ بِدِينِهِ أَذِنَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْقِتَالِ وَالِانْتِصَارِ
مِمّنْ ظَلَمَهُمْ وَبَغَى عَلَيْهِمْ فَكَانَتْ أَوّلُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِي إذْنِهِ
لَهُ فِي الْحَرْبِ وَإِحْلَالِهِ لَهُ الدّمَاءَ وَالْقِتَالَ لِمَنْ بَغَى
عَلَيْهِمْ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ
الْعُلَمَاءِ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى [ ص 468 ] { أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ
بِأَنّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنّ اللّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقّ إِلّا أَنْ يَقُولُوا رَبّنَا اللّهُ
وَلَوْلَا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ
وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنّ
اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ الّذِينَ إِنْ مَكّنّاهُمْ
فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } - : أَيْ أَنّي
إنّمَا أَحْلَلْت لَهُمْ الْقِتَالَ لِأَنّهُمْ ظُلِمُوا ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ
ذَنْبٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النّاسِ إلّا أَنّ يَعْبُدُوا اللّهَ
وَأَنّهُمْ إذَا ظَهَرُوا أَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوْا الزّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ . يَعْنِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ثُمّ أَنَزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى عَلَيْهِ { وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } أَيْ حَتّى لَا
يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ { وَيَكُونَ الدّينُ لِلّهِ } أَيْ حَتّى يُعْبَدَ
اللّهُ لَا يَعْبُدُ مَعَهُ غَيْرُهُ
.
[ إذْنُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِمُسْلِمِي مَكّةَ بِالْهِجْرَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا أَذِنَ اللّهُ تَعَالَى
لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَرْبِ وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيّ
مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنّصْرَةِ لَهُ وَلِمَنْ اتّبَعَهُ . وَأَوَى
إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ بِمَكّةَ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا ،
وَاللّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَقَالَ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ
قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا فَخَرَجُوا أَرْسَالًا ،
وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ يَنْتَظِرُ
أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبّهُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ ، وَالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ .
ذِكْرُ
الْمُهَاجِرِينَ إلَى الْمَدِينَةِ
[ هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجُهُ وَحَدِيثُهَا
عَمّا لَقِيَا ]
فَكَانَ أَوّلُ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
مِنْ قُرَيْشٍ ، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ
بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَاسْمُهُ عَبْدُ
اللّهِ ، هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيْعَةِ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ
بِسَنَةٍ وَكَانَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَكّةَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فَلَمّا آذَتْهُ قُرَيْشٌ وَبَلَغَهُ إسْلَامُ
مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ ، خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ جَدّتِهِ أُمّ سَلَمَةَ
زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، قَالَتْ لَمّا أَجْمَعَ أَبُو
سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ
وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي ، ثُمّ خَرَجَ
بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ فَلَمّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا هَذِهِ
نَفْسُك غَلَبْتنَا عَلَيْهَا ، أَرَأَيْت صَاحِبَتَك هَذِهِ ؟ عَلَامَ نَتْرُكُك
تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ ؟ قَالَتْ فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ
يَدِهِ فَأَخَذُونِي مِنْهُ . قَالَتْ وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ ،
رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالُوا : لَا وَاَللّهِ لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا
إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا . قَالَتْ فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلَمَةَ بَيْنَهُمْ
حَتّى خَلَعُوا يَدَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ ، وَحَبَسَنِي
بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ
. قَالَتْ فَفَرّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي . قَالَتْ فَكُنْت
أَخْرُجُ كُلّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ فَمَا أَزَالُ أَبْكِي ، حَتّى
أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتّى مَرّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمّي ، أَحَدُ
بَنِي الْمُغِيرَةِ فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ
أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ فَرّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا
وَبَيْنَ وَلَدِهَا قَالَتْ فَقَالُوا لِي : الْحَقِي بِزَوْجِك إنْ شِئْت .
قَالَتْ وَرَدّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي . قَالَتْ
فَارْتَحَلْت بَعِيرِي ثُمّ أَخَذْت ابْنِي فَوَضَعْته فِي حِجْرِي ، ثُمّ خَرَجْت
أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ . قَالَتْ وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللّهِ . قَالَتْ فَقُلْت
: أَتَبَلّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتّى أَقْدَمَ عَلَيّ زَوْجِي ، حَتّى إذَا كُنْت
بِالتّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخَا بَنِي
عَبْدِ الدّارِ فَقَالَ لِي : إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ ؟ قَالَتْ فَقُلْت :
أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ . قَالَ أَوَمَا مَعَك أَحَدٌ ؟ قَالَتْ فَقُلْت : لَا وَاَللّهِ
إلّا اللّهُ وَبُنَيّ هَذَا . قَالَ وَاَللّهِ مَا لَك مِنْ مَتْرَكٍ فَأَخَذَ
بِخِطَامِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقَ مَعِي يَهْوِي بِي ، فَوَاَللّهِ مَا صَحِبْت
رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطّ ، أَرَى أَنّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ كَانَ إذَا
بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي ، ثُمّ اسْتَأْخَرَ عَنّي ، حَتّى إذَا نَزَلْت
اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي ، فَحَطّ عَنْهُ ثُمّ قَيّدَهُ فِي الشّجَرَةِ ، ثُمّ
تَنَحّى [ ص 470 ] وَقَالَ ارْكَبِي . فَإِذَا رَكِبْت وَاسْتَوَيْتُ عَلَى
بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ فَقَادَهُ حَتّى يَنْزِلَ بِي . فَلَمْ
يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ ، فَلَمّا نَظَرَ إلَى
قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ قَالَ زَوْجُك فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ
- وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا - فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ
ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكّةَ . قَالَ فَكَانَتْ تَقُولُ وَاَللّهِ مَا
أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي
سَلَمَةَ ، وَمَا رَأَيْت صَاحِبًا قَطّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ
طَلْحَة
[هِجْرَةُ عَامِرٍ وَزَوْجُهُ وَهِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ كَانَ أَوّلَ مَنْ
قَدِمَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ،
حَلِيفُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي
حَثْمَةَ بْنِ غَانِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ
بْنِ كَعْبٍ . ثُمّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ
بْنِ مُرّةَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ
، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، احْتَمَلَ بِأَهْلِهِ وَبِأَخِيهِ
عَبْدِ بْنِ جَحْشٍ وَهُوَ أَبُو أَحْمَدَ - وَكَانَ أَبُو أَحْمَدَ رَجُلًا
ضَرِيرَ الْبَصَرِ وَكَانَ يَطُوفُ مَكّةَ ، أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا ، بِغَيْرِ
قَائِدٍ وَكَانَ شَاعِرًا ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الْفَرْعَةُ ابْنَةُ أَبِي
سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَكَانَتْ أُمّهُ أُمَيْمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
بْنِ هَاشِمٍ - فَغُلّقَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ هِجْرَةً فَمَرّ بِهَا عُتْبَةُ
بْنُ رَبِيعَةَ . وَالْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَأَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَهِيَ دَارُ أَبَانَ [ ص 471 ] الْيَوْمَ الّتِي بِالرّدْمِ
وَهُمْ مُصْعِدُونَ إلَى أَعَلَى مَكّةَ ، فَنَظَرَ إلَيْهَا عُتْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا يَبَابًا ، لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ فَلَمّا رَآهَا
كَذَلِكَ تَنَفّسَ الصّعَدَاءَ ثُمّ قَالَ
وَكُلّ دَارٍ وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهَا ... يَوْمًا
سَتُدْرِكُهَا النّكْبَاءُ وَالُحُوبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ لِأَبِي
دَاوُدَ الْإِيَادِيّ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالُحُوبُ التّوَجّعُ ( وَهُوَ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ الْحَاجَةُ وَيُقَالُ الْحُوبُ الْإِثْمُ ) .
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ عُتْبَةُ ( بْنُ رَبِيعَةَ ) : أَصْبَحَتْ دَارُ
بَنِي جَحْشٍ خَلَاءً مِنْ أَهْلِهَا فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَمَا تَبْكِي عَلَيْهِ
مِنْ قُلّ بْنِ قُلّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْقُلّ : الْوَاحِدُ . قَالَ لَبِيدُ بْنُ
رَبِيعَةَ :
كُلّ بَنِي حُرّةٍ مُصِيرُهُمْ ... قُلّ وَإِنْ
أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَدِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ هَذَا عَمَلُ ابْنِ
أَخِي هَذَا ، فَرّقَ جَمَاعَتَنَا ، وَشَتّتْ أَمْرَنَا وَقَطَعَ بَيْنَنَا .
فَكَانَ مَنْزِلُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ
، [ ص 472 ] ، وَأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ
عَلَى مُبْشَرِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زُنْبُر بقُباءٍ . فِي بَنِي عَمْرِو
بْنِ عَوْفٍ ثُمّ قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ أَرْسَالًا ، وَكَانَ بَنُو غَنْمِ ابْنِ
دُودَانَ أَهْلَ إسْلَامٍ قَدْ أَوْعَبُوا إلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هِجْرَةً رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
جَحْشٍ ، وَأَخُوهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ ،
وَشُجَاعٌ وَعُقْبَةٌ ابْنَا وَهْبٍ وَأَرْبَدُ بْنُ حُمَيّرَةَ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ ابْنُ حُمَيْرَةَ
.
[ هِجْرَةُ قَوْمٍ شَتّى ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمُنْقِذُ بْنُ نُبَاتَةَ وَسَعِيدُ
بْنُ رُقَيْشٍ وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ ، وَقَيْسُ بْنُ
جَابِرٍ ، وَعَمْرُو بْنُ مِحْصَنٍ وَمَالِكُ بْنُ عَمْرٍو ، وَصَفْوَانُ بْنُ
عَمْرٍو ، وَثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ وَالزّبَيْرُ بْنُ عُبَيْدٍ
، وَتَمّامُ بْنُ عُبَيْدَةَ وَسَخْبَرَةُ بْنُ عُبَيْدَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ جَحْشٍ .
[ هِجْرَةُ نِسَائِهِمْ ]
وَمِنْ نِسَائِهِمْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ ، وَأُمّ
حَبِيبٍ بِنْتُ جَحْشٍ وَجُذَامَةُ بِنْتُ جَنْدَلٍ وَأُمّ قَيْسٍ بِنْتُ مُحْصَنٍ
وَأُمّ حَبِيبٍ بِنْتُ ثُمَامَةَ وَآمِنَةُ بِنْتُ رُقَيْشٍ وَسَخْبَرَةُ بِنْتُ تَمِيمٍ
وحَمْنةُ بِنْتُ جَحْشٍ .
[ شِعْرُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ فِي هِجْرَةِ بَنِي
أَسَدٍ ]
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ ،
وَهُوَ يَذْكُرُ هِجْرَةَ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَة مِنْ قَوْمِهِ إلَى اللّهِ
تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِيعَابُهُمْ فِي
ذَلِكَ حَيْنَ دُعُوا إلَى الْهِجْرَةِ [ ص 473 ]
وَلَوْ حَلَفَتْ بَيْنَ الصّفَا أُمّ أَحُمَد ...
وَمَرْوَتِهَا بِاَللّهِ بَرّتْ يَمِينُهَا
لَنَحْنُ الْأُلَى كُنّا بِهَا ثُمّ لَمْ نَزَلْ ...
بِمَكّةَ حَتّى عَادَ غَثّا سَمِينُهَا
بِهَا خَيّمَتْ غَنْمُ بْنُ دُودَانَ وَابْتَنَتْ ...
وَمَا إنْ غَدَتْ غَنْمُ وَخَفّ قَطِينُهَا
إلَى اللّهِ تَغْدُو بَيْنَ مَثْنَى وَوَاحِدٍ ...
وَدِينُ رَسُولِ اللّهِ بِالْحَقّ دِينُهَا
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ أَيْضًا :
لَمّا رَأَتْنِي أُمّ أَحْمَدَ غَادِيًا ... بِذِمّةِ
مَنْ أَخْشَى بِغَيْبٍ وَأَرْهَبُ
تَقُولُ فَإِمّا كُنْتَ لَا بُدّ فَاعِلًا ... فَيَمّمْ
بِنَا الْبُلْدَانَ ولتَنْأَ يَثْرِبَ
فَقُلْت لَهَا : بَلْ يَثْرِبُ الْيَوْمَ وَجْهُنَا ...
وَمَا يَشإِ الرّحْمَنُ فَالْعَبْدُ يَرْكَبُ
إلَى اللّهِ وَجْهِي وَالرّسُولِ وَمَنْ يُقِمْ ... إلَى
اللّهِ يَوْمًا وَجْهَهُ لَا يُخَيّبُ
فَكَمْ قَدْ تَرَكْنَا مِنْ حَمِيمٍ مُنَاصِحٍ ...
وَنَاصِحَةٍ تَبْكِي بِدَمْعٍ وَتَنْدُبُ
تَرَى أَنّ وِتْرًا نَأْيُنَا عَنْ بِلَادِنَا ...
وَنَحْنُ نَرَى أَنّ الرّغَائِبَ نَطْلُبُ
دَعَوْت بَنِي غَنْمٍ لِحَقْنِ دِمَائِهِمْ ...
وَلِلْحَقّ لَمّا لَاحَ لِلنّاسِ مَلْحَبُ
أَجَابُوا بِحَمْدِ اللّهِ لَمّا دَعَاهُمْ ... إلَى
الْحَقّ دَاعٍ وَالنّجَاحُ فَأَوْعَبُوا
وَكُنّا وَأَصْحَابًا لَنَا فَارَقُوا الْهُدَى ...
أَعَانُوا عَلَيْنَا بِالسّلَاحِ وأجْلَبوا
كَفَوْجَيْنِ أَمّا مِنْهُمَا فَمُوَفّقٌ ... عَلَى
الْحَقّ مَهْدِيّ ، وَفَوْجٌ مُعَذّبُ
طَغَوْا وَتَمَنّوْا كِذْبَةً وَأَزَلّهُمْ ... عَنْ
الْحَقّ إبْلِيسُ فَخَابُوا وَخُيّبُوا
وَرِعْنَا إلَى قَوْلِ النّبِيّ مُحَمّدٍ ... فَطَابَ
وُلَاةُ الْحَقّ مِنّا وطُيّبوا
نَمُتّ بِأَرْحَامٍ إلَيْهِمْ قَرِيبَةٍ ... وَلَا
قُرْبَ بِالْأَرْحَامِ إذْ لَا نُقَرّبُ
فَأَيّ ابْنِ أُخْتٍ بَعْدَنَا يَأْمَنَنّكُمْ ...
وَأَيّةُ صِهْرٍ بَعْدَ صِهْرِي تُرْقَبُ
سَتَعْلَمُ يَوْمًا أَيّنَا إذْ تُزَايِلُوا ...
وَزُيّلَ أَمْرُ النّاسِ لِلْحَقّ أَصْوَبُ
[ ص 474 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ "
وَلْتَنْأَ يَثْرِبَ " ، وَقَوْلُهُ
" إذْ لَا نَقْرَبُ " ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : يُرِيدُ بِقَوْلِهِ " إذْ " إذَا ، كَقَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ
{ إِذِ الظّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبّهِمْ } قَالَ أَبُو النّجْمِ
الْعِجْلِيّ :
ثُمّ جَزَاهُ اللّهُ عَنّا إذْ جَزَى ... جَنّاتِ عَدْنٍ
فِي الْعَلَالِيّ وَالْعُلَا
هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطّابِ ، وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ ، حَتّى قَدِمَا
الْمَدِينَةَ . فَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، قَالَ اتّعَدْتُ
لَمّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ ، أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي
رَبِيعَةَ ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السّهْمِيّ التّناضِبَ مِنْ
أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ ، فَوْقَ سَرِفٍ ، وَقُلْنَا : أَيّنَا لَمْ يُصْبِحْ
عِنْدَهَا فَقَدْ حُبِسَ فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ . قَالَ فَأَصْبَحْت أَنَا
وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التّنَاضُبِ ، وَحُبِسَ عَنّا هِشَامٌ
وَفُتِنَ فَافْتُتِنَ
تَغْرِيرُ
أَبِي جَهْلٍ وَالْحَارِثِ بِعَيّاشٍ
فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَزَلْنَا فِي بَنِي
عَمْرِو بْنِ عَوْف ٍ بقُباءٍ وَخَرَجَ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ [ ص 475 ]
وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ إلَى عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَكَانَ ابْنَ
عَمّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمّهِمَا ، حَتّى قَدِمَا عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ ، وَرَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَكَلّمَاهُ وَقَالَا : إنّ أُمّك
قَدْ نَذَرَتْ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهَا مُشْطٌ حَتّى تَرَاك ، وَلَا تَسْتَظِلّ
مِنْ شَمْسٍ حَتّى تَرَاك ، فَرَقّ لَهَا ، فَقُلْت لَهُ يَا عَيّاشُ إنّهُ
وَاَللّهِ إنْ يُرِيدَك الْقَوْمُ إلّا لِيَفْتِنُوك عَنْ دِينِك فَاحْذَرْهُمْ
فَوَاَللّهِ لَوْ قَدْ آذَى أُمّك الْقَمْلُ لَامْتَشَطَتْ وَلَوْ قَدْ اشْتَدّ
عَلَيْهَا حَرّ مَكّةَ لَاسْتَظَلّتْ . قَالَ فَقَالَ أَبَرّ قَسَمَ أُمّي ، وَلِي
هُنَالِكَ مَالٌ فَآخُذُهُ . قَالَ فَقُلْت : وَاَللّهِ إنّك لَتَعْلَمُ أَنّي لَمِنْ
أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا ، فَلَك نِصْفُ مَالِي وَلَا تَذْهَبْ مَعَهُمَا . قَالَ
فَأَبَى عَلَيّ إلّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمَا ؛ فَلَمّا أَبَى إلّا ذَلِكَ قَالَ
قُلْت لَهُ أَمّا إذْ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْت ، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ
فَإِنّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ ذَلُولٌ فَالْزَمْ ظَهْرَهَا ، فَإِنْ رَابَك مِنْ
الْقَوْمِ رَيْبٌ فَانْجُ عَلَيْهَا
. فَخَرَجَ عَلَيْهَا مَعَهُمَا ، حَتّى إذَا كَانُوا
بِبَعْضِ الطّرِيقِ قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ يَا ابْنَ أَخِي ، وَاَللّهِ لَقَدْ اسْتَغْلَظْتُ
بَعِيرِي هَذَا ، أَفَلَا تُعْقِبَنِي عَلَى نَاقَتِك هَذِهِ ؟ قَالَ بَلَى .
قَالَ فَأَنَاخَ وَأَنَاخَا لِيَتَحَوّلَ عَلَيْهَا ، فَلَمّا اسْتَوَوْا
بِالْأَرْضِ عَدَوْا عَلَيْهِ فَأَوْثَقَاهُ وَرَبَطَاهُ ثُمّ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ
، وَفَتَنَاهُ فَافْتُتِنَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي بِهِ بَعْضُ آلِ عَيّاشِ
بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ : أَنّهُمَا حَيْنَ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ دَخَلَا بِهِ
نَهَارًا مُوثَقًا ، ثُمّ قَالَا : يَا أَهْلَ مَكّةَ ، هَكَذَا فَافْعَلُوا
بِسُفَهَائِكُمْ كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا .
[ كِتَابُ عُمَرَ إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ قَالَ فَكُنّا نَقُولُ مَا اللّهُ
بِقَابِلٍ مِمّنْ اُفْتُتِنَ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَلَا تَوْبَةً قَوْمٌ
عَرَفُوا اللّهَ ثُمّ رَجَعُوا إلَى الْكُفْرِ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ قَالَ وَكَانُوا
يَقُولُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ . فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَفِي
قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ { قُلْ يَا عِبَادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَغْفِرُ
الذّنُوبَ جَمِيعًا إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ
وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لَا تُنْصَرُونَ
وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ
الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [ ص 476 ] قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ :
فَكَتَبْتهَا بِيَدِي فِي صَحِيفَةٍ وَبَعَثْت بِهَا إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي
قَالَ فَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِي : فَلَمّا أَتَتْنِي جَعَلْت أَقْرَؤُهَا
بِذِي طُوًى ، أُصَعّدُ بِهَا فِيهِ وَأُصَوّبُ وَلَا أَفْهَمُهَا ، حَتّى قُلْت : اللّهُمّ
فَهّمْنِيهَا . قَالَ فَأَلْقَى اللّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِي أَنّهَا إنّمَا
أُنْزِلَتْ فِينَا ، وَفِيمَا كُنّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا .
قَالَ فَرَجَعْت إلَى بَعِيرِي ، فَجَلَسْت عَلَيْهِ فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ .
[ خُرُوجُ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَى مَكّةَ فِي أَمْرِ عَيّاشٍ
وَهِشَامٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ
أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ
مَنْ لِي بِعَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَهِشَامِ بْنِ الْعَاصِي ؟ فَقَالَ
الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ : أَنَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ بِهِمَا
، فَخَرَجَ إلَى مَكّةَ ، فَقَدِمَهَا مُسْتَخْفِيًا ، فَلَقِيَ امْرَأَةً
تَحْمِلُ طَعَامًا ، فَقَالَ لَهَا : أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ اللّهِ ؟
قَالَتْ أُرِيدُ هَذَيْنِ الْمَحْبُوسَيْنِ - تَعْنِيهِمَا - فَتَبِعَهَا حَتّى
عَرَفَ مَوْضِعَهُمَا ، وَكَانَا مَحْبُوسَيْنِ فِي بَيْتٍ لَا سَقْفَ لَهُ
فَلَمّا أَمْسَى تَسَوّرَ عَلَيْهِمَا ، ثُمّ أَخَذَ مَرْوَةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ
قَيْدَيْهِمَا ، ثُمّ ضَرَبَهُمَا بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُمَا ، فَكَانَ يُقَالُ
لِسَيْفِهِ " ذُو الْمَرْوَةِ " لِذَلِكَ ثُمّ حَمَلَهُمَا عَلَى
بَعِيرِهِ وَسَاقَ بِهِمَا ، فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ فَقَالَ
هَلْ أَنْتِ إلّا أُصْبُعٌ دَمَيْتِ ... وَفِي سَبِيلِ
اللّهِ مَا لَقَيْتِ
ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّم الْمَدِينَة
مَنَازِلُ الْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ
[ مَنْزِلُ عُمَرَ وَأَخِيهِ وَابْنَا سُرَاقَةَ وَبَنُو
الْبَكِيرِ وَغَيْرِهِمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ
حَيْنَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْمِهِ
وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَعَمْرٌو وَعَبْدُ اللّهِ ابْنَا سُرَاقَةَ بْنِ
الْمُعْتَمِرِ وَخُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السّهْمِيّ [ ص 477 ] - وَكَانَ صِهْرَهُ عَلَى ابْنَتِهِ
حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَر ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بَعْدَهُ - وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ؛ وَوَاقِدُ
بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَوْلِيّ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ
وَمَالِكُ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو
خَوْلِيّ مِنْ بَنِي عِجْلِ بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ
بْنِ وَائِلٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَنُو الْبُكَيْرِ أَرْبَعَتُهُمْ إيَاسُ
بْنُ الْبُكَيْرِ ، وَعَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ ،
وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، وَحُلَفَاؤُهُمْ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ ،
عَلَى رِفَاعَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْف ٍ بقُباءٍ وَقَدْ كَانَ مَنْزِلُ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مَعَهُ عَلَيْهِ
حَيْنَ قَدِمَا الْمَدِينَةَ .
[ مَنْزِلُ طَلْحَةَ وَصُهَيْبٍ
]
ثُمّ تَتَابَعَ الْمُهَاجِرُونَ ، فَنَزَلَ طَلْحَةُ
بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ عَلَى خُبَيْبِ
بْنِ إِسَافٍ ، أَخِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بِالسّنْحِ . وَيُقَالُ بَلْ
نَزَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ أَخِي بَنِي النّجّار
ِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذُكِرَ لِي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النّهْدِيّ أَنّهُ
قَالَ بَلَغَنِي أَنّ صُهَيْبًا حَيْنَ أَرَادَ الْهِجْرَةَ قَالَ لَهُ كُفّارُ
قُرَيْشٍ : أَتَيْتنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا ، فَكَثُرَ مَالُك عِنْدَنَا ،
وَبَلَغْت الّذِي بَلَغْت ، ثُمّ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ بِمَالِك وَنَفْسِك ،
وَاَللّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ أَرَأَيْتُمْ إنْ جَعَلْت
لَكُمْ مَالِي أَتُخْلُونَ سَبِيلِي ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ فَإِنّي جَعَلْت
لَكُمْ مَالِي . قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَالَ رَبِحَ صُهَيْبٌ رَبِحَ صُهَيْبٌ [ ص 478 ]
[ مَنْزِلُ حَمْزَةَ وَزَيْدٍ وَأَبِي مَرْثَدٍ
وَابْنِهِ وَأَنَسَةَ وَأَبِي كَبْشَةَ
]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَزَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطّلَبِ ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَأَبُو مَرْثَدٍ كَنّازُ بْنُ حِصْنٍ .
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ ابْنُ حُصَيْنٍ - وَابْنُهُ مَرْثَدٌ
الْغَنَوِيّانِ حَلِيفَا حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَأَنَسَةُ وَأَبُو
كَبْشَةَ ، مَوْلِيّا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى كُلْثُومِ
بْنِ هِدْمٍ أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ وَيُقَال : بَلْ نَزَلُوا
عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ ؛ وَيُقَالُ بَلْ نَزَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ أَخِي بَنِي النّجّارِ . كُلّ ذَلِكَ
يُقَالُ
[ مَنْزِلُ عُبَيْدَةَ وَأَخِيهِ الطّفِيلِ
وَغَيْرِهِمَا ]
وَنَزَلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِب
وَأَخُوهُ الطّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ وَمِسْطَحُ
بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حُرَيْمِلَةَ
أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَطُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ بْنِ
قُصَيّ ، وَخَبّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ ، عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ
سَلَمَةَ ، أَخِي بَلْعِجْلَانَ بقُباءٍ . [ ص 479 ]
[ مَنْزِلُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ]
وَنَزَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي رِجَالٍ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ أَخِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ
، فِي دَارِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ .
[ مَنْزِلُ الزّبَيْرِ وَأَبُو سَبْرَةَ ]
وَنَزَلَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، وَأَبُو سَبْرَةَ
بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، عَلَى مُنْذِرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ
عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بِالْعُصْبَةِ دَارِ بَنِي جَحْجَبَى .
[ مَنْزِلُ مُصْعَبٍ ]
وَنَزَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ ، أَخُو
بَنِي عَبْدِ الدّارِ عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ أَخِي بَنِي
عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ .
[ مَنْزِلُ أَبِي حُذَيْفَةَ وعُتْبَةَ ]
وَنَزَلَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ
، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي
حُذَيْفَةَ سَائِبَةٌ لِثُبَيْتَةَ بِنْتِ يَعَارِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ ، سَيّبْته فَانْقَطَعَ إلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
رَبِيعَةَ فَتَبَنّاهُ فَقِيلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَيُقَالُ
كَانَتْ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارَ تَحْتَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ
فَأَعْتَقَتْ سَالِمًا سَائِبَةً . فَقِيلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ -
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَزَلَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ عَلَى
عَبّادِ بْنِ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فِي دَارِ عَبْدِ
الْأَشْهَلِ .
[ مَنْزِلُ عُثْمَانَ ]
وَنَزَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ عَلَى أَوْسِ بْنِ
ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ أَخِي حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي دَارِ بَنِي النّجّارِ ،
فَلِذَلِكَ كَانَ حَسّانٌ يُحِبّ عُثْمَانَ وَيَبْكِيهِ حَيْنَ قُتِلَ . [ ص 480 ]
وَكَانَ يُقَالُ نَزَلَ الْأَعْزَابُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ
، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ عَزَبًا ، فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
هِجْرَةُ
الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
[ تَأَخّرُ عَلِيّ وَأَبِي بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ ]
وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِمَكّةَ بَعْدَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَنْتَظِرُ أَنْ
يُؤْذَنَ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَتَخَلّفْ مَعَهُ بِمَكّةَ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
إلّا مَنْ حُبِسَ أَوْ فُتِنَ إلّا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَبُو بَكْرِ
بْنِ أَبِي قُحَافَةَ الصّدّيق رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
كَثِيرًا مَا يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
الْهِجْرَةِ فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا
تَعْجَلْ لَعَلّ اللّهَ يَجْعَلُ لَك صَاحِبًا فَيَطْمَعُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ
يَكُونَهُ .
[ اجْتِمَاعُ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ وَتَشَاوُرُهُمْ فِي أَمْرِ الرّسُولِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ صَارَتْ لَهُ شِيعَةٌ
وَأَصْحَابٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ بَلَدِهِمْ وَرَأَوْا خُرُوجَ أَصْحَابِهِ
مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهِمْ عَرَفُوا أَنّهُمْ قَدْ نَزَلُوا دَارًا ، وَأَصَابُوا
مِنْهُمْ مَنَعَةً فَحَذِرُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إلَيْهِمْ وَعَرَفُوا أَنّهُمْ قَدْ أَجَمَعَ لِحَرْبِهِمْ .
فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النّدْوَةِ - وَهِيَ دَارُ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ
الّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تَقْضِي أَمْرًا إلّا فِيهَا - يَتَشَاوَرُونَ فِيهَا
مَا يَصْنَعُونَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ
خَافُوهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ
أَصْحَابِنَا ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ
جُبَيْرٍ أَبِي الْحَجّاجِ وَغَيْرِهِ مِمّنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمّا أَجَمَعُوا لِذَلِكَ وَاتّعَدُوا
أَنْ يَدْخُلُوا فِي دَارِ النّدْوَةِ لِيَتَشَاوَرُوا فِيهَا فِي أَمْرِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَدَوْا فِي الْيَوْمِ الّذِي اتّعَدُوا
لَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يُسَمّى يَوْمَ الزّحْمَةِ فَاعْتَرَضَهُمْ
إبْلِيسُ فِي هَيْئَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ ، [ ص 481 ] بَتْلَةٌ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ
الدّارِ فَلَمّا رَأَوْهُ وَاقِفًا عَلَى بَابِهَا ، قَالُوا : مَنْ الشّيْخُ ؟
قَالَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ سَمِعَ بِاَلّذِي اتّعَدْتُمْ لَهُ فَحَضَرَ
مَعَكُمْ لِيَسْمَعَ مَا تَقُولُونَ وَعَسَى أَنْ لَا يُعْدِمَكُمْ مِنْهُ رَأْيًا
وَنُصْحًا ، قَالُوا : أَجَلْ فَادْخُلْ فَدَخَلَ مَعَهُمْ وَقَدْ اجْتَمَعَ
فِيهَا أَشْرَافُ قُرَيْشٍ ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ : عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ،
وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب ٍ . وَمِنْ بَنِي
نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف : طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ
، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ
قُصَيّ : النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ . وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ
الْعُزّى : أَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ
الْمُطّلِبِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : أَبُو جَهْلِ بْنِ
هِشَام . وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ : نُبَيْهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ ، وَمِنْ
بَنِي جُمَحٍ : أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ وَغَيْرُهُمْ مِمّنْ
لَا يُعَدّ مِنْ قُرَيْشٍ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إنّ هَذَا الرّجُلَ قَدْ
كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ فَإِنّا وَاَللّهِ مَا نَأْمَنُهُ عَلَى
الْوُثُوبِ عَلَيْنَا فِيمَنْ قَدْ اتّبَعَهُ مِنْ غَيْرِنَا ، فَأَجْمِعُوا فِيهِ
رَأْيًا . قَالَ فَتَشَاوَرُوا . ثُمّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ احْبِسُوهُ فِي
الْحَدِيدِ وَأَغْلِقُوا عَلَيْهِ بَابًا ، ثُمّ تَرَبّصُوا بِهِ مَا أَصَابَ
أَشْبَاهَهُ مِنْ الشّعَرَاءِ الّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ زُهَيْرًا وَالنّابِغَةَ
وَمَنْ مَضَى مِنْهُمْ مِنْ هَذَا الْمَوْتِ حَتّى يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ
فَقَالَ الشّيْخُ النّجْدِيّ : لَا وَاَللّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ .
وَاَللّهِ لَئِنْ حَبَسْتُمُوهُ كَمَا تَقُولُونَ لَيَخْرُجَنّ أَمْرُهُ مِنْ
وَرَاءِ الْبَابِ الّذِي أَغْلَقْتُمْ [ ص 482 ] يُكَاثِرُوكُمْ بِهِ حَتّى يَغْلِبُوكُمْ
عَلَى أَمْرِكُمْ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ فَانْظُرُوا فِي غَيْرِهِ
فَتَشَاوَرُوا . ثُمّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ نُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا
، فَنَنْفِيهِ مِنْ بِلَادِنَا ، فَإِذَا أُخْرِجَ عَنّا فَوَاَللّهِ مَا نُبَالِي
أَيْنَ ذَهَبَ وَلَا حَيْثُ وَقَعَ إذَا غَابَ عَنّا وَفَرَغْنَا مِنْهُ
فَأَصْلَحْنَا أَمْرَنَا وَأَلْفَتْنَا كَمَا كَانَتْ . فَقَالَ الشّيْخُ
النّجْدِيّ : لَا وَاَللّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ أَلَمْ تَرَوْا حُسْنَ
حَدِيثِهِ وَحَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ وَغَلَبَتِهِ عَلَى قُلُوبِ الرّجَالِ بِمَا يَأْتِي
بِهِ وَاَللّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ مَا أَمِنْتُمْ أَنْ يَحِلّ عَلَى حَيّ
مِنْ الْعَرَبِ ، فَيَغْلِبَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَدِيثِهِ حَتّى
يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ ثُمّ يَسِيرُ بِهِمْ إلَيْكُمْ حَتّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ فِي
بِلَادِكُمْ فَيَأْخُذَ أَمْرَكُمْ مِنْ أَيْدِيكُمْ ثُمّ يَفْعَلَ بِكَمْ مَا
أَرَادَ دَبّرُوا فِيهِ رَأْيًا غَيْرَ هَذَا . قَالَ فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ
هِشَامٍ وَاَللّهِ إنّ لِي فِيهِ لَرَأْيًا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ
قَالُوا : وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ ؟ قَالَ أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلّ
قَبِيلَةٍ فَتًى شَابّا جَلِيدًا نَسِيبًا وَسِيطًا فِينَا ، ثُمّ نُعْطِي كُلّ
فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا ، ثُمّ يَعْمِدُوا إلَيْهِ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا
ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَقْتُلُوهُ فَنَسْتَرِيحَ مِنْهُ . فَإِنّهُمْ إذَا
فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ جَمِيعًا ، فَلَمْ يَقْدِرْ
بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ جَمِيعًا ، فَرَضُوا مِنّا بِالْعَقْلِ
فَعَقَلْنَاهُ لَهُمْ . قَالَ فَقَالَ الشّيْخُ النّجْدِيّ : الْقَوْلُ مَا قَالَ الرّجُلُ هَذَا
الرّأْيُ الّذِي لَا رَأْيَ غَيْرُهُ فَتَفَرّقَ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ
مُجْمِعُونَ لَهُ .
[ خُرُوجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتِخْلَافُهُ
عَلِيّا عَلَى فِرَاشِهِ ]
فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا تَبِتْ هَذِهِ اللّيْلَةَ عَلَى
فِرَاشِك الّذِي كُنْت تَبِيتُ عَلَيْهِ . قَالَ فَلَمّا كَانَتْ عَتَمَةٌ مِنْ
اللّيْلِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ يَرْصُدُونَهُ مَتَى يَنَامُ فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ
فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكَانَهُمْ قَالَ
لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَمْ عَلَى فِرَاشِي وَتَسَجّ بِبُرْدِي هَذَا [ ص
483 ] الْأَخْضَرِ ، فَنَمْ فِيهِ فَإِنّهُ لَنْ يَخْلُصَ إلَيْك شَيْءٌ
تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَنَامُ فِي بُرْدِهِ ذَلِكَ إذَا نَامَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ لَمّا
اجْتَمَعُوا لَهُ وَفِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ وَهُمْ عَلَى
بَابِهِ إنّ مُحَمّدًا يَزْعُمُ أَنّكُمْ إنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ
كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، ثُمّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ
فَجُعِلَتْ لَكُمْ جِنَانٌ كَجِنَانِ الْأُرْدُنّ ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ
لَهُ فِيكُمْ ذَبْحٌ ثُمّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ ثُمّ جُعِلَتْ لَكُمْ
نَارٌ تُحْرَقُونَ فِيهَا . قَالَ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ ثُمّ قَالَ
أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ أَنْتَ أَحَدُهُمْ . وَأَخَذَ اللّهُ تَعَالَى عَلَى
أَبْصَارِهِمْ عَنْهُ فَلَا يَرَوْنَهُ فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ التّرَابَ عَلَى
رُءُوسِهِمْ وَهُوَ يَتْلُو هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ مِنْ يس : { يس وَالْقُرْآنِ
الْحَكِيمِ إِنّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ
الْعَزِيزِ الرّحِيمِ } إلَى قَوْلِهِ { فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ }
حَتّى فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ
وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا ، ثُمّ
انْصَرَفَ إلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمّنْ لَمْ يَكُنْ
مَعَهُمْ فَقَالَ مَا تَنْتَظِرُونَ هَاهُنَا ؟ قَالُوا : مُحَمّدًا ؛ قَالَ
خَيّبَكُمْ اللّهُ قَدْ وَاَللّهِ خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمّدٌ ثُمّ مَا تَرَكَ
مِنْكُمْ رَجُلًا إلّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا ، وَانْطَلَقَ
لِحَاجَتِهِ أَفَمَا تَرَوْنَ مَا بِكُمْ ؟ قَالَ فَوَضَعَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ
يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا عَلَيْهِ تُرَابٌ ثُمّ جَعَلُوا يَتَطَلّعُونَ فَيَرَوْنَ
عَلِيّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجّيًا بِبُرْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَقُولُونَ وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَمُحَمّدٌ نَائِمًا ،
عَلَيْهِ بُرْدُهُ . فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتّى أَصْبَحُوا فَقَامَ عَلِيّ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ الْفِرَاشِ فَقَالُوا : وَاَللّهِ لَقَدْ كَانَ
صَدَقَنَا الّذِي حَدّثَنَا [ ص 484
]
[ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي تَرَبّصِ الْمُشْرِكِينَ بِالنّبِيّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا أَنْزَلَ اللّهُ
عَزّ وَجَلّ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا كَانُوا أَجْمَعُوا لَهُ
{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } وَقَوْلِ اللّهِ
عَزّ وَجَلّ { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ
تَرَبّصُوا فَإِنّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبّصِينَ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
الْمَنُونُ الْمَوْتُ . وَرَيْبُ الْمَنُونِ مَا يَرِيبُ وَيَعْرِصُ مِنْهَا . قَالَ
أَبُو ذُؤَيْبٍ الهُذَليّ : أَمِنْ الْمَنُونِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجّعُ وَالدّهْرُ
لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَذِنَ اللّهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عِنْدَ ذَلِكَ فِي الْهِجْرَةِ .
[ طَمَعُ أَبِي بَكْرٍ فِي أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ
النّبِيّ فِي الْهِجْرَةِ وَمَا أَعَدّ لِذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ رَجُلًا ذَا مَالٍ فَكَانَ حَيْنَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْهِجْرَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَعْجَلْ لَعَلّ اللّهَ يَجِدُ لَك صَاحِبًا ، قَدْ طَمِعَ
بِأَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا يَعْنِي
نَفْسَهُ حَيْنَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فَابْتَاعَ رَاحِلَتَيْنِ فَاحْتَبَسَهُمَا فِي
دَارِهِ يَعْلِفُهُمَا إعْدَادًا لِذَلِكَ .
[ حَدِيثُ هِجْرَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَى الْمَدِينَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنّهَا
قَالَتْ كَانَ لَا يُخْطِئُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَأْتِيَ
بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيْ النّهَارِ إمّا بُكْرَةً وَإِمّا عَشِيّةً
حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الّذِي أُذِنَ فِيهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْهِجْرَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَيْ
قَوْمِهِ أَتَانَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْهَاجِرَةِ
فِي سَاعَةٍ كَانَ لَا يَأْتِي فِيهَا . قَالَتْ فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ
مَا جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذِهِ السّاعَةَ إلّا لِأَمْرٍ
حَدَثَ . قَالَتْ فَلَمّا دَخَلَ تَأَخّرَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ سَرِيرِهِ
فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ [ ص 485 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَيْسَ
عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إلّا أَنَا وَأُخْتِي أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرِجْ عَنّي مَنْ
عِنْدَك ؛ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّمَا هُمَا ابْنَتَايَ وَمَا ذَاكَ ؟
فِدَاك أَبِي وَأُمّي فَقَالَ إنّ اللّهَ قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ
وَالْهِجْرَةِ . قَالَتْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللّهِ
قَالَ الصّحْبَةَ . قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا شَعُرْت قَطّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ
أَنّ أَحَدًا يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ حَتّى رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي
يَوْمئِذٍ ثُمّ قَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ إنّ هَاتَيْنِ رَاحِلَتَانِ قَدْ كُنْت أَعْدَدْتهمَا
لِهَذَا . فَاسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَرْقَطِ - رَجُلًا مِنْ بَنِي الدّئَلِ بْنِ
بَكْرٍ وَكَانَتْ أُمّهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَانَ
مُشْرِكًا - يَدُلّهُمَا عَلَى الطّرِيقِ فَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا ،
فَكَانَتَا عِنْدَهُ يَرْعَاهُمَا لِمِيعَادِهِمَا
[ مَنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهِجْرَةِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمْ يَعْلَمْ فِيمَا
بَلَغَنِي ، بِخُرُوجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدٌ ،
حَيْنَ خَرَجَ إلّا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، وَآلُ
أَبِي بَكْرٍ . أَمَا عَلِيّ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
- فِيمَا بَلَغَنِي - أَخْبَرَهُ بِخُرُوجِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَخَلّفَ بَعْدَهُ
بِمَكّةَ حَتّى يُؤَدّيَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْوَدَائِعَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنّاسِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسَ بِمَكّة أَحَدٌ عِنْدَهُ شَيْءٌ يُخْشَى عَلَيْهِ
إلّا وَضَعَهُ عِنْدَهُ لِمَا يُعْلَمُ مِنْ صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ قِصّةُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ
أَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخُرُوجَ أَتَى أَبَا بَكْرِ بْنِ أَبِي
قُحَافَةَ فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ لِأَبِي بَكْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ ثُمّ
عَمَدَ إلَى غَارٍ بِثَوْرٍ - جَبَلٍ بِأَسْفَلِ مَكّةَ - فَدَخَلَاهُ وَأَمَرَ
أَبُو بَكْرٍ ابْنَهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَسَمّعَ لَهُمَا
مَا يَقُولُ النّاسُ فِيهِمَا نَهَارَهُ ثُمّ يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى بِمَا يَكُونُ
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْخَبَرِ ؛ وَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ
مَوْلَاهُ أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ نَهَارَهُ ثُمّ يُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا ،
يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى فِي الْغَارِ . وَكَانَتْ أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي
بَكْرٍ تَأْتِيهِمَا مِنْ الطّعَامِ إذَا أَمْسَتْ بِمَا يُصْلِحُهُمَا [ ص 486 ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْحَسَنَ بْنَ
أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ قَالَ انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ إلَى الْغَارِ لَيْلًا ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ قَبْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمَسَ
الْغَارَ لِيَنْظُرَ أَفِيهِ سَبُعٌ أَوْ حَيّةٌ يَقِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفْسِهِ
.
[ ابْنَا أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ فُهَيْرَةَ يَقُومُونَ بِشُؤُونِ الرّسُولِ
وَصَاحِبِهِ وَهُمَا فِي الْغَارِ
]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْغَارِ ثَلَاثًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَعَلَتْ
قُرَيْشٌ فِيهِ حَيْنَ فَقَدُوهُ مِئَةَ نَاقَةٍ لِمَنْ يَرُدّهُ عَلَيْهِمْ .
وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَكُونُ فِي قُرَيْشٍ نَهَارَهُ مَعَهُمْ
يَسْمَعُ مَا يَأْتَمِرُونَ بِهِ وَمَا يَقُولُونَ فِي شَأْنِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبِي بَكْرٍ ثُمّ يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى
فَيُخْبِرُهُمَا الْخَبَرَ . وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ يَرْعَى فِي ُعْيَانِ أَهْلِ مَكّةَ ، فَإِذَا أَمْسَى أَرَاحَ عَلَيْهِمَا
غَنَمَ أَبِي بَكْرٍ فَاحْتَلَبَا وَذَبَحَا ، فَإِذَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ غَدَا مِنْ عِنْدِهِمَا إلَى مَكّةَ ، اتّبَعَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
أَثَرَهُ بِالْغَنَمِ حَتّى يُعَفّي عَلَيْهِ حَتّى إذَا مَضَتْ الثّلَاثُ
وَسَكَنَ عَنْهُمَا النّاسُ أَتَاهُمَا صَاحِبُهُمَا الّذِي اسْتَأْجَرَاهُ
بِبَعِيرَيْهِمَا وَبَعِيرٍ لَهُ وَأَتَتْهُمَا أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا بِسُفْرَتِهِمَا ، وَنَسِيَتْ أَنْ تَجْعَلَ لَهَا عِصَامًا
فَلَمّا ارْتَحَلَا ذَهَبَتْ لِتُعَلّقَ السّفْرَةَ فَإِذَا لَيْسَ لَهَا عِصَامٌ فَتَحِلّ
نِطَاقَهَا فَتَجْعَلُهُ عِصَامًا ، ثُمّ عَلّقَتْهَا بِهِ .
[ سَبَبُ تَسْمِيَةِ أَسْمَاءَ بِذَاتِ النّطَاقِ ]
فَكَانَ يُقَالُ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ذَاتُ
النّطَاقِ لِذَلِكَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ يَقُولُ ذَاتُ النّطَاقَيْنِ . وَتَفْسِيرُهُ أَنّهَا لَمّا أَرَادَتْ أَنْ
تُعَلّقَ السّفْرَةَ شَقّتْ نِطَاقَهَا بِاثْنَيْنِ فَعَلّقَتْ السّفْرَةَ بِوَاحِدٍ
وَانْتَطَقَتْ بِالْآخَرِ .
[ أَبُو بَكْرٍ يُقَدّمُ رَاحِلَةً لِلرّسُولِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَرّبَ أَبُو بَكْرٍ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ الرّاحِلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَدّمَ لَهُ أَفَضْلَهُمَا ، ثُمّ قَالَ ارْكَبْ فِدَاك أَبِي وَأُمّي ؛ [ ص 487 ] فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي لَا أَرْكَبُ بَعِيرًا لَيْسَ
لِي ؛ قَالَ فَهِيَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، قَالَ لَا ،
وَلَكِنْ مَا الثّمَنُ الّذِي ابْتَعْتهَا بِهِ ؟ قَالَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ
قَدْ أَخَذْتهَا بِهِ قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ . فَرَكِبَا وَانْطَلَقَا
وَأَرْدَفَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ
خَلْفَهُ لِيَخْدِمَهُمَا فِي الطّرِيقِ .
[ ضَرْبُ أَبِي جَهْلٍ لِأَسْمَاءِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحُدّثْت عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ
أَبِي بَكْرٍ أَنّهَا قَالَتْ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ
أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ فَخَرَجْتُ
إلَيْهِمْ فَقَالُوا : أَيْنَ أَبُوك يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ؟ قَالَتْ قُلْت :
لَا أَدْرِي وَاَللّهِ أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَتْ فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ
وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا ، فَلَطَمَ خَدّي لَطْمَةً طُرِحَ مِنْهَا قُرْطِي .
[خَبَرُ الْهَاتِفِ مِنْ الْجِنّ عَنْ طَرِيقِ الرّسُولِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هِجْرَتِهِ ]
قَالَتْ ثُمّ انْصَرَفُوا . فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ
. وَمَا نَدْرِي أَيْنَ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حَتّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ مِنْ أَسْفَلِ مَكّةَ ، يَتَغَنّى بِأَبْيَاتٍ
مِنْ شَعَرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ ، وَإِنّ النّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ
وَمَا يَرَوْنَهُ حَتّى خَرَجَ مِنْ أَعَلَى مَكّةَ وَهُوَ يَقُولُ
جَزَى اللّهُ رَبّ النّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ...
رَفِيقَيْنِ حَلّا خَيْمَتَيْ أُمّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَا بِالْبَرّ ثُمّ تَرَوّحَا ... فَأَفْلَحَ
مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمّدٍ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ ...
وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنَيْنِ بِمَرْصَدِ
[ نَسَبُ أُمّ مَعْبَدٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أُمّ مَعْبَدٍ بِنْتُ كَعْبٍ ،
امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مِنْ خُزَاعَةَ [ ص 488 ] حَلّا خَيْمَتَيْ " ،
و " هُمَا نَزَلَا بِالْبَرّ ثُمّ تَرَوّحَا " عَنْ غَيْرِ ابْنِ
إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُمَا : فَلَمّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ عَرَفْنَا حَيْثُ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنّ وَجْهَهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَكَانُوا
أَرْبَعَةً رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ
الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ ،
وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَرْقَطَ دَلِيلُهُمَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ
.
[ أَبُو قُحَافَةَ وَأَسْمَاءُ بَعْدَ هِجْرَةِ أَبِي بَكْرٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ
عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ أَنّ أَبَاهُ عَبّادًا حَدّثَهُ عَنْ
جَدّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَتْ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ احْتَمَلَ أَبُو
بَكْرٍ مَالَهُ كُلّهُ وَمَعَهُ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتّةُ آلَافٍ فَانْطَلَقَ
بِهَا مَعَهُ . قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ ذَهَبَ
بَصَرُهُ فَقَالَ وَاَللّهِ إنّي لَا أَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ
نَفْسِهِ . قَالَتْ قُلْت : كَلّا يَا أَبَتِ إنّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا
كَثِيرًا . قَالَتْ فَأَخَذْت أَحْجَارًا فَوَضَعْتهَا فِي كُوّةٍ فِي الْبَيْتِ
الّذِي كَانَ أَبِي يَضَعُ مَالَهُ فِيهَا ، ثُمّ وَضَعْت عَلَيْهَا ثَوْبًا ،
ثُمّ أَخَذْت بِيَدِهِ فَقُلْت : يَا أَبَتِ ضَعْ يَدَك عَلَى هَذَا الْمَالِ .
قَالَتْ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ إذَا كَانَ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا
فَقَدْ أَحْسَنَ وَفِي هَذَا بَلَاغٌ لَكُمْ . وَلَا وَاَللّهِ مَا تَرَكَ لَنَا
شَيْئًا وَلَكِنّي أَرَدْت أَنْ أُسَكّنَ الشّيْخَ بِذَلِكَ [ ص 489 ]
سُرَاقَةُ
وَرُكُوبُهُ فِي أَثَرِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ أَنّ
عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حَدّثَهُ . عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَمّهِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ ، قَالَ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ مُهَاجِرًا إلَى الْمَدِينَةِ ، جَعَلَتْ
قُرَيْشٌ فِيهِ مِئَةَ نَاقَةٍ لِمَنْ رَدّهُ عَلَيْهِمْ . قَالَ فَبَيْنَا أَنَا
جَالِسٌ فِي نَادِي قَوْمِي إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنّا ، حَتّى وَقَفَ عَلَيْنَا ،
فَقَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْت رَكْبَهُ ثَلَاثَةً مَرّوا عَلَيّ آنِفًا ، إنّي
لَأَرَاهُمْ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ قَالَ فَأَوْمَأْت إلَيْهِ بِعَيْنِي : أَنْ
اُسْكُتْ ثُمّ قُلْت : إنّمَا هُمْ بَنُو فُلَانٍ يَبْتَغُونَ ضَالّةً لَهُمْ
قَالَ لَعَلّهُ ثُمّ سَكَتَ . قَالَ ثُمّ مَكَثْت قَلِيلًا ، ثُمّ قُمْت فَدَخَلْت
بَيْتِي ، ثُمّ أَمَرْت بِفَرَسِي ، فَقُيّدَ لِي إلَى بَطْنِ الْوَادِي ،
وَأَمَرْت بِسِلَاحِي ، فَأُخْرِجَ لِي مِنْ دُبُرِ حُجْرَتِي ، ثُمّ أَخَذْت
قِدَاحِي الّتِي أَسَتَقْسِمُ بِهَا ، ثُمّ انْطَلَقْت ، فَلَبِسْت لَأْمَتِي ،
ثُمّ أَخَرَجْت قِدَاحِي ، فَاسْتَقْسَمْت بِهَا ، فَخَرَجَ السّهْمُ الّذِي
أَكْرَهُ " لَا يَضُرّهُ " . قَالَ وَكُنْت أَرْجُو أَنْ أَرُدّهُ عَلَى
قُرَيْشٍ ، فَآخُذَ الْمِئَةَ النّاقَةِ . قَالَ فَرَكِبْت عَلَى أَثَرِهِ
فَبَيْنَمَا فَرَسِي يَشْتَدّ بِي عَثَرَ بِي ، فَسَقَطْت عَنْهُ . قَالَ فَقُلْت
: مَا هَذَا ؟ قَالَ ثُمّ أَخَرَجْت قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْت بِهَا ، فَخَرَجَ
السّهْمُ الّذِي أَكْرَهُ " لَا يَضُرّهُ " . قَالَ فَأَبَيْت إلّا أَنْ
أَتّبِعَهُ . قَالَ فَرَكِبْت فِي أَثَرِهِ فَبَيْنَا فَرَسِي يَشْتَدّ بِي ، عَثَرَ بِي
، فَسَقَطْت عَنْهُ . قَالَ فَقُلْت : مَا هَذَا ؟ ، قَالَ ثُمّ أَخَرَجْت
قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْت بِهَا فَخَرَجَ السّهْمُ الّذِي أَكْرَهُ " لَا
يَضُرّهُ " ، قَالَ فَأَبَيْت إلّا أَنْ أَتّبِعَهُ فَرَكِبْت فِي أَثَرِهِ .
فَلَمّا بَدَا لِي الْقَوْمُ وَرَأَيْتهمْ عَثَرَ بِي فَرَسِي ، فَذَهَبَتْ
يَدَاهُ فِي الْأَرْضِ وَسَقَطْت عَنْهُ ثُمّ انْتَزَعَ يَدَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ
وَتَبِعَهُمَا دُخَانٌ كَالْإِعْصَارِ . قَالَ فَعَرَفْت حَيْنَ رَأَيْت ذَلِكَ
أَنّهُ قَدْ مُنِعَ مِنّي ، وَأَنّهُ ظَاهِرٌ . قَالَ فَنَادَيْت الْقَوْمَ
فَقُلْت : أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ اُنْظُرُونِي أُكَلّمْكُمْ فَوَاَللّهِ لَا
أَرَيْبُكُمْ وَلَا يَأْتِيكُمْ مِنّي شَيْءٌ [ ص 490 ] قَالَ فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي بَكْرٍ قُلْ لَهُ وَمَا تَبْتَغِي
مِنّا ؟ قَالَ فَقَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ قُلْت : تَكْتُبُ لِي كِتَابًا يَكُونُ آيَةً
بَيْنِي وَبَيْنَك . قَالَ اُكْتُبْ لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ .
[ إسْلَامُ سُرَاقَةَ ]
( قَالَ
) : فَكَتَبَ لِي كِتَابًا فِي عَظْمٍ أَوْ فِي رُقْعَةٍ
أَوْ فِي خَزَفَةٍ ثُمّ أَلْقَاهُ إلَيّ فَأَخَذَتْهُ فَجَعَلْته فِي كِنَانَتِي ،
ثُمّ رَجَعْت ، فَسَكَتّ فَلَمْ أَذْكُرْ شَيْئًا مِمّا كَانَ حَتّى إذَا كَانَ فَتْحُ
مَكّةَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفَرَغَ مِنْ
حُنَيْنٍ وَالطّائِفِ ، خَرَجْت وَمَعِي الْكِتَابَ لَأَلْقَاهُ فَلَقِيته
بِالْجِعْرَانَةِ . قَالَ فَدَخَلْت فِي كَتِيبَةٍ مِنْ خَيْلِ الْأَنْصَارِ .
قَالَ فَجَعَلُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرّمَاحِ وَيَقُولُونَ إلَيْك ( إلَيْك ) ،
مَاذَا تُرِيدُ ؟ قَالَ فَدَنَوْت مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى سَاقِهِ فِي
غَرْزِهِ كَأَنّهَا جُمّارَةٌ . قَالَ فَرَفَعْت يَدِي بِالْكِتَابِ ثُمّ قُلْت :
يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا كِتَابُك ( لِي ) ، أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ قَالَ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرّ
ادْنُهْ . قَالَ فَدَنَوْت مِنْهُ فَأَسْلَمْت . ثُمّ تَذَكّرْت شَيْئًا أَسْأَلُ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ فَمَا أَذْكُرُهُ إلّا
أَنّي قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ الضّالّةُ مِنْ الْإِبِلِ تَغْشَى حِيَاضِي ،
وَقَدْ مَلَأْتهَا لِإِبِلِي ، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي أَنْ أَسْقِيَهَا ؟ قَالَ
نَعَمْ فِي كُلّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرّى أَجْرٌ قَالَ ثُمّ رَجَعْت إلَى قَوْمِي ،
فَسُقْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَتِي .
[ تَصْوِيبُ نَسَبِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْجُعْشُمِيّ ]
[ ص 491 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ
الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ
.
[ طَرِيقُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
هِجْرَتِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا خَرَجَ بِهِمَا
دَلِيلُهُمَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَرْقَطَ ، سَلَكَ بِهِمَا أَسْفَلَ مَكّةَ ، ثُمّ
مَضَى بِهِمَا عَلَى السّاحِلِ ، حَتّى عَارَضَ الطّرِيقَ أَسْفَلَ مِنْ عُسْفَانَ
، ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا عَلَى أَسْفَلِ أَمَجَ ، ثُمّ اسْتَجَازَ بِهِمَا ، حَتّى عَارَضَ
بِهِمَا الطّرِيقَ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ قُدَيْدًا ، ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا مِنْ
مَكَانِهِ ذَلِكَ فَسَلَكَ بِهِمَا الْخَرّارَ ، ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا ثَنِيّةَ
الْمَرّةِ ، ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا لِقْفا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
لَفْتَا . قَالَ مَعْقِلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيّ :
نَزِيعًا مُحْلِبًا مِنْ أَهْلِ لَفْتٍ ... لِحَيّ
بَيْنَ أَثْلَةَ وَالنّحَامِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا مَدْلَجَةَ
لِقْفٍ ثُمّ اسْتَبْطَنَ بِهِمَا مَدْلَجَةَ مَحَاجّ - وَيُقَالُ مِجَاجٍ ، فِيمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا مَرْجِحَ مَحَاجّ ، ثُمّ تَبَطّنَ
بِهِمَا مَرْجِحَ مِنْ ذِي الْغَضْوَيْنِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
الْعُضْوَيْنِ - ثُمّ بَطْنَ ذِي كَشْرٍ ، ثُمّ أَخَذَ بِهِمَا عَلَى الْجَدَاجِدِ
، ثُمّ عَلَى الْأَجْرَدِ ، ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا ذَا سَلَمٍ مِنْ بَطْنِ أَعْدَاءِ
مَدْلِجَة تِعْهِنِ ، ثُمّ عَلَى الْعَبَابِيدِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
الْعَبَابِيبُ وَيُقَالُ الْعِثْيَانَةَ . يُرِيدُ الْعَبَابِيبَ - . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا الْفَاجّةَ ، وَيُقَالُ الْقَاحّةُ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ثُمّ هَبَطَ بِهِمَا الْعَرْجَ ، وَقَدْ أَبْطَأَ
عَلَيْهِمَا بَعْضُ ظَهْرِهِمْ فَحَمَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ ، يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ عَلَى جَمَلٍ
لَهُ - يُقَالُ لَهُ ابْنُ الرّدَاءِ - إلَى الْمَدِينَةِ ، وَبَعَثَ مَعَهُ
غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ [ ص 492 ] خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا مِنْ الْعَرَجِ
، فَسَلَكَ بِهِمَا ثَنِيّةَ الْعَائِرِ ، عَنْ يَمِينِ رَكُوبَةٍ - وَيُقَالُ ثَنِيّةُ
الْغَائِرِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - حَتّى هَبَطَ بِهِمَا بَطْنَ رِئْمٍ ،
ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا قُبَاءٍ ، عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِاثْنَتَيْ
عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
حَيْن اشْتَدّ الضّحَاءُ وَكَادَتْ الشّمْسُ تَعْتَدِلُ .
[ قُدُومُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبَاءَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ سَاعِدَةَ قَالَ حَدّثَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا : لَمّا
سَمِعْنَا بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ
، وَتَوَكّفْنَا قُدُومَهُ كُنّا نَخْرُجُ إذَا صَلّيْنَا الصّبْحَ إلَى ظَاهِرِ
حَرّتِنَا نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَاَللّهِ
مَا نَبْرَحُ حَتّى تَغْلِبَنَا الشّمْسُ عَلَى الظّلَالِ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ
ظِلّا دَخَلْنَا ، وَذَلِكَ فِي أَيّامٍ حَارّةٍ . حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ
الّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَلَسْنَا
كَمَا كُنّا نَجْلِسُ حَتّى إذَا لَمْ يَبْقَ ظِلّ دَخَلْنَا بُيُوتَنَا ،
وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ دَخَلْنَا
الْبُيُوتَ فَكَانَ أَوّلُ مَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ ، وَقَدْ رَأَى مَا
كُنّا نَصْنَعُ وَأَنّا نَنْتَظِرُ قُدُومَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَيْنَا ، فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا بَنِي قَيْلَةَ ، هَذَا
جَدّكُمْ قَدْ جَاءَ . قَالَ فَخَرَجْنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي ظِلّ نَخْلَةٍ ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ فِي مِثْلِ سِنّهِ وَأَكْثَرُنَا لَمْ يَكُنْ رَأَى رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَرَكِبَهُ النّاسُ وَمَا
يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ ، حَتّى زَالَ الظّلّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَظَلّهُ بِرِدَائِهِ فَعَرَفْنَاهُ
عِنْدَ ذَلِكَ
[ مَنَازِلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بقُباءٍ ]
[ ص 493 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - عَلَى كُلْثُومِ بْنِ
هِدْمٍ ، أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، ثُمّ أَحَدِ بَنِي عُبَيْدٍ :
وَيُقَالُ بَلْ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ . وَيَقُولُ مَنْ يَذْكُرُ
أَنّهُ نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ : إنّمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِ كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ جَلَسَ
لِلنّاسِ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ عَزَبًا لَا
أَهْلَ لَهُ وَكَانَ مَنْزِلُ الْأَعْزَابِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ، فَمِنْ هُنَالِكَ يُقَالُ نَزَلَ
عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ ، وَكَانَ يُقَالُ لِبَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ :
بَيْتُ الْأَعْزَابِ . فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ كُلّا قَدْ سَمِعْنَا .
[ مَنْزِلُ أَبِي بَكْرٍ بقُباءٍ ]
وَنَزَلَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ ، أَحَدِ بَنِي الْحَارِثِ الْخَزْرَجَ بِالسّنْحِ .
وَيَقُولُ قَائِلٌ كَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي
زُهَيْرٍ أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ .
[ مَنْزِلُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بقُباءٍ ]
وَأَقَامَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ
بِمَكّةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَأَيّامِهَا ، حَتّى أَدّى عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَدَائِعَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنّاسِ حَتّى
إذَا فَرَغَ مِنْهَا ، لَحِقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَزَلَ
مَعَهُ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ
.
[ ابْنُ حُنَيْفٍ وَتَكْسِيرُهُ الْأَصْنَامَ ]
فَكَانَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَإِنّمَا كَانَتْ
إقَامَتُهُ بقُباءٍ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ يَقُولُ كَانَتْ بقُباءٍ امْرَأَةٌ
لَا زَوْجَ لَهَا ، مُسْلِمَةٌ . قَالَ فَرَأَيْت إنْسَانًا يَأْتِيهَا مِنْ
جَوْفِ اللّيْلِ فَيَضْرِبُ عَلَيْهَا بَابَهَا ، فَتَخْرَجُ إلَيْهِ فَيُعْطِيَهَا
شَيْئًا مَعَهُ فَتَأْخُذَهُ . قَالَ فَاسْتَرَبْتُ [ ص 494 ] أَدْرِي مَا هُوَ وَأَنْتِ امْرَأَةٌ
مُسْلِمَةٌ لَا زَوْجَ لَك ؟ قَالَتْ هَذَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبٍ قد
عَرَفَ أَنّي امْرَأَةٌ لَا أَحَدَ لِي ، فَإِذَا أَمْسَى عَدَا عَلَى أَوْثَانِ قَوْمِهِ
فَكَسّرَهَا ، ثُمّ جَاءَنِي بِهَا ، فَقَالَ احْتَطِبِي بِهَذَا ، فَكَانَ عَلِيّ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَأْثُرُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، حَتّى
هَلَكَ عِنْدَهُ بِالْعِرَاقِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي هَذَا ، مِنْ
حَدِيثِ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ هِنْدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ
حُنَيْفٍ ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
.
[ بِنَاءُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ
]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بقُباءٍ ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَسّسَ
مَسْجِدَهُ
[ خُرُوجُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
قُبَاءٍ وَسَفَرُهُ إلَى الْمَدِينَةِ
]
ثُمّ أَخْرَجَهُ اللّهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ . وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يُزْعِمُونَ أَنّهُ مَكَثَ فِيهِمْ
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ . فَأَدْرَكَتْ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ
عَوْفٍ ، فَصَلّاهَا فِي الْمَسْجِدِ الّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي ، وَادِي
رَانُونَاءَ ، فَكَانَتْ أَوّلَ جُمُعَةٍ صَلّاهَا بِالْمَدِينَةِ .
[ اعْتِرَاضُ الْقَبَائِلِ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ تَبْغِي نُزُولَهُ عِنْدَهَا
]
فَأَتَاهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ ، وَعَبّاسُ بْنُ
عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ ، فَقَالُوا
: يَا رَسُولَ اللّهِ . أَقِمْ عِنْدَنَا فِي الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ
قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا ، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ لِنَاقَتِهِ فَخَلّوا سَبِيلهَا
، فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي بَيّاضَةَ ، تَلَقّاهُ زِيَادُ
بْنُ لَبِيدٍ ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو ، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي بَيّاضَةَ [ ص
495 ] فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هَلُمّ إلَيْنَا ، إلَى الْعَدَدِ
وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ
فَخَلّوْا سَبِيلَهَا . فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا مَرّتْ بِدَارِ بَنِي سَاعِدَةَ
، اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، فِي رِجَالٍ
مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هَلُمّ إلَيْنَا إلَى
الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا ، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ
فَخَلّوْا سَبِيلَهَا ، فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ، وَخَارِجَةُ
بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ
بْنِ الْخَزْرَجِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هَلُمّ إلَيْنَا إلَى الْعَدَدِ
وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا ، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ
فَخَلّوْا سَبِيلَهَا . فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا مَرّتْ بِدَارِ بَنِي عَدِيّ بْنِ
النّجّارِ ، وَهُمْ أَخْوَالُهُ دِنْيَا - أُمّ عَبْدِ الْمُطّلِبِ سَلْمَى بِنْتُ
عَمْرٍو ، إحْدَى نِسَائِهِمْ - اعْتَرَضَهُ سَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ ، وَأَبُو
سَلِيطٍ أُسَيْرَةُ بْنُ أَبِي خَارِجَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ
النّجّارِ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هَلُمّ إلَى أَخْوَالِك ، إلَى
الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا فَإِنّهَا
مَأْمُورَةٌ فَخَلّوْا سَبِيلَهَا ، فَانْطَلَقَتْ .
[ مَبْرَك نَاقَتهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدَارِ بَنِي مَالِكِ
بْنِ النّجّارِ ]
حَتّى إذَا أَتَتْ دَارَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ،
بَرَكَتْ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ
مِرْبَدٌ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ
بْنِ النّجّارِ ، وَهُمَا فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ ، سَهْلٍ وَسُهَيْلٍ
ابْنَيْ عَمْرٍو . فَلَمّا بَرَكَتْ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَيْهَا لَمْ يَنْزِلْ وَثَبَتَ فَسَارَتْ غَيْرَ بِعِيدٍ وَرَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لَا يَثْنِيهَا
بِهِ ثُمّ الْتَفَتَتْ إلَى خَلْفِهَا ، فَرَجَعَتْ إلَى مَبْرَكِهَا أَوّلَ
مَرّةٍ فَبَرَكَتْ فِيهِ ثُمّ تَحَلْحَلَتْ وَزَمّتْ وَوَضَعَتْ [ ص 496 ]
فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاحْتَمَلَ
أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ رَحْلَهُ فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ وَنَزَلَ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَأَلَ عَنْ
الْمِرْبَدِ لِمَنْ هُوَ ؟ فَقَالَ لَهُ مَعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ : هُوَ يَا
رَسُولَ اللّهِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو ، وَهُمَا يَتِيمَانِ لِي ، وَسَأُرْضِيهِمَا
مِنْهُ فَاِتّخِذْهُ مَسْجِدًا
[ بِنَاءُ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَمَسَاكِنِهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُبْنَى مَسْجِدًا ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَبِي أَيّوبَ حَتّى بَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسَاكِنَهُ فَعَمِلَ
فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُرَغّبَ الْمُسْلِمِينَ
فِي الْعَمَلِ فِيهِ فَعَمِلَ فِيهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ، وَدَأَبُوا
فِيهِ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنّبِيّ يَعْمَلُ ... لَذَاكَ مِنّا
الْعَمَلُ الْمُضَلّلُ
وَارْتَجَزَ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ يَبْنُونَهُ
يَقُولُونَ
لَا عَيْشَ إلّا عَيْشَ الْآخِرَهْ ... اللّهُمّ ارْحَمْ
الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا كَلَامٌ وَلَيْسَ بِرَجَزٍ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا
عَيْشَ إلّا عَيْشَ الْآخِرَةِ ، اللّهُمّ ارْحَمْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
[ إخْبَارُ الرّسُولِ لِعَمّارٍ بِقَتْلِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ لَهُ ]
قَالَ فَدَخَلَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَقَدْ
أَثْقَلُوهُ بِاللّبِنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ [ ص 497 ] قَالَتْ أُمّ
سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَأَيْت رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْفُضُ وَفْرَتَهُ بِيَدِهِ وَكَانَ
رَجُلًا جَعْدًا ، وَهُوَ يَقُولُ وَيْحَ ابْنَ سُمَيّةَ ، لَيْسُوا بِاَلّذِينَ يَقْتُلُونَك
، إنّمَا تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ
[ ارْتِجَازُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي بِنَاءِ
الْمَسْجِدِ ]
وَارْتَجَزَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ يَوْمئِذٍ
لَا يَسْتَوِي مَنْ يَعْمُرُ الْمَسَاجِدَا ... يَدْأَبُ
فِيهِ قَائِمًا وَقَاعِدًا
وَمَنْ يُرَى عَنْ الْغُبَارِ حَائِدًا قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : سَأَلْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ عَنْ هَذَا
الرّجَزِ فَقَالُوا : بَلَغَنَا أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ارْتَجَزَ بِهِ
فَلَا يُدْرَى : أَهُوَ قَائِلُهُ أَمْ غَيْرُهُ .
[ مَا كَانَ بَيْنَ عَمّارٍ وَأَحَدِ الصّحَابَةِ مِنْ
مُشَادّةٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَخَذَهَا عَمّارُ بْنُ
يَاسِرٍ ، فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ بِهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَلَمّا أَكْثَرَ
ظَنّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ
إنّمَا يُعَرّضُ بِهِ فِيمَا حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِي ، عَنْ
ابْنِ إسْحَاقَ ، وَقَدْ سَمّى ابْنُ إسْحَاقَ الرّجُلَ .
[ وَصَاةُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِعَمّارٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ قَدْ سَمِعْتُ مَا
تَقُولُ مُنْذُ الْيَوْمِ يَا ابْنَ سُمَيّةَ ، وَاَللّهِ إنّي لَأُرَانِي
سَأَعْرِضُ هَذِهِ الْعَصَا لِأَنْفِك . قَالَ وَفِي يَدِهِ عَصًا . قَالَ
فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ مَا لَهُمْ
وَلِعَمّارٍ يَدْعُوهُمْ إلَى الْجَنّةِ وَيَدْعُونَهُ إلَى النّارِ إنّ عَمّارًا جِلْدَةٌ
مَا بَيْنَ عَيْنِيّ وَأَنْفِي ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْ الرّجُلِ فَلَمْ
يُسْتَبْقَ فَاجْتَنِبُوهُ [ ص 498
]
[ مَنْ بَنَى أَوّلَ مَسْجِدٍ
]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ
عُييْنَةَ عَنْ زَكَرِيّا ، عَنْ الشّعْبِيّ ، قَالَ إنّ أَوّلَ مَنْ بَنَى
مَسْجِدًا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ .
[مَنْزِلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَيْتِ
أَبِي أَيّوبَ وَشَيْءٌ مِنْ أَدَبِهِ فِي ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ حَتّى بُنِيَ لَهُ مَسْجِدُهُ وَمَسَاكِنُهُ
ثُمّ انْتَقَلَ إلَى مَسَاكِنِهِ مِنْ بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ رَحْمَةُ اللّهُ
عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي
حَبِيبٍ ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ اليَزَنيّ عَنْ أَبِي رُهْمٍ
السّمَاعِيّ قَالَ حَدّثَنِي أَبُو أَيّوبَ قَالَ لَمّا نَزَلَ عَلَيّ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِي ، نَزَلَ فِي السّفْلِ وَأَنَا
وَأُمّ أَيّوبَ فِي الْعُلْوِ فَقُلْت لَهُ يَا نَبِيّ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ
وَأُمّي ، إنّي لَأَكْرَهُ وَأُعْظِمُ أَنْ أَكُونَ فَوْقَك ، وَتَكُونَ تَحْتِي ،
فَاظْهَرْ أَنْتَ فَكُنْ فِي الْعُلْوِ وَنَنْزِلَ نَحْنُ فَنَكُونَ فِي السّفْلِ
فَقَالَ يَا أَبَا أَيّوبَ إنّ أَرْفَقَ بِنَا وَبِمَنْ يَغْشَانَا ، أَنْ نَكُونَ
فِي سُفْلِ الْبَيْتِ قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي سُفْلِهِ وَكُنّا فَوْقَهُ فِي الْمَسْكَنِ [ ص 499 ] بِقَطِيفَةٍ
لَنَا ، مَا لَنَا لِحَافٌ غَيْرَهَا ، نُنَشّفُ بِهَا الْمَاءَ تَخَوّفًا أَنْ
يَقْطُرَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ شَيْءٌ
فَيُؤْذِيَهُ . قَالَ وَكُنّا نَصْنَعُ لَهُ الْعَشَاءَ ثُمّ نَبْعَثُ بِهِ
إلَيْهِ فَإِذَا رَدّ عَلَيْنَا فَضْلَهُ تَيَمّمْت أَنَا وَأُمّ أَيّوبَ مَوْضِعَ
يَدِهِ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نَبْتَغِي بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ ، حَتّى بَعَثْنَا إلَيْهِ
لَيْلَةً بِعَشَائِهِ وَقَدْ جَعَلْنَا لَهُ بَصَلًا أَوْ ثُومًا ، فَرَدّهُ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ أَرَ لِيَدِهِ فِيهِ أَثَرًا .
قَالَ فَجِئْتُهُ فَزِعًا ، فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي
، رَدَدْتَ عَشَاءَك ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ مَوْضِعَ يَدِك ، وَكُنْتَ إذَا رَدَدْته
عَلَيْنَا ، تَيَمّمْت أَنَا وَأُمّ أَيّوبَ مَوْضِعَ يَدِك ، نَبْتَغِي بِذَلِكَ
الْبَرَكَةَ ؛ قَالَ إنّي وَجَدْت فِيهِ رِيحَ هَذِهِ الشّجَرَةِ ، وَأَنَا رَجُلٌ
أُنَاجِي ، فَأَمّا أَنْتُمْ فَكُلُوهُ قَالَ فَأَكَلْنَاهُ وَلَمْ نَصْنَعْ لَهُ
تِلْكَ الشّجَرَةَ بَعْدُ .
[ تَلَاحُقُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِالْمَدِينَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَتَلَاحَقَ الْمُهَاجِرُونَ
إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَبْقَ بِمَكّةَ
مِنْهُمْ أَحَدٌ ، إلّا مَفْتُونٌ أَوْ مَحْبُوسٌ وَلَمْ يُوعَبْ أَهْلُ هِجْرَةٍ
مِنْ مَكّةَ بِأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إلَى اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
وَإِلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا أَهْلُ دُورٍ مُسَمّوْنَ
بَنُو مَظْعُونٍ مِنْ بَنِي جُمَحٍ ؛ وَبَنُو جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ ، حُلَفَاءُ
بَنِي أُمَيّةَ ؛ وَبَنُو الْبُكَيْرِ ، مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ ،
حُلَفَاءُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، فَإِنّ دُورَهُمْ غُلّقَتْ بِمَكّةَ
هِجْرَةً لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ
.
[ عُدْوَانُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى دَارِ بَنِي جَحْشٍ
وَالْقِصّةُ فِي ذَلِكَ ]
وَلَمّا خَرَجَ بَنُو جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ مِنْ
دَارِهِمْ عَدَا عَلَيْهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، فَبَاعَهَا مِنْ عَمْرِو
بْنِ عَلْقَمَةَ أَخِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ؛ فَلَمّا بَلَغَ بَنِي جَحْشٍ
مَا صَنَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِدَارِهِمْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ لِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَا تَرْضَى يَا عَبْدَ اللّهِ أَنْ يُعْطِيَك اللّهُ بِهَا
دَارًا خَيْرًا مِنْهَا فِي الْجَنّةِ ؟ قَالَ بَلَى ، قَالَ فَذَلِكَ لَك فَلَمّا
افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ [ ص 500
] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ ، كَلّمَهُ
أَبُو أَحْمَدَ فِي دَارِهِمْ . فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَقَالَ النّاسُ لِأَبِي أَحْمَدَ يَا أَبَا أَحْمَدَ إنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْرَهُ أَنْ تَرْجِعُوا فِي شَيْءٍ مِنْ
أَمْوَالِكُمْ أُصِيبَ مِنْكُمْ فِي اللّهِ عَزّ وَجَلّ فَأَمْسَكَ عَنْ كَلَامِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ
أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ ... عَنْ أَمْرٍ عَوَاقِبُهُ
نَدَامَهْ
دَارَ ابْنِ عَمّك بِعْتَهَا ... تَقْضِي بِهَا عَنْك
الْغَرَامَهْ
وَحَلِيفُكُمْ بِاَللّهِ رَبّ ... النّاسِ مُجْتَهَدُ
الْقَسَامَهْ
اذْهَبْ بِهَا ، اذْهَبْ بِهَا ... طُوّقْتَهَا طَوْقَ
الْحَمَامَهْ
[انْتِشَار الْإِسْلَامَ وَمَنْ بَقِيَ عَلَى شِرْكِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ إذْ قَدِمَهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوّلِ
إلَى صَفَرٍ مِنْ السّنَةِ الدّاخِلَةِ حَتّى بُنِيَ لَهُ فِيهَا مَسْجِدُهُ وَمَسَاكِنُهُ
وَاسْتَجْمَعَ لَهُ إسْلَامُ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَلَمْ يَبْقَ
دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلّا أَسْلَمَ أَهْلُهَا ، إلّا مَا كَانَ مِنْ
خَطْمَةَ وَوَاقِفٍ وَوَائِلٍ وَأُمَيّةَ وَتِلْكَ أَوْسُ اللّهِ وَهُمْ حَيّ مِنْ
الْأَوْسِ ، فَإِنّهُمْ أَقَامُوا عَلَى شِرْكِهِمْ .
[ أَوّلُ خُطَبِهِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ ]
وَكَانَتْ أَوّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرّحْمَنِ - نَعُوذُ بِاَللّهِ أَنْ نَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَمْ يَقُلْ - أَنّهُ قَامَ فِيهِمْ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى
عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَقَدّمُوا
لِأَنْفُسِكُمْ . تَعَلّمُنّ وَاَللّهِ لَيُصْعَقَنّ أَحَدُكُمْ ثُمّ لَيَدَعَنّ
غَنَمَهُ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ ثُمّ لَيَقُولَنّ لَهُ رَبّهُ وَلَيْسَ لَهُ
تَرْجُمَانٌ وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ أَلَمْ يَأْتِك رَسُولِي فَبَلّغَك
، وَآتَيْتُك مَالًا وَأَفْضَلْت عَلَيْك ؟ فَمَا قَدّمْتَ [ ص 501 ] فَلْيَفْعَلْ
وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيّبَةٍ ، فَإِنّ بِهَا تُجْزَى الْحَسَنَةُ
عَشْرَ أَمْثَالِهَا ، إلَى سَبْعِ مِئَةِ ضَعْفٍ وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ
اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ
[خُطْبَتُهُ الثّانِيَةُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَطَبَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ مَرّةً أُخْرَى ، فَقَالَ إنّ الْحَمْدَ
لِلّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ ، نَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ،
وَسَيّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللّهُ فَلَا مُضِلّ لَهُ وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ . إنّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ،
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيّنَهُ اللّهُ فِي قَلْبِهِ وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ
بَعْدَ الْكُفْرِ وَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النّاسِ إنّهُ
أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ أَحِبّوا مَا أَحَبّ اللّهُ أَحِبّوا اللّهَ
مِنْ كُلّ قُلُوبِكُمْ وَلَا تَمَلّوا كَلَامَ اللّهِ وَذِكْرَهُ وَلَا تَقْسُ عَنْهُ
قُلُوبُكُمْ فَإِنّهُ مِنْ كُلّ مَا يَخْلُقُ اللّهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي ، قَدْ
سَمّاهُ اللّهُ خِيرَتَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ وَمُصْطَفَاهُ مِنْ الْعِبَادِ
وَالصّالِحَ مِنْ الْحَدِيثِ وَمِنْ كُلّ مَا أُوتِيَ النّاسُ الْحَلَالُ
وَالْحَرَامُ فَاعْبُدُوا اللّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتّقُوهُ حَقّ
تُقَاتِهِ وَاصْدُقُوا اللّهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ وَتَحَابّوا
بِرُوحِ اللّهِ بَيْنَكُمْ إنّ اللّهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ
وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ
[ كِتَابُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ وَمُوَادَعَةُ يَهُودَ
]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ،
وَادَعَ فِيهِ يَهُودَ وَعَاهَدَهُمْ وَأَقَرّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ وَشَرَطَ لَهُمْ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ
الرّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ
وَجَاهَدَ مَعَهُمْ إنّهُمْ أُمّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النّاسِ الْمُهَاجِرُونَ
مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ [ ص 502 ] وَبَنُو عَوْف ٍ عَلَى
رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، كُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا
بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو سَاعِدَةَ عَلَى
رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ
تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو
الْحَارِثِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ
طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَبَنُو جُشَمٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلِهِمْ الْأُولَى ، وَكُلّ
طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو النّجّارِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ
مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ
وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى
رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي
عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو النّبِيتِ عَلَى
رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي
عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو الْأَوْسِ
عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ
مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا بَيْنَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ
بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : الْمُفْرَحُ الْمُثْقَلُ بِالدّيْنِ وَالْكَثِيرُ الْعِيَالِ .
قَالَ الشّاعِرُ
إذَا أَنْتَ لَمْ تَبْرَحْ تَوَدّي أَمَانَةً
وَتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْك الْوَدَائِعُ
وَأَنْ لَا يُحَالِفَ مُؤْمِنٌ مَوْلَى مُؤْمِنٍ دُونَهُ
وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتّقِينَ عَلَى مَنْ بَغَى مِنْهُمْ أَوْ ابْتَغَى
دَسِيعَةَ ظُلْمٍ أَوْ إثْمٍ أَوْ عُدْوَانٍ ، أَوْ فَسَادٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَإِنّ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعًا ، وَلَوْ كَانَ وَلَدَ أَحَدِهِمْ وَلَا يَقْتُلُ
مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا فِي كَافِرٍ وَلَا يَنْصُرُ كَافِرًا عَلَى مُؤْمِنٍ وَإِنّ
ذِمّةَ اللّهِ وَاحِدَةٌ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ
بَعْضُهُمْ [ ص 503 ] دُونَ النّاسِ وَإِنّهُ مَنْ تَبِعَنَا مِنْ يَهُودَ فَإِنّ
لَهُ النّصْرَ وَالْأُسْوَةَ غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلَا مُتَنَاصَرِينَ عَلَيْهِمْ
وَإِنّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ لَا يُسَالَمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي
قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ إلّا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ وَإِنّ كُلّ
غَازِيَةٍ غَزَتْ مَعَنَا يُعْقِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ
يُبِئْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا نَالَ دِمَاءَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتّقِينَ عَلَى أَحْسَنِ هُدًى وَأَقْوَمِهِ وَإِنّهُ
لَا يُجِيرُ مُشْرِكٌ مَالًا لِقُرَيْشٍ وَلَا نَفْسَهَا ، وَلَا يَحُولُ دُونَهُ
عَلَى مُؤْمِنٍ وَإِنّهُ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيّنَةٍ فَإِنّهُ
قَوَدٌ بِهِ إلّا أَنْ يَرْضَى وَلِيّ الْمَقْتُولِ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ
كَافّةٌ وَلَا يَحِلّ لَهُمْ إلّا قِيَامٌ عَلَيْهِ وَإِنّهُ لَا يَحِلّ
لِمُؤْمِنٍ أَقَرّ بِمَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَآمَنَ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا وَلَا يُؤْوِيهِ وَأَنّهُ مَنْ نَصَرَهُ أَوْ
آوَاهُ فَإِنّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللّهِ وَغَضَبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَإِنّكُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ وَإِنّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي النّجّار ِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف ٍ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي الْحَارِثِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ؛ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي سَاعِدَةَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ؛ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي جُشَمٍ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ؛ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي الْأَوْسِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف ٍ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ، إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَإِنّ جَفْنَةَ بَطْنٌ مِنْ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ وَإِنّ لِبَنِي الشّطِيبَةِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ، وَإِنّ الْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ وَإِنّ مَوَالِيَ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ وَإِنّ بِطَانَةَ يَهُودَ كَأَنْفُسِهِمْ وَإِنّهُ لَا يَخْرَجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِإِذْنِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّهُ لَا يُنْحَجَزُ عَلَى ثَأْرٍ جُرْحٌ وَإِنّهُ مَنْ فَتَكَ فَبِنَفْسِهِ فَتَكَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ إلّا مِنْ ظَلَمَ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَبَرّ هَذَا ؛ وَإِنّ عَلَى الْيَهُودِ نَفَقَتَهُمْ [ ص 504 ] وَالنّصِيحَةَ وَالْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ وَإِنّهُ لَمْ يَأْثَمْ امْرُؤٌ بِحَلِيفِهِ وَإِنّ النّصْرَ لِلْمَظْلُومِ وَإِنّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ وَإِنّ يَثْرِبَ حَرَامٌ جَوْفُهَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَإِنّ الْجَارَ كَالنّفْسِ غَيْرَ مُضَارّ وَلَا آثِمٌ وَإِنّهُ لَا تُجَارُ حُرْمَةٌ إلّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا ، وَإِنّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ وَإِنّهُ لَا تُجَارُ قُرَيْشٌ وَلَا مَنْ نَصَرَهَا . وَإِنّ بَيْنَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ ، وَإِذَا دُعُوا إلَى صُلْحٍ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ فَإِنّهُمْ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ وَإِنّهُمْ إذَا دُعُوا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إلّا مَنْ حَارَبَ فِي الدّينِ عَلَى كُلّ أُنَاسٍ حِصّتُهُمْ مِنْ جَانِبِهِمْ الّذِي قِبَلَهُمْ وَإِنّ يَهُودَ الْأَوْسِ ، مَوَالِيَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ عَلَى مِثْلِ مَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ . مَعَ الْبِرّ الْمَحْضِ ؟ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ مَعَ الْبِرّ الْمُحْسِنُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِنّ الْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ لَا يَكْسِبُ كَاسِبٌ إلّا عَلَى نَفْسِهِ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَصْدَقِ مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ وَإِنّهُ لَا يَحُولُ هَذَا الْكِتَابُ دُونَ ظَالِمٍ وَآثِمٍ وَإِنّهُ مَنْ خَرَجَ آمِنٌ وَمَنْ قَعَدَ آمِنٌ بِالْمَدِينَةِ ، إلّا مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَ وَإِنّ اللّهَ جَارٌ لِمَنْ بَرّ وَاتّقَى ، وَمُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
الْمُؤَاخَاةُ
بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَآخَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ [ ص 505 ]
وَالْأَنْصَارِ ، فَقَالَ - فِيمَا بَلَغَنَا ، وَنَعُوذُ بِاَللّهِ أَنْ نَقُولَ
عَلَيْهِ مَا لَمْ يُقَلْ - : تَآخَوْا فِي اللّهِ أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ ثُمّ أَخَذَ
بِيَدِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ هَذَا أَخِي فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدَ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامَ الْمُتّقِينَ
وَرَسُولَ رَبّ الْعَالَمِينَ الّذِي لَيْسَ لَهُ خَطِيرٌ وَلَا نَظِيرٌ مِنْ
الْعِبَادِ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَخَوَيْنِ وَكَانَ
حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَخَوَيْنِ وَإِلَيْهِ أَوْصَى حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ حَيْنَ حَضَرَهُ الْقِتَالُ
إنْ حَدَثَ بِهِ حَادِثُ الْمَوْتِ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذُو
الْجَنَاحَيْنِ الطّيّارُ فِي الْجَنّةِ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، أَخُو بَنِي
سَلَمَةَ ، أَخَوَيْنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
يَوْمئِذٍ غَائِبًا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَبُو
بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَخَارِجَةُ بْنُ
زُهَيْرٍ ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَخَوَيْنِ وَعُمَرُ بْنُ
الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ
عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَخَوَيْنِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ
بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْجَرّاحِ ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ،
وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ،
أَخَوَيْنِ . وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ، أَخُو
بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، أَخَوَيْنِ . وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ،
وَسَلَامَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ،
أَخَوَيْنِ . وَيُقَالُ بَلْ الزّبَيْرُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، حَلِيفُ
بَنِي زُهْرَةَ ، أَخَوَيْنِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ ، وَأَوْسُ بْنُ ثَابِتِ
بْنِ الْمُنْذِرِ أَخُو بَنِي النّجّارِ ، أَخَوَيْنِ . وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ
اللّهِ ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ ، أَخَوَيْنِ . وَسَعْدُ
بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، وأُبَيّ بْنُ كَعْبٍ [ ص 506 ] أَخُو
بَنِي النّجّارِ : أَخَوَيْنِ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ ، وَأَبُو
أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ ، أَخُو بَنِي النّجّارِ : أَخَوَيْنِ وَأَبُو
حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ ،
أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ : أَخَوَيْنِ . وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، حَلِيفُ
بَنِي مَخْزُومٍ ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، أَخُو بَنِي عَبْدِ عَبْسٍ ، حَلِيفُ
بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ : أَخَوَيْنِ . وَيُقَالُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ
الشّمّاسِ ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، خَطِيبُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ : أَخَوَيْنِ . وَأَبُو ذَرّ ، وَهُوَ
بُرَيْرُ بْنُ جُنَادَةَ الْغِفَارِيّ ، الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، الْمُعْنِقُ
لِيَمُوتَ أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ : أَخَوَيْنِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ أَبُو
ذَرّ جُنْدَبُ بْنُ جُنَادَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي
بَلْتَعَةَ ، حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ
أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، أَخَوَيْنِ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيّ ، وَأَبُو
الدّرْدَاءِ ، عُوَيْمِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ،
أَخَوَيْنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: عُوَيْمِرُ بْنُ عَامِرٍ وَيُقَالُ عُوَيْمِرُ بْنُ
زَيْدٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبِلَالٌ ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُمَا ، مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو رُوَيْحَةَ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْخَثْعَمِيّ ، ثُمّ أَحَدُ [ ص 507 ]
سُمّيَ لَنَا ، مِمّنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آخَى
بَيْنَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ .
[ بِلَالٌ يُوصِي بِدِيوَانِهِ لِأَبِي رُوَيْحَةَ ]
فَلَمّا دَوّنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ الدّوَاوِينَ
بِالشّامِ ، وَكَانَ بِلَالٌ قَدْ خَرَجَ إلَى الشّامِ ، فَأَقَامَ بِهَا
مُجَاهِدًا ، فَقَالَ عُمَرُ لِبِلَالٍ : إلَى مَنْ تَجْعَلُ دِيوَانَك يَا
بِلَالُ ؟ قَالَ مَعَ أَبِي رُوَيْحَةَ لَا أُفَارِقُهُ أَبَدًا ، لِلْأُخُوّةِ
الّتِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَقَدَ بَيْنَهُ
وَبَيْنِي ، فَضَمّ إلَيْهِ وَضُمّ دِيوَانُ الْحَبَشَةِ إلَى خَثْعَمَ ،
لِمَكَانِ بِلَالٍ مِنْهُمْ فَهُوَ فِي خَثْعَمَ إلَى هَذَا الْيَوْمِ بِالشّامِ
أَبُو أُمَامَة َ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهَلَكَ فِي تِلْكَ الْأَشْهُرِ
أَبُو أُمَامَةَ أَسَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ ، وَالْمَسْجِدُ يُبْنَى ، أَخَذَتْهُ
الذّبْحَةُ أَوْ الشّهْقَةُ .
[ مَوْتُهُ وَمَا قَالَهُ الْيَهُودُ فِي ذَلِكَ ]
قال ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ
أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ بِئْسَ الْمَيّتُ أَبُو أُمَامَةَ لَيَهُودُ
وَمُنَافِقِي الْعَرَبِ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ نَبِيّا لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهُ
وَلَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي وَلَا لِصَاحِبِي مِنْ اللّهِ شَيْئًا
[ بِمَوْتِهِ كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَقِيبًا
لِبَنِي النّجّارِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ
بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ : أَنّهُ لَمّا مَاتَ أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ
بْنُ زُرَارَةَ ، اجْتَمَعَتْ بَنُو النّجّارِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ نَقِيبَهُمْ فَقَالُوا لَهُ يَا
رَسُولَ اللّهِ إنّ هَذَا قَدْ كَانَ مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ فَاجْعَلْ مِنّا
رَجُلًا مَكَانَهُ يُقِيمُ مِنْ أَمْرِنَا مَا كَانَ يُقِيمُ فَقَالَ [ ص 508 ]
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمْ أَنْتُمْ أَخْوَالِي ، وَأَنَا بِمَا
فِيكُمْ ، وَأَنَا نَقِيبُكُمْ وَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَنْ يَخُصّ بِهَا بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَ مِنْ فَضْلِ بَنِي
النّجّارِ الّذِي يَعُدّونَ عَلَى قَوْمِهِمْ أَنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَقِيبَهُمْ
.
خَبَرُ الْأَذَانِ
[التّفْكِيرُ فِي اتّخَاذِ بُوقٍ أَوْ نَاقُوسٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ
إخْوَانُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُ الْأَنْصَارِ ، اسْتَحْكَمَ
أَمْرُ الْإِسْلَامِ فَقَامَتْ الصّلَاةُ وَفُرِضَتْ الزّكَاةُ وَالصّيَامُ وَقَامَتْ
الْحُدُودُ وَفُرِضَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَتَبَوّأَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ
أَظْهُرِهِمْ وَكَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ هُمْ الّذِينَ تَبَوّءُوا
الدّارَ وَالْإِيمَانَ . وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا إنّمَا يَجْتَمِعُ النّاسُ إلَيْهِ لِلصّلَاةِ لِحِينِ
مَوَاقِيتِهَا ، بِغَيْرِ دَعْوَةٍ فَهَمّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا أَنْ يَجْعَلَ بُوقًا كَبُوقِ يَهُودَ الّذِينَ يَدْعُونَ
بِهِ لِصَلَاتِهِمْ ثُمّ كَرِهَهُ ثُمّ أَمَرَ بِالنّاقُوسِ فَنُحِتَ لِيُضْرَبَ
بِهِ لِلْمُسْلِمَيْنِ لِلصّلَاةِ
.
[رُؤْيَا عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الْأَذَانِ ]
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ رَأَى عَبْدُ اللّهِ
بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ ، النّدَاءَ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ طَافَ بِي هَذِهِ اللّيْلَةَ طَائِفٌ مَرّ
بِي رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْت
لَهُ يَا عَبْدَ اللّهِ أَتَبِيعُ هَذَا النّاقُوسَ ؟ قَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ ؟
قَالَ قُلْت : نَدْعُو بِهِ إلَى الصّلَاةِ قَالَ أَفَلَا أَدُلّك عَلَى خَيْرٍ
مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ قُلْت : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ تَقُولُ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ
أَكْبَرُ ، اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا
اللّهُ ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ
اللّهِ أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ حَيّ عَلَى الصّلَاةِ حَيّ عَلَى
الصّلَاةِ حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ
لَا إلَهَ إلّا اللّهُ
[ تَعْلِيمُ بِلَالٍ الْأَذَانَ
]
فَلَمّا [
ص 509 ] أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ إنّهَا لَرُؤْيَا حَقّ إنْ شَاءَ اللّهُ ، فَقُمْ مَعَ
بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ فَلْيُؤَذّنْ بِهَا ، فَإِنّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك
. فَلَمّا أَذّنَ بِهَا بِلَالٌ سَمِعَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَهُوَ فِي
بَيْتِهِ فَخَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ
يَجُرّ رِدَاءَهُ وَهُوَ يَقُولُ يَا نَبِيّ اللّهِ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ
لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ الّذِي رَأَى ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلِلّهِ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ .
[رُؤْيَا عُمَرُ فِي الْأَذَانِ وَسَبْقُ الْوَحْيِ بِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمّدُ
بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ ، عَنْ أَبِيهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ ابْنُ
جُرَيْجٍ ، قَالَ قَالَ لِي عَطَاءٌ : سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ اللّيْثِيّ
يَقُولُ ائْتَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ
بِالنّاقُوسِ لِلِاجْتِمَاعِ لِلصّلَاةِ فَبَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ
يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَشَبَتَيْنِ لِلنّاقُوسِ إذْ رَأَى عُمَرُ بْنُ
الْخَطّابِ فِي الْمَنَامِ لَا تَجْعَلُوا النّاقُوسَ بَلْ أَذّنُوا لِلصّلَاةِ .
فَذَهَبَ عُمَرُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُخْبِرَهُ
بِاَلّذِي رَأَى ، وَقَدْ جَاءَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْوَحْيُ بِذَلِكَ فَمَا رَاعَ عُمَرُ إلّا بِلَالٌ يُؤَذّنُ فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَدْ سَبَقَك بِذَلِكَ
الْوَحْيُ .
[مَا كَانَ يَقُولُهُ بِلَالٌ قَبْلَ الْأَذَانِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ
بَنِي النّجّارِ ، قَالَتْ كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ
، فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذّنُ عَلَيْهِ لِلْفَجْرِ كُلّ غَدَاةٍ فَيَأْتِي بِسَحَرٍ فَيَجْلِسُ
عَلَى الْبَيْتِ يَنْتَظِرُ الْفَجْرَ فَإِذَا رَآهُ تَمَطّى ، ثُمّ قَالَ
اللّهُمّ إنّي أَحَمْدُك وَأَسْتَعِينُك عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى
دِينِك . قَالَتْ وَاَللّهِ مَا عَلِمْته كَانَ يَتْرُكُهَا لَيْلَةً وَاحِدَةً
أَبُو
قَيْسِ بْنُ أَبِي أَنَسٍ
قَالَ [
ص 510 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا اطْمَأَنّتْ بِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَارُهُ وَأَظْهَرَ اللّهُ بِهَا دِينَهُ وَسَرّهُ
بِمَا جَمَعَ إلَيْهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ
وِلَايَتِهِ قَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ ، أَخُو بَنِي عَدِيّ
بْنِ النّجّارِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسِ
بْنِ صِرْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ
بْنِ النّجّارِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: وَكَانَ رَجُلًا قَدْ تَرَهّبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ ،
وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَفَارَقَ الْأَوْثَانَ وَاغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ
وَتَطَهّرَ مِنْ الْحَائِضِ مِنْ النّسَاءِ وَهَمّ بِالنّصْرَانِيّةِ ثُمّ
أَمْسَكَ عَنْهَا ، وَدَخَلَ بَيْتًا لَهُ فَاِتّخَذَهُ مَسْجِدًا لَا تَدْخُلُهُ عَلَيْهِ
فِيهِ طَامِثٌ وَلَا جُنُبٌ وَقَالَ أَعْبُدُ رَبّ إبْرَاهِيمَ ، حَيْنَ فَارَقَ
الْأَوْثَانَ وَكَرِهَهَا ، حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ
وَكَانَ قَوّالًا بِالْحَقّ مُعَظّمًا لِلّهِ عَزّ وَجَلّ فِي جَاهِلِيّتِهِ
يَقُولُ أَشْعَارًا فِي ذَلِكَ حِسَانًا - وَهُوَ الّذِي يَقُولُ
يَقُولُ أَبُو قَيْسٍ وَأَصْبَحَ غَادِيًا : ... أَلَا
مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ وَصَاتَى فَافْعَلُوا
فَأُوصِيكُمْ بِاَللّهِ وَالْبِرّ وَالتّقَى ...
وَأَعْرَاضِكُمْ وَالْبِرّ بِاَللّهِ أَوّلُ
وَإِنْ قَوْمُكُمْ سَادُوا فَلَا تَحْسُدُنّهُمْ ...
وَإِنْ كُنْتُمْ أَهْلَ الرّيَاسَةِ فَاعْدِلُوا
وَإِنْ نَزَلَتْ إحْدَى الدّوَاهِي بِقَوْمِكُمْ ...
فَأَنْفُسَكُمْ دُونَ الْعَشِيرَةِ فَاجْعَلُوا
وَإِنْ نَابَ غُرْمٌ فَادِحٌ فَارْفُقُوهُمْ ... وَمَا
حَمّلُوكُمْ فِي الْمُلِمّاتِ فَاحْمِلُوا
وَإِنْ أَنْتُمْ أَمْعَرْتُمْ فَتَعَفّفُوا ... وَإِنْ
كَانَ فَضْلُ الْخَيْرِ فِيكُمْ فَأَفْضِلُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ
فَادِحٌ فَارْفِدُوهُمْ
[ ص 511 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَة ُ أَيْضًا :
سَبّحُوا اللّهَ شَرْقَ كُلّ صَبَاحٍ ... طَلَعَتْ
شَمْسُهُ وَكُلّ هِلَالِ
عَالِمَ السّرّ وَالْبَيَانِ لَدَيْنَا ... لَيْسَ مَا
قَالَ رَبّنَا بِضَلَالِ
وَلَهُ الطّيْرُ تَسْتَرِيدُ وَتَأْوِي ... فِي وُكُورٍ
مِنْ آمِنَاتِ الْجِبَالِ
وَلَهُ الْوَحْشُ بِالْفَلَاةِ تَرَاهَا ... فِي حِقَافٍ
وَفِي ظِلَالِ الرّمَالِ
وَلَهُ هَوّدَتْ يَهُودُ وَدَانَتْ ... كُلّ دِينٍ إذَا
ذَكَرْتَ عُضَالِ
وَلَهُ شَمّسَ النّصَارَى وَقَامُوا ... كُلّ عِيدٍ
لِرَبّهِمْ وَاحْتِفَالِ
وَلَهُ الرّاهِبُ الْحَبِيسُ تَرَاهُ ... رَهْنَ بُوْسٍ
وَكَانَ نَاعِمَ بَالِ
يَا بَنِيّ الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا ...
وَصِلُوهَا قَصِيرَةً مِنْ طِوَالِ
وَاتّقُوا اللّهَ فِي ضِعَافِ الْيَتَامَى ... رُبّمَا
يُسْتَحَلّ غَيْرُ الْحَلَالِ
وَاعْلَمُوا أَنّ لِلْيَتِيمِ وَلِيّا ... عَالِمًا
يَهْتَدِي بِغَيْرِ السّؤَالِ
ثُمّ مَالَ الْيَتِيمِ لَا تَأْكُلُوهُ ... إنّ مَالَ
الْيَتِيمِ يَرْعَاهُ وَالِي
يَا بَنِيّ التّخُومَ لَا تَخْزِلُوهَا ... إنّ خَزْلَ
التّخُومِ ذُو عُقّالِ
يَا بَنِيّ الْأَيّامَ لَا تَأْمَنُوهَا ... وَاحْذَرُوا
مَكْرَهَا وَمَرّ اللّيَالِي
وَاعْلَمُوا أَنّ مَرّهَا لِنَفَادِ الْ ... خَلْق مَا
كَانَ مِنْ جَدِيدٍ وَبَالِي
وَاجْمَعُوا أَمْرَكُمْ عَلَى الْبِرّ وَالتّقْ ... وَى
وَتَرْكِ الْخَنَا وَأَخْذِ الْحَلَالِ
[ ص 512 ] وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ أَيْضًا ،
يَذْكُرُ مَا أَكْرَمَهُمْ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ
وَمَا خَصّهُمْ اللّهُ بِهِ مِنْ نُزُولِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَلَيْهِمْ
ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ ... حِجّةً يُذَكّرُ
لَوْ يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا
وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ
يَرَ مَنْ يُئوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا
فَلَمّا أَتَانَا أَظْهَرَ اللّهُ دِينَهُ ...
فَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بطِيبةَ رَاضِيَا
وَأَلْفَى صِدّيقًا وَاطْمَأَنّتْ بِهِ النّوَى ...
وَكَانَ لَهُ عَوْنًا مِنْ اللّهِ بَادِيَا
يَقُصّ لَنَا مَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ ... وَمَا
قَالَ مُوسَى إذْ أَجَابَ الْمُنَادِيَا
فَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ وَاحِدًا ...
قَرِيبًا وَلَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ نَائِيَا
بَذَلْنَا لَهُ الْأَمْوَالَ مِنْ حِلّ مَالِنَا ... وَأَنْفُسَنَا
عِنْدَ الْوَغَى والتّآسِيا
وَنَعْلَمُ أَنّ اللّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ...
وَنَعْلَمُ أَنّ اللّهَ أَفْضَلُ هَادِيَا
نُعَادِي الّذِي عَادَى مِنْ النّاسِ كلّهُم ...
جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُصَافِيَا
أَقُولُ إذَا أَدْعُوك فِي كُلّ بَيْعَةٍ ...
تَبَارَكْتَ قَدْ أَكْثَرْتُ لِاسْمِك دَاعِيَا
أَقُولُ إذَا جَاوَزْتُ أَرْضًا مَخُوفَةً ...
حَنانَيْكَ لَا تُظْهِرْ عَلَيّ الْأَعَادِيَا
فَطَأْ مُعْرِضًا إنّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ ... وَإِنّك
لَا تُبْقِي لِنَفْسِك بَاقِيَا
فَوَاَللّهِ مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتّقِي ...
إذَا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللّهُ وَاقِيَا
وَلَا تَحْفِلُ النّخْلُ الْمُعِيمَةُ رَبّهَا ... إذَا
أَصْبَحَتْ رِيّا وَأَصْبَحَ ثَاوِيَا
[ ص 513 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْبَيْتُ الّذِي
أَوّلُهُ فَطَأْ مُعْرِضًا إنّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ
وَالْبَيْتُ الّذِي يَلِيهِ فَوَاَللّهِ مَا يَدْرِي
الْفَتَى كَيْفَ يَتّقِي
لِأَفْنُونَ التّغْلِبِيّ وَهُوَ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ
فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
الْأَعْدَاءُ
مِنْ يَهُودَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَصَبَتْ عِنْدَ ذَلِكَ
أَحْبَارُ يَهُودَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَدَاوَةَ
بَغْيًا وَحَسَدًا وَضِغْنًا ، لِمَا خَصّ اللّهُ تَعَالَى بِهِ الْعَرَبَ مِنْ
أَخْذِهِ رَسُولَهُ مِنْهُمْ وَانْضَافَ إلَيْهِمْ رِجَالٌ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ
، مِمّنْ كَانَ عَسِيَ عَلَى جَاهِلِيّتِهِ فَكَانُوا أَهْلَ نِفَاقٍ عَلَى دِينِ
آبَائِهِمْ مِنْ الشّرْكِ وَالتّكْذِيبِ بِالْبَعْثِ إلّا أَنّ الْإِسْلَامَ
قَهَرَهُمْ بِظُهُورِهِ وَاجْتِمَاعِ قَوْمِهِمْ عَلَيْهِ فَظَهَرُوا
بِالْإِسْلَامِ وَاِتّخَذُوهُ جُنّةً مِنْ الْقَتْلِ وَنَافَقُوا فِي السّرّ ،
وَكَانَ هَوَاهُمْ مَعَ يَهُودَ لِتَكْذِيبِهِمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَجُحُودِهِمْ الْإِسْلَامَ . وَكَانَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ هُمْ الّذِينَ
يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَتَعَنّتُونَهُ وَيَأْتُونَهُ
بِاللّبْسِ لِيَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ فَكَانَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ
فِيهِمْ فِيمَا يَسْأَلُونَ عَنْهُ إلّا قَلِيلًا مِنْ الْمَسَائِلِ فِي
الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ عَنْهَا .
[ الْأَعْدَاءُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ ]
مِنْهُمْ [
ص 514 ] حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَأَخَوَاهُ أَبُو
يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ ، وَجُدَيّ بْنُ أَخْطَبَ وَسَلّامُ بْنُ مُشْكِمٍ ،
وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَسَلّامُ بْنُ أَبِي
الْحُقَيْق ِ أَبُو رَافِعٍ الْأَعْوَرُ وَهُوَ الّذِي قَتَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرٍ - وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ
بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَعَمْرُو بْنُ جَحّاشٍ ، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَف ِ
وَهُوَ مِنْ طَيّئ ، ثُمّ أَحَدُ بَنِي نَبْهَانَ ، وَأُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ
، وَالْحَجّاجُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَف ِ وَكَرْدَمُ بْنُ
قَيْسٍ ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي النّضِيرِ .
وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ ابْنُ الفِطْيَوْن : عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا
الْأَعْوَرُ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ فِي زَمَانِهِ أَحَدٌ أَعْلَمَ
بِالتّوْرَاةِ مِنْهُ وَابْنُ صَلُوبا ، وَمُخَيْرِيقٌ ، وَكَانَ حَبْرَهُمْ
أَسْلَمَ . وَمِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ : زَيْدُ بْنُ اللّصِيت - وَيُقَالُ ابْنُ
اللّصَيت - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَسَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ ، وَمَحْمُودُ
بْنُ سَيْحَانَ ، وَعُزَيْزُ بْنُ أَبِي عُزَيْزٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ صَيْفٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ ابْنُ ضَيْفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَرِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ ، وَفِنْحَاصُ وَأَشْيَعُ
وَنُعْمَانُ بْنُ أضَا ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيّ ،
وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ ، وَزَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو ،
وَسُكَيْنُ بْنُ أَبِي سُكَيْنٍ ، وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَبِي
أَوْفَى ، أَبُو أَنَسٍ وَمَحْمُودُ بْنُ دَحْيَةَ وَمَالِكُ بْنُ صَيْفٍ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ ابْنُ ضَيْفٍ . [ ص 515 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَكَعْبُ بْنُ رَاشِدٍ وَعَازِرٌ وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ ، وَخَالِدٌ
وَأَزَارُ بْنُ أَبِي أَزَارٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ آزِرُ بْنُ آزِرُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَرَافِعُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ ، وَرَافِعُ
بْنُ خَارِجَةَ ، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ
وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامِ بْنِ الْحَارِثِ ، وَكَانَ حَبْرَهُمْ
وَأَعْلَمَهُمْ وَكَانَ اسْمُهُ الْحُصَيْنُ فَلَمّا أَسْلَمَ سَمّاهُ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ . فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي
قَيْنُقَاعَ .
وَمِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ : الزّبَيْرُ بْنُ بَاطَا بْنُ وَهْبٍ وَعَزّالُ بْنُ شَمْوِيلٍ ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَهُوَ صَاحِبُ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ الّذِي نُقِضَ عَامَ الْأَحْزَابِ ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ ، وَجَبَلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُكَيْنَةَ ، وَالنّحّامُ بْنُ زَيْدٍ ، وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ ، وَوَهْبُ بْنُ زَيْدٍ ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ ، وَأَبُو نَافِعٍ وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ ، وَكَرْدَمُ بْنُ زَيْدٍ وَأُسَامَةُ بْنُ حَبِيبٍ ، وَرَافِعُ بْنُ رُمَيْلَةَ وَجَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ ، وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ . وَمِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ : لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ ، وَهُوَ الّذِي أَخّذَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نِسَائِهِ . [ ص 516 ] يَهُودِ بَنِي حَارِثَةَ : كِنَانَةُ بْنُ صُورِيّا . وَمِنْ يَهُودِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : قَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو .
وَمِنْ
يَهُودِ بَنِي النّجّارِ : سِلْسِلَةُ بْنُ بَرْهَامَ . فَهَؤُلَاءِ أَحْبَارُ الْيَهُودِ
، أَهْلُ الشّرُورِ وَالْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأَصْحَابِهِ وَأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةِ وَالنّصْبُ لِأَمْرِ الْإِسْلَامِ
الشّرُورَ لِيُطْفِئُوهُ إلّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ
وَمُخَيْرِيقٍ .
إسْلَامُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ سَلَامٍ ، كَمَا حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ عَنْهُ وَعَنْ إسْلَامِهِ
حَيْنَ أَسْلَمَ ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا ، قَالَ لَمّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرَفْتُ صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَزَمَانَهُ الّذِي
كُنّا نَتَوَكّفُ لَهُ فَكُنْت مُسِرّا لِذَلِكَ صَامِتًا عَلَيْهِ حَتّى قَدِمَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَلَمّا نَزَلَ
بقُباءٍ ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتّى أَخْبَرَ
بِقُدُومِهِ وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي أَعَمَلُ فِيهَا ، وَعَمّتِي
خَالِدَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةٌ فَلَمّا سَمِعْتُ الْخَبَرَ
بِقُدُومِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَبّرْتُ فَقَالَتْ لِي
عَمّتِي ، حَيْنَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِي : خَيّبَك اللّهُ وَاَللّهِ لَوْ كُنْتَ
سَمِعْتَ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ قَادِمًا مَا زِدْت ، قَالَ فَقُلْت لَهَا :
أَيْ عَمّةُ هُوَ وَاَللّهِ أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ ، وَعَلَى دِينِهِ بُعِثَ
[ ص 517 ] قَالَ فَقَالَتْ أَيْ ابْنَ أَخِي ، أَهُوَ النّبِيّ الّذِي كُنّا
نُخْبَرُ أَنّهُ يُبْعَثُ مَعَ نَفْسِ السّاعَةِ ؟ قَالَ فَقُلْت لَهَا : نَعَمْ .
قَالَ فَقَالَتْ فَذَاكَ إذًا . قَالَ ثُمّ خَرَجْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمْتُ ثُمّ رَجَعْتُ إلَى أَهْلِ بَيْتِي ،
فَأَمَرْتُهُمْ فَأَسْلَمُوا
قَالَ وَكَتَمْتُ إسْلَامِي مِنْ يَهُودَ ثُمّ جِئْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ يَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ وَإِنّي أُحِبّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِك ، وَتُغَيّبَنِي عَنْهُمْ ثُمّ تَسْأَلُهُمْ عَنّي ، حَتّى يُخْبِرُوك كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي ، فَإِنّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ بَهَتُونِي وَعَابُونِي . قَالَ فَأَدْخَلَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ وَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلّمُوهُ وَسَاءَلُوهُ ثُمّ قَالَ لَهُمْ أَيّ رَجُلٍ الْحُصَيْنُ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : سَيّدُنَا وَابْنُ سَيّدِنَا ، وَحَبْرُنَا وَعَالِمُنَا . قَالَ فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ فَقُلْت لَهُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ وَاقْبَلُوا مَا جَاءَكُمْ بِهِ فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ إنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ فَإِنّي أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأُومِنُ بِهِ وَأُصَدّقُهُ وَأَعْرِفُهُ فَقَالُوا : كَذَبْت ثُمّ وَقَعُوا بِي ، قَالَ فَقُلْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَمْ أُخْبِرْك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنّهُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ قَالَ فَأَظْهَرْت إسْلَامِي وَإِسْلَامُ أَهْلِ بَيْتِي ، وَأَسْلَمَتْ عَمّتِي خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فَحَسُنَ إسْلَامُهَا .
حَدِيثُ
مُخَيْرِيقٍ
قَالَ [ ص 518 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ
مُخَيْرِيقٍ ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا ، وَكَانَ رَجُلًا غَنِيّا كَثِيرَ
الْأَمْوَالِ مِنْ النّخْلِ وَكَانَ يَعْرِفُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصِفَتِهِ وَمَا يَجِدُ فِي عِلْمِهِ وَغَلَبَ عَلَيْهِ إلْفُ
دِينِهِ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، وَكَانَ
يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السّبْتِ ، قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاَللّهِ إنّكُمْ
لَتَعْلَمُونَ أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ . قَالُوا : إنّ الْيَوْمَ
يَوْمُ السّبْتِ قَالَ لَا سَبْتَ لَكُمْ . ثُمّ أَخَذَ سِلَاحَهُ فَخَرَجَ حَتّى أَتَى
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدٍ وَعَهِدَ إلَى مَنْ
وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ إنْ قُتِلْتُ هَذَا الْيَوْمَ فَأَمْوَالِي لِمُحَمّدٍ (
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ) يَصْنَعُ فِيهَا مَا أَرَاهُ اللّهُ . فَلَمّا
اقْتَتَلَ النّاسُ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ . فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - يَقُولُ مُخَيْرِيقُ خَيْرُ الْيَهُودِ
وَقَبَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْوَالَهُ فَعَامّةُ
صَدَقَاتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا .
شَهَادَةٌ عَنْ صَفِيّةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ
أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ حُدّثْت عَنْ صَفِيّةَ
بِنْتِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ أَنّهَا قَالَتْ كُنْت أَحَبّ وَلَدِ [ ص 519 ] أَبِي إلَيْهِ
وَإِلَى عَمّي أَبِي يَاسِرٍ لَمْ أَلْقَهُمَا قَطّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا إلّا
أَخَذَانِي دُونَهُ . قَالَتْ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَنَزَلَ قُبَاءَ ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ ، غَدَا عَلَيْهِ أَبِي ، حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَعَمّي أَبُو يَاسِرِ
بْنِ أَخْطَبَ ، مُغَلّسَيْنِ . قَالَتْ فَلَمْ يَرْجِعَا حَتّى كَانَا مَعَ
غُرُوبِ الشّمْسِ . قَالَتْ فَأَتَيَا كَالّيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ
يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى . قَالَتْ فَهَشِشْتُ إلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ
فَوَاَللّهِ مَا الْتَفَتَ إلَيّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، مَعَ مَا بِهِمَا مِنْ
الْغَمّ . قَالَتْ وَسَمِعْت عَمّي أَبَا يَاسِرٍ وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي حُيَيّ
بْنِ أَخْطَبَ : أَهُوَ هُوَ ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ قَالَ أَتَعْرِفُهُ وَتُثْبِتُهُ
؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا فِي نَفْسِك مِنْهُ ؟ قَالَ عَدَاوَتُهُ وَاَللّهِ مَا
بَقِيتُ .
مِنْ
اجْتَمَعَ إلَى يَهُودَ مِنْ مُنَافِقِي الْأَنْصَارِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ انْضَافَ إلَى
يَهُودَ مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ،
وَاَللّهُ أَعْلَمُ . مِنْ الْأَوْسِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ الْأَوْسِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي لَوْذَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ زُوَيّ بْنُ
الْحَارِثِ . وَمِنْ بَنِي خُبَيْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ جُلَاسُ بْنُ
سُوَيْدِ بْنِ الصّامِتِ ، وَأَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ .
[ شَيْءٌ عَنْ جُلَاسَ ]
وَجُلَاسُ الّذِي قَالَ - وَكَانَ مِمّنْ تَخَلّفَ عَنْ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ - لَئِنْ كَانَ هَذَا
الرّجُلُ صَادِقًا لَنَحْنُ شَرّ مِنْ الْحُمُرِ . فَرَفَعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ
إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ ، أَحَدُهُمْ
وَكَانَ فِي حِجْرِ جُلَاسَ خَلَفَ جُلَاسَ عَلَى أُمّهِ بَعْدَ أَبِيهِ فَقَالَ
لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ : وَاَللّهِ يَا جُلَاسُ إنّك لَأَحَبّ النّاسِ إلَيّ
وَأَحْسَنُهُمْ عِنْدِي يَدًا ، وَأَعَزّهُمْ عَلَيّ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ
يَكْرَهُهُ وَلَقَدْ قُلْتَ مَقَالَةً لَئِنْ رَفَعْتُهَا عَلَيْك لَأَفْضَحَنّك ،
وَلَئِنْ صَمَتّ عَلَيْهَا [ ص 520 ] دِينِي ، وَلَإِحْدَاهُمَا أَيْسَرُ عَلَيّ
مِنْ الْأُخْرَى . ثُمّ مَشَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَ جُلَاسُ فَحَلَفَ جُلَاسُ بِاَللّهِ لِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ كَذَبَ عَلَيّ عُمَيْرٌ وَمَا قُلْتُ مَا
قَالَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ { يَحْلِفُونَ
بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ
إِسْلَامِهِمْ وَهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ
أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا
لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلّوْا يُعَذّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِيرٍ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَلِيمُ
الْمُوجِعُ . قَالَ ذُو الرّمّةِ يَصِفُ إبِلًا :
وَتَرْفَعُ مِنْ صُدُورِ شَمَرْدَلَاتٍ ... يَصُكّ
وُجُوهَهَا وَهَجٌ أَلِيمُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَزَعَمُوا أَنّهُ تَابَ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ حَتّى عُرِفَ مِنْهُ
الْخَيْرُ وَالْإِسْلَامُ .
[ شَيْءٌ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ ]
وَأَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ ، الّذِي قَتَلَ
الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ وَقَيْسَ بْنَ زَيْدٍ أَحَدَ بَنِي
ضُبَيْعَةَ ، يَوْمَ أُحُدٍ . خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مُنَافِقًا ،
فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ عَدَا عَلَيْهِمَا ، فَقَتَلَهُمَا ثُمّ لَحِقَ بِقُرَيْشٍ
. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ
صَامِتٍ فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ،
فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ طَلَبَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ غُرّةَ الْمُجَذّرِ
بْنِ ذِيَادٍ لِيَقْتُلهُ بِأَبِيهِ فَقَتَلَهُ وَحْدَهُ وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ وَالدّلِيلُ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَقْتُلْ قَيْسَ
بْنَ زَيْدٍ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ ؛ قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ صَامِتٍ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً فِي غَيْرِ
حَرْبٍ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاثٍ . [ ص 521 ] قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا
يَذْكُرُونَ - قَدْ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ
بِهِ فَفَاتَهُ فَكَان َ بِمَكّةَ ، ثُمّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ جُلَاسَ يَطْلُبُ
التّوْبَةَ لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
فِيهِ - فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ - : { كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا
كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ
وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . وَمِنْ
بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ
: بِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ
. وَمِنْ بَنِي لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ :
نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - : مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الشّيْطَانِ
فَلْيَنْظُرْ إلَى نَبْتَلَ بْنِ الْحَارِثِ وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا أَذْلَمَ
ثَائِرَ شَعْرِ الرّأْسِ أَحْمَرَ الْعَيْنَيْنِ أَسْفَعَ الْخَدّيْنِ وَكَانَ
يَأْتِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُ إلَيْهِ
فَيَسْمَعُ مِنْهُ ثُمّ يَنْقُلُ حَدِيثَهُ إلَى الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ الّذِي
قَالَ إنّمَا مُحَمّدٌ أُذُنٌ مَنْ حَدّثَهُ شَيْئًا صَدّقَهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ
عَزّ وَجَلّ فِيهِ { وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤْذُونَ النّبِيّ وَيَقُولُونَ هُوَ
أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ
لِلّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ رِجَالِ بَلْعِجْلَانَ
أَنّهُ حُدّثَ أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ إنّهُ يَجْلِسُ إلَيْك رَجُلٌ أَذْلَمُ
ثَائِرُ شَعْرِ الرّأْسِ أَسْفَعُ الْخَدّيْنِ أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ كَأَنّهُمَا
قِدْرَانِ مِنْ صُفْرٍ كَبِدُهُ [ ص 522 ] وَكَانَتْ تِلْكَ صِفّةُ نَبْتَلِ بْنِ الْحَارِثِ
فِيمَا يَذْكُرُونَ .
وَمِنْ
بَنِي ضُبَيْعَةَ : أَبُو حَبِيبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ وَكَانَ مِمّنْ بَنَى
مَسْجِدَ الضّرَارِ وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ ، وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ،
وَهُمَا اللّذَانِ عَاهَدَا اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصّدّقَنّ وَلَنَكُونَنّ
مِنْ الصّالِحِينَ إلَخْ الْقِصّةِ . وَمُعَتّبٌ الّذِي قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ :
لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا . فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمّتْهُمْ
أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ يَقُولُونَ
هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنّ الْأَمْرَ كُلّهُ لِلّهِ
يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا
مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . وَهُوَ الّذِي
قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ : كَانَ مُحَمّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ
كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَأَحَدُنَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ .
فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُورًا }
وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ
.
[ مُعَتّبٌ وَابْنَا حَاطِبٍ بَدْرِيّونَ وَلَيْسُوا
مُنَافِقِينَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ،
وَثَعْلَبَةُ وَالْحَارِثُ ابْنَا حَاطِبٍ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ
مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَلَيْسُوا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِيمَا ذَكَرَ لِي مَنْ
أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ ثَعْلَبَةَ وَالْحَارِثَ
فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ فِي أَسْمَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَعَبّادُ بْنُ حُنَيْفٍ أَخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ؛ وَبَحْزَجُ
وَهُمْ مِمّنْ كَانَ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ ، وَعَمْرُو بْنُ خِذَامٍ ،
وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ نَبْتَلَ . وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ : جَارِيَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ الْعَطّافِ وَابْنَاهُ زَيْدٌ وَمُجَمّعٌ
ابْنَا جَارِيَةَ وَهُمْ مِمّنْ اتّخَذَ مَسْجِدَ الضّرَارِ . وَكَانَ مُجَمّعٌ
غُلَامًا حَدَثًا قَدْ جَمَعَ مِنْ الْقُرْآنِ أَكْثَرَهُ وَكَانَ يُصَلّي بِهِمْ
فِيهِ ثُمّ إنّهُ لَمّا أُخْرِبَ الْمَسْجِدُ وَذَهَبَ [ ص 523 ] بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ كَانُوا يُصَلّونَ بِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِي مَسْجِدِهِمْ وَكَانَ
زَمَانُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، كُلّمَ فِي مُجَمّعٍ لِيُصَلّيَ بِهِمْ فَقَالَ
لَا ، أَوَلَيْسَ بِإِمَامِ الْمُنَافِقِينَ فِي مَسْجِدِ الضّرَارِ ؟ فَقَالَ
لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَللّهِ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ مَا
عَلِمْت بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ وَلَكِنّي كُنْت غُلَامًا قَارِئًا لِلْقُرْآنِ
وَكَانُوا لَا قُرْآنَ مَعَهُمْ فَقَدّمُونِي أُصَلّي بِهِمْ وَمَا أَرَى
أَمْرَهُمْ إلّا عَلَى أَحْسَنِ مَا ذَكَرُوا فَزَعَمُوا أَنّ عُمَرَ تَرَكَهُ
فَصَلّى بِقَوْمِهِ .
وَمِنْ
بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ : وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَهُوَ
مِمّنْ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ ، وَهُوَ الّذِي قَالَ إنّمَا كُنّا نَخُوضُ
وَنَلْعَبُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . وَمِنْ بَنِي
عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ : خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ وَهُوَ الّذِي أُخْرِجَ
مَسْجِدُ الضّرَارِ مِنْ دَارِهِ وَبِشْرٌ وَرَافِعٌ ابْنَا زَيْدٍ . وَمِنْ بَنِي
النّبِيتِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : النّبِيتُ عَمْرُو بْنُ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ
- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ : مِرْبَعُ بْنُ قَيْظِيّ ،
وَهُوَ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ
أَجَازَ فِي حَائِطِهِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامِدٌ
إلَى أُحُد : لَا أُحِلّ لَك يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْتَ نَبِيّا ، أَنْ تَمُرّ فِي حَائِطِي
، وَأَخَذَ فِي يَدِهِ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ
أَنّي لَا أُصِيبُ بِهَذَا التّرَابِ غَيْرَك لَرَمَيْتُك بِهِ فَابْتَدَرَهُ
الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
دَعُوهُ فَهَذَا الْأَعْمَى ، أَعْمَى الْقَلْبِ ، أَعْمَى الْبَصِيرَةِ
فَضَرَبَهُ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ ، أَخُو [ ص 524 ] بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ
بِالْقَوْسِ فَشَجّهُ وَأَخُوهُ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ وَهُوَ الّذِي قَالَ
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ : يَا
رَسُولَ اللّهِ إنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ، فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إلَيْهَا فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { يَقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ
بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارًا } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَوْرَةٌ أَيْ
مُعْوَرَةٌ لِلْعَدُوّ وَضَائِعَةٌ وَجَمْعُهَا : عَوْرَاتٌ . قَالَ النّابِغَةُ
الذّبْيَانِيّ :
مَتَى تَلْقَهُمْ لَا تَلْقَ لِلْبَيْتِ عَوْرَةً ...
وَلَا الْجَارَ مَحْرُومًا وَلَا الْأَمْرَ ضَائِعًا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَالْعَوْرَةُ (
أَيْضًا ) : عَوْرَةُ الرّجُلِ وَهِيَ حُرْمَتُهُ . وَالْعَوْرَةُ ( أَيْضًا )
السّوْأَةُ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي ظَفَرٍ ، وَاسْمُ ظَفَرٍ كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ حَاطِبُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ رَافِعٍ وَكَانَ شَيْخًا جَسِيمًا قَدْ عَسَا فِي جَاهِلِيّتِهِ وَكَانَ لَهُ ابْنٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ . يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَاتُ فَحُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنّهُ اجْتَمَعَ إلَيْهِ مَنْ بِهَا مِنْ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ أَبْشِرْ يَا ابْنَ حَاطِبٍ بِالْجَنّةِ . قَالَ فَنَجَمَ نِفَاقُهُ حِينَئِذٍ فَجَعَلَ يَقُولُ أَبُوهُ أَجَلْ جَنّةٌ وَاَللّهِ مِنْ حَرْمَلٍ غَرَرْتُمْ وَاَللّهِ هَذَا الْمِسْكِينُ مِنْ نَفْسِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبُشَيْرُ بْنُ أُبَيْرِقٍ وَهُوَ أَبُو طُعْمَةَ سَارِقُ الدّرْعَيْنِ الّذِي أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ خَوّانًا أَثِيمًا } وَقُزْمَانُ : حَلِيفٌ لَهُمْ . [ ص 525 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَقُولُ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّار فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا حَتّى قَتَلَ بِضْعَةَ نَفَرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَاتُ فَحُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ ، فَقَالَ لَهُ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرْ يَا قُزْمَانُ ، فَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ وَقَدْ أَصَابَك مَا تَرَى فِي اللّهِ . قَالَ بِمَاذَا أُبْشِرُ فَوَاَللّهِ مَا قَاتَلْت إلّا حَمِيّةً عَنْ قَوْمِي ، فَلَمّا اشْتَدّتْ بِهِ جِرَاحَاتُهُ وَآذَتْهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَطَعَ بِهِ رَوَاهِشَ يَدِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ .
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مُنَافِقٌ وَلَا
مُنَافِقَةٌ يَعْلَمُ إلّا أَنّ الضّحّاكَ بْنَ ثَابِتٍ ، أَحَدِ بَنِي كَعْبٍ ،
رَهْطِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ ، قَدْ كَانَ يُتّهَمُ بِالنّفَاقِ وَحُبّ يَهُودَ .
قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ : [ ص 526 ]
مَنْ مُبْلِغُ الضّحّاكَ أَنّ عُرُوقَهُ ... أَعْيَتْ
عَلَى الْإِسْلَامِ أَنْ تَتَمَجّدَا
أَتُحِبّ يُهْدَانَ الْحِجَازِ وَدِينَهُمْ ... كِبْدَ
الْحِمَارِ وَلَا تُحِبّ مُحَمّدًا
دِينًا لَعَمْرِي لَا يُوَافِقُ دِينَنَا ... مَا
اسْتَنّ آلٌ فِي الْفَضَاءِ وَخَوّدَا
وَكَانَ جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ قَبْلَ
تَوْبَتِهِ - فِيمَا بَلَغَنِي -
وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، وَرَافِعُ بْنُ زَيْدٍ ،
وَبِشْرٌ وَكَانُوا يُدْعَوْنَ بِالْإِسْلَامِ فَدَعَاهُمْ رِجَالٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ فِي خُصُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَوْهُمْ إلَى الْكُهّانِ حُكّامُ أَهْلِ
الْجَاهِلِيّةِ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { أَلَمْ تَرَ إِلَى
الّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ
قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ
يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشّيْطَانُ أَنْ يُضِلّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } إلَى
آخِرِ الْقِصّةِ . وَمِنْ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ : رَافِعُ بْنُ
وَدِيعَةَ ، وَزَيْدُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ ، وَقَيْسُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي
سَلَمَةَ : الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ يَا مُحَمّدُ ائْذَنْ لِي
، وَلَا تَفْتِنّي . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ
لِي وَلَا تَفْتِنّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنّ جَهَنّمَ لَمُحِيطَةٌ
بِالْكَافِرِينَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
وَمِنْ
بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنِ سَلُول ٍ ،
وَكَانَ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ وَإِلَيْهِ يَجْتَمِعُونَ وَهُوَ الّذِي قَالَ
لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ فِي
غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ . وَفِي قَوْلِهِ ذَلِكَ نَزَلَتْ سُورَةُ
الْمُنَافِقِينَ بِأَسْرِهَا . وَفِيهِ وَفِي وَدِيعَةَ - رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَوْفٍ - وَمَالِكِ
بْنِ أَبِي قَوْقَلَ وَسُوَيْدٍ ، وَدَاعِسٌ وَهُمْ مِنْ رَهْطِ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولٍ ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولٍ .
فَهَؤُلَاءِ النّفَرُ مِنْ قَوْمِهِ الّذِينَ كَانُوا يَدُسّونَ إلَى بَنِي
النّضِيرِ حَيْنَ حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ
اُثْبُتُوا ، فَوَاَللّهِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ وَلَا
نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا [ ص 527 ] أَبَدًا ، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنّكُمْ
. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَافَقُوا
يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ
أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ
قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنّكُمْ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ } ثُمّ
الْقِصّةُ مِنْ السّورَةِ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ { كَمَثَلِ الشّيْطَانِ
إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنْكَ
إِنّي أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ }
مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ نِفَاقًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ تَعَوّذَ
بِالْإِسْلَامِ وَدَخَلَ فِيهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَهُ وَهُوَ مُنَافِقٌ
مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ . مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ : سَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ ،
وَزَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى بْنُ عَمْرٍو ، وَعُثْمَانُ
بْنُ أَوْفَى . وَزَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ الّذِي قَاتَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُوَ الّذِي قَالَ حَيْنَ
ضَلّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَزْعُمُ مُحَمّدٌ
أَنّهُ يَأْتِيهِ خَبَرُ السّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَاءَهُ الْخَبَرُ بِمَا قَالَ
عَدُوّ اللّهِ فِي رَحْلِهِ وَدَلّ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَسُولَهُ صَلّى
اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى نَاقَتِهِ إنّ قَائِلًا قَالَ يَزْعُمُ مُحَمّدٌ
أَنّهُ يَأْتِيهِ خَبَرُ السّمَاءِ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ ؟ وَإِنّي وَاَللّهِ
مَا أَعْلَمُ إلّا مَا عَلّمَنِي اللّهُ وَقَدْ دَلّنِي اللّهُ عَلَيْهَا ، فَهِيَ
فِي هَذَا الشّعْبِ ، قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا ، فَذَهَبَ رِجَالٌ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَوَجَدُوهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَمَا وَصَفَ
. وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ ، وَهُوَ الّذِي قَالَ
لَهُ الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنَا - حَيْنَ مَاتَ
قَدْ مَاتَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ
بْنِ التّابُوتِ وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حَيْنَ [ ص 528 ] هَبّتْ عَلَيْهِ الرّيحُ وَهُوَ قَافِلٌ مِنْ غَزْوَةِ
بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، فَاشْتَدّتْ عَلَيْهِ حَتّى أَشْفَقَ الْمُسْلِمُونَ
مِنْهَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا
تَخَافُوا ، فَإِنّمَا هَبّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفّارِ فَلَمّا
قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ
رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الّذِي هَبّتْ
فِيهِ الرّيحُ . وَسِلْسِلَةَ بْنَ بِرْهامٍ . وَكِنَانَةَ بْنَ صُورِيّا .
[ طَرْدُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ مَسْجِدِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ]
وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَحْضُرُونَ الْمَسْجِدَ
فَيَسْتَمِعُونَ أَحَادِيثَ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْخَرُونَ وَيَسْتَهْزِئُونَ
بِدِينِهِمْ فَاجْتَمَعَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْهُمْ نَاسٌ فَرَآهُمْ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُونَ بَيْنَهُمْ خَافِضِي
أَصْوَاتَهُمْ قَدْ لَصِقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأُخْرِجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا
، فَقَامَ أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ إلَى عَمْرِو بْنِ
قَيْسٍ ، أَحَدِ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ - كَانَ صَاحِبَ
آلِهَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ فَأَخَذَ بِرِجْلِهِ فَسَحَبَهُ حَتّى أَخْرَجَهُ
مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَقُولُ أَتُخْرِجُنِي يَا أَبَا أَيّوبَ مِنْ مِرْبَدِ
بَنِي ثَعْلَبَة ثُمّ أَقْبَلَ أَبُو أَيّوبَ أَيْضًا إلَى رَافِعِ بْنِ وَدِيعَةَ
، أَحَدِ بَنِي النّجّارِ فَلَبّبَهُ بِرِدَائِهِ ثمَ نَتَرَهُ نَتْرًا شَدِيدًا ،
وَلَطَمَ وَجْهَهُ ثُمّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَأَبُو أَيّوبَ يَقُولُ لَهُ
أُفّ لَك مُنَافِقًا خَبِيثًا : أَدْرَاجَك يَا مُنَافِقُ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَيْ ارْجِعْ مِنْ
الطّرِيقِ الّتِي جِئْت مِنْهَا
. قَالَ الشّاعِرُ
فَوَلّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ ... وَقَدْ بَاءَ
بِالظّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمّ
وَقَامَ عِمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو
، وَكَانَ رَجُلًا طَوِيلَ اللّحْيَةِ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَادَهُ بِهَا
قَوْدًا عَنِيفًا حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمّ جَمَعَ عِمَارَةُ يَدَيْهِ
فَلَدَمَهُ بِهِمَا فِي صَدْرِهِ لَدْمَةً خَرّ مِنْهَا . قَالَ يَقُولُ
خَدَشْتَنِي يَا عِمَارَةُ قَالَ [ ص 529 ] أَبْعَدَك اللّهُ يَا مُنَافِقُ فَمَا
أَعَدّ اللّهُ لَك مِنْ الْعَذَابِ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَقْرَبَنّ مَسْجِدَ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اللّدْمُ
الضّرْبُ بِبَطْنِ الْكَفّ . قَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيّ بْنِ مُقْبِلٍ
وَلِلْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ ... لَدْمَ
الْوَلِيدِ وَرَاءَ الْغَيْبِ بِالْحَجَرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْغَيْبُ مَا انْخَفَضَ مِنْ
الْأَرْضِ . وَالْأَبْهَرُ عِرْقُ الْقَلْبِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَامَ
أَبُو مُحَمّدٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّجّارِ كَانَ بَدْرِيّا ، وَأَبُو مُحَمّدٍ
مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ إلَى قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ ،
وَكَانَ قَيْسٌ غُلَامًا شَابّا ، وَكَانَ لَا يُعْلَمُ فِي الْمُنَافِقِينَ شَابّ
غَيْرُهُ فَجَعَلَ يَدْفَعُ فِي قَفَاهُ حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ .
وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَلْخُدْرَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ ، رَهْطِ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيّ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ ، حَيْنَ أَمَرَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِخْرَاجِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ
الْمَسْجِدِ إلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو ، وَكَانَ ذَا
جُمّةٍ فَأَخَذَ بِجُمّتِهِ فَسَحَبَهُ بِهَا سَحْبًا عَنِيفًا ، عَلَى مَا مَرّ بِهِ
مِنْ الْأَرْضِ حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ . قَالَ يَقُولُ الْمُنَافِقُ
لَقَدْ أَغْلَظْت يَا ابْنَ الْحَارِثِ فَقَالَ لَهُ إنّك أَهْلٌ لِذَلِكَ أَيْ
عَدُوّ اللّهِ لَمّا أَنْزَلَ اللّهُ فِيك ، فَلَا تَقْرَبَنّ مَسْجِدَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، فَإِنّك نَجِسٌ . وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ
بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى أَخِيهِ زُوَيّ بْنِ الْحَارِثِ فَأَخْرَجَهُ مِنْ
الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا ، وَأَفّفَ مِنْهُ وَقَالَ غَلَبَ عَلَيْك
الشّيْطَانُ وَأَمْرُهُ . فَهَؤُلَاءِ مَنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ يَوْمئِذٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ
وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِخْرَاجِهِمْ .
مَا
نَزَلَ مِنْ الْبَقَرَةِ فِي الْمُنَافِقِينَ وَيَهُودَ
[ مَا نَزَلَ فِي الْأَحْبَارِ ]
فَفِي هَؤُلَاءِ [ ص 530 ] الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ،
نَزَلَ صَدْرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إلَى الْمِئَةِ مِنْهَا - فِيمَا بَلَغَنِي -
وَاَللّهُ أَعْلَمُ . يَقُولُ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ { الم ذَلِكَ الْكِتَابُ
لَا رَيْبَ فِيهِ } أَيْ لَا شَكّ فِيهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ سَاعِدَةُ
بْنُ جُؤَيَةَ الْهُذَلِيّ :
فَقَالُوا عَهِدْنَا الْقَوْمَ قَدْ حَصَرُوا بِهِ ...
فَلَا رَيْبَ أَنْ قَدْ كَانَ ثَمّ لَحِيمُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَالرّيْبُ (
أَيْضًا ) : الرّيبَةُ . قَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ الْهُذَلِيّ : كَأَنّنِي
أَرْبِبُهُ بِرَيْبٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ
كَأَنّنِي أَرَبْته بِرَيْبٍ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَهُوَ ابْنُ
أَخِي أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ . { هُدًى لِلْمُتّقِينَ } أَيْ الّذِينَ
يَحْذَرُونَ مِنْ اللّهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ الْهُدَى ، وَيَرْجُونَ
رَحْمَتَهُ بِالتّصْدِيقِ بِمَا جَاءَهُمْ مِنْهُ . { الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } أَيْ يُقِيمُونَ
الصّلَاةَ بِفَرْضِهَا ، وَيُؤْتَوْنَ الزّكَاةَ احْتِسَابًا لَهَا . { وَالّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } أَيْ يُصَدّقُونَك
بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَمَا جَاءَ بِهِ مَنْ قَبْلُك مِنْ
الْمُرْسَلِينَ لَا يُفَرّقُونَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَجْحَدُونَ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ
مِنْ رَبّهِمْ . { وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } أَيْ بِالْبَعْثِ
وَالْقِيَامَةِ وَالْجَنّةِ وَالنّارِ وَالْحِسَابِ [ ص 531 ] كَانَ مِنْ قَبْلِك
، وَبِمَا جَاءَك مِنْ رَبّك { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبّهِمْ } أَيْ عَلَى نُورٍ مِنْ
رَبّهِمْ وَاسْتِقَامَةٍ عَلَى مَا جَاءَهُمْ { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } أَيْ الّذِينَ
أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا وَنَجَوْا مِنْ شَرّ مَا مِنْهُ هَرَبُوا . إنّ الّذِينَ
كَفَرُوا ، أَيْ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْك ، وَإِنْ قَالُوا إنّا قَدْ آمَنّا بِمَا
جَاءَنَا قَبْلَك { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ
لَا يُؤْمِنُونَ } أَيْ أَنّهُمْ قَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ ذِكْرِك ،
وَجَحَدُوا مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاقُ لَك ، فَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَك
وَبِمَا عِنْدَهُمْ مِمّا جَاءَهُمْ بِهِ غَيْرُك ، فَكَيْفَ يَسْتَمِعُونَ مِنْك إنْذَارًا
أَوْ تَحْذِيرًا ، وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِك . { خَتَمَ
اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ }
أَيْ عَنْ الْهُدَى أَنْ يُصِيبُوهُ أَبَدًا ، يَعْنِي بِمَا كَذّبُوك بِهِ مِنْ
الْحَقّ الّذِي جَاءَك مِنْ رَبّك حَتّى يُؤْمِنُوا بِهِ وَإِنْ آمَنُوا بِكُلّ
مَا كَانَ قَبْلَك ، وَلَهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِك عَذَابٌ عَظِيمٌ
. فَهَذَا فِي الْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ فِيمَا كَذّبُوا بِهِ مِنْ الْحَقّ
بَعْدَ مُعْرِفَتِهِ .
[ مَا نَزَلَ فِي مُنَافِقِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ]
{ وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ
وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ
الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَمَنْ كَانَ عَلَى أَمْرِهِمْ . { يُخَادِعُونَ اللّهَ
وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أَيْ شَكّ { فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا } أَيْ شَكّا {
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } أَيْ إنّمَا
نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ
الْكِتَابِ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى { أَلَا إِنّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ
وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النّاسُ
قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السّفَهَاءُ أَلَا إِنّهُمْ هُمُ السّفَهَاءُ
وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا }
وَإِذَا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ مِنْ يَهُودَ الّذِينَ يَأْمُرُونَهُمْ بِالتّكْذِيبِ
بِالْحَقّ وَخِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ الرّسُولُ { قَالُوا إِنّا مَعَكُمْ } أَيْ
إنّا عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ . { إِنّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }
أَيْ إنّمَا نَسْتَهْزِئُ بِالْقَوْمِ وَنَلْعَبُ بِهِمْ . يَقُولُ [ ص 532 ] عَزّ
وَجَلّ { اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَعْمَهُونَ يَحَارُونَ . تَقُولُ
الْعَرَبُ : رَجُلٌ عَمِهٌ وَعَامِهٌ أَيْ حَيَرَانُ قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ
الْعَجّاجِ يَصِفُ بَلَدًا : أَعْمَى الْهُدَى بِالْجَاهِلِينَ الْعُمّهِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . فَالْعُمّهُ
جَمْعُ عَامِهٍ وَأَمّا عَمِهٌ فَجَمْعُهُ عَمِهُونَ . وَالْمَرْأَةُ عَمِهَةٌ
وَعَمْهَاءُ . { أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا الضّلَالَةَ بِالْهُدَى } أَيْ
الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا
مُهْتَدِينَ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا ، فَقَالَ
تَعَالَى { كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ
اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ } أَيْ لَا
يُبْصِرُونَ الْحَقّ وَيَقُولُونَ بِهِ حَتّى إذَا خَرَجُوا بِهِ مِنْ ظُلْمَةِ
الْكُفْرِ أَطْفَئُوهُ بِكُفْرِهِمْ بِهِ وَنِفَاقِهِمْ فِيهِ فَتَرَكَهُمْ اللّهُ
فِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ هُدًى ، وَلَا يَسْتَقِيمُونَ
عَلَى حَقّ . { صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } أَيْ لَا يَرْجِعُونَ
إلَى الْهُدَى ، صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ عَنْ الْخَيْرِ لَا يَرْجِعُونَ إلَى خَيْرٍ
وَلَا يُصِيبُونَ نَجَاةً مَا كَانُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ { أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ
السّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي
آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ }
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الصّيّبُ الْمَطَرُ وَهُوَ مِنْ صَابَ يَصُوبُ مِثْلُ
قَوْلِهِمْ السّيّدُ مَنْ سَادَ يَسُودُ وَالْمَيّتُ مَنْ مَاتَ يَمُوتُ
وَجَمْعُهُ صَيَائِبُ . قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدَةَ ، أَحَدُ بَنِي رَبِيعَةَ
بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ :
كَأَنّهُمْ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ ...
صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنّ دَبِيبُ
وَفِيهَا
:
فَلَا تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمّرٍ ... سَقَتْكَ
رَوَايَا الْمُزْنِ حَيْثُ تَصُوبُ
[ ص 533 ] وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَيْ هُمْ مِنْ ظُلْمَةِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْحَذَرِ
مِنْ الْقَتْلِ مِنْ الّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالتّخَوّفِ لَكُمْ
عَلَى مِثْلِ مَا وُصِفَ مِنْ الّذِي هُوَ ( فِي ) ظُلْمَةِ الصّيّبِ يَجْعَلُ
أَصَابِعَهُ فِي أُذُنِيهِ مِنْ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ . يَقُولُ وَاَللّهُ
مُنْزِلُ ذَلِكَ بِهِمْ مِنْ النّقْمَةِ أَيْ هُوَ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ {
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أَيْ لِشِدّةِ ضَوْءِ الْحَقّ {
كُلّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أَيْ
يَعْرِفُونَ الْحَقّ وَيَتَكَلّمُونَ بِهِ فَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ بِهِ عَلَى
اسْتِقَامَةٍ فَإِذَا ارْتَكَسُوا مِنْهُ فِي الْكُفْرِ قَامُوا مُتَحَيّرِينَ . {
وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } أَيْ لِمَا تَرَكُوا
مِنْ الْحَقّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ {
إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ثُمّ قَالَ {
يَا أَيّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبّكُمُ } لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ، مِنْ
الْكُفّارِ وَالْمُنَافِقِينَ أَيْ وَحّدُوا رَبّكُمْ { الّذِي خَلَقَكُمْ
وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا
وَالسّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ
الثّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَنْدَادُ الْأَمْثَالُ
وَأَحَدُهُمْ نِدّ . قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ :
أَحْمَدُ اللّهَ فَلَا نِدّ لَهُ ... بِيَدَيْهِ
الْخَيْرُ مَا شَاءَ فَعَلَ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . فَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : أَيْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللّهِ غَيْرَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ الّتِي لَا
تَنْفَعُ وَلَا تَضُرّ ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنّهُ لَا رَبّ لَكُمْ يَرْزُقكُمْ
غَيْرُهُ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ الّذِي يَدْعُوكُمْ إلَيْهِ الرّسُولُ مِنْ
تَوْحِيدِهِ هُوَ الْحَقّ لَا شَكّ فِيهِ . { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا
نَزّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } أَيْ فِي شَكّ مِمّا جَاءَكُمْ بِهِ { فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ } [ ص 534 ] {
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا } فَقَدْ تَبَيّنَ
لَكُمْ الْحَقّ { فَاتّقُوا النّارَ الّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدّتْ
لِلْكَافِرِينَ } أَيْ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ
الْكُفْرِ . ثُمّ رَغّبَهُمْ وَحَذّرَهُمْ نُقْضَ الْمِيثَاقِ الّذِي أَخَذَ
عَلَيْهِمْ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا جَاءَهُمْ وَذَكَرَ
لَهُمْ بَدْءَ خَلْقِهِمْ حَيْنَ خَلَقَهُمْ وَشَأْنَ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ
السّلَامُ وَأَمْرَهُ وَكَيْفَ صَنَعَ بِهِ حَيْنَ خَالَفَ عَنْ طَاعَتِهِ ثُمّ
قَالَ { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } لِلْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ { اذْكُرُوا
نِعْمَتِيَ الّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أَيْ بَلَائِي عِنْدَكُمْ وَعِنْدَ آبَائِكُمْ
لَمّا كَانَ نَجّاهُمْ بِهِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي } الّذِي
أَخَذْت فِي أَعْنَاقِكُمْ لِنَبِيّي أَحْمَدَ إذَا جَاءَكُمْ { أُوفِ
بِعَهْدِكُمْ } أُنْجِزْ لَكُمْ مَا وَعَدْتُكُمْ عَلَى تَصْدِيقِهِ وَاتّبَاعِهِ
بِوَضْعِ مَا كَانَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ الّتِي كَانَتْ فِي أَعْنَاقِكُمْ
بِذُنُوبِكُمْ الّتِي كَانَتْ مِنْ أَحْدَاثِكُمْ { وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ } أَيْ أَنْ
أُنْزِلَ بِكُمْ مَا أَنَزَلْت بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ آبَائِكُمْ مِنْ
النّقْمَاتِ الّتِي قَدْ عَرَفْتُمْ مِنْ الْمَسْخِ وَغَيْرِهِ . { وَآمِنُوا
بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوّلَ كَافِرٍ بِهِ } وَعِنْدَكُمْ
مِنْ الْعِلْمِ فِيهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِكُمْ { وَإِيّايَ فَاتّقُونِ وَلَا
تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
أَيْ لَا تَكْتُمُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنْ الْمُعْرِفَةِ بِرَسُولِي وَبِمَا جَاءَ
بِهِ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ فِيمَا تَعْلَمُونَ مِنْ الْكُتُبِ الّتِي
بِأَيْدِيكُمْ { أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ
وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أَيْ أَتَنْهَوْنَ النّاسَ
عَنْ الْكُفْرِ بِمَا عِنْدَكُمْ مِنْ النّبُوّةِ وَالْعَهْدِ مِنْ التّوْرَاةِ
وَتَتْرُكُونَ أَنَفْسَكُمْ أَيْ وَأَنْتُمْ تَكْفُرُونَ بِمَا فِيهَا مِنْ
عَهْدِي إلَيْكُمْ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِي ، وَتَنْقُضُونَ مِيثَاقِي ،
وَتَجْحَدُونَ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِي . ثُمّ عَدّدَ عَلَيْهِمْ أَحْدَاثَهُمْ
فَذَكَرَ لَهُمْ الْعِجْلَ وَمَا صَنَعُوا فِيهِ وَتَوْبَتَهُ عَلَيْهِمْ
وَإِقَالَتَهُ إيّاهُمْ ثُمّ قَوْلَهُمْ { أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : جَهْرَةً أَيْ ظَاهِرًا لَنَا لَا
شَيْءَ يَسْتُرهُ عَنّا . قَالَ أَبُو الْأَخْزَرِ الْحَمَانِيّ ، وَاسْمُهُ قُتَيْبَةُ
[ ص 535 ] يَجْهَرُ أَجْوَافَ الْمِيَاهِ السّدُم
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . يَجْهَرُ
يَقُولُ يُظْهِرُ الْمَاءَ وَيَكْشِفُ عَنْهُ مَا يَسْتُرُهُ مِنْ الرّمْلِ
وَغَيْرِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: وَأَخْذَ الصّاعِقَةِ إيّاهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ
لِغِرّتِهِمْ ثُمّ إحْيَاءَهُ إيّاهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَتَظْلِيلَهُ
عَلَيْهِمْ الْغَمَامَ وَإِنْزَالَهُ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسّلْوَى ، وَقَوْلُهُ
لَهُمْ { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجّدًا وَقُولُوا حِطّةٌ } أَيْ قُولُوا مَا
آمُرُكُمْ بِهِ أَحُطّ بِهِ ذُنُوبَكُمْ عَنْكُمْ وَتَبْدِيلَهُمْ ذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِ اسْتِهْزَاءً بِأَمْرِهِ وَإِقَالَتَهُ إيّاهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ
هُزْئِهِمْ .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمَنّ : شَيْءٌ كَانَ يَسْقُطُ
فِي السّحَرِ عَلَى شَجَرِهِمْ فَيَجْتَنُونَهُ حُلْوًا مِثْلَ الْعَسَلِ
فَيَشْرَبُونَهُ وَيَأْكُلُونَهُ . قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
لَوْ أُطْعِمُوا الْمَنّ وَالسّلْوَى مَكَانَهُمْ ...
مَا أَبْصَرَ النّاسُ طُعْمًا فِيهُمُ نَجَعَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالسّلْوَى :
طَيْرٌ وَاحِدَتُهَا : سَلْوَاةٌ وَيُقَالُ إنّهَا السّمَانِيّ ؛ وَيُقَالُ
لِلْعَسَلِ ( أَيْضًا ) : السّلْوَى . وَقَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ الْهُذَلِيّ :
وَقَاسَمَهَا بِاَللّهِ حَقّا لَأَنْتُمْ ... أَلَذّ
مِنْ السّلْوَى إذَا مَا نَشُورُهَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَحِطّةٌ أَيْ
حُطّ عَنّا ذُنُوبَنَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ تَبْدِيلِهِمْ ذَلِكَ
كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التّوْءَمَةِ بِنْتِ
أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ دَخَلُوا
الْبَابَ الّذِي أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهُ سُجّدًا يَزْحَفُونَ وَهُمْ
يَقُولُونَ حِنْطٌ فِي شَعِيرٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : حِنْطَةٌ فِي شَعِيرَةٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاسْتِسْقَاءَ مُوسَى لِقَوْمِهِ وَأَمْرَهُ ( إيّاهُ ) أَنْ
يَضْرِبَ بِعَصَاهُ [ ص 536 ] الْحَجَرَ ، فَانْفَجَرَتْ لَهُمْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشَرَةَ
عَيْنًا ، لِكُلّ سِبْطٍ عَيْنٌ يَشْرَبُونَ مِنْهَا ، قَدْ عَلِمَ كُلّ سِبْطٍ
عَيْنَهُ الّتِي مِنْهَا يَشْرَبُ وَقَوْلَهُمْ لِمُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ {
لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمّا
تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثّائِهَا وَفُومِهَا } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: الْفُوَمُ الْحِنْطَةُ . قَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ الثّقَفِيّ :
فَوْقَ شِيزَى مِثْلِ الْجَوَابِي عَلَيْهَا ... قِطَعٌ
كَالْوَذِيلِ فِي نِقْيِ فُومِ
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْوَذِيلُ قِطَعُ الْفِضّةِ (
وَالْفُوَمُ الْقَمْحُ ) ، وَاحِدَتُهُ
فُومَةٌ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ
أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَى بِالّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا
فَإِنّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ }
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمْ يَفْعَلُوا ، وَرَفْعَهُ
الطّورَ فَوْقَهُمْ لِيَأْخُذُوا مَا أُوتُوا ، وَالْمَسْخَ الّذِي كَانَ فِيهِمْ إذْ
جَعَلَهُمْ قِرَدَةً بِأَحْدَاثِهِمْ وَالْبَقَرَةَ الّتِي أَرَاهُمْ اللّهُ عَزّ
وَجَلّ بِهَا الْعِبْرَةَ فِي الْقَتِيلِ الّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ حَتّى بَيّنَ
اللّهُ لَهُمْ أَمْرَهُ بَعْدَ التّرَدّدِ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ فِي
صِفّةِ الْبَقَرَةِ وَقَسْوَةَ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتّى كَانَتْ
كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَةً . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِنّ مِنَ
الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَشّقّقُ
فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ }
أَيْ وَإِنّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَأَلْيَنُ مِنْ قُلُوبِكُمْ عَمّا تَدْعُونَ
إلَيْهِ مِنْ الْحَقّ { وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ } [ ص 537 ]
قَالَ لِمُحَمّدِ عليه الصلاة والسلام وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يُؤَيّسُهُمْ
مِنْهُمْ { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ
يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ } وَلَيْسَ قَوْلُهُ يَسْمَعُونَ التّوْرَاةَ ، أَنّ كُلّهُمْ قَدْ
سَمِعَهَا ، وَلَكِنّهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ أَيْ خَاصّةٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ،
فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا لِمُوسَى : يَا مُوسَى ،
قَدْ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رُؤْيَةِ اللّهِ فَأَسْمِعْنَا كَلَامَهُ حَيْنَ يُكَلّمُك
، فَطَلَبَ ذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ رَبّهِ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ
مُرْهُمْ فَلْيَطّهّرُوا ، أَوْ لِيُطَهّرُوا ثِيَابَهُمْ وَلْيَصُومُوا ،
فَفَعَلُوا . ثُمّ خَرَجَ بِهِمْ حَتّى أَتَى بِهِمْ الطّورَ ؛ فَلَمّا غَشِيَهُمْ
الْغَمَامُ أَمَرَهُمْ مُوسَى فَوَقَعُوا سُجّدًا ، وَكَلّمَهُ رَبّهُ فَسَمِعُوا
كَلَامَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ حَتّى عَقَلُوا
عَنْهُ مَا سَمِعُوا ، ثُمّ انْصَرَفَ بِهِمْ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَمّا جَاءَهُمْ
حَرّفَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَقَالُوا ، حَيْنَ قَالَ مُوسَى
لِبَنِي إسْرَائِيلَ إنّ اللّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِكَذَا وَكَذَا ، قَالَ ذَلِكَ
الْفَرِيقُ الّذِي ذَكَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ إنّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا ،
خِلَافًا لِمَا قَالَ اللّهُ لَهُمْ فَهُمْ الّذِينَ عَنَى اللّهُ عَزّ وَجَلّ
لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا
لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا } أَيْ بِصَاحِبِكُمْ رَسُولِ اللّهِ
وَلَكِنّهُ إلَيْكُمْ خَاصّةً . { وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا } لَا تُحَدّثُوا
الْعَرَبَ بِهَذَا ، فَإِنّكُمْ قَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ
فَكَانَ فِيهِمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { وَإِذَا لَقُوا
الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا
أَتُحَدّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجّوكُمْ بِهِ عِنْدَ
رَبّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أَيْ تُقِرّونَ بِأَنّهُ نَبِيّ ، وَقَدْ
عَرَفْتُمْ أَنّهُ قَدْ أُخِذَ لَهُ الْمِيثَاقُ عَلَيْكُمْ بِاتّبَاعِهِ وَهُوَ يُخْبِرُكُمْ
أَنّهُ النّبِيّ الّذِي كُنّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا ، اجْحَدُوهُ وَلَا
تُقِرّوا لَهُمْ بِهِ . يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنّ
اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لَا
يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلّا أَمَانِيّ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ إلّا
أَمَانِيّ إلّا قِرَاءَةً لِأَنّ الْأُمّيّ الّذِي [ ص 538 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَيُونُسَ أَنّهُمَا تَأَوّلَا ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ فِي
قَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بِذَلِكَ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ النّحْوِيّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ
الْعَرَبَ تَقُولُ تَمَنّى ، فِي مَعْنَى قَرَأَ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيّ إِلّا
إِذَا تَمَنّى أَلْقَى الشّيْطَانُ فِي أُمْنِيّتِهِ } قَالَ وَأَنْشَدَنِي أَبُو
عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ :
تَمَنّى كِتَابَ اللّهِ أَوّلَ لَيْلِهِ ... وَآخِرَهُ
وَافَى حِمَامُ الْمَقَادِرِ
وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا :
تَمَنّى كِتَابَ اللّهِ فِي اللّيْلِ خَالِيًا ... تَمَنّيَ
دَاوُدَ الزّبُورَ عَلَى رِسْلِ
وَوَاحِدَةُ الْأَمَانِيّ أُمْنِيّةٌ . وَالْأَمَانِيّ (
أَيْضًا ) : أَنْ يَتَمَنّى الرّجُلُ الْمَالَ أَوْ غَيْرَهُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : { وَإِنْ هُمْ إِلّا يَظُنّونَ } أَيْ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ
وَلَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ وَهُمْ يَجْحَدُونَ نُبُوّتَك بِالظّنّ . { وَقَالُوا
لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلّا أَيّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ
عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَا
تَعْلَمُونَ }
[ دَعْوَى الْيَهُودَ قِلّةَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَرَدّ اللّهِ
عَلَيْهِمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَوْلًى لِزَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ ، قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْمَدِينَةَ ، وَالْيَهُودُ تَقُولُ إنّمَا مُدّةُ الدّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ
سَنَةٍ ، وَإِنّمَا يُعَذّبُ اللّهُ النّاسَ فِي النّارِ بِكُلّ أَلْفِ سَنَةٍ
مِنْ أَيّامِ الدّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا فِي النّارِ مِنْ أَيّامِ الْآخِرَةِ وَإِنّمَا
هِيَ سَبْعَةُ أَيّامٍ ثُمّ يَنْقَطِعُ الْعَذَابُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ
مِنْ قَوْلِهِمْ { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلّا أَيّامًا مَعْدُودَةً
قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ
تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً
وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ }
أَيْ [ ص 539 ] وَكَفَرَ بِمِثْلِ مَا كَفَرْتُمْ بِهِ
يُحِيطُ كُفْرُهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ حَسَنَةٍ { فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ
النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أَيْ خُلْدٌ أَبَدًا . { وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أَيْ مَنْ
آمَنَ بِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ وَعَمِلَ بِمَا تَرَكْتُمْ مِنْ دِينِهِ فَلَهُمْ
الْجَنّةُ خَالِدِينَ فِيهَا ، يُخْبِرُهُمْ أَنّ الثّوَابَ بِالْخَيْرِ وَالشّرّ
مُقِيمٌ عَلَى أَهْلِهِ أَبَدًا ، لَا انْقِطَاعَ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
ثُمّ قَالَ ( اللّهُ عَزّ وَجَلّ ) يُؤَنّبُهُمْ { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
} أَيْ مِيثَاقَكُمْ { لَا تَعْبُدُونَ إِلّا اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنّاسِ
حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصّلَاةَ وَآتُوا الزّكَاةَ ثُمّ تَوَلّيْتُمْ إِلّا
قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } أَيْ تَرَكْتُمْ ذَلِكَ كُلّهُ لَيْسَ
بِالتّنَقّصِ . { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَسْفِكُونَ تَصُبّونَ . تَقُولُ
الْعَرَبُ : سَفَكَ دَمَهُ أَيْ صَبّهُ وَسَفَكَ الزّقّ أَيْ هَرَاقَهُ . قَالَ
الشّاعِرُ
وَكُنّا إذَا مَا الضّيْفُ حَلّ بِأَرْضِنَا ...
سَفَكْنَا دِمَاءَ الْبُدْنِ فِي تُرْبَةِ الْحَالِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَعْنِي " بِالْحَالِ "
: الطّينِ الّذِي يُخَالِطُهُ الرّمْلُ وَهُوَ الّذِي تَقُولُ لَهُ الْعَرَبُ :
السّهْلَةُ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنّ جِبْرِيلَ لَمّا قَالَ فِرْعَوْنُ
: آمَنْتُ أَنّهُ لَا إلَهَ إلّا الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ ، أَخَذَ مِنْ
حَالِ الْبَحْرِ ( وَحَمَأَتِهِ ) ، فَضَرَبَ بِهِ وَجْهَ فِرْعَوْنَ ( وَالْحَالُ
مِثْلُ الْحَمْأَةِ ) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 540 ] { وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ
مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } عَلَى أَنّ هَذَا
حَقّ مِنْ مِيثَاقِي عَلَيْكُمْ { ثُمّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ
أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ
بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } أَيْ أَهْلَ الشّرْكِ حَتّى يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ
مَعَهُمْ وَيُخْرِجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ مَعَهُمْ . { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ
أُسَارَى تُفَادُوهُمْ } وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فِي دِينِكُمْ
{ وَهُوَ مُحَرّمٌ عَلَيْكُمْ } فِي كِتَابِكُمْ إخْرَاجُهُمْ { أَفَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } ( أَيْ ) أَتُفَادُونَهُمْ مُؤْمِنِينَ
بِذَلِكَ وَتُخْرِجُونَهُمْ كُفّارًا بِذَلِكَ . { فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ
ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ
يُرَدّونَ إِلَى أَشَدّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ
أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفّفُ
عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } فَأَنّبَهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ وَقَدْ حَرّمَ عَلَيْهِمْ فِي التّوْرَاةِ سَفْكَ
دِمَائِهِمْ وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِدَاءَ أَسْرَاهُمْ . فَكَانُوا فَرِيقَيْنِ
مِنْهُمْ بَنُو قَيْنُقَاعَ وَلَفّهُمْ حُلَفَاءُ الْخَزْرَجِ ، وَالنّضِيرُ وَقُرَيْظَة
ُ وَلَفّهُمْ حُلَفَاءُ الْأَوْسِ . فَكَانُوا إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ حَرْبٌ . خَرَجَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ مَعَ الْخَزْرَجِ وَخَرَجَتْ
النّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَعَ الْأَوْسِ يُظَاهِرُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ
الْفَرِيقَيْنِ حُلَفَاءَهُ عَلَى إخْوَانِهِ حَتّى يَتَسَافَكُوا دِمَاءَهُمْ
بَيْنَهُمْ وَبِأَيْدِيهِمْ التّوْرَاةُ يَعْرِفُونَ فِيهَا مَا عَلَيْهِمْ وَمَا
لَهُمْ وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَهْلُ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ لَا
يَعْرِفُونَ جَنّةً وَلَا نَارًا ، وَلَا بَعْثًا وَلَا قِيَامَةً وَلَا كِتَابًا
، وَلَا حَلَالًا وَلَا حَرَامًا ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا افْتَدَوْا
أُسَارَاهُمْ تَصْدِيقًا لِمَا فِي التّوْرَاةِ ، وَأَخَذَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ
بَعْضٍ يَفْتَدِي بَنُو قَيْنُقَاعَ مَنْ كَانَ مِنْ أَسْرَاهُمْ فِي أَيَدِي
الْأَوْسِ وَتَفْتَدِي النّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَا فِي أَيَدِي الْخَزْرَجِ
مِنْهُمْ . وَيُطِلّونَ مَا أَصَابُوا مِنْ [ ص 541 ] مُظَاهَرَةً لِأَهْلِ
الشّرْكِ عَلَيْهِمْ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى لَهُمْ حَيْنَ أَنّبَهُمْ بِذَلِكَ
{ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } أَيْ تُفَادِيهِ
بِحُكْمِ التّوْرَاةِ وَتَقْتُلُهُ وَفِي حُكْمِ التّوْرَاةِ أَنْ لَا تَفْعَلَ تَقْتُلُهُ
وَتُخْرِجُهُ مِنْ دَارِهِ وَتُظَاهِرُ عَلَيْهِ مَنْ يُشْرِكُ بِاَللّهِ
وَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ ابْتِغَاءَ عَرَضِ الدّنْيَا . فَفِي ذَلِكَ
مِنْ فِعْلِهِمْ مَعَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ - فِيمَا بَلَغَنِي - نَزَلَتْ هَذِهِ
الْقِصّةُ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى
: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفّيْنَا
مِنْ بَعْدِهِ بِالرّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ } أَيْ الْآيَاتُ
الّتِي وُضِعَتْ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى ، وَخَلْقِهِ مِنْ
الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ ثُمّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ
اللّهِ وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ وَالْخَبَرِ بِكَثِيرٍ مِنْ الْغُيُوبِ مِمّا
يَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَمَا رَدّ عَلَيْهِمْ مِنْ التّوْرَاةِ مَعَ
الْإِنْجِيلِ ، الّذِي أَحْدَثَ اللّهُ إلَيْهِ . ثُمّ ذَكَرَ كُفْرَهُمْ بِذَلِكَ
كُلّهِ فَقَالَ { أَفَكُلّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ
اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } ثُمّ قَالَ
تَعَالَى : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ } فِي أَكِنّةٍ . يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
{ بَلْ
لَعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ وَلَمّا جَاءَهُمْ
كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ
يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا
بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي
عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ قَالُوا :
فِينَا وَاَللّهِ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ كُنّا قَدْ عَلَوْنَاهُمْ ظَهْرًا
فِي الْجَاهِلِيّةِ وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَكَانُوا
يَقُولُونَ لَنَا : إنّ نَبِيّا يُبْعَثُ الْآنَ نَتّبِعُهُ قَدْ أَظَلّ زَمَانَهُ
نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ . فَلَمّا بَعَثَ اللّهُ رَسُولَهُ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ فَاتّبَعْنَاهُ كَفَرُوا بِهِ .
يَقُولُ اللّهُ [ ص 542 ] { فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ
اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ
يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ
عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } أَيْ أَنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِهِمْ { فَبَاءُوا
بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَبَاءُوا بِغَضَبٍ أَيْ
اعْتَرَفُوا بِهِ وَاحْتَمَلُوهُ . قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
أُصَالِحُكُمْ حَتّى تَبُوءُوا بِمِثْلِهَا ...
كَصَرْخَةِ حُبْلَى يَسّرَتْهَا قَبِيلُهَا
( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَسّرَتْهَا : أَجَلَسَتْهَا
لِلْوِلَادَةِ ) . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَالْغَضَبُ
عَلَى الْغَضَبِ لِغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا كَانُوا ضَيّعُوا مِنْ التّوْرَاةِ
، وَهِيَ مَعَهُمْ وَغَضَبٌ بِكُفْرِهِمْ بِهَذَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الّذِي أَحْدَثَ اللّهُ إلَيْهِمْ . ثُمّ أَنّبَهُمْ بِرَفْعِ الطّورِ
عَلَيْهِمْ وَاِتّخَاذِهِمْ الْعِجْلَ إلَهًا دُونَ رَبّهِمْ يَقُولُ اللّهُ
تَعَالَى لِمُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ
الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنّوُا الْمَوْتَ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَيْ اُدْعُوا بِالْمَوْتِ عَلَى أَيّ الْفَرِيقَيْنِ
أَكْذَبُ عِنْدَ اللّهِ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . يَقُولُ اللّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيّهِ عليه الصلاة
والسلام : { وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أَيْ
بِعِلْمِهِمْ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِك ، وَالْكُفْرِ بِذَلِكَ
فَيُقَالُ لَوْ تَمَنّوْهُ يَوْمَ قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ
الْأَرْضِ يَهُودِيّ إلّا مَاتَ . ثُمّ ذَكَرَ رَغْبَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدّنْيَا وَطُولَ الْعُمْرِ فَقَالَ تَعَالَى : { وَلَتَجِدَنّهُمْ أَحْرَصَ
النّاسِ عَلَى حَيَاةٍ } الْيَهُودَ { وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدّ
أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ
الْعَذَابِ أَنْ يُعَمّرَ } [ ص 543 ] بِمُنْجِيهِ مِنْ الْعَذَابِ وَذَلِكَ أَنّ الْمُشْرِكَ
لَا يَرْجُو بَعْثًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ يُحِبّ طُولَ الْحَيَاةِ وَأَنّ
الْيَهُودِيّ قَدْ عَرَفَ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخِزْيِ بِمَا ضَيّعَ
مِمّا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ . ثُمّ قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { قُلْ مَنْ كَانَ
عَدُوّا لِجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ }
[ سُؤَالُ الْيَهُودِ الرّسُولَ وَإِجَابَتُهُ لَهُمْ عليه الصلاة والسلام ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ (
عَبْدِ ) الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكّيّ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ
الْأَشْعَرِيّ أَنّ نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ جَاءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعٍ نَسْأَلُك
عَنْهُنّ فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ اتّبَعْنَاك وَصَدّقْنَاك ، وَآمَنّا بِك . قَالَ
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْكُمْ
بِذَلِكَ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ لَئِنْ أَنَا أَخْبَرْتُكُمْ بِذَلِكَ
لَتُصَدّقُنّنِي ، قَالُوا : نَعَمْ قَالَ فَاسْأَلُوا عَمّا بَدَا لَكُمْ قَالُوا
: فَأَخْبِرْنَا كَيْفَ يُشْبِهُ الْوَلَدُ أُمّهُ وَإِنّمَا النّطْفَةُ مِنْ
الرّجُلِ ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أُنْشِدُكُمْ بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَ
أَنّ نُطْفَةَ الرّجُلِ بَيْضَاءُ غَلِيظَةٌ وَنُطْفَةَ الْمَرْأَةِ صَفْرَاءُ رَقِيقَةٌ
فَأَيّتُهُمَا عَلَتْ صَاحِبَتَهَا كَانَ لَهَا الشّبَهُ ؟ قَالُوا : اللّهُمّ
نَعَمْ قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا كَيْفَ نَوْمُك ؟ فَقَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ
وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّ نَوْمَ الّذِي
تَزْعُمُونَ أَنّي لَسْتُ بِهِ تَنَامُ عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ يَقْظَانُ ؟ فَقَالُوا
: اللّهُمّ نَعَمْ قَالَ فَكَذَلِك نَوْمِي ، تَنَامُ عَيْنِيّ وَقَلْبِي
يَقْظَانُ ، قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا عَمّا حَرّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ؟
قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَ
أَنّهُ كَانَ أَحَبّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلَيْهِ أَلْبَانَ الْإِبِلِ
وَلُحُومَهَا ، وَأَنّهُ اشْتَكَى شَكْوَى ، فَعَافَاهُ اللّهُ مِنْهَا ، فَحَرّمَ
عَلَى نَفْسِهِ أَحَبّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلَيْهِ شُكْرًا لِلّهِ فَحَرّمَ
عَلَى نَفْسِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا ؟ قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ
قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا عَنْ الرّوحِ ؟ قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ
وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ
الّذِي يَأْتِينِي ؟ قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ وَلَكِنّهُ يَا مُحَمّدُ لَنَا عَدُوّ ،
وَهُوَ مَلَكٌ إنّمَا يَأْتِي بِالشّدّةِ وَبِسَفْكِ الدّمَاءِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاتّبَعْنَاك
، قَالَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا
لِجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدّقًا لِمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : {
أَوَكُلّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ وَلَمّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ
نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ
كَأَنّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاتّبَعُوا مَا تَتْلُو الشّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ
سُلَيْمَانَ } أَيْ السّحْرُ { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنّ الشّيَاطِينَ
كَفَرُوا يُعَلّمُونَ النّاسَ السّحْرَ } [ ص 544 ]
[ إنْكَارُ الْيَهُودِ نُبُوّةَ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السّلَامُ - وَرَدّ
اللّهِ عَلَيْهِمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - لَمّا ذَكَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ
دَاوُدَ فِي الْمُرْسَلِينَ قَالَ بَعْضُ أَحْبَارِهِمْ أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمّدٍ
، يَزْعُمُ أَنّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ كَانَ نَبِيّا ، وَاَللّهِ مَا كَانَ
إلّا سَاحِرًا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَمَا
كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنّ الشّيَاطِينَ كَفَرُوا } أَيْ بِاتّبَاعِهِمْ
السّحْرَ وَعَمَلِهِمْ بِهِ . { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ،
أَنّهُ كَانَ يَقُولُ الّذِي حَرّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ زَائِدَتَا
الْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَانِ وَالشّحْمَ إلّا مَا كَانَ عَلَى الظّهْرِ فَإِنّ
ذَلِكَ كَانَ يُقَرّبُ لِلْقُرْبَانِ فَتَأْكُلَهُ النّارُ
[ كِتَابُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى
يَهُودِ خَيْبَرَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ ، فِيمَا حَدّثَنِي مَوْلًى
لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ
ابْنِ عَبّاسٍ : بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - صَاحِبِ مُوسَى وَأَخِيهِ وَالْمُصَدّقُ لِمَا
جَاءَ بِهِ مُوسَى : أَلَا إنّ اللّهَ قَدْ قَالَ لَكُمْ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ
التّوْرَاةِ ، وَإِنّكُمْ لَتَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ { مُحَمّدٌ رَسُولُ
اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ
تَرَاهُمْ رُكّعًا سُجّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا
سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي
التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ
فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ
اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا
عَظِيمًا } [ ص 545 ] وَإِنّي أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ ، وَأَنْشُدُكُمْ بِمَا
أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ وَأَنْشُدُكُمْ بِاَلّذِي أَطْعَمَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
مِنْ أَسْبَاطِكُمْ الْمَنّ وَالسّلْوَى ، وَأَنْشُدُكُمْ بِاَلّذِي أَيْبَسَ الْبَحْرَ
لِآبَائِكُمْ حَتّى أَنَجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ إلّا أَخْبَرْتُمُونِي
: هَلْ تَجِدُونَ فِيمَا أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمُحَمّدٍ ؟
فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ فَلَا كُرْهَ عَلَيْكُمْ .
قَدْ تَبَيّنَ الرّشْدُ مِنْ الْغَيّ - فَأَدْعُوكُمْ إلَى اللّهِ وَإِلَى
نَبِيّهِ .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شَطْؤُهُ فِرَاخُهُ وَوَاحِدَتُهُ
شِطْأَةٌ . تَقُولُ الْعَرَبُ : قَدْ أَشْطَأَ الزّرْعُ إذَا أَخْرَجَ فِرَاخَهُ .
وَآزَرَهُ عَاوَنَهُ فَصَارَ الّذِي قَبْلَهُ مِثْلَ الْأُمّهَاتِ .
قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حُجْرٍ الْكِنْدِيّ :
بمَحْنِيَةٍ قَدْ آزَرَ الضّالّ نَبْتُهَا ... مَجَرّ
جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيّبِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ الْأَرْقَطُ أَحَدُ بَنِي
رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ زَرْعًا وَقَضْبًا مُؤْزَرَ النّبَاتِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ وَسُوقُهُ (
غَيْرُ مَهْمُوزٍ ) : جَمْعُ سَاقٍ لِسَاقِ الشّجَرَةِ .
[ مَا نَزَلَ فِي أَبِي يَاسِرٍ وَأَخِيهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ نَزَلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ بِخَاصّةٍ مِنْ الْأَحْبَارِ وَكُفّارِ يَهُودَ الّذِي كَانُوا
يَسْأَلُونَهُ وَيَتَعَنّتُونَهُ لِيَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ - فِيمَا
ذُكِرَ لِي عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابٍ
- أَنّ أَبَا يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ مَرّ بِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَةَ الْبَقَرَةِ
{ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ } [ ص 446 ]
أَخَاهُ حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ فِي رِجَالٍ مِنْ يَهُودَ فَقَالَ تَعْلَمُوا
وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْت مُحَمّدًا يَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ
فَقَالُوا : أَنْتَ سَمِعْتَهُ ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَمَشَى حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ فِي
أُولَئِكَ النّفَرِ مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ أَلَمْ يُذْكَرْ لَنَا أَنّك تَتْلُو
فِيمَا أُنْزِلَ إلَيْك : { الم ذَلِكَ الْكِتَابُ } ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : بَلَى ، قَالُوا : أَجَاءَك بِهَا جِبْرِيلُ
مِنْ عِنْدِ اللّهِ ؟ فَقَالَ نَعَمْ قَالُوا : لَقَدْ بَعَثَ اللّهُ قَبْلَك أَنْبِيَاءَ
مَا نَعْلَمُهُ بَيّنَ لِنَبِيّ مِنْهُمْ مَا مُدّةُ مُلْكِهِ وَمَا أَكْلُ
أُمّتِهِ غَيْرَك . فَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ مَعَهُ
فَقَالَ لَهُمْ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ
فَهَذِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً أَفَتَدْخُلُونَ فِي دِينٍ إنّمَا مُدّةُ
مُلْكِهِ وَأَكْلُ أُمّتِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً ؟ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى
رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ يَا مُحَمّدُ هَلْ
مَعَ هَذَا غَيْرُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَاذَا ؟ قَالَ المص . قَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ
أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ
وَالصّادُ تِسْعُونَ فَهَذِهِ إحْدَى وَسِتّونَ وَمِئَةُ سَنَةٍ هَلْ مَعَ هَذَا
يَا مُحَمّدُ غَيْرُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ الر . قَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ أَثْقَلُ
وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالرّاءُ مِئَتَانِ
فَهَذِهِ إحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِئَتَانِ هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ يَا مُحَمّدُ
؟ قَالَ نَعَمْ المر . قَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ
وَاحِدَةٌ وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ وَالرّاءُ مِئَتَانِ فَهَذِهِ
إحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِئَتَا سَنَةٍ ثُمّ قَالَ لَقَدْ لُبّسَ عَلَيْنَا أَمْرُك
يَا مُحَمّدُ حَتّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أُعْطِيت أَمْ كَثِيرًا ؟ ثُمّ قَامُوا
عَنْهُ فَقَالَ أَبُو يَاسِرٍ لِأَخِيهِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ وَلِمَنْ مَعَهُ
مِنْ الْأَحْبَارِ مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلّهُ قَدْ جُمِعَ هَذَا كُلّهُ لِمُحَمّدٍ
إحْدَى وَسَبْعُونَ وَإِحْدَى وَسِتّونَ وَمِئَةً وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ
وَمِئَتَانِ وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِئَتَانِ فَذَلِكَ سَبْعُ مِئَةٍ وَأَرْبَعٌ
وَثَلَاثُونَ سَنَةً فَقَالُوا : لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ . فَيَزْعُمُونَ
أَنّ هَؤُلَاءِ [ ص 547 ] { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ سَمِعْت مَنْ لَا
أَتّهِمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ أَنّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إنّمَا
أُنْزِلْنَ فِي أَهْلِ نَجْرَانَ ، حَيْنَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَسْأَلُونَهُ عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ
السّلَامُ - .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، أَنّهُ قَدْ سَمِعَ أَنّ هَؤُلَاءِ
الْآيَاتِ إنّمَا أُنْزِلْنَ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ وَلَمْ يُفَسّرْ ذَلِكَ لِي . فَاَللّهُ
أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
[ كُفْرُ الْيَهُودِ بِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ اسْتِفْتَاحِهِمْ
بِهِ وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ
عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ : أَنّ يَهُودَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَبْلَ مَبْعَثِهِ فَلَمّا بَعَثَهُ
اللّهُ مِنْ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ .
فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ . وَبِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ ،
أَخُو بَنِي سَلَمَةَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ وَأَسْلِمُوا ، فَقَدْ
كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا بِمُحَمّدٍ وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ
وَتُخْبِرُونَنَا أَنّهُ مَبْعُوثٌ وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفّتِهِ فَقَالَ
سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، أَحَدُ بَنِي النّضِيرِ مَا جَاءَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ
وَمَا هُوَ بِاَلّذِي كُنّا نَذْكُرُهُ لَكُمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِمْ { وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا
مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا
عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }
[ مَا نَزَلَ فِي نُكْرَانِ مَالِكِ بْنِ الصّيْفِ
الْعَهْدَ إلَيْهِمْ بِالنّبِيّ
]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الصّيْفِ ،
حَيْنَ بُعِثَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَذَكَرَ لَهُمْ
مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ لَهُ مِنْ الْمِيثَاقِ وَمَا عَهِدَ اللّهُ إلَيْهِمْ فِيهِ
وَاَللّهِ مَا عُهِدَ إلَيْنَا فِي مُحَمّدٍ عَهْدٌ ، وَمَا أُخِذَ لَهُ عَلَيْنَا
مِنْ مِيثَاقٍ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ [ ص 548 ] { أَوَكُلّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا
نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }
[ مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي صَلُوبا مَا جِئْتنَا
بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ ]
وَقَالَ أَبُو صَلُوبا الْفَطْيُونِيّ لِرَسُولِ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
- :
يَا مُحَمّدُ مَا جِئْتَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ ، وَمَا
أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْك مِنْ آيَةٍ فَنَتّبِعَك لَهَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ
بَيّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلّا الْفَاسِقُونَ }
[ مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ وَوَهْبٍ ]
وَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ ، وَوَهْبُ بْنُ
زَيْدٍ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : يَا مُحَمّدُ ائْتِنَا
بِكِتَابٍ تُنَزّلُهُ عَلَيْنَا مِنْ السّمَاءِ نَقْرَؤُهُ وَفَجّرْ لَنَا أَنَهَارًا
نَتّبِعْك وَنُصَدّقْك . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا
: { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ
وَمَنْ يَتَبَدّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلّ سَوَاءَ السّبِيلِ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَوَاءُ السّبِيلِ وَسَطُ
السّبِيلِ . قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النّبِيّ وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ
الْمُغَيّبِ فِي سَوَاءِ الْمُلْحَدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي
مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى
:
[ مَا نَزَلَ فِي صَدّ حُيَيّ وَأَخِيهِ النّاسَ عَنْ الْإِسْلَامِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ
وَأَخُوهُ أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ ، مِنْ أَشَدّ يَهُودَ لِلْعَرَبِ حَسَدًا
، إذْ خَصّهُمْ اللّهُ تَعَالَى بِرَسُولِهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
وَكَانَا جَاهِدَيْنِ فِي رَدّ النّاسِ عَنْ الْإِسْلَامِ بِمَا اسْتَطَاعَا . فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : { وَدّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ
يَرُدّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْحَقّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا
حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
[ تَنَازُعُ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى عِنْدَ الرّسُولِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
]
[ ص 549 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا قَدِمَ أَهْلُ
نَجْرَانَ مِنْ النّصَارَى عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَتَتْهُمْ
أَحْبَارُ يَهُودَ فَتَنَازَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ
: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ وَكَفَرَ بِعِيسَى
وَبِالْإِنْجِيلِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ النّصَارَى
لِلْيَهُودِ مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ وَجَحَدَ نُبُوّةَ مُوسَى وَكَفَرَ
بِالتّوْرَاةِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَقَالَتِ
الْيَهُودُ لَيْسَتِ النّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ
عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أَيْ كُلّ يَتْلُو فِي كِتَابِهِ تَصْدِيقَ
مَا كَفَرَ بِهِ أَيْ يَكْفُرُ الْيَهُودُ بِعِيسَى ، وَعِنْدَهُمْ التّوْرَاةُ
فِيهَا مَا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى - عَلَيْهِ السّلَامُ -
بِالتّصْدِيقِ بِعِيسَى - عَلَيْهِ السّلَامُ - وَفِي الْإِنْجِيلِ مَا جَاءَ بِهِ
عِيسَى - عَلَيْهِ السّلَامُ - مِنْ تَصْدِيقِ مُوسَى - عَلَيْهِ السّلَامُ -
وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ التّوْرَاةِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَكُلّ يَكْفُرُ بِمَا فِي
يَدِ صَاحِبِهِ .
[ مَا نَزَلَ فِي طَلَبِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ أَنْ
يُكَلّمَهُ اللّهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ رَافِعُ بْنُ
حُرَيْمِلَةَ لِرَسُولِ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : يَا مُحَمّدُ إنْ
كُنْت رَسُولًا مِنْ اللّهِ كَمَا تَقُولُ فَقُلْ لِلّهِ فَلْيُكَلّمْنَا حَتّى
نَسْمَعَ كَلَامَهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ { وَقَالَ
الّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ
كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ
قَدْ بَيّنّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
[ مَا نَزَلَ فِي سُؤَالِ ابْنِ صُورِيّا لِلنّبِيّ عليه الصلاة والسلام
بِأَنْ يَتَهَوّدَ ]
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا الْأَعْوَرُ
الْفَطْيُونِيّ لِرَسُولِ اللّهِ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : مَا الْهُدَى إلّا
مَا نَحْنُ عَلَيْهِ ، فَاتّبِعْنَا يَا مُحَمّدُ تَهْتَدِ وَقَالَتْ النّصَارَى مِثْلَ
ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللّهِ بْن
صُورِيّا وَمَا قَالَتْ النّصَارَى : { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى
تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ } ثُمّ الْقِصّةَ إلَى قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى : { تِلْكَ أُمّةٌ
قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمّا
كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ ص 550 ]
[ مَقَالَةُ الْيَهُودِ عِنْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى
الْكَعْبَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ
عَنْ الشّامِ إلَى الْكَعْبَةِ ، وَصُرِفَتْ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ
عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْمَدِينَةَ ،
أَتَى رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ ، وَقَرْدَمُ
بْنُ عَمْرٍو ، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ ،
وَالْحَجّاجُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَالرّبِيعُ بْنُ
الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي
الْحُقَيْقِ ، فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ مَا وَلّاك عَنْ قِبْلَتِك الّتِي كُنْت عَلَيْهَا
وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنّك عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ ؟ ارْجِعْ إلَى
قِبْلَتِك الّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا نَتّبِعْك وَنُصَدّقْك ، وَإِنّمَا يُرِيدُونَ
بِذَلِكَ فِتْنَتَهُ عَنْ دِينِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {
سَيَقُولُ السّفَهَاءُ مِنَ النّاسِ مَا وَلّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الّتِي
كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ
عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا
الْقِبْلَةَ الّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتّبِعُ الرّسُولَ
مِمّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } أَيْ ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا { وَإِنْ
كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلّا عَلَى الّذِينَ هَدَى اللّهُ } أَيْ مِنْ الْفِتَنِ
أَيْ الّذِينَ ثَبّتَ اللّهُ { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } أَيْ
إيمَانَكُمْ بِالْقِبْلَةِ الْأُولَى ، وَتَصْدِيقَكُمْ نَبِيّكُمْ وَاتّبَاعَكُمْ
إيّاهُ إلَى الْقِبْلَةِ الْآخِرَةِ وَطَاعَتَكُمْ نَبِيّكُمْ فِيهَا : أَيْ لَيُعْطِيَنّكُمْ
أَجْرَهُمَا جَمِيعًا { إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } ثُمّ قَالَ
تَعَالَى : { قَدْ نَرَى تَقَلّبَ وَجْهِكَ فِي السّمَاءِ فَلَنُوَلّيَنّكَ
قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا
كُنْتُمْ فَوَلّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شَطْرَهُ نَحْوَهُ وَقَصْدَهُ .
قَالَ عَمْرُو بْنُ أَحْمَرَ الْبَاهِلِيّ - وَبَاهِلَةُ بْنُ يَعْصِرَ بْنِ
سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ - يَصِفُ نَاقَةً لَهُ [ ص 551 ]
تَعْدُو بِنَا شَطْرَ جَمْعٍ وَهِيَ عَاقِدَةٌ ... قَدْ
كارَبَ الْعَقْدُ مِنْ إيفَادِهَا الْحَقَبَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ قَيْسُ
بْنُ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيّ يَصِفُ نَاقَتَهُ
إنّ النّعُوسَ بِهَا دَاءٌ مُخَامِرُهَا ... فَشَطْرَهَا
نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ مَحْسُورُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَالنّعُوسُ نَاقَتُهُ وَكَانَ بِهَا دَاءٌ فَنَظَرَ إلَيْهَا نَظَرَ
حَسِيرٍ مِنْ قَوْلِهِ { وَهُوَ حَسِيرٌ } { وَإِنّ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ
أَنّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ وَلَئِنْ
أَتَيْتَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا
أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ
وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنّكَ
إِذًا لَمِنَ الظّالِمِينَ }
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : {
الْحَقّ مِنْ رَبّكَ فَلَا تَكُونَنّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }
[ كِتْمَانُهُمْ مَا فِي التّوْرَاةِ مِنْ الْحَقّ ]
وَسَأَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ
وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ
أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ عَنْ بَعْضِ
مَا فِي التّوْرَاةِ ، فَكَتَمُوهُمْ إيّاهُ وَأَبَوْا أَنْ يُخْبِرُوهُمْ عَنْهُ .
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { إِنّ الّذِينَ
يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا
بَيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ
اللّاعِنُونَ } [ ص 552 ] قَالَ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - الْيَهُودَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغّبَهُمْ
فِيهِ وَحَذّرَهُمْ عَذَابَ اللّهِ وَنِقْمَتَهُ فَقَالَ لَهُ رَافِعُ بْنُ
خَارِجَةَ ، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ بَلْ نَتْبَعُ يَا مُحَمّدُ مَا وَجَدْنَا
عَلَيْهِ آبَاءَنَا ، فَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ وَخَيْرًا مِنّا . فَأَنْزَلَ
اللّهُ - عَزّ وَجَلّ - فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ
اتّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللّهُ قَالُوا بَلْ نَتّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا
أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } وَلَمّا
أَصَابَ اللّهُ - عَزّ وَجَلّ - قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَهُودَ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، حَيْنَ
قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ
يُصِيبَكُمْ اللّهُ بِمِثْلِ مَا أَصَابَ بِهِ قُرَيْشًا فَقَالُوا لَهُ يَا
مُحَمّدُ لَا يَغِرّنّك مِنْ نَفْسِك أَنّك قَتَلْت نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ ،
كَانُوا أَغْمَارًا لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ إنّك وَاَللّهِ لَوْ قَاتَلْتنَا
لَعَرَفْت أَنّا نَحْنُ النّاسُ وَأَنّك لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا فَأَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ
إِلَى جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ
الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ
مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنّ
فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ }
قَالَ
وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَيْتَ الْمِدْرَاسِ
عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ يَهُودَ فَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ فَقَالَ لَهُ النّعْمَانُ
بْنُ عَمْرٍو ، وَالْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى أَيّ دِينٍ أَنْتَ يَا مُحَمّدُ ؟
قَالَ عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ قَالَا : فَإِنّ إبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيّا
، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : فَهَلُمّ
إلَى التّوْرَاةِ ، فَهِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [ ص 553 ] فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى
فِيهِمَا : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ
يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ
مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ
إِلّا أَيّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }
[ اخْتِلَافُ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى فِي إبْرَاهِيمَ -
عَلَيْهِ السّلَامُ - ]
وَقَالَ أَحْبَارُ يَهُودَ وَنَصَارَى نَجْرَانَ ،
حَيْنَ اجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
فَتَنَازَعُوا ، فَقَالَتْ الْأَحْبَارُ مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ إلّا يَهُودِيّا ، وَقَالَتْ
النّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ : مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ إلّا نَصْرَانِيّا .
فَأَنْزَلَ اللّهُ - عَزّ وَجَلّ - فِيهِمْ { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تُحَاجّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلّا
مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا
لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا
وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنّ أَوْلَى
النّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلّذِينَ اتّبَعُوهُ وَهَذَا النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا
وَاللّهُ وَلِيّ الْمُؤْمِنِينَ
}
[ مَا نَزَلَ فِيمَا هَمّ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ
الْإِيمَانِ غَدْوَةً وَالْكُفْرِ عَشِيّةً ]
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صَيْفٍ ، وَعَدِيّ بْنُ
زَيْدٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ تَعَالَوْا نُؤْمِنْ
بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ غُدْوَةً وَنَكْفُرْ بِهِ عَشِيّةً
حَتّى نَلْبِسَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ لَعَلّهُمْ يَصْنَعُونَ كَمَا نَصْنَعُ وَيَرْجِعُونَ
عَنْ دِينِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالّذِي أُنْزِلَ عَلَى
الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ
وَلَا تُؤْمِنُوا إِلّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ
أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجّوكُمْ عِنْدَ رَبّكُمْ قُلْ
إِنّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
[ مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي رَافِعٍ وَالنّجْرَانِيّ " أَتُرِيدُ
أَنْ نَعْبُدَك كَمَا تَعْبُدُ النّصَارَى عِيسَى " ]
وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ الْقُرَظِيّ [ ص 554 ]
وَالنّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ أَتُرِيدُ مِنّا يَا مُحَمّدُ أَنْ
نَعْبُدَك كَمَا تَعْبُدُ النّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ؟ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيّ ، يُقَالُ لَهُ الرّبَيّسُ ( وَيُرْوَى : الرّيّسُ وَالرّئِيسُ
) : أَوَذَاكَ تُرِيدُ مِنّا يَا مُحَمّدُ وَإِلَيْهِ تَدْعُونَا ؟ أَوْ كَمَا
قَالَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَاذَ اللّهِ
أَنْ أَعْبُدَ غَيْرَ اللّهِ أَوْ آمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ فَمَا بِذَلِكَ
بَعَثَنِي اللّهُ وَلَا أَمَرَنِي ؛ أَوْ كَمَا قَالَ .
مَرْيَمَ ؟ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيّ
، يُقَالُ لَهُ الرّبَيّسُ ( وَيُرْوَى : الرّيّسُ وَالرّئِيسُ ) : أَوَذَاكَ
تُرِيدُ مِنّا يَا مُحَمّدُ وَإِلَيْهِ تَدْعُونَا ؟ أَوْ كَمَا قَالَ . فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَاذَ اللّهِ أَنْ أَعْبُدَ
غَيْرَ اللّهِ أَوْ آمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ فَمَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي اللّهُ
وَلَا أَمَرَنِي أَوْ كَمَا قَالَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا
: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ
وَالنّبُوّةَ ثُمّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللّهِ
وَلَكِنْ كُونُوا رَبّانِيّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا
كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: الرّبّانِيّونَ الْعُلَمَاءُ الْفُقَهَاءُ السّادَةُ
وَاحِدُهُمْ رَبّانِيّ . قَالَ الشّاعِرُ
لَوْ كُنْتُ مُرْتَهِنًا فِي الْقَوْسِ أَفْتَنَنِي ...
مِنْهَا الْكَلَامُ وَرَبّانِيّ أَحْبَارِ
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْقَوْسُ صَوْمَعَةُ الرّاهِبِ .
وَأَفْتَنَنِي ، لُغَةُ تَمِيمٍ . وَفَتَنَنِي ، لُغَةُ قَيْسٍ . قَالَ جَرِيرٌ [
ص 555 ]
لَا وَصْلَ إذْ صَرَمَتْ هِنْدٌ وَلَوْ وَقَفَتْ ...
لَاسْتَنْزَلَتْنِي وَذَا الْمِسْحَيْنِ فِي الْقَوْسِ
أَيْ صَوْمَعَةَ الرّاهِبِ . وَالرّبّانِيّ : مُشْتَقّ
مِنْ الرّبّ وَهُوَ السّيّدُ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ فَيَسْقِي رَبّهُ خَمْرًا ،
أَيْ سَيّدَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : { وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ
وَالنّبِيّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ }
[ مَا نَزَلَ فِي أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ذَكَرَ مَا أَخَذَ اللّهُ
عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ الْمِيثَاقِ بِتَصْدِيقِهِ إذْ هُوَ
جَاءَهُمْ وَإِقْرَارَهُمْ فَقَالَ { وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ لَمَا
آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لِمَا
مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ
عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ
مِنَ الشّاهِدِينَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَرّ شَاسُ
بْنُ قَيْسٍ ، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا ، عَظِيمَ الْكُفْرِ شَدِيدَ الضّغَنِ
عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ . فِي
مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ يَتَحَدّثُونَ فِيهِ فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ
أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ
الّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيّةِ . فَقَالَ قَدْ
اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ لَا وَاَللّهِ مَا لَنَا
مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ . فَأَمَرَ فَتًى شَابّا
مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ فَقَالَ اعْمِدْ إلَيْهِمْ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ ، ثُمّ
اُذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثَ وَمَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا
تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنْ الْأَشْعَارِ
.
[ شَيْءٌ عَنْ يَوْمِ بُعَاثَ
]
وَكَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا اقْتَتَلَتْ فِيهِ الْأَوْسُ
وَالْخَزْرَجُ ، وَكَانَ الظّفْرُ فِيهِ يَوْمئِذٍ [ ص 556 ] الْخَزْرَجِ ،
وَكَانَ عَلَى الْأَوْسِ يَوْمئِذٍ حُضَيْرُ بْنُ سِمَاكٍ الْأَشْهَلِيّ ، أَبُو أُسَيْدِ
بْنُ حُضَيْرٍ ؛ وَعَلَى الْخَزْرَجِ عَمْرُو بْنُ النّعْمَانِ البَيَاضِيّ ،
فَقُتِلَا جَمِيعًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ
عَلَى أَنْ قَدْ فُجِعْتُ بِذِي حِفَاظٍ ...
فَعَاوَدَنِي لَهُ حُزْنٌ رَصِينُ
فَإِمّا تَقْتُلُوهُ فَإِنّ عَمْرًا ... أَعَضّ
بِرَأْسِهِ عَضْبٌ سَنِينُ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَحَدِيثُ
يَوْمِ بُعَاثَ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرْتُ وَإِنّمَا مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ
مَا ذَكَرْت مِنْ الْقَطْعِ .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَنِينُ مَسْنُونٌ مِنْ سَنّهُ
إذَا شَحَذَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَفَعَلَ . فَتَكَلّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ
ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا حَتّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنْ الْحَيّيْنِ عَلَى
الرّكْبِ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ
الْأَوْسِ ، وَجَبّارُ بْنُ صَخْرٍ ، أَحَدُ بَنِي سَلَمَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ ،
فَتَقَاوَلَا ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا
الْآنَ جَذَعَةً فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا ، وَقَالُوا : قَدْ فَعَلْنَا ،
مَوْعِدُكُمْ الظّاهِرَةُ - وَالظّاهِرَةُ الْحرّةُ - السّلَاحَ السّلَاحَ .
فَخَرَجُوا إلَيْهَا . فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى
جَاءَهُمْ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اللّهَ اللّهَ أَبِدَعْوَى
الْجَاهِلِيّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللّهُ
لِلْإِسْلَامِ وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ
وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَأَلّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَعَرَفَ
الْقَوْمُ أَنّهَا نَزْغَةٌ مِنْ الشّيْطَانِ وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوّهِمْ فَبَكَوْا
وَعَانَقَ الرّجَالُ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، ثُمّ انْصَرَفُوا
مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ قَدْ
أَطْفَأَ اللّهُ عَنْهُمْ كَيْدَ عَدُوّ اللّهِ شَأْسِ بْنِ قَيّسْ . فَأَنْزَلَ
اللّهُ [ ص 557 ] شَأْسِ بْنِ قَيْسٍ وَمَا صَنَعَ { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ قُلْ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا
عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ } وَأَنْزَلَ
اللّهُ فِي أَوْسِ بْنِ قَيْظِيّ وَجَبّارِ بْنِ صَخْرٍ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا
مِنْ قَوْمِهِمَا الّذِينَ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا عَمّا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ
شَأْسٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا
فَرِيقًا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ
وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنّ
إِلّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
[ مَا نَزَلَ فِي قَوْلِهِمْ " مَا آمَنَ إلّا شِرَارُنَا " ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا أَسْلَمَ عَبْدُ اللّهِ
بْنُ سَلَامٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ ، وَأُسَيْدُ بْنُ سَعْيَةَ . وَأَسَدُ
بْنُ عُبَيْدٍ . وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودَ مَعَهُمْ . فَآمَنُوا وَصَدّقُوا وَرَغِبُوا
فِي الْإِسْلَامِ . وَرَسَخُوا فِيهِ قَالَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ أَهْلِ الْكُفْرِ
مِنْهُمْ مَا آمَنَ بِمُحَمّدٍ وَلَا اتّبَعَهُ إلّا شِرَارُنَا ، وَلَوْ كَانُوا
مِنْ أَخْيَارِنَا مَا تَرَكُوا دِينَ آبَائِهِمْ وَذَهَبُوا إلَى غَيْرِهِ .
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ أُمّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاءَ اللّيْلِ
وَهُمْ يَسْجُدُونَ } .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : آنَاءَ اللّيْلِ سَاعَاتِ
اللّيْلِ وَوَاحِدُهَا : إنْيٌ .
قَالَ الْمُتَنَخّلُ الْهُذَلِيّ ، وَاسْمُهُ مَالِكُ
بْنُ عُوَيْمِرٍ يَرْثِي أُثَيْلَةَ ابْنَهُ
حُلْوٌ وَمُرّ كَعَطْفِ الْقِدْحِ شِيمَتُهُ ... فِي
كُلّ إنْيٍ قَضَاهُ اللّيْلُ يَنْتَعِلُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ لَبِيدُ
بْنُ رَبِيعَةَ ، يَصِفُ حِمَارَ وَحْشٍ [ ص 558 ]
يُطَرّبُ آنَاءَ النّهَارِ كَأَنّهُ ... غَوِيّ سَقَاهُ
فِي التّجَارِ نَدِيمُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَيُقَالُ إنًى (
مَقْصُورٌ ) ، فِيمَا أَخْبَرَنِي يُونُسُ . { يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ
فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ }
[ مَا نَزَلَ فِي نَهْيِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ
مُبَاطَنَةِ الْيَهُودِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ رِجَالًا مِنْ الْيَهُودِ ، لِمَا كَانَ بَيْنَهُمْ
مِنْ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ يَنْهَاهُمْ عَنْ
مُبَاطَنَتِهِمْ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ
دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدّوا مَا عَنِتّمْ قَدْ بَدَتِ
الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيّنّا
لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبّونَهُمْ
وَلَا يُحِبّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّهِ } أَيْ تُؤْمِنُونَ
بِكِتَابِكُمْ وَبِمَا مَضَى مِنْ الْكُتُبِ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ
بِكِتَابِكُمْ فَأَنْتُمْ كُنْتُمْ أَحَقّ بِالْبَغْضَاءِ لَهُمْ مِنْهُمْ لَكُمْ
{ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْا عَضّوا عَلَيْكُمُ
الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
[ مَا كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَفِنْحَاصٍ ]
وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ بَيْتَ الْمِدْرَاسِ
عَلَى يَهُودَ فَوَجَدَ مِنْهُمْ نَاسًا كَثِيرًا قَدْ اجْتَمَعُوا إلَى رَجُلٍ
مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ فِنْحَاصُ وَكَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ
وَمَعَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِهِمْ يُقَالُ لَهُ أَشْيَعُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِفِنْحَاصٍ
وَيْحَك يَا فَنُحَاصُ اتّقِ اللّهَ وَأَسْلِمْ ، فَوَاَللّهِ إنّك لَتَعْلَمُ
أَنّ مُحَمّدًا لَرَسُولُ اللّهِ قَدْ جَاءَكُمْ بِالْحَقّ مِنْ عِنْدِهِ
تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، فَقَالَ
فِنْحَاصُ [ ص 559 ] لِأَبِي بَكْرٍ وَاَللّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا بِنَا إلَى
اللّهِ مِنْ فَقْرٍ وَإِنّهُ إلَيْنَا لَفَقِيرٌ وَمَا نَتَضَرّعُ إلَيْهِ كَمَا
يَتَضَرّعُ إلَيْنَا ، وَإِنّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاءُ وَمَا هُوَ عَنّا بِغَنِيّ
وَلَوْ كَانَ عَنّا غَنِيّا مَا اسْتَقْرَضَنَا أَمْوَالَنَا ، كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ
يَنْهَاكُمْ عَنْ الرّبَا وَيُعْطِينَاهُ وَلَوْ كَانَ عَنّا غَنِيّا مَا
أَعْطَانَا الرّبَا . قَالَ فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ فَضَرَبَ وَجْهَ فِنْحَاصَ
ضَرْبًا شَدِيدًا ، وَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْعَهْدُ الّذِي
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ لَضَرَبْتُ رَأْسَك ، أَيْ عَدُوّ اللّهِ . قَالَ فَذَهَبَ
فِنْحَاصُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا
مُحَمّدُ اُنْظُرْ مَا صَنَعَ بِي صَاحِبُك ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي بَكْرٍ مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ عَدُوّ اللّهِ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا ، إنّهُ زَعَمَ أَنّ
اللّهَ فَقِيرٌ وَأَنّهُمْ أَغْنِيَاءُ فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ غَضِبْتُ لِلّهِ
مِمّا قَالَ وَضَرَبْتُ وَجْهَهُ فَجَحَدَ ذَلِكَ فِنْحَاصُ وَقَالَ مَا قُلْتُ
ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيمَا قَالَ فِنْحَاصُ رَدّا عَلَيْهِ
وَتَصْدِيقًا لِأَبِي بَكْرٍ { لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ
اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ
الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } وَنَزَلَ
فِي أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمَا بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ
الْغَضَبِ { وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ
الّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا فَإِنّ ذَلِكَ
مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } . ثُمّ قَالَ فِيمَا قَالَ فِنْحَاصُ وَالْأَحْبَارُ
مَعَهُ مِنْ يَهُودَ { وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ
وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ لَا تَحْسَبَنّ
الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ
يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ } يَعْنِي فِنْحَاصَ وَأَشْيَعَ وَأَشْبَاهَهُمَا مِنْ الْأَحْبَارِ الّذِينَ
يَفْرَحُونَ بِمَا يُصِيبُونَ مِنْ الدّنْيَا عَلَى مَا زَيّنُوا لِلنّاسِ مِنْ
الضّلَالَةِ وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ، أَنْ يَقُولَ
النّاسُ عُلَمَاءُ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْمٍ لَمْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى هُدًى
وَلَا حَقّ وَيُحِبّونَ أَنْ يَقُولَ النّاسُ قَدْ فَعَلُوا .
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 560 ] وَكَانَ كَرْدَمُ بْنُ قَيْسٍ ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ
الْأَشْرَفِ وَأُسَامَةُ بْنُ حَبِيبٍ ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ ،
وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ، وَحُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَرِفَاعَةُ بْن زَيْدِ بْنِ
التّابُوتِ يَأْتُونَ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانُوا يُخَالِطُونَهُمْ يَنْتَصِحُونَ
لَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم ،
فَيَقُولُونَ لَهُمْ لَا تُنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ فَإِنّا نَخْشَى عَلَيْكُمْ
الْفَقْرَ فِي ذَهَابِهَا ، وَلَا تُسَارِعُوا فِي النّفَقَةِ فَإِنّكُمْ لَا
تَدْرُونَ عَلَامَ يَكُونُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ { الّذِينَ يَبْخَلُونَ
وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ
فَضْلِهِ } أَيْ مِنْ التّوْرَاةِ ، الّتِي فِيهَا تَصْدِيقُ مَا جَاءَ بِهِ
مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا
مُهِينًا وَالّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ
بِاللّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } إلَى قَوْلِهِ { وَكَانَ اللّهُ بِهِمْ عَلِيمًا
} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ مِنْ
عُظَمَاءِ يَهُودَ إذَا كَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لَوَى لِسَانَهُ وَقَالَ أَرْعِنَا سَمْعَك يَا مُحَمّدُ حَتّى نُفْهِمَك ، ثُمّ
طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَابَهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ { أَلَمْ
تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضّلَالَةَ
وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلّوا السّبِيلَ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى
بِاللّهِ وَلِيّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا مِنَ الّذِينَ هَادُوا يُحَرّفُونَ
الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ
وَرَاعِنَا } ( أَيْ رَاعِنَا سَمْعَك ) { لَيّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي
الدّينِ وَلَوْ أَنّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا
لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا
يُؤْمِنُونَ إِلّا قَلِيلًا } . وَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
رُؤَسَاءَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا
الْأَعْوَرُ [ ص 561 ] وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ . فَقَالَ لَهُمْ يَا مَعْشَرَ
يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ وَأَسْلِمُوا ، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّ
الّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ لَحَقّ قَالُوا : مَا نَعْرِفُ ذَلِكَ يَا مُحَمّدُ
فَجَحَدُوا مَا عَرَفُوا ، وَأَصَرّوا عَلَى الْكُفْرِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى
فِيهِمْ { يَا أَيّهَا الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزّلْنَا
مُصَدّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدّهَا عَلَى
أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنّا أَصْحَابَ السّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ
اللّهِ مَفْعُولًا } .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيب ِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : نَطْمِسَ نَمْسَحَهَا
فَنُسَوّيهَا ، فَلَا يُرَى فِيهَا عَيْنٌ وَلَا أَنْفٌ وَلَا فَمٌ وَلَا شَيْءٌ
مِمّا يُرَى فِي الْوَجْهِ وَكَذَلِكَ { فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ } .
الْمَطْمُوسُ الْعَيْنُ الّذِي لَيْسَ بَيْنَ جَفْنَيْهِ شِقّ . وَيُقَالُ طَمَسْت
الْكِتَابَ وَالْأَثَرَ فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ . قَالَ الْأَخْطَلُ وَاسْمُهُ الْغَوْثُ
بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ الصّلْتِ التّغْلِبِيّ ، يَصِفُ إبِلًا كَلّفَهَا مَا ذَكَرَ
وتَكْلِيفُناها كُلّ طَامِسَةٍ الصّوَى ... شَطُونٍ
تَرَى حِرْبَاءَهَا يَتَمَلْمَلُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَاحِدَةُ الصّوَى : صُوّةٌ . وَالصّوَى : الْأَعْلَامُ الّتِي يُسْتَدَلّ بِهَا
عَلَى الطّرُقِ وَالْمِيَاهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَقُولُ مُسِحَتْ فَاسْتَوَتْ
بِالْأَرْضِ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ نَاتِئٌ .
[ النّفَرُ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الّذِينَ حَزّبُوا
الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَبَنْي قُرَيْظَةَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ
، وَسِلَامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ أَبُو رَافِعٍ وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ
بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَبُو عَمّارٍ وَوَحْوَحُ بْنُ عَامِرٍ وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ
. فَأَمّا وَحْوَحُ [ ص 562 ] بَنِي وَائِلٍ وَكَانَ سَائِرُهُمْ مِنْ بَنِي
النّضِيرِ . فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا : هَؤُلَاءِ أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَهْلُ
الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوّلِ فَسَلُوهُمْ دِينُكُمْ خَيْرٌ أَمْ دِينُ
مُحَمّدٍ ؟ فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا : بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ
وَأَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ وَمِمّنْ اتّبَعَهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى
فِيهِمْ { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ
يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ
}
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْجِبْتُ ( عِنْدَ الْعَرَبِ ) :
مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَالطّاغُوتُ كُلّ مَا
أَضَلّ عَنْ الْحَقّ . وَجَمْعُ الْجِبْتِ جُبُوتٌ وَجَمْعُ الطّاغُوتِ طَوَاغِيتُ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنّهُ قَالَ الْجِبْتُ
السّحَرُ وَالطّاغُوتُ الشّيْطَانُ . { وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ
أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : إلَى قَوْلِهِ
تَعَالَى : { أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ
فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ
مُلْكًا عَظِيمًا } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ سُكَيْنٌ وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ
: يَا مُحَمّدُ مَا نَعْلَمُ أَنّ اللّهَ أَنْزَلَ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ
بَعْدَ مُوسَى . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا : {
إِنّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِنْ بَعْدِهِ
وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا
دَاوُدَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا
لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُسُلًا
مُبَشّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ
الرّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } وَدَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُمْ أَمَا
وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّي رَسُولٌ مِنْ اللّهِ إلَيْكُمْ قَالُوا :
مَا نَعْلَمُهُ وَمَا نَشْهَدُ عَلَيْهِ [ ص 563 ] فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي
ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { لَكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ
أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا }
[ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى طَرْحِ الصّخْرَةِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ الْعَامِرِيّيْنِ اللّذَيْنِ
قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ . فَلَمّا خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ
قَالُوا : لَنْ تَجِدُوا مُحَمّدًا أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ فَمَنْ رَجُلٌ يَظْهَرُ عَلَى
هَذَا الْبَيْتِ فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحَنَا مِنْهُ ؟ فَقَالَ
عَمْرُو بْنُ جَحّاشِ بْنِ كَعْبٍ : أَنَا ، فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ
وَفِيمَا أَرَادَ هُوَ وَقَوْمُهُ
{ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ
اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ
فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ
الْمُؤْمِنُونَ }
[ ادّعَاؤُهُمْ أَنّهُمْ أَحِبّاءُ اللّهِ ]
وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
نُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيّ ،
فَكَلّمُوهُ وَكَلّمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ وَحَذّرَهُمْ نِقْمَتَهُ فَقَالُوا مَا تُخَوّفُنَا يَا مُحَمّدُ
، نَحْنُ وَاَللّهِ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ كَقَوْلِ النّصَارَى .
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى نَحْنُ
أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ
بَشَرٌ مِمّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلّهِ
مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }
[ إنْكَارُهُمْ نُزُولَ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ
السّلَامُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَهُودَ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ
وَحَذّرَهُمْ غَيْرَ اللّهِ وَعُقُوبَتَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَفَرُوا بِمَا
جَاءَهُمْ بِهِ فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ
وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ : يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ ، فَوَاَللّهِ
إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا
قَبْلَ مَبْعَثِهِ وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ [ ص 564 ] فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ ،
وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا : مَا قُلْنَا لَكُمْ هَذَا قَطّ ، وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ
مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى ، وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا بَعْدَهُ .
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا : { يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ
الرّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ
جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ثُمّ قَصّ عَلَيْهِمْ
خَبَرَ مُوسَى وَمَا لَقِيَ مِنْهُمْ وَانْتِقَاضَهُمْ عَلَيْهِ وَمَا رَدّوا
عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللّهِ حَتّى تَاهُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً
عُقُوبَةً .
[ رُجُوعُهُمْ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُكْمِ
الرّجْمِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ
الزّهْرِيّ أَنّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
يُحَدّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ ، أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدّثَهُمْ أَنّ
أَحْبَارَ يَهُودَ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ حَيْنَ قَدِمَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَقَدْ زَنَى رَجُلٌ
مِنْهُمْ بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةٍ مِنْ يَهُودَ قَدْ أَحْصَنَتْ فَقَالُوا : ابْعَثُوا
بِهَذَا الرّجُلِ وَهَذِهِ الْمَرْأَةِ إلَى مُحَمّدٍ فَسَلُوهُ كَيْفَ الْحُكْمُ
فِيهِمَا ، وَوَلّوهُ الْحُكْمَ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ عَمِلَ فِيهِمَا بِعَمَلِكُمْ
مِنْ التّجْبِيَةِ - وَالتّجْبِيَةُ الْجَلْدُ بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ مَطْلِيّ
بِقَارٍ ثُمّ تُسَوّدُ وُجُوهُهُمَا ، ثُمّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ
وَتُجْعَلُ وُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِ الْحِمَارَيْنِ - فَاتّبِعُوهُ فَإِنّمَا
هُوَ مَلَكٌ وَصَدّقُوهُ وَإِنْ هُوَ حَكَمَ فِيهِمَا بِالرّجْمِ فَإِنّهُ نَبِيّ
، فَاحْذَرُوهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ أَنْ يَسْلُبَكُمُوهُ . فَأَتَوْهُ
فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ هَذَا رَجُلٌ قَدْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةٍ
قَدْ أَحْصَنَتْ فَاحْكُمْ فِيهِمَا ، فَقَدْ وَلّيْنَاك الْحُكْمَ فِيهِمَا .
فَمَشَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَتَى أَحْبَارَهُمْ
فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَخْرِجُوا إلَيّ عُلَمَاءَكُمْ
فَأُخْرِجَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ
حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنّهُمْ قَدْ أَخَرَجُوا إلَيْهِ يَوْمئِذٍ
مَعَ ابْنِ صُورِيّا ، أَبَا يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ وَوَهْبَ بْنَ يَهُوذَا ،
فَقَالُوا : هَؤُلَاءِ عُلَمَاؤُنَا
. [ ص 565 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى
حَصّلَ أَمْرَهُمْ إلَى أَنْ قَالُوا لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ صُورِيّا : هَذَا
أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مِنْ قَوْلِهِ "
وَحَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ - إلَى " أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ
بِالتّوْرَاةِ " مِنْ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ
الّذِي قَبْلَهُ . فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ
غُلَامًا شَابّا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا ، فَأَلَظّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْأَلَةَ يَقُولُ لَهُ يَا ابْنَ صُورِيّا ،
أَنْشُدُك اللّهَ وَأُذَكّرُك بِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُ
أَنّ اللّهَ حَكَمَ فِيمَنْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِالرّجْمِ فِي التّوْرَاةِ ؟
قَالَ اللّهُمّ نَعَمْ أَمَا وَاَللّهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إنّهُمْ
لَيَعْرِفُونَ أَنّك لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَلَكِنّهُمْ يَحْسُدُونَك . قَالَ
فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِهِمَا
فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ فِي بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ
. ثُمّ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيّا ، وَجَحَدَ نُبُوّةَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى
فِيهِمْ { يَا أَيّهَا الرّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي
الْكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ
قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الّذِينَ هَادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ
آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } أَيْ الّذِينَ بَعَثُوا مِنْهُمْ مَنْ بَعَثُوا
وَتَخَلّفُوا ، وَأَمَرُوهُمْ بِمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ تَحْرِيفِ الْحُكْمِ
عَنْ مَوَاضِعِهِ . ثُمّ قَالَ {
يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ
يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ } أَيْ
الرّجْمَ { فَاحْذَرُوا } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي
مُحَمّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ
إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِرَجْمِهِمَا ، فَرُجِمَا بِبَابِ مَسْجِدِهِ فَلَمّا وَجَدَ
الْيَهُودِيّ مَسّ الْحِجَارَةِ قَامَ إلَى صَاحِبَتِهِ فَجَنَأَ عَلَيْهَا ،
يَقِيهَا مَسّ الْحِجَارَةِ حَتّى قُتِلَا جَمِيعًا [ ص 566 ] قَالَ وَكَانَ ذَلِكَ مِمّا
صَنَعَ اللّهُ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تَحْقِيقِ الزّنَا
مِنْهُمَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنْ
نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ،
قَالَ لَمّا حَكّمُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمَا ، دَعَاهُمْ
بِالتّوْرَاةِ وَجَلَسَ حَبْرٌ مِنْهُمْ يَتْلُوهَا ، وَقَدْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى
آيَةِ الرّجْمِ قَالَ فَضَرَبَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامٍ يَدَ الْحَبْرِ ثُمّ
قَالَ هَذِهِ يَا نَبِيّ اللّهِ آيَةُ الرّجْمِ يَأْبَى أَنْ يَتْلُوَهَا عَلَيْك
؛ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيْحَكُمْ يَا
مَعْشَرَ يَهُودَ مَا دَعَاكُمْ إلَى تَرْكِ حُكْمِ اللّهِ وَهُوَ بِأَيْدِيكُمْ ؟
قَالَ فَقَالُوا : أَمَا وَاَللّهِ إنّهُ قَدْ كَانَ فِينَا يُعْمَلُ بِهِ حَتّى زَنَى
رَجُلٌ مِنّا بَعْدَ إحْصَانِهِ مِنْ بُيُوتِ الْمُلُوكِ وَأَهْلِ الشّرَفِ
فَمَنَعَهُ الْمُلْكُ مِنْ الرّجْمِ ثُمّ زَنَى رَجُلٌ بَعْدَهُ فَأَرَادَ أَنْ
يَرْجُمَهُ فَقَالُوا : لَا وَاَللّهِ حَتّى تَرْجُمَ فُلَانًا ، فَلَمّا قَالُوا
لَهُ ذَلِكَ اجْتَمَعُوا فَأَصْلَحُوا أَمْرَهُمْ عَلَى التّجْبِيَةِ وَأَمَاتُوا
ذِكْرَ الرّجْمِ وَالْعَمَلَ بِهِ . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنَا أَوّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَ اللّهِ وَكِتَابَهُ
وَعَمِلَ بِهِ ثُمّ أَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ قَالَ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ : فَكُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُمَا .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي داوُدَ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ الْآيَاتِ مِنْ الْمَائِدَةِ الّتِي قَالَ اللّهُ فِيهَا : { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ } إنّمَا أُنْزِلَتْ فِي الدّيَةِ بَيْن بَنِي النّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَذَلِكَ أَنّ قَتْلَى بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ لَهُمْ شَرَفٌ يُؤَدّونَ الدّيَةَ كَامِلَةً وَأَنّ بَنِي قُرَيْظَةَ ( كَانُوا ) يُؤَدّونَ نِصْفَ الدّيَةِ فَتَحَاكَمُوا فِي ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْزَلَ اللّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ فَحَمَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْحَقّ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَ الدّيَةَ سَوَاءً . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 567 ] وَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَابْنُ صَلُوبَا ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا ، وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ اذْهَبُوا بِنَا إلَى مُحَمّدٍ ، لَعَلّنَا نَفْتِنَهُ عَنْ دِينِهِ فَإِنّمَا هُوَ بَشَرٌ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ إنّك قَدْ عَرَفْت أَنّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَتُهُمْ وَأَنّا إنْ اتّبَعْنَاك اتّبَعَتْك يَهُودُ وَلَمْ يُخَالِفُونَا ، وَأَنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَعْضِ قَوْمِنَا خُصُومَةٌ أَفَنُحَاكِمُهُمْ إلَيْك فَتَقْضِيَ لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِنُ بِك وَنُصَدّقُك ، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ وَلَا تَتّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلّوْا فَاعْلَمْ أَنّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ ، وَعَازِرُ بْنُ أَبِي عَازِرٍ وَخَالِدٌ وَزَيْدٌ وَإِزَارُ بْنُ أَبِي إزَارٍ وَأَشْيَعُ فَسَأَلُوهُ عَمّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ الرّسُلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { آمَنّا بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِنْ رَبّهِمْ لَا نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } فَلَمّا ذَكَرَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ جَحَدُوا نُبُوّتَهُ وَقَالُوا : لَا نُؤْمِنُ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَلَا بِمَنْ آمَنَ بِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إِلّا أَنْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ }
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق